الثلاثاء، 13 أبريل 2010

بالعربي الصريح


المتتبع لما تنشره الجرائد والمواقع الوطنية في هذه الأيام لابد وأن يصاب بالذهول والصدمة وحتى بالاشمئزازـ في بعض الأحيان ـ وهو يتابع ذلك الكم الهائل من البيانات، والتصريحات، والمقالات، والتحليلات التي يراد منها ـ بحسن نية أو بسوئها ـ التشويش على الوعد الجميل الذي قطعه الوزير الأول على حكومته بمناسبة يوم اللغة العربية، والذي التزم من خلاله بالعمل على تطوير اللغة العربية باعتبار أن موريتانيا ستبقى بلدا منقوص السيادة، ما لم يتم الاعتناء باللغة العربية، وجعلها لغة إدارة وعمل.
كلام جميل لم يستطع الموريتانيون أن يفرحوا به مخافة أن يكون ما قاله الوزير الأول مجرد كلام ـ لا تصحبه أفعال ـ كما كان يحدث في السابق، خاصة وأن الدعوات للاحتفال بيوم اللغة العربية كانت مكتوبة بالفرنسية. كما أنهم لم يستطيعوا أن يستبشروا خيرا بذلك الوعد لأن بعض أبناء هذا البلد قد اعتبر ذلك الوعد موجها ضده، وهو ما أدى إلى تحرك بعض الطلاب في الجامعة وإلى حدوث مصادمات عرقية.
في ظل هذا أصبح من اللازم ـ بعد تلك الشرارات المخيفة التي انطلقت من الجامعة ـ أن نتحدث عن موضوع اللغة والهوية من وجهة نظر قد تختلف كثيرا عن وجهات النظر السائدة في هذه الأيام، وذلك من خلال سرد بعض الملاحظات الصريحة جدا والتي كثيرا ما تغيب عن البعض.
1ـ من الضروري بل ومن والملح جدا، أن نحدد لغة واحدة، وواحدة فقط، للإدارة وللعمل كما هو الحال في كل بلدان العالم . ولم يعد ممكنا التستر خلف بعض المواقف والحجج الغامضة، فمن المعيب أننا وبعد مرور نصف قرن على تأسيس الدولة الموريتانية لا نزال نختلف كثيرا في مسألة اللغة. إن كل تأخر في حسم مسألة اللغة سيزيد من صعوبة حسم ذلك الخلاف مستقبلا، لأنه سيعمق فجوة الخلاف أكثر، وهو ما سيشكل خطرا محدقا بالانسجام وبالتعايش السلمي بين مكونات هذا الشعب .
2 ـ لابد أن تكون هناك مقاييس محددة، ومعايير واضحة، يتم عليها اختيار اللغة. لذلك فعلى من يطالب بضرورة اعتماد أي لغة أخرى غير العربية، أن يقدم حجته، وبالنسبة لي أعتقد أن اللغة التي يجب اعتمادها هي اللغة العربية وذلك لأسباب عديدة أذكر منها:
إنها هي لغة " وطننا الأصلي" أي الجنة، والذي أسأل الله أن يعيدنا إليه جميعا، بما في ذلك من يعارض اعتماد اللغة العربية. كما أنها هي اللغة التي اختارها الله لأن تكون لغة قرآنه. وفضلها على كل اللغات وجعل تعلمها والتحدث ببعض كلماتها ـ على الأقل ـ خمس مرات في اليوم ،واجبا على كل مسلم ومسلمة،بما في ذلك الملايين الثلاثة التي تسكن هذه الأرض. وذلك في الوقت الذي لا توجد فيه لغة أخرى، يُلزم المسلم بالنطق بها حتى ولو مرة واحدة في العمر، بما في ذلك الحسانية، و البولارية، و الولفية، و السونكية، و الفرنسية.
3ـ إن العربية هي لغة الأكثرية في هذا البلد وأنا لا أتحدث هنا عن الشريحة الناطقة بها، وإنما أقصد بأنه لو احتكمنا إلى الأساليب الحضرية والديمقراطية ـ بوصفنا دولة ديمقراطية ـ لحسم الخلاف وأجرينا استفتاء لاختيار اللغة التي يجب أن تكون هي لغة الإدارة، ولغة التعامل، لتم اختيار اللغة العربية وبنسبة مرتفعة جدا. فأغلبية الموريتانيين ستختارـ قطعا ـ لغة القرآن عن لغة المستعمر.
4 ـ إنها هي اللغة الدستورية الوحيدة من بين لغاتنا الوطنية الأربع التي يمكن استخدامها في الإدارة وفي التعامل، أما لغاتنا الوطنية الأخرى، فهي ليست مؤهلة ـ على الأقل ـ حاليا لأن تكون لغة تعامل ولغة إدارة.
5 ـ يطالب البعض باعتماد الفرنسية كلغة عمل و إدارة، رغم أن الفرنسية لا يعترف بها الدستور كلغة وطنية، ورغم أنها لغة لم تكن معروفة لدى هذا المجتمع وبكل مكوناته، قبل مجيء الاستعمار الفرنسي. لذلك فهي يجب أن لا تتعدى كونها لغة عالمية، ولغة انفتاح، يعتبر تعلمها ضروري ومفيد، لا أكثر ولا أقل. أما المطالبة بجعلها هي اللغة الرسمية للإدارة كلما دار جدل وخلاف حول مسألة اللغة، فذلك أمر لا يختلف كثيرا عن الفتوى التي شرع بها أبو نواس لنفسه شرب الخمر.
فعندما أباح العراقي ( أبوحنيفة ) النبيذ وحرم المدامة، وحرمهما الحجازي (الشافعي). أستنبط أبو نواس من ذلك فتوى غريبة، أحل بها شرب الخمر:
أباح العراقيُّ النبيذَ وشُرَبَـــــــهُ.........................وقال حرامان المدامة والسًّــــكْرُ
وقال الحجازيُّ الشرابان واحدٌ ... ......................فحلِّت لنا من بين قوليهما الخمر
سآخذ من قوليهما طرفيهمـــــا ......................... وأشربُها لا فَارقَ الوازرَ الوزرُ

6 ـ يعتبر البعض بأن اللغة الفرنسية هي لغة الاتصال في هذا البلد، متجاهلا بأن نصف السكان أمي لا يقرأ ولا يكتب. أما النصف الثاني فغالبيته تتواصل بغير الفرنسية. ومما يجب الإشارة إليه هنا هو أن الموريتانيين العرب كثيرا ما يتعلمون اللغات الزنجية في المدن التي يكثر فيها الزنوج. في حين أن الزنوج يتعلمون الحسانية في الأماكن التي يكثر فيها الناطقين بالحسانية. لذلك فغالبية الموريتانيين تتواصل بلغاتها الوطنية ويتعلم بعضهم لغة البعض الآخر بمحض إرادته ورغبته.
وعلى أولئك الذين يطالبون بفرض اللغة الفرنسية أن يتذكروا أن فرنسا ـ التي تعتبر للبعض نموذجا ـ قد فرضت بالقانون، اللغة الفرنسية من بين 400 لغة ولهجة كانت مستخدمة، من بينها 30 لغة كان معترف بها رسميا.
7 ـ من المؤسف حقا أن بعض المدافعين عن اللغات الوطنية غير العربية لا يهتمون بلغاتهم إلا في الأوقات التي تهتم بها الدولة باللغة العربية. أما في الفترات التي يكون فيها الاهتمام مقتصرا على الفرنسية، فإنهم ينسون لغاتهم، وينسون المطالبة بتطويرها.وهذا التصرف الغريب أفقدهم الكثير من المتعاطفين معهم من الشريحة العربية.
فالمقلق حقا أن أولئك الذين يطالبون بتطوير لغاتهم ـ ولهم الحق في ذلك ـ هم أول من يقف بالمرصاد ضد تطوير اللغة العربية، بحجة واهية، وهي أن تطوير اللغة العربية سيكون على حساب لغاتهم.
8 ـ يشفق البعض على المتعلمين بالفرنسية عندما يتم الحديث عن تعريب الإدارة، ولا يشفق أولئك على الآلاف من حملة الشهادات بالعربية، والذين صدقوا ذات يوم بأن اللغة العربية ـ لا الفرنسية ـ هي اللغة الرسمية لهذا البلد، فتعلموا بالعربية، وتخرجوا، ليواجهوا مصيرا مؤلما وبائسا، بعد أن أيقنوا بأنه لن يتم توظيفهم في الإدارة لأنهم قد ارتكبوا ذنبا كبيرا عندما صدقوا الدستور الذي نص على أن اللغة الرسمية لهذا البلد هي العربية! إن من يشفق على أولئك،عليه أن يشفق كذلك على هؤلاء، الذين نسوا ما تعلموا، و اشتغلوا ببعض المهن التي لا تناسب مستواهم العلمي، و هاجر كثير منهم خارج البلاد طلبا للقمة العيش.
لقد حدث في هذا البلد الذي تعتبر العربية لغته الرسمية، أن تقدم بعض الشباب المتخرجين من قسم الاقتصاد، للمشاركة في مسابقة اكتتاب في البنك المركزي الموريتاني الذي رفض مشاركتهم في المسابقة، لأن شهاداتهم بالعربية،والمسابقة ستكون بالفرنسية. بعضهم طلب أن يسمح له بأن يجرب حظه، من خلال منافسة خريجي الأقسام الفرنسية في مسابقة مواضيعها بالفرنسية، فجاء الرد بالرفض من أحد المدراء بالبنك، بحجة أن البنك المركزي مؤسسة هامة جدا، وحساسة جدا، وتعتبر واجهة للبلد، لذلك فلا يجوز أن يعمل فيها أصحاب الشهادات العربية حتى ولو كانوا يتقنون الفرنسية!!!
9 ـ كلما تم الحديث من طرف أي وزير عن ضرورة الاهتمام باللغة العربية تعالت أصوات البعض ووصفت ذلك الوزير بالعنصرية لذلك فمن المناسب هنا ـ ومن المناسب جدا ـ أن أذكر بأن هذا النظام الذي يصفه البعض بالعنصرية، هو النظام الذي خصص يوما للمصالحة الوطنية ، واعتذر بشكل رسمي للضحايا الزنوج عن الظلم الذي وقع في حقهم، وأقام الصلاة على أرواح الضحايا. وهو فوق ذلك، هو أول نظام يخصص كتابة للشؤون الإفريقية والتي جاءت على أنقاض كتابة الدولة للشؤون المغاربية.
10ـ لا يجوز أن نتعامل مع أبناء هذا الشعب بازدواجية، وإذا كان البعض يفعل ذلك مخافة أن يوصف بالعنصرية فإنه بذلك يرتكب فعلا عنصريا مخجلا. وعلى من يملك الشجاعة لإدانة بعض الموريتانيين الذين بايعوا رئيس دولة أخرى، أن تكون له نفس الشجاعة والصراحة والوضوح لإدانة من يطالب دولا أخرى للتدخل لإحداث فتنة في هذا البلد، أو إدانة من يحاول أن يحدث فتنة بين الأعراق.
11 ـ نتيجة لغباء كثير من ساستنا فقد تحولت اللغة العربية في مخيلة البعض إلى وحش مخيف يكاد يفترس اللغات الوطنية الأخرى، ويكاد يبتلع الناطقين بتلك اللغات . فأولئك الساسة لا يستطيع أحدهم أن يقول بأن العربية يجب أن تكون لغة الإدارة ثم يسكت. بل أنه لابد أن يعقب على ذلك المطلب بمحاضرة طويلة في التعايش، وفي الوحدة، وفي تطوير اللغات الوطنية، وفي خطورة التطرف، وعن أشياء أخرى بلا أول ولا آخر. والنتيجة هي ضياع المطلب، هذا فضلا على أن من يسمع تلك المحاضرة سيخيل إليه تلقائيا أن الاهتمام باللغة العربية سيشكل خطرا محدقا بالزنوج إن لم تصاحبه الكثير من الإجراءات التي قد تخفف من آثاره السلبية. والحقيقة هي أن ترسيم الفرنسية هو الذي يشكل خطرا كبيرا على كل الشرائح، بما فيها الزنجية، فهي التي تبعدهم عن لغة دينهم،الذي رفعهم كثيرا عن الأمم الأخرى، بما في ذلك تلك الأمة الناطقة بالفرنسية، وجعلهم ينتمون إلى أفضل أمة أخرجت إلى الناس.
12 ـ لقد تحول الخطاب الديني في بعض الأحيان إلى خطاب مزدوج يعمق الفوارق بدلا من تقليصها. وكمثال على ذلك فقد استنكر بعض خطباء الجمعة ظهور موريتانيات عربيات بزي غير محتشم على لافتات الدعاية لبعض شركات الاتصال. ولقد فات أولئك الخطباء أن هناك موريتانيات زنجيات قد ظهرن قبل ذلك على تلك اللافتات بزي أقل احتشاما من الزي التي ظهرت به تلك الفتيات التي تحدث عنها بعض الخطباء. ومع ذلك لم يتم انتقادهن.
ولو أن موريتانية عربية خرجت إلى الشارع تكشف عن رأسها ونصف بطنها كما تفعل بعض الموريتانيات الزنجيات لكان ذلك منكرا عظيما وإثما مبينا، وهو كذلك . وفي المقابل فهناك بعض الأعمال المحرمة شرعا أصبحت عادية عند الموريتانيات العربيات قد لا تثير الاستغراب إلا إذا مارستها بعض الموريتانيات الزنجيات.
و نتج عن ذلك أنه أصبحت هناك أفعال حرام إذا ارتكبتها شريحة معينة وحلال أو مسكوت عنها ـ بعبارة أدق ـ إذا ما ارتكبتها شريحة أخرى، رغم أن الجميع دينه واحد، ومذهبه الفقهي واحد.
13 ـ يحتج بعض المطالبين بترسيم اللغة الفرنسية بالضعف الذي تمر به العربية بسبب ضعف الناطقين بها، ورغم أن العربية تمر بظروف صعبة، لا يمكن إنكارها، بسبب ضعف الناطقين بها، إلا أنها مع ذلك فهي اللغة الرابعة من لغات الأمم المتحدة الرسمية الست. كما أنها لغة رسمية لدول غير عربية كتشاد واريتريا، ويتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة. وهي ـ وهذا يكفيها ـ هي لغة القرآن الذي تولى الله حفظه. وكمثال بسيط على عظمة هذه اللغة فيكفي أن نعرف بأن تعلم فعل " كتب " الذي أمارسه أنا الآن، يفتح المجال واسعا للمتعلم المبتدئ لمعرفة كلمات كثيرة أخرى ترتبط بهذا الفعل: كالكتاب، والمكتبة، والكاتب، والمكتوب. أما في اللغات الأخرى كالفرنسية والانجليزية وغيرها فالأمر مختلف تماما، ففعل كتب لا صلة له بكلمة الكتاب، وكلمة الكتاب لا علاقة لها بكلمة المكتبة ولا بفعل كتب، و كلمة الكاتب لا علاقة لها بكل تلك الكلمات.لذلك فتعلم ذلك الفعل مثلا، لا يعين على تعلم الكلمات المرتبطة به في اللغات الأخرى ، عكس اللغة العربية.
14 ـ يحاول البعض أن يُحَمِّل كل مصائب هذا البلد للحركات القومية العربية، ولقد تَفَهم البعض ما قام به الطلاب الزنوج، واعتبر أنه مجرد ردة فعل طبيعية ضد تطرف تلك التيارات. البعض الآخر حاول أن يكون أكثر إنصافا، واكتفي بالقول بأن سبب فشل التعريب في هذا البلد، وسبب نفور بعض الزنوج من اللغة العربية، إنما يعود إلى الطرح القومي السيئ. وطالب أصحاب ذلك الطرح بسحب مفهوم التعريب من التداول السياسي والثقافي. وما يمكن قوله هنا هو أنه لولا نضال القوميين وتضحياتهم لكان مصير اللغة العربية في هذا البلد العربي الإفريقي المسلم أسوأ بكثير من واقعها السيئ الذي تعاني منه اليوم. وسيبقى للقوميين شرف الدفاع عن لغة القرآن في هذا البلد، وذلك ما يجب الاعتراف به، رغم أنه كانت لهم أخطاؤهم الكثيرة والكثيرة جدا.
15 ـ لقد أصبح من الضروري أن يشارك الجميع، كل من موقعه، لمواجهة الحملة الإعلامية الشرسة التي تخاض ضد تعريب الإدارة، وذلك حتى لا يعتقد الوزير الأول ـ ولو للحظة ـ وهو يطالع ما ينشر في المواقع والجرائد، بأنه ارتكب ذنبا عظيما عندما أعلن في يوم اللغة العربية، بأن البلاد ستبقى ناقصة السيادة، ما لم يتم الاعتناء باللغة العربية وجعلها لغة إدارة وعمل. لقد قال الوزير الأول كلمة حق، وسيكون بطلا عند الكثيرين لو استطاع أن يجعل من تلك الكلمة حقيقة ميدانية، في كل الإدارات الحكومية.
تصبحون على وطن كامل السيادة....
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :elvadel@gmail.com
www .autodev.org

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق