حبس الموريتانيون أنفاسهم لساعات طوال وهم يتابعون مسار إنقاذ الطفل "محمد أحمد ولد محمد" الملقب "شبو"، والذي قضى ما يقارب 24 ساعة وهو عالق على مفرجة من مفرجات سد في "بومديد".
الحمد لله كثيرا على إنقاذ الطفل وخروجه سالما، وشكرا لكل من ساهم في عملية
الإنقاذ هذه، وكل تحايا التقدير لهذا الطفل الشجاع على صبره وصموده لساعات طوال
(ما شاء الله)، فلولا ذلك الصبر والصمود لما نجحت عملية الإنقاذ.
والآن لنطرح السؤال الأهم : أي درس يمكن أن نأخذها من هذه الحادثة؟
إن التعامل مع المخاطر والأضرار التي تتسبب فيها الأمطار، لا يختلف عن
التعامل مع أي مخاطر وكوارث أخرى، فهناك ثلاث مراحل في التعامل مع هذه المخاطر،
وكل مرحلة لها أساليبها ووسائلها الخاصة.
أولا/ المرحلة القبلية (الوقاية)
كثيرا ما يُقال بأن الوقاية خيرٌ من العلاج، ولاشك أن الوقاية من مخاطر
الأمطار ستبقى أفضل دائما من التعامل مع الأضرار التي تتسبب فيها تلك الأمطار.
إن أساليب الوقاية من مخاطر الأمطار ومن كل الكوارث يجب أن تكون متجددة،
فالوقاية في العام القادم يجب أن تختلف عن الوقاية في هذا العام، وهكذا.. ففي هذا
العام مثلا واجهنا مخاطر لم تكن متوقعة أصلا، أو لم تكن مألوفة على الأقل (ومنها
حادثة الطفل شبو)، ولذا فمن المتفهم جدا أن لا يكون الاستعداد لها كاملا أو
متكاملا في هذا العام، أما ما لا يمكن تفهمه هو أن لا يتم الاستعداد لمثل هذه
الحادثة وغيرها مما استجد هذا العام، في وقت مبكر، من قبل تهاطل الأمطار في العام
القادم.
إن حادثة الطفل " محمد أحمد ولد محمد " قد أكدت ضرورة أن يكون
هناك هيلوكبتر مجهز بكل وسائل الإنقاذ وجاهز للتدخل السريع كلما دعت الضرورة
لذلك..وما حدث في الأيام الأخيرة، وفي مناطق متعددة من البلاد يؤكد ضرورة تجهيز
فرق إنقاذ وتدخل سريع، ولا بأس بأن تكون لهذه الفرق مقار مؤقتة في المناطق التي
يتوقع أن تشهد تهاطل أمطار غزيرة.
ومن أساليب الوقاية كذلك توعية الناس بالمخاطر المحتملة، وهذا الجانب
يعاني من تقصير كبير رغم أهميته، خاصة وأنه قد أصبح من الممكن توقع هطول أمطار في
أماكن معينة (أقول توقع وبمشيئة الله)، فلماذا لا تتم توعية المواطنين قبيل تهاطل
الأمطار المتوقعة بأهمية الابتعاد عن أماكن الخطر، وخاصة أماكن السيول، وتوعيتهم
كذلك بأهمية حفظ ممتلكاتهم، وبل ونقلها إلى أمكنة آمنة، إذا كانت توجد في مناطق
مهددة في حالة تهاطل كميات معتبرة من الأمطار.
إن الكثير من المنازل والأسواق، في القرى والمدن، تم تشييدها في سنوات
الجفاف، ولذا فهي معرضة لمخاطر جمة في حالة تهاطل أمطار غزيرة، ومن هنا تبرز أهمية
التوعية قبيل تهاطل الأمطار.
إن ما شاهدناه خلال الأيام الماضية من مخاطر عديدة تعرض لها مواطنون بسبب
الأمطار ليستدعي من الأجهزة الحكومية المعنية أن تعد العدة لتجنب تلك المخاطر
مستقبلا، وأن تجهز كذلك الوسائل اللازمة للتعامل مع تلك المخاطر إن هي وقعت فعلا.
على مستوانا في حملة "معا للحد من حوادث السير" فقد أخذنا درسا
مهما من أحداث الأيام الماضية، وتأكد لنا أن هناك حاجة للتوعية في مجال السلامة
الطرقية في فترة تهاطل الأمطار، وذلك بعد أن تم تسجيل حوادث سير عديدة بسبب محاولة
بعض السائقين المتهورين المرور من أماكن تشهد سيولا، وللأسف فقد أدت تلك الحوادث
إلى سقوط قتلى.
نعم، لقد تبينا لنا في حملة معا للحد من حوادث السير أن هناك حوادث سير
تقع بسبب القيادة في الأماكن التي تشهد سيولا، أو بسبب القيادة على طرق شهدت
أضرارا كبيرة بسبب الأمطار. ولأن الأماكن المتضررة من شبكتنا الطرقية تتغير
باستمرار، فقد كان بودنا أن يكون "تطبيق سلامتك" قد أصبح جاهزا ليحدد
للسائقين كل النقاط والمقاطع المتضررة من شبكتنا الطرقية بسبب الأمطار، كم كان
بودنا توفير ذلك قبل موسم الخريف هذا، ولكنه تأخر للأسف، ويعود سبب تأخره إلى أن
إطلاقه يحتاج إلى شراكة مع الأجهزة الأمنية (الدرك وأمن الطرق)، ولكن هذه الشراكة
لم تتم حتى الآن. ذلكم قوس فتحته دون استئذان، وقصدي به هو لفت انتباه الجهات
الأمنية المعنية بأهمية المسارعة في إطلاق ذلك التطبيق.
ثانيا / المرحلة الآنية ( ونقصد بها لحظة وقوع الأضرار والكوارث)
في اللحظات الأولى من حدوث الأضرار والكوارث يكون من المهم أن تظهر
السلطات الجهوية ولِمَ لا المركزية في عين المكان، وقرب المتضررين. هنا قد يقول
قائل إن المهم من حضور السلطات الإدارية والأمنية هو توفير وسائل الإنقاذ وبما
يخفف الأضرار والخسائر عن المواطنين. لا خلاف على أهمية مسارعة السلطات المعنية في
توفير وسائل الإنقاذ وبما يخفف الأضرار والخسائر على المتضررين، ولكن ذلك لا يقلل
من أهمية الحضور الفوري للسلطات الإدارية والأمنية لعين المكان، بعد حصول الكارثة،
وحتى ومن قبل جلب وسائل الإنقاذ، أو من قبل جلب إعانات للمتضررين. من المهم جدا أن
يشعر المواطن أن السلطات بجنبه ومنذ أول لحظة من حصول الأضرار والكوارث.
لم أشاهد صورة لوالي لعصابة ولا لحاكم مقاطعة بومديد في المكان الذي علق
فيه الطفل "شبو"، ربما يكونان قد حضرا، ولكن المؤكد أن صورهما لم يتم
تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، والصورة مهمة جدا في مثل هذه الأوقات.
ثالثا / المرحلة البعدية (أي بعد
وقوع الأضرار وحصول الكوارث)
في هذه المرحلة يكون الأهم هو المسارعة في توفير الإنقاذ، وفي تخفيف حجم
الأضرار، وفي تقديم المساعدة للمتضررين للتخفيف من الخسائر. هذا الجانب مهم جدا
وأساسي جدا، ولكنه ليس هو كل ما يجب فعله بعد وقوع أي كارثة أو حصول أي أضرار.
في المرحلة البعدية يجب أن تأخذ الدروس والعبر كما قلت في بداية هذا المقال، ويجب أن تأخذ الاحتياطات اللازمة لمنع تكرر مثل هذه الحوادث والأضرار مستقبلا، وإعداد الوسائل اللازمة وتجهيزها للتدخل السريع، وتهيئة كل ما يمكن أن يساعد في سرعة وفعالية التدخل في حالة وقوع أي أضرار أو أي كوارث من أي نوع.
حفظ الله موريتانيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق