يا عباس ألستَ شيخا مسلما؟ ألم يتجاوز عمرك
الثمانين؟ ألم تكن شاهدا على كل ما حل بفلسطين من مآسي ونكبات منذ العام 1948 إلى
يوم الناس هذا؟
ألا يكفي ذلك لأن يجعل منك شيخا صبورا قادرا على أن يتحكم في حزنه وفي دموعه؟
فما الذي أبكاك يا عباس بعد الثمانين؟
صحيح أن موت شمعون بيريز يعد بالنسبة لك خسارة
كبيرة، وصحيح أن المصاب بالنسبة لك كان مصابا جلل، ولكن ألم يكن أولى بك وأنت
الشيخ الذي بلغ من العمر عتيا أن تحزن بقلبك لا بعينيك؟ ألم يكن أولى بك أن تمسك
دمعك حتى لا تهيج دموع عائلة صديقك الراحل شمعون بيرير؟
احتضانك لسونيا زوجة صديقك شمعون كان عملا يليق
بك، ولكن بكاءك أمامها وأمام ولديها وبنتها وأحفادها الستة لم يكن يليق بصديق
العائلة الذي هو في سنك. كان أولى بك في هذه اللحظات العصيبة أن تشد من عضد عائلة
صديقك الراحل، وأن تظهر صبرك، وأن تمسك دمعك، أن تحزن بقلبك فقط، وأن تطلب من
الزوجة والأبناء وأحفاد صديقك الراحل أن يفعلوا مثل ما فعلتَ.
ألم يكن أولى بك يا عباس أن تترك البكاء لأحفاد
الراحل ولزوجه وأن تتجلد أنتَ في مثل هذه اللحظة؟ ألا تكفيك ثمانين حولا عشتها
والقتل يتخطف أبناء شعبك، والدمار يخرب ديارهم، أن تتماسك في لحظة كهذه، وأن تكتم
حزنك في لحظة كهذه، وأن تخفي دمعك في لحظة كهذه؟
كان عليك لما
غلبك الدمع أن تخفي دمعك على الأقل عن سونيا، وعن بقية أفراد عائلة الراحل حتى لا
تهيجهم على البكاء فيفسدوا بذلك مراسيم التشييع.
فما الذي أبكاك يا عباس، ولتسمح لي بتكرار طرح مثل
هذا السؤال، فدموعك قد حيرتني، وأغاظتني، واستفزتني..
يا عباس إنك لم تكن بحاجة إلى أن تسكب دمعا لكي
تثبت أنك حزين بمناسبة رحيل صديقك شمعون بيريز..
إن حزنك على رحيل شمعون بيريز لا يحتاج إلا دليل
إثبات، ولذلك فأنت لم تكن بحاجة إطلاقا إلى البكاء.
يا عباس إنك لم تكن بحاجة إلى إنزال دمعة لكي تثبت
للعالم بأنك حزين على فراق شمعون بيريز..فالكل يعلم بأنك حزين على فراقه، وربما
يكون هذا هو السبب الذي جعل نتنياهو لا يذكرك عندما ذكر من حضر من رؤساء العالم
لمراسيم التشييع. فذكرك في هذا المقام كان تحصيل حاصل.
يا عباس إذا كنتَ بحاجة لأن تتصنع البكاء لكي تثبت
حزنك، فإن ذلك لن يكون في مقام كهذا..لقد كنتَ بحاجة لذلك في مقام آخر، مناقض
تماما لهذا المقام.
يا
عباس إنك كنتَ بحاجة لأن تتصنع البكاء لا لكي تثبت بأنك حزنت لموت شمعون بيرير بل
لكي تثبت بأنك حزنت بمناسبة تذكر استشهاد محمد الدرة، والذي تصادفت الذكرى السادسة
عشر لاستشهاده مع هلاك شمعون بيريز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق