إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
الأحد، 20 فبراير 2011
سبع قراءات وسبعة دروس من فصالة!
إن ما حدث في فصالة يستحق قراءات سريعة وعميقة، خاصة من طرف السلطة الحاكمة، التي يجب عليها ـ وبشكل فوري ـ أن تقرأ تلك الأحداث بجدية، قبل أن تتطور و تستعصي على القراءة.
وما حدث هناك، ربما يكون شرارة لأحداث أخرى، كنت قد توقعتها في نهاية العام الماضي، في مقال منشور تحت عنوان "الشعارات لن تطعم جياع 2011"، كتبته في بداية الاحتجاجات التي عرفها "سيدي بوزيد" في تونس. لقد قلت في ذلك المقال بأنه لن يكون بالإمكان التنبؤ بمكان انطلاق أول شرارة للاحتجاجات المتوقعة، في العام 2011 في أكثر من بلد، بما في ذلك بلدنا.
بعد نشر ذلك المقال تسارعت الأحداث، بسرعة رهيبة، لم أكن أتخيلها، خاصة في تونس، وفي مصر، وفي دول عربية أخرى، ربما يلتحق قادتها ـ قريبا ـ بنادي القادة الذين لا يفهمون ولا يعون الأمور إلا في وقت متأخر، ومتأخر جدا.
وإذا كانت الأحداث قد تسارعت كثيرا خارج حدودنا، فإنها لم تتباطأ داخل هذه الحدود. فقد ظهرت دعوات شبابية على الفيس بوك تدعو ليوم احتجاجي، و كان من أهمها دعوة شباب 17 فبراير، الذين لا أعتقد أنهم كانوا يتوقعون أن هناك احتجاجات جدية، ستنطلق ـ قبل يومهم الموعود ـ من مدينة حدودية، هي أكثر مدن البلاد بعدا عن الفيس بوك.
لقد فاجأت فصالة الجميع، دون أن تفاجئ أحدا. فاحتجاجاتها كانت متوقعة في كل لحظة، ومستغربة أيضا في كل لحظة. كانت متوقعة لأن الكل كان ينتظر احتجاجات في أي وقت، ومستغربة لأن الكل لم يتوقع أنها ستأتي من فصالة.
وأحداث الجمعة في فصالة لا تكفيها قراءة واحدة، وإنما تحتاج لعدة قراءات، يمكن إجمالها في سبع قراءات:
القراءة الأولى: لم تكن فصالة لتتحدث عن نفسها في يوم الجمعة 18 من فبراير بصراخ جسور، لو أنها وجدت من يصغي لهمسها، الذي ظلت تهمس به في الأسابيع الماضية، بل في الأشهر الماضية. ولو أن الحاكم أو العمدة استمعا لشكاوي أهل فصالة، وبلغوها ـ في الوقت المناسب ـ للجهات المختصة، لما حدث ما حدث.
الدرس المستخلص: على الرئيس أن يعلم بأن الإدارة لا زالت لا تهتم بمشاكل المواطنين، ولا زالت ترفض أن تبلغها للجهات المختصة. وعلى الرئيس أن يعلم بأن أول ما يجب عليه فعله الآن، لتفادي الأسوأ، هو أن يفتح فورا ديوانا للمظالم، لكي يسمع من خلاله ـ وبشكل مباشرـ هموم المواطنين البسطاء، قبل أن تتحول تلك الهموم إلى وقود لاحتجاجات عنيفة تصعب السيطرة عليها.
القراءة الثانية: لقد أثبتت أحداث فصالة بأن رجال الإدارة ورجال السياسة ونساءها ليست لهم أي اهتمامات بمشاكل المواطنين، وأن كل ما يهمهم هو أن يُظهروا الولاء لرئيس الدولة، بطريقة قد تضره أكثر مما تنفعه. فما الذي قدمه والي النعمة ومنتخبوها للرئيس في مهرجان المدن القديمة؟ أو ليس من الأولى بهم أن يظلوا قرب المواطنين لكي يخففوا من معاناتهم بدلا من السفر فرادى وأفواجا إلى شنقيط؟
الدرس المستخلص:على السلطات العليا أن تعلم أن العام 2011 ليس عاما عاديا، وليس عاما للترفيه، يمكن تخصيصه للمهرجانات، أو لقصائد المديح، أو للسهرات، أو لمسابقات الرماية أو حتى للاهتمام بالتراث رغم أهميته.
إن العام 2011 ـ وهذا ما تقوله القراءة الثانية لأحداث فصالة ـ يجب أن يُتفرغ فيه للمحاربة الجدية للفقر وللفساد، بدلا من محاربتهما بالشعارات التي أصبح تكرارها يثير غضب المواطنين وحنقهم بدلا من أن يبعث في نفوسهم أملا.
القراءة الثالثة: لقد أثبتت أحداث فصالة أن السلطات الأمنية والإدارية ليست لديها القدرة على مواجهة أي احتجاجات شعبية. وأنه ليس من مصلحتها أن تدفع المواطنين للمواجهة، وليس من مصلحتها أن تدفعهم لاحتلال المباني الحكومية وتخريبها. كما أثبتت تلك الأحداث أن الحلول الأمنية لن تجدي نفعا، وأن الحل الوحيد المتاح للتخفيف من غضب المواطنين، يجب أن يعتمد على إجراءات فورية، تساعد في التخفيف من معاناتهم اليومية.
الدرس المستخلص : إن العناد، وتجاهل هموم المواطنين، والاشتغال بأمور أخرى، والاعتماد على رجال الأمن للتعامل مع المواطنين قد تكون له كلفة باهظة، وباهظة جدا.
القراءة الرابعة: لقد أثبتت أحداث فصالة أن الاستجابة الفورية لمطالب المواطنين قد تساعد في التخفيف من حدتها. أما تجاهلها فقد يتسبب في رفع سقف المطالب إلى حدود أعلى. لقد كان توفير جرعة ماء صالحة للشرب هو المطلب الرئيس لأهلنا في فصالة. أما اليوم وبعد أن حدث ما حدث فقد ارتفع سقف المطالب كثيرا رغم أنه لم يبلغ حتى الآن الحد الأدنى من أساسيات الحياة الكريمة. كما أثبتت ثورات 2011 أن الوقت قد يكون حاسما جدا في تحديد مسارها.وقد أدى التأخر لأيام وربما لساعات، في الاستجابة لمطالب التونسيين والمصريين، إلى تغيير أشياء كثيرة في تونس ومصر.
الدرس المستخلص : إن التعامل المبكر مع مطالب المواطنين قد ينجي من كوارث كبيرة، سيكون أول ضحاياها السلطات الحاكمة، إذا لم تكن ردود فعلها سريعة وحاسمة ( لا أقصد حاسمة أمنيا).
القراءة الخامسة: لقد أثبت أحداث فصالة بأن الفساد لا زال متفشيا في كل مكان. فأحداث الجمعة في فصالة، كانت نتيجة مباشرة لعمليات نهب وسرقة واسعة تعرض لها الأهالي هناك، حيث تم شراء مضخة غير صالحة للبئر الارتوازي في المركز، مما أدى إلى تعطلها في وقت مبكر. ولقد رفضت الجهات المعنية شراء مضخة أخرى رغم توفر الموارد اللازمة لذلك، وهي موارد تبرعت بها جهات أجنبية لسكان المركز، فنهبها مفسدو فصالة.
كما أن سيارة الإسعاف التي تم حرقها كانت مخصصة للاستغلال التجاري والشخصي لصالح شخصيات متنفذة في المركز الإداري.
الدرس المستخلص: لقد كان الفساد هو المتسبب الأول في تلك الاحتجاجات، وهو ما يعني أن القراءة الخامسة لأحداث فصالة، تفرض علينا أن نطالب بمحاربة جدية للفساد تختلف عن الحرب المعلنة الدائرة حاليا، والتي استقطبت أغلب مفسدي موريتانيا.
القراءة السادسة: لقد أثبتت أحداث فصالة بأن الولاء للوطن لا زال ضعيف جدا، وأن السلطات الحاكمة حاليا وسابقا لم تهتم بتعميقه، أو بتنميته بقدر ما اهتمت بأن يكون ولاء المواطنين لها لا للوطن. نفس الشيء يمكن قوله عن الأحزاب، وعن النخب بكل أشكالها وألوانها.
فمن المؤسف أن يطالب البعض في فصالة بجنسية أخرى، وبوطن آخر لأن هناك في الإدارة من ظلمه ظلما كبيرا.
الدرس المستخلص : آن الأوان لأن نلتفت قليلا لهذا الوطن، وآن الأوان لأن نزرع قيم الوطنية في نفوس المواطنين، بدلا من أن نختزل الوطن لهم في رئيس، أو في زعيم، أو في قبيلة، أو في عرق، أو في ايدولوجيا...
القراءة السابعة: لقد أثبتت أحداث فصالة بأن هناك جهات عديدة تنتظر أي حدث لتستغله إعلاميا وسياسيا ضد الحكومة القائمة، والتي أصبح في صحيفتها الكثير من الأخطاء والإخفاقات. وما جمعته حكومتنا الموقرة من أخطاء في عام ونصف، يكفي ـ لو وُزع على عدة دول ـ لأن يتسبب في احتجاجات عنيفة في تلك الدول.
الدرس المستخلص : تقول القراءة السابعة لأحداث فصالة بأنه أصبح على حكومتنا أن ترحل فورا، لأنها إن لم ترحل الآن فقد تدفع المواطنين إلى المطالبة برحيل من يصر على الاحتفاظ بها.
تصبحون وأنتم قراء جيدون....
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق