أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
لقد قررت أن أتقدم إليكم بخطاب مصارحة ومكاشفة، في هذا الظرف العصيب الذي تشهد فيه بعض الدول الشقيقة تحولات عميقة، والذي يشهد ـ كذلك ـ على الصعيد العالمي ارتفاعا مذهلا لأسعار بعض المواد الأساسية، وهو الارتفاع الذي انعكست آثاره سلبا على كل دول العالم بما فيها وطننا الغالي.
في مثل هذا الظرف العصيب، كان لزاما عليَّ أن أتقدم إليكم بخطاب من القلب، لن أحدثكم فيه عن الانجازات الهامة التي تم تحقيقها منذ قدومي إلى السلطة، والتي هي معروفة لديكم، وقد تم الحديث عنها في مناسبات سابقة. بل أني سأحدثكم في خطاب المكاشفة هذا عن بعض الإخفاقات التي حدثت منذ التنصيب إلى يومنا هذا، على أساس أنه لا يوجد عمل بشري بلا أخطاء وبلا نواقص، لذلك فقد كان من الضروري، وبعد مرور عام ونصف من مأموريتي، أن أبحث عن الأخطاء والإخفاقات التي حدثت، وأن أسعى بشكل جاد وصادق لمعالجتها ولتجاوزها.
أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
اسمحوا لي قبل أن أحدثكم عن الأخطاء التي حدثت، وعن الأساليب الجديدة التي سأتبعها لتصحيح تلك الأخطاء، اسمحوا لي قبل ذلك، أن أحدثكم قليلا عن الأحداث التي عرفتها تونس ومصر في الآونة الأخيرة، وذلك للرد على بعض التعليقات والتصريحات التي جاءت من بعض قيادات المعارضة، والتي حاولت أن تجعل من ظروفنا وواقعنا صورة طبق الأصل من واقع الشقيقة تونس، والشقيقة مصر.
والحقيقة التي لابد من قولها هنا، هي أن واقعنا ليس مطابقا تماما للواقع التونسي، و لا للواقع المصري، وأقصى ما يمكن قوله في هذا المجال، هو أنه يتشابه معهما في بعض الجوانب، ويختلف عنهما في جوانب أخرى.
فإذا كانت تونس ومصر قد عرفتا أنظمة حكم لم تتغير لمدة عقود من الزمن، فإن الأمر يختلف عندنا، خاصة منذ تصحيح 3 من أغسطس 2005، حيث أصبحت مشكلتنا منذ ذلك الوقت هي قصر الفترة التي يقضيها الرؤساء في الحكم، لا طولها.
وإذا كان الشعب التونسي والشعب المصري قد ثارا ضد رئيسين وصلا إلى الحكم واستمرا فيه دون انتخابات شفافة، فالأمر عندنا يختلف، لأننا شهدنا انتخابات رئاسية شفافة، بشهادة الجميع، أشرف عليها وزير داخلية معارض، ورئيس لجنة مستقلة للانتخابات معارض كذلك.
ورغم ذلك، فنحن لابد لنا أن نعترف بأن الشعب الموريتاني قد عرف أسلوبا واحدا من الحكم، يعتمد على أن الشعب في خدمة الحاكم، لا الحاكم في خدمة الشعب، وهو الأسلوب الذي لم يتغير منذ عقود من الزمن، رغم التغيرات الكثيرة للرؤساء، لذلك فهو من هذه الناحية يتشابه تماما مع تونس ومصر. ومن حق شعبنا الذي يستحق حياة كريمة، أن يثور على أي رئيس يكرر نفس الأسلوب البائد، في إدارة شؤون البلاد، حتى ولو لم يقض مدة طويلة في الحكم. هذا ما "تفهمه وتعيه" قيادتكم الوطنية، وهذا هو ما فرض علينا العمل بأسلوب مختلف عن نمط الحكم، الذي اتبعه كل الرؤساء السابقين، والذي أدى في المحصلة النهائية إلى هذا الواقع المرير الذي نعيشه اليوم.
بل إنني فوق ذلك، أومن بأن الشعب الموريتاني أولى من غيره بالحياة الكريمة، وأولى من غيره بالثورة، إذا لم يشعر بأن أوضاعه قد بدأت تتحسن بالفعل، وذلك نظرا لأن ثرواته أكثر بكثير من ثروات العديد من أشقائه، ولأنه أقل عددا من شعوب تلك الدول، ولأنه من حيث مؤشرات التنمية، لا زال ـ "ويا للأسف"ـ في أسفل اللائحة، ولا زالت تتقدم عليه تلك الدول الشقيقة التي شهدت احتجاجات.
أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
لا أخفيكم ـ في خطاب المكاشفة هذا ـ بأني لا أجد فرقا يذكر بين الاتحاد من أجل الجمهورية، والحزب الوطني في مصر، أو حزب التجمع الدستوري الديمقراطي في تونس. فالاتحاد من أجل الجمهورية ـ "ويا للأسف"ـ لم يقدم انجازا واحدا منذ تأسيسه، بل أنه ظل يشكل عبئا ثقيلا على مؤسسة الرئاسة، ومحرجا لها في كثير من الأحيان.
وأنا على ثقة تامة، بأن هذا الحزب لن ينفعني، إذا ما احتجت إليه في الأوقات العصيبة. بل أنه قد يضرني من حيث يعتقد أنه سينفعني، وقد يُخرج في اللحظات الحاسمة، ما هو أسوأ من الحمير والبغال والجمال.
لقد أثبتت أحداث تونس ومصر بأن الأحزاب التقليدية لم تعد قادرة على حماية نفسها، ولا حماية أي نظام. كما أثبتت تلك الأحداث بأن الشعوب، والتي قد لا تكون منتظمة بالضرورة في أحزاب سياسية، هي وحدها التي يمكن أن تسقط أي نظام، وهي وحدها التي يمكن أن تحميه.
وبناء على ذلك، فإني أتوجه اليوم إليكم بهذا الخطاب، الذي سيؤسس ـ بإذن الله ـ لمرحلة جديدة من العمل الحكومي والسياسي، وهي مرحلة ستسعي ـ بشكل جاد ـ لبناء جسور جديدة وقوية، من الثقة بيني وبينكم، ودون الحاجة لوسطاء سياسيين. لقد تعاملت معكم بدون وسطاء في الحملة الانتخابية الماضية، ولم تخيبوا وقتها ثقتي فيكم، فصوتم لي بكثافة، مما جعل فوزي في الانتخابات الرئاسية الماضية، لا منة فيه لأي وسيط سياسي أو اجتماعي، فالفضل فيه للمواطن العادي، وللمواطن العادي وحده، لذلك فأنا أستطيع أن أقول بأني لست مدينا إلا لك أنت أيها المواطن الموريتاني.
أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
لا جدال في أن ما مضى من مأموريتي، قد تخللته بعض الأخطاء والإخفاقات التي سيتم تفاديها من الآن، ومن هذه الأخطاء يمكن لي أن أذكرك لكم:
1 ـ الارتجالية في اتخاذ بعض القرارات الهامة، وهو ما جعل الكثير منكم يستغرب بعض القرارات التي تم اتخاذها وإلغاؤها دون تقديم أي تفسير لذلك. لقد حدث ذلك مع إنشاء وإلغاء كتابة الدولة للشؤون الإفريقية، ومع هيكلة وزارة التعليم، وفي مجالات عديدة أخرى لا يتسع المقام لتعدادها. فمن حقكم أن تستغربوا ذلك، وأن تنتقدوه، لأنه لم يعد من المقبول في عالم اليوم ارتجال القرارات، حتى ولو كانت مجرد قرارات فردية، أو أسرية، أو قرارات داخل مؤسسة صغيرة. فكيف إذا تعلق الأمر بقرارات حكومية، يمكن لها أن تؤثر إيجابا أو سلبا على حياة كل مواطن؟ لذلك فإني أعدكم بأنه لن يُرتجل ـ من الآن وصاعداـ أي قرار مهما كان حجمه. كما أعتذر لكم عن الارتجال في بعض التعيينات، والذي بلغ ذروته في وزارة المالية والإدارات التابعة لها، حيث أنها منذ تنصيبي لم تعرف أي استقرار يتيح لها أن تؤدي أبسط مهامها.
2 ـ لا شك أنكم قد لاحظتم في بعض الأحيان عدم انسجام في العمل الحكومي، ولا شك أنكم لاحظتم عدم الانسجام كذلك في بعض القرارات، وهو ما أعدكم بأنه سيتوقف تماما من الآن. فلم يعد من المقبول أن يدعو رئيس الجمهورية إلى حوار مع المعارضة، فتعقب تلك الدعوة بيانات وتصريحات من الأغلبية تتناقض مع تلك الدعوة، وتزيد من حجم الشكوك حول جديتها. كما أني أعتذر للشعب الموريتاني عن بعض التناقض في بعض القرارات التي اتخذتها، كتعيين شخصية سياسية على رأس وزارة التعليم الثانوي، رغم أني كنت قد دعوت قبل ذلك إلى عدم تسييس التعليم، وعدم تسييس المنتديات القادمة، وهي الدعوة التي لم يستجب لها ـ "ويا للأسف"ـ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الذي اختار لجنة للتفكير في إصلاح التعليم يرأسها وزير سياسي لا صلة له بالتعليم، ومن المفترض أنه ليس لديه وقت لإنجاز ما كُلف به.
3 ـ من الأخطاء التي تم تسجيلها في ما مضى من المأمورية، هي أن التعيينات لم تكن شفافة، ولا منسجمة مع الحرب على الفساد، وقد جاء الكثير منها مخيبا لآمالكم. وقد انعكست تلك التعيينات على الأداء الحكومي الذي لم يكن على المستوى المطلوب، وهذا ما يجب الاعتراف به. ولتحسين الأداء الحكومي، وانسجاما مع الحرب على الفساد المعلنة، فإني أعدكم بأن التعيينات ابتداء من اليوم، ستعتمد أولا وأخيرا على الكفاءة، وعلى الكفاءة وحدها، والتي سنبحث عنها في كل مكان، ولا يهمنا بعد ذلك الانتماء السياسي، أو الجهوي، أو القبلي، أو العرقي، لصاحب تلك الكفاءة. كما أعدكم هنا بأنني سأعمل ـ وبشكل فوري ـ على إبعاد كل رموز الفساد الذين تم تعيينهم في مناصب هامة.
4 ـ لقد لاحظت أن الإدارة لا زالت تتعامل بكثير من الاستعلاء والخشونة مع المواطنين، كما لاحظت أن الموظفين لا زالوا يمنون على المواطنين بأي خدمة إدارية يقدمونها لهم، حتى ولو كانت بسيطة وتافهة. إن هذه النظرة الخاطئة لابد من العمل الجاد على تغييرها، حتى يعلم الوزراء وكل الموظفين أنهم في خدمة هذا الشعب، وأنهم يتلقون رواتب من ثروته، وهو ما يفرض عليهم تغيير أسلوب تعاملهم مع المواطن.
5 ـ لقد تم تسجيل بعض التجاوزات في منح بعض الصفقات العمومية، ولم يتم احترام الشفافية في العديد من تلك الصفقات. وهذا يستدعي مني أن ألتزم لكم بأن تلك الأخطاء لن تتكرر مستقبلا. كما ألتزم لكم بأنه سيتم كشف كل مناقصة على حدة، وتقديم التبريرات التي أدت إلى منحها للجهة المستفيدة.
6 ـ أما فيما يخص مكافحة الفقر، والتشغيل، والحد من الآثار السلبية لارتفاع الأسعار، فإني أعدكم بأنه سيتم اتخاذ بعض الإجراءات الثورية، في وقت قريب، للحد من البطالة، ومن الفقر، ومن الانعكاسات السلبية لارتفاع الأسعار. وهذه الإجراءات لن أحدثكم عنها الآن، بل أني سأتركها تتحدث عن نفسها في وقت قريب.
أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
إن لكل بلد خصوصياته، ولبلدنا خصوصيته التي يجب علينا جميعا أن نعيها، قبل اتخاذ أي قرار قد تكون له آثار خطيرة على استقرار وطننا الغالي.
وهذه المسؤولية تقع أولا على عاتق رئيس الجمهورية، الذي يجب عليه أن يعمل بجد لتوفير حياة كريمة ولائقة، لكل مواطن. وهذا ما أعدكم بأني سأسعى إليه بشكل جدي فيما تبقى من مأموريتي. وأعدكم أيضا بأني سأعمل جاهدا لكي يشعر كل واحد منكم، بأني أسعى فعلا لتصحيح كل الأخطاء، التي حدثت في الثمانية عشر شهرا التي مضت من مأموريتي.كما أعدكم بأني سأفتح قنوات جديدة للاتصال بكم، وذلك لكي أظل دائما على الإطلاع بهمومكم ومشاكلكم، و لن أعتمد بعد اليوم على التقارير التي تصلني للإطلاع على همومكم ومشاكلكم.
وفقنا الله جميعا لما فيه مصلحة موريتانيا..
تصبحون على إصلاحات جدية..
كتبه باسم رئيس الجمهورية :
محمد الأمين ولد الفاظل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق