سيشكل موضوع الحكومة التوافقية الموضوع الشائك والأبرز
في جلسات الحوار الذي سيفتتح في يومنا هذا، وسيبقى مصير الحوار كله مرتبطا بحسم هذا
الموضوع دون غيره من المواضيع الهامة الأخرى، والتي رغم أهميتها إلا أنها لن تؤثر
سلبا على مسار الحوار، سواء منها ما تعلق بإعادة تشكيل اللجنة المستقلة
للانتخابات، أو ما تعلق بتأجيل موعد الانتخابات، أو بغير ذلك من المواضيع والملفات
الهامة التي سيتم نقاشها خلال جلسات الحوار.
لا شيء سيحدد مصير الحوار القادم غير موضوع الحكومة
التوافقية، ويمكننا، ومن الآن، أن نحدد مصير هذا الحوار، إذا ما استطعنا أن نجيب
على سؤال الحكومة التوافقية، وهو السؤال الذي يمكننا أن نطرحه بصيغتين أو بوجهين
مختلفين في ظاهرهما، ولكنهما متطابقين في جوهرهما.
ـ هل يمكن للمنتدى أن يقبل بمشاركة في انتخابات رئاسية لا
تشرف عليها حكومة توافقية ذات صلاحيات واسعة، وذلك بعد أن جعل من الحكومة
التوافقية الضامن الأمثل حتى لا أقول الوحيد لحياد الإدارة؟
ـ هل يمكن للسلطة أن تقبل بحكومة توافقية، وذلك بعد أن
جعلت من موضوع الحكومة خطا أحمر شديد الاحمرار، ولا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ
التنازل عنه؟
أثبتت الحوارات السابقة أن الاتفاق مع السلطة سيكون عديم
الجدوى إذا لم تكن هناك آليات ووسائل قادرة على أن تضمن التنفيذ الكامل لما سيتم
الاتفاق عليه، خاصة عندما تبدأ الحملات، وعندما تدخل العملية الانتخابية في الأوقات
الحرجة والحاسمة.
فدعونا نتخيل مثلا أن المنتدى تنازل عن الحكومة التوافقية،
وأنه قام بتوقيع كل الشروط والضمانات المطلوبة لشفافية الانتخابات، باستثناء بند
الحكومة التوافقية ذات الصلاحيات الواسعة. ودعونا نتخيل أنه أثناء الحملة
الانتخابية شوهد مثلا مدير الضرائب وهو يوزع الملايين دعما لمرشح السلطة، أو شوهد مدير
اسنيم وهو ينفق الملايين في ولايته دعما لنفس المرشح، أو شوهد ضابط عسكري رفيع وهو
يقوم بحملة انتخابية صريحة لصالح مرشح السلطة. فما الذي يمكن فعله حينها في ظل
غياب حكومة توافقية ذات صلاحيات واسعة، لها الصلاحيات الكافية لإيقاف تلك
المخالفات، ولمعاقبة مرتكبيها، وبشكل فوري وآني، ولا رجعة فيه.
إنه لم يعد من بإمكاننا أن نتصور حياد الإدارة في ظل
غياب حكومة توافقية ذات صلاحيات واسعة، وبشرط أن تمنح تلك الحكومة وقتا كافيا
لتنفيذ صلاحيتها حتى لا تقع في نفس الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة التي تم
تشكيلها بعد اتفاق "داكار".
إن مطلب تشكيل حكومة توافقية للإشراف على الانتخابات
الرئاسية القادمة يجب أن يظل مطلبا رئيسيا وأساسيا لوفد المنتدى، وليس من المنطقي
أن يتم التنازل عنه، وذلك لأن التنازل عنه سيجعل الانتخابات القادمة مجرد مسرحية هزيلة
لتشريع مأمورية ثانية لمرشح السلطة.
وفيما يتعلق بالإجابة على الوجه الثاني من السؤال، فيمكن
القول بأنه على السلطة أن تتنازل عن خطها الأحمر، وأن تقبل بحكومة توافقية، وإلا
فعليها أن تقدم بديلا مقنعا قادرا على أن يضمن حياد كامل للإدارة في ظل غياب حكومة
توافقية. ومسألة البحث عن ذلك التصور، وعن تلك الآلية يقع على عاتق السلطة، لا المنتدى،
وعلى المنتدى أن يظل متمسكا بمطلب الحكومة التوافقية إذا لم تقدم له السلطة آلية
بديلة ومقنعة وقادرة فعلا على أن تضمن حياد الإدارة في ظل غياب حكومة توافقية ذات
صلاحيات واسعة.
إن على الحكومة أن تقدم كافة الضمانات التي يمكن أن تضمن
شفافية الانتخابات القادمة، ولكن لها الحق ـ كل الحق ـ في أن تشترط على خصومها السياسيين مقابل توفير
تلك الضمانات، أن يعترفوا بنتائج تلك الانتخابات إذا ما جاءت تلك النتائج لصالح
مرشح السلطة الحاكمة.
إن ذلك الاعتراف هو الذي سيمكن بلادنا من أن تخرج من
أزمتها السياسية التي طالت، ولكن ذلك الاعتراف لن يكون ممكنا ولا متوقعا إذا لم
توفر السلطة القائمة الضمانات الكافية لشفافية الانتخابات القادمة، ولن تتوفر تلك الضمانات
في ظل حكومة بلون واحد، وتأتمر بأوامر مرشح واحد.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق