في هذا اليوم (الأحد الموافق 24 ـ 12 ـ 2017)
سيترك محمد جميل منصور رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) قيادة
الحزب لرئيس جديد، ومن قبل ذلك ترك عبد الإله بنكيران الأمانة العامة لحزب العدالة
والتنمية، ونظرا للكاريزما التي يتمتع بها القائدان فقد طالبت بعض الأصوات
بالاحتفاظ
بالقائدين، وبضرورة تغيير القوانين الداخلية للحزبين حتى يكون بالإمكان
التمديد لهما، وكان من بين التبريرات التي تقدم بها دعاة التمديد هو أن هناك
أحزابا عريقة في ديمقراطيات غربية عريقة احتفظت بقادتها لعدة عقود.
بدءا لابد من القول بأن تحديد مأموريات وفترات
زمنية محددة لقادة الأحزاب السياسية ليس في الأصل بالأمر السليم، فهم ليسوا رؤساء
دول حتى نحدد لهم مأموريات وفترات زمنية محددة، فرئيس الحزب يجب أن يمنح المزيد من
الوقت ما دام يتمتع بكاريزما، وما دام قادرا على العطاء وعلى تحقيق المزيد من المكاسب
السياسية والانتخابية لحزبه. وفي المقابل فإن رئيس هذا الحزب يجب أن يقال أو
يستقيل بعد أول أسبوع أو أول شهر أو أول سنة من مأموريته إذا ما تسبب لحزبه في خسائر
سياسية وانتخابية كبيرة. إن الفترة المتاحة لقيادة أي حزب سياسي يجب أن تطول أو
تقصر حسب القدرة على العطاء، ولا يجب أن تحدَّ بمأموريات محددة، هذا هو الأفضل
والأسلم من حيث الأصل، ولكن في البلدان الحديثة العهد بالممارسة الديمقراطية،
والتي لا يستقيل في العادة رؤساء أحزابها، فإن الأفضل هنا والأسلم هو أن يتم تحديد
مأموريات رئيس الحزب، وأن لا يسمح له بتجاوزها ولو بيوم واحد، حتى ولو كان لا يزال
في ذروة عطائه.
في البلدان الحديثة العهد بالديمقراطية، والتي
تقدس شعوبها القائد أكثر من تقديسها للمؤسسة،
فإنه يكون من الخطأ الكبير المطالبة بالتمديد لرؤساء الأحزاب حتى ولو كانوا
يتمتعون بكاريزما عالية، وحتى ولو كانوا يعيشون أحسن الفترات من حيث حسن الأداء
ومن حيث القدرة على العطاء.
إن المطالبة بالتمديد لقادة الأحزاب السياسية في
الدول الحديثة العهد بالممارسة الديمقراطية قد
يأتي بأضرار كبيرة منها : أنه قد يؤثر سلبا على المطالب المشروعة التي
تطالب بها الأحزاب السياسية، وخاصة المعارضة منها، وهي المطالب المتمثلة في ضرورة
احترام رؤساء الدول لمأمورياتهم الرئاسية، والمطالبة بالتمديد في رئاسة الحزب قد
تغري رئيس الحزب بأن لا يحترم المأموريات الرئاسية
ولا الآجال القانونية إذا ما قُدِّر له الوصول إلى السلطة في بلده. ومن الأضرار
التي قد تتسبب فيها الدعوة للتمديد لقادة الأحزاب السياسية هو أنها تكرس سلطة
الفرد على حساب بناء مؤسسات حزبية قوية قادرة على أداء أدوارها بغض النظر عن طبيعة
من يقودها، وهي بالإضافة إلى ذلك كله فإنها قد تخلق نوعا من عدم الثقة في المؤسسة
الحزبية وفي كبار قادتها، وذلك باعتبار أن المطالبة بالتمديد للقائد تعني من بين
أمور أخرى بأن المؤسسة الحزبية غير قادرة على تعويض القائد الرمز، و أنها عاجزة عن
إنجاب القائد البديل.
لقد أحسن الحزبان الإسلاميان في المغرب
وموريتانيا صنعا، وذلك بتكريسهما لمبدأ التناوب ورفضهما للتمديد لقائديهما، وذلك
على الرغم مما يتمتع به القائدان من كاريزما. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
والذي كان قد عزل خالد بن الوليد في أوج عطائه : " لو كانت لي حياةٌ لما
أقررت والياً أكثرَ من أربع سنين إن كان عدلاً مَلّه الناسُ وإن كان جائراً
فيكفيهم من جوره أربع سنين".
إن تكريس مبدأ التناوب هو أولى في البلاد
الحديثة العهد بالديمقراطية من الاحتفاظ بالقائد الرمز أو القائد الملهم أو القائد
الكاريزمي. لقد كان نيلسون مانديلا رمزا للكفاح ضد العنصرية، وهو لم يكن رمزا في
بلده فقط، بل كان رمزا في إفريقيا كلها وفي العالم. لقد انتخب هذا القائد الرمز
رئيسا لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في العام 1991، وفي العام 1994 انتخب رئيسا
لجنوب إفريقيا، وفي العام 1999 قرر هذا القائد الرمز أن لا يترشح مرة ثانية
للرئاسة في بلده، وأن يعتزل العمل السياسي مفسحا بذلك المجال لقادة أقل رمزية وأقل
كاريزمية منه، لتولي رئاسة الحزب ورئاسة البلاد.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق