السبت، 11 يونيو 2016

"إن كان قالها فقد صدق"!!

في مؤتمر صحفي سابق، وفي رد على أحد الصحفيين استخدم رئيس الحزب الحاكم عبارة كان الصديق رضي الله عنه قد رد بها على كفار قريش لما جاؤوه صبيحة ليلة الإسراء، وأخبروه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد زعم بأنه قد أسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عاد في نفس الليلة. ولقد ظن كفار قريش بأن أبا بكر رضي الله عنه سيكذب القصة أو يشكك في نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن إجابة الصديق رضي الله عنه جاءت على غير ما توقعوه، فرد عليهم بعبارته الشهيرة: "إن كان قال فقد صدق".
هذه العبارة، أو على الأصح عبارة مشابهة لها، استخدمها رئيس الحزب الحاكم في مؤتمر صحفي نظمه الحزب للرد على مهرجان المنتدى (7 مايو)، وكان رئيس الحزب قد استخدم تلك العبارة المشابهة للتعليق على بعض الأقوال التي نسبها أحد الصحفيين للرئيس المؤسس، فهل من اللائق استخدام هذه العبارة للتعليق على أقوال وتعهدات الرئيس المؤسس، أو على أقوال وتعهدات وزرائه وبقية بطانته؟
من المؤكد بأن ذلك لا يليق، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فدعونا نجرب الأمر.
(1)
لو استخدمنا هذه العبارة للتعليق على أقوال الرئيس المؤسس كما يفعل رئيس الحزب الحاكم لكان اليوم هو اليوم العاشر من أيام الحوار بمن حضر.
ألم يقل الرئيس المؤسس في مدينة النعمة صبيحة الثالث من مايو بأن الحوار بمن حضر سينطلق بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع؟ ألم يؤكد ذلك الموعد مرة ثانية في مدينة نواذيبو؟ وبما أن رئيس الحزب الحاكم قد قال عن الرئيس المؤسس بأنه "إن كان قالها فقد صدق"، وبما أن اليوم هو يوم السبت الموافق 11 يونيو فإن هذا يعني بأنه علينا أن نقتنع بأننا نعيش في يوم السبت هذا، عاشر أيام الحوار، فلماذا لم تكشف لنا الحكومة نتائج هذا الحوار بعد مرور عشرة أيام على انطلاقه؟ ولماذا تتكتم  الحكومة على نتائجه؟ ولماذا تخفي تلك النتائج عن المواطنين؟
(2)
ولو استخدمنا هذه العبارة في أقوال الناطق الرسمي باسم الحكومة لوقعنا في مشكلة كبيرة، فالناطق الرسمي باسم الحكومة قد قال أمام جمع كبير من الصحفيين بأن الحكومة تنفق على محروقات الجيش خمسين مليون دولار كل خمسة أيام، أي أنها تنفق على محروقات الجيش عشرة ملايين دولار في كل يوم تطلع شمسه، وهو ما يعني بأنها تنفق 120 مليار أوقية على تلك المحروقات في كل سنة. فإذا ما صدقنا الناطق الرسمي باسم الحكومة، وإذا ما صدقنا بأن الحكومة تنفق 120 مليار أوقية كل سنة على محروقات الجيش، فلماذا تبخل هذه الحكومة بإنفاق 1% من هذا المبلغ على فقراء موريتانيا؟ فلو أن الحكومة أنفقت 1% من الأموال المخصصة لمحروقات الجيش على فقراء موريتانيا لتجنبنا وفاة تسع نساء فقيرات في عملية تدافع على زكاة أحد رجال الأعمال.
المضحك المبكي، وقديما قيل بأن شر البلية ما يضحك، أن حديث الناطق الرسمي باسم الحكومة كان قد تزامن مع تحذير أطلقه برنامج الغذاء العالمي، وأكد فيه بأن نقص التمويلات يهدد تأمين المساعدات الغذائية لأكثر من 415 ألف مواطن موريتاني مهدد بالمجاعة، وذكر برنامج الغذاء العالمي في هذا التحذير بأنه يحتاج إلى 10 ملايين دولار لتلبية احتياجات الأربعمائة ألف موريتاني المهددة بالمجاعة، وهذا يعني بأن البرنامج لا يحتاج لإنقاذ نصف مليون موريتاني من المجاعة إلا لما تنفقه الحكومة الموريتانية على محروقات الجيش في يوم واحد، فلماذا تبخل الحكومة الموريتانية بعشرة ملايين دولار التي تنفقها في كل يوم على محروقات الجيش من أجل تأمين وتوفير المساعدات الغذائية لأربعمائة ألف موريتاني مهدد بالمجاعة؟ ألا يستحق إنقاذ نصف مليون موريتاني من المجاعة إيقاف سيارات الجيش ولو ليوم واحد؟
(3)
في نفس المؤتمر الصحفي قال الناطق الرسمي باسم الحكومة، بأن ما نعيشه من انقطاع في الكهرباء يحدث شيء مشابه له في الدول الأوروبية وفي أمريكا. لقد تعودنا في العهود البائدة أن يتم تشبيه حال بلادنا بحال الدول المجاورة، ولكن قفزة نوعية في هذا المجال قد تحققت في العهد الحالي، وأصبح الوزراء يشبهون حال بلادنا بحال الدول الأوروبية، فالكهرباء تنقطع عنا كما تنقطع عن الدول الأوربية، وأسعار المحروقات تباع في بلادنا بنفس الأسعار التي تباع بها في فرنسا، وموريتانيا قد أصبحت بين عشية وضحاها هي سويسرا المغرب العربي.
إنه لا يمكننا أن نعلق على مثل هذا المقارنات المستفزة مع الدول الأوربية بأن نقول لقد صدق الوزراء إن كانوا قد قالوا ذلك. ففي مجال انقطاع الكهرباء مثلا، فسنجد بأن دولة كألمانيا قد احتفلت في شهر سبتمبر من العام الماضي بمرور 31 عاما لم تنقطع فيها الكهرباء ولا لحظة واحدة، عن أي مدينة، ولا عن أي حي، ولا عن أي منزل، ولا حتى عن أي عمود كهربائي ينتصب فوق التراب الألماني. فهل يمكننا نحن في هذه البلاد أن نحتفل بمرور يوم واحد، وأقول يوم واحد، لم تنقطع فيه الكهرباء عن أي حي من أحياء العاصمة نواكشوط؟
أما فيما يخص استحالة التشبيه بسويسرا، فيكفي أن نعرف بأن سويسرا قد نظمت يوم الأحد الماضي استفتاءً شعبيا للتصويت على مقترح يلزم الحكومة السويسرية بتوفير راتب شهري قدره 2442 دولار (860.000 أوقية) لكل مواطن سويسري، وكذلك لكل أجنبي يقيم بالأراضي السويسرية منذ خمس سنوات. فإذا كانت سويسرا تنظم استفتاء على مقترح يقضي بتوفير راتب يقترب من المليون أوقية لكل مواطنيها ولكل المقيمين بأراضيها سواء كانوا يزاولون عملا أو لا يزاولونه، فإذا كانت سويسرا قد نظمت استفتاءً من ذلك القبيل، فلماذا لا تنظم سويسرا المغرب العربي استفتاءً يلزم الحكومة الموريتانية بأن تمنح ـ على الأقل ـ تعويضا رمزيا لحاملي الشهادات، ولا أقول لكل الموريتانيين،  قدره 30 ألف أوقية، ولا أقول قدره 860.000 أوقية.
(4)
لقد مرت بنا يوم الثلاثاء الماضي (7 يونيو) الذكرى السادسة لتوقيع الحكومة الموريتانية  لبروتوكول اتفاق في مجال الصيد مع شركة صينية تدعي "بولي هوندون بيلاجي فيشري"، ومرت بنا في نفس اليوم الذكرى الخامسة لمصادقة البرلمان الموريتاني على تلك الاتفاقية الكارثة. لقد وصف وزير الاقتصاد والتنمية في تلك الفترة هذه الاتفاقية بأنها "اتفاقية تاريخية، ونقلة في قطاع الصيد الموريتاني". فإذا ما استخدمنا عبارة "إن كان قال فقد صدق" فيما قاله وزير الاقتصاد والتنمية في تلك الفترة فإن ذلك سيعني بأن قطاع الصيد في موريتانيا يعيش اليوم نقلة نوعية، فهل يعيش هذا القطاع نقلة نوعية أم أنه يعيش في حالة يرثى لها؟ وبالمناسبة فهل حققت الشركة الصينية التزاماتها في تلك الاتفاقية المشينة؟ فهل وفرت 2500 فرصة عمل للموريتانيين؟ وماذا تحقق من البرنامج الاستثماري لهذه الشركة خلال السنوات الخمس الماضية؟ وأين هي ورشة صناعة الزوارق؟ وأين هو مركز التدريب؟
(5)
إن استخدام عبارة "إن كان قال فقد صدق" للتعليق على أقوال الرئيس وحكومته ستوقعنا في ورطة حقيقية، فاستخدام هذه العبارة ستجعل كل واحد منا يصدق:
ـ  بأن بإمكانه أن يصلي التراويح في الجامع الكبير الذي يتسع لخمسة عشر ألف مصلي.
ـ بأن بإمكانه أن يذهب إلى مدينة رباط البحر كلما ارتفعت درجة الحرارة بالعاصمة نواكشوط.
ـ بأن بإمكانه أن يضع سورا من سياج مصنع مكطع لحجار على قطعته الأرضية في العاصمة  نواكشوط، والتي كان قد حصل عليها في إطار تنفيذ الوعد بتوفير قطعة أرضية لكل مواطن.
ـ بأن بإمكانه أن يتجنب زحمة السير في "كارفو رماني شاري كزوال" (كارفور مدريد سابقا)، وذلك من خلال استخدام الجسر الذي تم تشييده هناك.
ـ بأن بإمكانه أن يؤجر شقة في الطابق العشرين في إحدى عمارات العاصمة.
ـ بأن بإمكانه أن يضارب في سوق الأوراق المالية بالعاصمة نواكشوط، وهو السوق الذي كان الوعد بإطلاقه قد تم به تبرير تحويل العطلة الأسبوعية من يوم الجمعة إلى يوم الأحد.
ـ بأن بإمكانه أن يوفر كل ما يحتاج إليه من ألبان ومن علف من مصانع النعمة.
ـ بأن بإمكانه أن يرتوي من زلال مياه آفطوط الشرقي.
ـ  بأن بإمكانه أن يوفر كل ما يحتاج إليه من موز من منتجات " شركة المزارع الموريتانية الكبرى"، والتي كان قد أعلن عن اتفاقية تأسيسها في 13 أغسطس 2014  من أجل تنفيذ مشروع خاص يقضي باستصلاح وتشغيل 452 هكتار لزراعة الموز، بكلفة إجمالية قدرها 5 مليارات و350 مليون أوقية.
ـ بأن بإمكانه أن يتذوق ومنذ العام 2015 طعم السكر الموريتاني، والذي كان قد تم الاتفاق على تأسيس مصنع له في يوم 9 يناير من العام 2012  مع شركة سكر كنانه السودانية، ويقضي الاتفاق بإنشاء مصنع للسكر في موريتانيا بكلفة 335 مليون دولار على مساحة 11 ألف هكتار من أجل إنتاج 100 ألف طن من السكر سنويا. لم يتذوق من الموريتانيين طعم سكر هذا المشروع إلا رؤساء الحزب الحاكم الذين خصصت لهم رئاسة مجلس إدارة هذا المشروع، أو بعض "المحظوظين" الذين كانت تمنح لهم رواتب عالية من هذا المشروع، ودون تقديم أي خدمة في مقابل ذلك.
ـ بأن بإمكانه أن يتابع مباريات محلية في ملعب الترحيل الذي بدأت قصة تأسيسه منذ العام 1994، وهي القصة التي لم تكتمل حتى الآن.
ـ بأن بإمكانه الحصول على ضمان صحي إذا ما تقدم به العمر، والاستفادة من صندوق التكفل بأبناء شهداء الجيش إن كان من أولئك.
ـ بأن بإمكانه أن يرتاح في موسم الخريف، وذلك لأنه يسكن في عاصمة  نظيفة، تنعم بصرف صحي لائق.
ـ بأن بإمكانه أن يتنقل بين أحياء  العاصمة نواكشوط، بل وبين مدن الداخل من خلال حافلات الشركة الموريتانية للنقل العمومي، وهي الشركة التي كان قد تم تدشينها في العام 2010، وقد قال عنها وزير التجهيز والنقل حينها : " إن إنشاء هذه الشركة يدخل في إطار تنفيذ الحكومة لبرنامج رئيس الجمهورية الرامي إلى وضع نظام نقل عصري ملائم تستفيد منه كافة الشرائح السكانية وخصوصا منها الأقل دخلا". فهل تحقق بعد مرور ست سنوات على تلك الانطلاقة ذلك النقل العصري الذي وعد به الوزير؟ ألم تتحول هذه الشركة إلى مقبرة لباصات إيران  التي كانت قد منحتها لموريتانيا في إطار صفقة مع الحكومة الموريتانية؟ وهل فيكم من يتذكر آخر مرة شاهد فيها إحدى حافلات هذه الشركة وهي تنقل الركاب؟
تلكم كانت مجرد أمثلة تؤكد بأنه لا يمكننا ـ بأي حال من الأحوال ـ  أن نتعامل مع أقوال الرئيس ووزرائه باستخدام العبارة التي تقول "إن كان قال فقد صدق".  
. 
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق