الاثنين، 31 أكتوبر 2016

رسائل مسيرة السبت

هناك رسائل عديدة وضعتها مسيرة 29 أكتوبر في صناديق بريد مختلفة، عبر البريد السريع والمضمون، ومن هذه الرسائل:
(1)
رسالة تم وضعها في صندوق بريد المتحاورين في قصر المؤتمرات، وتقول هذه الرسالة ـ وبلغة سياسية فصيحة وصريحة ـ بأن الحوار الذي تم تنظيمه في الأسابيع الماضية في قصر المؤتمرات لم يكن حوارا وطنيا ولا حوارا شاملا، فأن تغيب عن هذا الحوار بعض التشكيلات السياسية والنقابية والحقوقية التي بإمكانها أن تحشد الآلاف من سكان العاصمة في مسيرة جماهيرية، فإن ذلك يعني ـ وببساطة شديدة ـ  بأن الحوار الذي تم تنظيمه في قصر المؤتمرات لم يكن حوارا وطنيا ولا حوارا شاملا.

إن الرد المنطقي والسليم على هذه الرسالة يستوجب من السلطة أن تدعو إلى حوار جديد تشارك فيه ـ وبالإضافة إلى المشاركين في الحوار السابق ـ كل التشكيلات السياسية والنقابية والحقوقية التي دعت أو شاركت في مسيرة السبت، وحينها سيكون بإمكاننا أن نتحدث عن حوار وطني شامل.
(2)
الرسالة الثانية تقول بأنه ليس من الحكمة أن تتم الدعوة إلى تغيير النشيد أو العلم في مثل هذا الظرف السياسي المرتبك. إن الدعوة إلى تغيير العلم والنشيد في مثل هذه الظرفية ستخلق انقساما واستقطابا حادا في المجتمع الموريتاني، ومن المعلوم بداهة بأن المجتمع الموريتاني الذي أصبح يعاني من التشظي هو بحاجة اليوم إلى كل شيء يمكن أن يعزز من لحمته ويزيد من تماسكه، ومن المؤكد بأنه ليس بحاجة إلى خلق عنوان جديد للتشظي والانقسام، ولذلك فإن الفعل الرشيد والحكيم الذي على السلطات أن تقوم به من أجل الرد على هذه الرسالة يتمثل في ضرورة وقف المطالبة بتعديل النشيد والعلم، والانتظار إلى أن تصل البلاد إلى مرحلة آمنة من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي فحينها سيكون من المقبول المطالبة بتغيير العلم أو النشيد لمن يرى بأهمية لذلك.     
(3)
هناك رسائل أخرى تم توجيهها إلى قادة المنتدى والأحزاب المشاركة في المسيرة، ومن بين هذه الرسائل رسالة تم تكرارها كثيرا من خلال عدد كبير من المشاركين في المسيرة، وقد تم تلخيص هذه الرسالة في كلمتين اثنتين : وماذا بعد؟
إن جماهير العاصمة التي لم تُخْلف يوما أي موعد احتجاجي يُضرب لها، والتي ظلت تأتي وبكثافة لكل المسيرات التي يدعى لها، إن هذه الجماهير قد أصبحت اليوم تشعر بنوع من الملل من هذه المسيرات الحاشدة ذات المسار والشكل والخطاب الثابت الذي لا يتغير أبدا.
لقد تم التعبير من طرف عدد كبير من المشاركين في هذه المسيرة ( همسا وصراخا) بضرورة كسر الروتين، والبحث عن أساليب نضالية أخرى تكون أكثر فعالية وأقوى تأثيرا.
إن الرد على هذه الرسالة يستوجب من قادة المعارضة أن يبتدعوا أساليب نضالية جديدة لا تخرج عن السلمية، ولكنها في الوقت نفسه لا تكتفي بتكرار نفس الأسلوب الممل : دعوة؛ فمسيرة؛ فمهرجان؛ فخطابات مكررة؛ ففراق على موعد جديد يكرر نفس السيناريو، وبنفس التفاصيل المملة.
(4)
من الرسائل التي تم توجيهها إلى قادة المعارضة، والتي تم التعبير عنها علنا من داخل المسيرة والمهرجان رسالة تقول بأن هناك خشية كبيرة من أن يتم خذلان هذه الجماهير الحاشدة في اللحظات الحرجة، إما من طرف قادة المعارضة مجتمعين أو من طرف عدد منهم، وهناك أمثلة كثيرة حدثت في العقد الأخير أثارت مثل ذلك القلق لدى جماهير المعارضة.  إن الرد على هذه الرسالة يمكن أن يتم من خلال القيام بخطوات ملموسة وجدية لتعزيز الثقة بين قادة المعارضة، ولتقوية الثقة بين قادة المعارضة والجماهير المعارضة، ومن الخطوات المطلوبة في هذا المجال يمكن أن نذكر كل قرار توافقي يتخذ في المسار الحالي، وبما في ذلك اتفاق المعارضة على تسمية مرشح مستقل وتوافقي تتقدم به في الانتخابات الرئاسية المتوقعة في منتصف العام 2019.
(5)
هناك رسالة أخرى عبر عنها عدد كبير من المشاركين الذين لم يرفعوا أعلاما حزبية. إن هذه النسبة الكبيرة من الجماهير التي لم ترفع أعلاما حزبية تؤكد بأن هناك جمهورا كبيرا للمعارضة من خارج الأحزاب السياسية المشكلة لهذه المعارضة.
إن الرد على هذه الرسالة يستوجب من المعارضة أن تُحَدِّث خطابها، وأن تعيد صياغته بطريقة تراعي وتحترم مشاعر ومزاج جمهور واسع من المعارضين ليست له أي انتماءات حزبية. وإذا كان بإمكاننا أن نتفهم مطالبة مناضلي الأحزاب المعارضة بضرورة  اصطحاب أعلام حزبية ورفعها خلال المسيرة والمهرجان باعتبار أن ذلك قد يخلق تنافسا إيجابيا بين الأحزاب قد يساعد في الحشد، وخاصة من بعد أن أعلن الرئيس عن عدم ترشحه لمأمورية ثالثة، وهو الشيء الذي جعل القائمين على هذه المسيرة يخافون من إمكانية أن يؤثر ذلك سلبا على حجم الحضور فكانت الدعوة إلى ضرورة اصطحاب أعلام حزبية. إنه يمكننا أن نتفهم تلك الدعوة، ولكن تلك الدعوة كان يجب أن تصاحبها دعوة مماثلة تطالب بضرورة اصطحاب العلم الوطني مع الأعلام الحزبية، خاصة وأن المسيرة كان من أهم أهدافها الوقوف ضد تغيير العلم والنشيد. لقد كان النقص في عدد الأعلام الوطنية المرفوعة، وفي ترديد النشيد الوطني خلال المسيرة والمهرجان من الأخطاء التي تمت ملاحظتها من طرف الكثير من المشاركين في المسيرة، ومثل هذه الأخطاء يجب أن لا يتكرر مستقبلا، خاصة في ظل وجود جمهور معارض ومعتبر من خارج الأحزاب السياسية يجب أن تتم مراعاة  مشاعره ومزاجه مع كل نشاط سيتم تنظيمه مستقبلا.
فحبذا ـ بالإضافة إلى الفيديو  الذي أعدته اللجنة الإعلامية للمنتدى والذي سيبث في بعض القنوات المحلية ـ  لو طالب قادة الأحزاب المعارضة من جماهير أحزابهم أن يرفعوا العلم الوطني في الأيام القادمة فوق المنازل وفي كل الأمكنة، وحبذا لو تم تنظيم حملات شبابية واسعة لرفع العلم الوطني في كل مكان، فبذلك يتم تصحيح الخطأ الذي تمت ملاحظته في المسيرة، وبذلك يتم توجيه رسالة قوية إلى السلطة مفادها أن أغلب الشعب الموريتاني يرفض تغيير العلم والنشيد في مثل هذا الوقت الحرج من تاريخ البلاد.
(6)
هناك رسالة خاصة موجهة إلى اللجان التي تتولى الإشراف على تنظيم مثل هذه المسيرات الجماهيرية الكبرى.لقد أثبتت مسيرة السبت ـ كما أثبتت مسيرات من قبلها ـ  بأن هناك ضرورة تقتضي توحيد وضبط الشعارات المرفوعة في مثل هذه المسيرات الكبرى، وعدم ترك المجال مفتوحا لكل من أراد أن يرفع مطلبا خاصا به بأن يرفعه من خلال هذه المسيرات ذات المطالب المحددة. لقد تناقلت بعض وسائل الإعلام بأن المشاركين في مسيرة 29 أكتوبر قد طالبوا بعودة رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، وذلك على الرغم من أن الجهات المنظمة لهذه المسيرة ليست لها أي صلة بهذا المطلب المشروع.   
تلكم كانت ست رسائل وضعتها مسيرة 29 أكتوبر في صندوقي بريد السلطة والمعارضة، وأتمنى للسلطة والمعارضة قراءة موفقة لهذه الرسائل الست.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق