الأربعاء، 11 مايو 2011

فك طلاسم "الخطاب اللغز"



لقد احتار الكثيرون من "الثورية" المفاجئة التي طبعت خطاب النائب الأقل "ثورية" في الأغلبية، والذي هو النائب الأول لرئيس الجمعية الوطنية، وذلك عند افتتاحه للدورة البرلمانية الأخيرة، وهذه الحيرة وإن كان لها ما يبررها، إلا أنها مع ذلك سبقتها إشارات عديدة، بل ورسائل صريحة في بعض الأحيان أوحت بأن هناك طبعة قادمة، جديدة ومنقحة لكتاب موريتانيا الجديدة، وأن هذه الطبعة الجديدة ستتميز بدخول "مؤلف جديد" لمشاركة المؤلف الذي انفرد بتأليف "الطبعة السابعة"، والتي كانت هي أول طبعة تبشر بموريتانيا الجديدة.
لقد كانت هناك رسائل عديدة تم إرسالها ـ بقصد أو بغير قصد ـ في الأسابيع الماضية، وهي رسائل توحي ـ إذا ما أحسنا قراءتها ـ بأن الطبعة الجديدة وصلت إلى مراحل متقدمة. وهذه الرسائل يمكن إجمالها في النقاط التالية:
1 ـ في اجتماع الرئيس بالأغلبية فوجئ الكل بأنه تعمد أن يُغضب الجميع (الأغلبية، منسقية المعارضة، تواصل، حتى المواطن العادي فقد أغضبه عندما قال في ذلك الاجتماع بأنه لا توجد مشاكل، وأن كل المشاكل تنحصر في بعض مشاكل التوظيف الناتجة عن "التراكمات"، والتي سيتم القضاء عليها في ظل الاهتمام الحالي بالتكوين المهني).
في اجتماع "إغضاب الجميع" اختار الرئيس أن يمدح شخصا واحدا، وهو رئيس الجمعية الوطنية السيد "مسعود ولد بلخير".
وكانت طريقة الرئيس في إغضاب الأغلبية، خاصة منها الحزب الحاكم تستحق التأمل. فقد أعطى الرئيس الإشارة لتأسيس حزب للشباب، ولكنه لم يعقب تلك الإشارة بأي إشارة أخرى رغم مرور فترة كافية، وهو ما جعل الشباب يقعون في حيرة من أمرهم، مما تسبب في الانشقاقات التي عرفتها المجموعة، والتي انشطرت ـ حتى الآن ـ لثلاث مجموعات قابلة للزيادة إذا لم يتدخل الرئيس، والذي لا أعتقد بأنه سيتدخل.
لقد كان أهم هدف من إعلان دعم الرئيس لحزب الشباب هو إعلان "تخليه" عن الحزب الحاكم، وكان ذلك هو ما يحتاجه الرئيس "مسعود" لكي يفكر بشكل جاد في مراجعة مواقفه والتفكير في عقد تحالف جديد مع رئيس الجمهورية ، وهو تحالف ربما تكون قد تمت مناقشة ملامحه الكبرى في واحد من استقبالات رئيس الجمهورية لرئيس الجمعية الوطنية.
2ـ في المقابل قدم رئيس الجمعية الوطنية إشارات إيجابية لرئيس الجمهورية منها: رفضه الصريح لتوفير الدعم للاحتجاجات الشبابية، ومنها أيضا ـ وهذا ليس أقل أهمية ـ البيان الذي أصدرته "المبادرة الانعتاقية" والذي رحبت فيه ـ رغم بعض الانتقادات البسيطة ـ باستصدار قانون خاص لعمال المنازل، وهو ما شكل مفاجأة كبيرة، لأنه جاء بعد تصريحات شديدة اللهجة على القانون نفسه أطلقها رئيس المبادرة تعقيبا على صدور القرار. ومن الغريب أن واحدا من أهم المواقع الموريتانية نشر التصريحات التي انتقدت القانون، ولم ينشر البيان الذي رحب به وذلك لغز آخر قد نحاول فك طلاسمه في وقت لاحق، إن تركت "الخطابات الألغاز" فرصة لذلك، والتي لن يكون آخرها خطاب رئيس السلطة العليا للصحافة ، رغم أنه لم يقل عن الإعلام الرسمي إلا القليل مما يجب أن يقال عنه.
المهم أن رئيس المبادرة الذي غير موقفه من القانون وبسرعة عجيبة هو نفسه الذي صرح في وقت سابق وبمناسبة احتفالات فاتح مايو عندما شوهد في الطائفة المعارضة لــ"الساموري" بأنه سيكون دائما حيث يكون "مسعود" مما يعني بأن تخفيف اللهجة ربما يكون قد جاء بإيعاز من مسعود كرد جميل على الرسائل المتكررة التي أرسلت من القصر، سواء منها تلك التي أرسلت لمسعود بشكل شخصي، أو تلك التي أرسلت من خلال التعامل القضائي مع بعض حالات الاسترقاق التي تم اكتشافها مؤخرا.
3 ـ إن ذهاب رئيس الجمعية الوطنية للمشاركة في الدورة البرلمانية الإفريقية، وترك افتتاح "آخر" دورة للبرلمان الحالي لنائب رئيس الجمعية، يبدو أنه تم باتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية. ويبدو ـ كذلك ـ أن الرئيس "مسعود" الذي أعد خطابا كان يعلم بأنه لن يلقيه في افتتاح الدورة، قد أصر على أن يكون خطابه هو خطاب الافتتاح للدورة، رغم أنه كان من المفترض ـ في حالة غياب رئيس الجمعية الوطنية ـ أن يكون لنائبه الحق في إعداد خطاب خاص به.
ولقد تدخل رئيس الجمهورية لتحقيق رغبة رئيس الجمعية الوطنية، وهو ما يظهر من خلال كلمة جاءت في تصريح نائب رئيس الجمعية الوطنية، تعقيبا على خطابه المثير حيث قال: "لن أكون ملكيا أكثر من الملك" أي أنه ما دام رئيس الجمهورية يصر على أن تنتقد حكومته في افتتاح الدورة البرلمانية الحالية، فلن يكون يكون أمام النائب إلا الاستجابة لذلك.
كل الدلائل تشير إلى أن رئيس الجمهورية سيكون على استعداد للتعامل بمزيد من القسوة مع أغلبيته من أجل أن يكسب رئيس الجمعية الوطنية. كما أن رئيس الجمعية الوطنية على استعداد كامل لأن ينسلخ من المعارضة بكل أطيافها من أجل حلفه الجديد والذي سيمنحه امتيازات كثيرة إن تحقق.

ملاحظة : ليس هذا بمقال الأسبوع، وإنما هو مجرد تعليق أخص به موقع "أمجاد" وسيكون إن شاء الله بداية لسلسة من التعليقات القادمة على بعض "طلاسم" القضايا المحلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق