لقد تابعت جزءا هاما من النسخة الرابعة من
"لقاء الشعب"، وقد خرجت بجملة من الملاحظات حاولت أن أختصرها بشكل سريع
في النقاط العشر التالية:
1 ـ لقد أصبح من المؤكد بأن ما حدث صبيحة
الأربعاء 6 أغسطس من العام 2008 لم يكن حركة تصحيحية، ولا تصحيحا للمسار
الديمقراطي، كما قيل حينها، وإنما كان انقلابا عسكريا حسب اعتراف الرئيس نفسه في
النسخة الرابعة من "لقاء الشعب". كما تأكد أيضا بأن رئاسة الجنرال محمد
ولد عبد العزيز للمجلس العسكري الأعلى وللدولة لم تكن شرعية حسب اعترافه هو في
النسخة الرابعة من "لقاء الشعب".
ورغم أن هذا الاعتراف لم يأت بجديد بالنسبة
لي، ولا بالنسبة للكثير من الموريتانيين، إلا أنه مع ذلك جعلني أشعر بالشفقة نحو
كل أولئك الذين أصروا وقتها على أن يصفوا ما حدث في السادس من أغسطس بأنه لم يكن
انقلابا عسكريا، وإنما كان حركة تصحيحية، وبأن قائد تلك الحركة كان يمتلك شرعية لا
يمكن الطعن فيها.
2 ـ رغم أني من عشاق علم الرياضيات لاهتمام
هذا العلم بالأعداد والأرقام، ورغم أني أملك ما يمكن وصفه بأنه شهادة قديمة في الاقتصاد
من جامعة نواكشوط، إلا أني مع ذلك شعرت بالملل وأنا أتابع أرقام الرئيس التي خصص
لها جزءا هاما من حديثه. وبالتأكيد فإن الشعور بالملل سيكون أقوى عند غيري من
الموريتانيين، خاصة منهم أولئك الذين لا يهتمون أصلا بالأرقام ولا يفهمون لغتها.
3 ـ وعلى ذكر الأرقام فإني لم أفهم كيف
انخفضت البطالة من نسبة تزيد على 30% إلى نسبة 10,8% في فترة وجيزة، خاصة أن عدد
الخريجين ظل في تزايد مستمر، وأن عدد المكتتبين في الفترة الأخيرة لم يكن لافتا
إلى الحد الذي يفسر هذا التراجع الكبير في نسبة البطالة. إن انخفاض البطالة بنسبة 20%
إذا ما ظلت المقاييس المعتمدة ثابتة عند حساب النسبتين، إنما يعني بلغة الأرقام
بأنه قد تم تشغيل مئات الآلاف من العاطلين عن العمل في الفترة الأخيرة، وهو ما لم
يحصل، وذلك بدليل أن الرئيس نفسه لم يتحدث في لقاء الشعب عن تشغيل مئات الآلاف،
وإنما اكتفى بالحديث عن تشغيل بضعة آلاف فقط.
4 ـ وحسب أرقام الرئيس دائما فإنه يمكن القول
بأن السنة الماضية كانت هي الأقل انجازا
في مأمورية الرئيس، والدليل على ذلك هو قول الرئيس في النسخة الماضية من لقاء
الشعب بأنه أنجز نسبة 70% من برنامجه الانتخابي ( وهذا يعني بأن معدل الانجاز
السنوي في السنوات الثلاث الماضية كان في حدود 23%).
أما في النسخة الرابعة فقد قال الرئيس بأن ما
تم انجازه من برنامجه الانتخابي حتى الآن
قد وصل إلى 80% ، وهذا يعني بلغة الأرقام بأن الرئيس لم ينجز في السنة الماضية إلا
نسبة 10 % من برنامجه الانتخابي.
وفي إطار النسب التي تم انجازها من البرنامج
الانتخابي فقد تحدث الرئيس عن نسبة 100% في بعض القطاعات، بل وتحدث عن تمنيه لأن
ينجز 200% . ومع أن المهتمين بلغة الأرقام لا يحبون أطلاقا استخدام مثل هذه النسب
الكاملة أو فوق الكاملة لأن ذكرها يفقد الحديث مصداقيته، إلا أني مع ذلك سأحسن
الظن بالرئيس، وسأصدق بأن مستوى الانجاز في مجال الأمن الذي ركز عليه الرئيس قد
وصل إلى نسبة 100%. بل إني أكثر من ذلك، فإني على استعداد كامل لأن أبصم وبأصابعي
العشرة على ما تحقق في عهده سيادته من انجازات
فيما يخص الحرب على الإرهاب. ولقد عبرت عن ذلك سابقا، ومن خلال سلسة من المقالات
خصصت واحدا منها لوصف أولئك الذين يقولون بأن سيادته يخوض حربا بالوكالة نيابة عن
فرنسا، بأنهم هم أيضا يمارسون إرهابا بالوكالة نيابة عن القاعدة وحلفائها في
المنطقة.
قطعا لست من الذين ينكرون ما تحقق في هذا
المجال، ولستُ من الذين يقللون من أهمية نقل ساحة المعركة مع الإرهاب إلى خارج الأراضي
الموريتانية، ولكني رغم ذلك كله لا أستطيع أن أتجاهل بأن الأمن لا يتجزأ، وبأن
الرئيس إن كان قد حقق انجازات ملموسة على مستوى الحرب على الإرهاب، إلا أنه فشل
فشلا ذريعا في مجال توفير الأمن الداخلي من خلال محاربة الجريمة التي وصلت في عهده
إلى مستويات مفزعة. ويكفي أن نستعيد ما تم ارتكابه خلال شهر رمضان الماضي من جرائم
قتل بشعة، ومن اغتصاب، ومن سطو، لنعرف أن الأمن ما يزال مفقودا وغائبا عن هذه الأرض،
وذلك رغم قول الرئيس بأنه قد حققه وبنسبة 100% .
5 ـ ومن قبل أن أترك لغة الأرقام فإنه لابد
من تذكير الرئيس بأن الحديث عن المليارات، وعن النسب العالية وعن المؤشرات المتصاعدة
لا يهم المواطن البسيط إذا لم ينعكس على تفاصيل حياته اليومية. فربة البيت لا
تهمها تلك الأرقام الضخمة إذا لم تتسلل إلى مطبخها، والعامل لا تهمه تلك الأرقام
الضخمة إذا لم يحس بها عند استلام راتبه، ورب الأسرة لا تعنيه تلك الأرقام إذا لم
تنعكس على مستوى الأسعار، والطالب لا تهمه تلك الأرقام إذا لم يلحظها في مدرسته،
والمريض لا تهمه تلك الأرقام إذا لم تصل إليه فوق سرير المرض على شكل خدمات طبية،
والمعوق لا تهمه تلك الأرقام إذا لم تكن له عونا في إعاقته، والمتسول على قارعة
الطريق لا تعنيه تلك الأرقام إذا لم تنعكس إيجابا على قيمة وحجم الصدقة التي يضعها
المتصدقون في كفه.
6 ـ
يمكنني أن اصدق الرئيس في كل شيء إلا أن أصدقه في قوله بأنه قد علم بتحديد موعد
الانتخابات من خلال الإذاعة. لا استطيع أن أصدق ذلك القول لسببين اثنين : أولهما
أن الرئيس من عادته أن يتدخل في كل شيء بما في ذلك الأمور البسيطة، فكيف يترك أمرا
جسيما كتحديد موعد للانتخابات يتم بدون علمه؟ أما ثانيهما فهو أن اللجنة المستقلة
للانتخابات أضعف وأجبن من أن تتخذ قرارا بهذا المستوى دون أن تأخذ إذنا مسبقا من
سيادته.
7 ـ لم يكن حديث الرئيس عن الأسعار مقنعا،
فتبريره لارتفاع أسعار اللحوم كان مستغربا، ودفاعه عن ارتفاع رسوم جوازات السفر
كان مستفزا، أما تفسيره لارتفاع أسعار البنزين فقد كان صادما.
وحتى تتضح الصورة أكثر فلابد هنا من أن أذكر
بأن أسعار النفط في الأسواق العالمية قد بلغت في آخر أيام الرئيس السابق 147 دولارا
ومع ذلك فإنها لم تتجاوز محليا 290 أوقية للبنزين و250 أوقية للمازوت. أما في
الوقت الحالي فإن سعر البنزين زاد على 430 أوقية والمازوت زاد على 380 أوقية رغم
أن سعر النفط عالميا هو الآن أقل بالثلث من سعره في آخر أيام الرئيس السابق.
أتدرون ما هو السبب في ذلك؟ السبب هو أن
سيادته قد ألغى ـ ومنذ منتصف السنة الماضية ـ ما يعرف بالهامش التصحيحي، والذي كانت الدولة
تدعم من خلاله أسعار النفط، وذلك بحجة أن سيادته لن تقبل أبدا أن يذهب مواطن موريتاني في رحلة ترفيهية بسيارته، ويستهلك بنزينا مدعوما من خزينة الدولة أي من
أموال الفقراء. ولقد فات الرئيس بأنه أيضا بالبنزين المدعوم تُنقل جميع البضائع
والسلع التي يستهلكها الفقراء في موريتانيا، وبأنه بوقف ذلك الدعم فإن كل السلع
التي يستهلكها الفقراء سيزداد سعرها.
8ـ أعترفُ للرئيس بجرأته وبشجاعته وبقدرته
على المواجهة وهو ما يظهر من خلال لقاءات الشعب التي يُمنح فيها للصحفيين
المشاركين الحرية الكاملة في طرح ما يخطر ببالهم من أسئلة. ومع أن الصحفيين المشاركين لم يستغلوا هذه
الفرصة أحسن استغلال إلا أنهم مع ذلك قد تمكنوا في بعض الأحيان من طرح أسئلة محرجة
للرئيس.
وفي هذه النسخة فقد كان السؤال الأكثر إحراجا
هو السؤال المتعلق بتسجيلات أكرا، ولقد أجاب عليه الرئيس بجرأة وبشجاعة مذكرا
بالتحقيق الذي كان بعض نواب المعارضة قد وعدوا بكشف نتائجه للشعب الموريتاني.
وبالمناسبة فأين نتائج التحقيق؟ لقد حان الوقت لأن يكشف نواب المعارضة عن نتائج
تحقيقهم، فإن كانوا قد توصلوا إلى أدلة تدين الرئيس فعليهم أن يقدموها للشعب
الموريتاني، وإن كانوا قد فشلوا في التوصل إلى أدلة فعليهم أيضا أن يعترفوا علنا بذلك.
9 ـ لم يكن حديث الرئيس عن اللجنة المستقلة
للانتخابات، وعن موعد 12 من أكتوبر مقنعا. فالرئيس يقول بأن الانتخابات التشريعية
والبلدية قد تم تأجيلها لعامين ولم يعد بالإمكان تأجيلها أكثر. بالنسبة لي لا أجد
فرقا من الناحية القانونية والسياسية بين عامين أو ثلاثة، فما دام قد تم تأجيل تلك
الانتخابات لعامين فيمكن تأجيلها لعام ثالث أيضا. أما قول الرئيس بأنه على استعداد
لتوسعة اللجنة المستقلة للانتخابات، ولتأجيل موعد 12 أكتوبر بأسبوع أو بأسبوعين أو
بثلاثة فذلك يعني بأن الرئيس قد اعترف علنيا بأنه على استعداد للتدخل في عمل
اللجنة المستقلة للانتخابات، ولا يهم هنا أن يكون التدخل لتأجيل موعد 12 من أكتوبر
بأسبوع واحد أو بعام كامل لأن المدة ليست هي المهمة هنا، وإنما المهم هو حدوث
التأجيل من عدم حدوثه.
10 ـ لاشك أن فكرة لقاء الشعب فكرة مهمة،
خاصة أنها جاءت بعد سُنَّة سيئة كان الرئيس السابق قد سنها باحتفاله بالذكرى
اليتيمة لتنصيبه بتبديد الكثير من أموال الشعب من خلال استدعاء الفرق الموسيقية، ومن
خلال تنظيم سهرات موسيقية صاخبة. ولكن المؤسف هو أن هذه الفكرة المهمة، والتي لا
تقل في أهميتها عن فكرة مهرجان المدن القديمة، والتي سنها أيضا الرئيس الحالي، قد
انحرفت كثيرا عن الأهداف التي كانت ترجى منها.
فلم يعد لقاء الشعب بلقاء بالشعب وإنما أصبح
مناسبة سنوية لتبذير أموال الشعب، ولتنافس القبائل والوجهاء، ولإظهار آخر ما
ابتدعه المنافقون والمطبلون والمصفقون من صيحات التطبيل والتصفيق، والتي تميز فيها
هذا العام السفير الموريتاني في الدوحة، والذي شاهده الموريتانيون وهو يلهث أمام
سيارة الرئيس في مشهد مثير للاشمئزاز وللتقزز.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق