السبت، 23 فبراير 2013

جوزيتم خيرا



تعودنا دائما أن نركز على الاختلالات القائمة في المجتمع، لذلك فلا غرابة أن تجدنا نتنافس دائما على تقديم تلك الاختلالات، بل والمبالغة في بعض الأحيان في عرضها. وكأن الحديث عن تلك الاختلالات قد أصبح  فرض عين على كل موريتاني، لا يكله كاتب لكاتب، ولا سياسي لسياسي، ولا ربة بيت لربة بيت.

ومع أنه لا جدال في  أننا قد حققنا اكتفاءً ذاتيا في مجال الاختلالات، وأننا نملك مخزونا استراتيجيا من تلك الاختلالات قد لا ينضب في المستقبل المنظور، وأنه بإمكاننا أن نظل نتحدث عنها دون غيرها ولسنوات قادمة. ومع أنه لا جدال في كل ذلك، إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون من الضروري جدا أن نغمض الأعين عن تلك الاختلالات، وأن نبحث عن نقطة مضيئة  في بحر الاختلالات الذي نسبح فيه، وذلك لكي نقدمها للناس عسى أن يساعدهم ذلك في التخفيف من حجم الإحباط الذي يتخبطون فيه.
ويزداد الأمر إلحاحا في مثل هذا الأسبوع الذي توقفت فيه رسميا الحرب الافتراضية على الفساد (عمليا لم تنطلق تلك الحرب حتى الآن)، وذلك بتعيين "خيرة المفسدين" في خيرة الوظائف، وباستقبال بعضهم الآخر في قصر لم يتركوه ولا للحظة.
كما يزداد الأمر إلحاحا في مثل هذا الأسبوع الذي تصاعدت فيه جرائم القتل بشكل مخيف، حتى أصبحت جرائم القتل هي التي تتصدر الأخبار في المواقع المحلية، ففي يوم الجمعة لوحده كانت العناوين كالتالي (جريمة قتل في توجنين بسبب هاتف نقال، أو بسبب قطعة خبز حسب أحد المواقع، العثور على شخص ميت في دار للحفلات في التيارت، العثور على رضيع مدفون في الرمال....).
ففي مثل الأسبوع قد يكون أهم شيء يمكن فعله هو أن نبحث عن نقطة مضيئة لنقول من خلالها بأننا لا زلنا بخير، وبأن هذا الشعب العظيم لا يزال يملك أيضا مخزونا استراتيجيا من شتى أصناف المعادن الثمينة، عفوا، من شتى أصناف الخصال الحميدة.
لقد أظهر الموريتانيون شيئا غير يسير من طيبتهم ومن لحمتهم ومن تكافلهم، وذلك عندما  علموا  عن طريق  عمدة أوجفت بأن الفقيه  باب ولد معطه شفاه الله يمر بوضعية صحية صعبة.
ففي مواقع التواصل الاجتماعي وجد الفقيه ما يستحق من تضامن، وفي الواقع وجد أيضا من التضامن ما يليق به، ومن كل الموريتانيين بمختلف شرائحهم، وبكل فئاتهم ومشاربهم.
ولقد أسعدني كثيرا أن سيدة تقطن في منزل يقع على رأس الشارع الذي يقع فيه منزل الفقيه دلتني على منزل الفقيه حتى من قبل أن أسألها عنه.
فبعد أن ردت تلك السيدة على تحيتي قالت لي ومن قبل أن أسألها : أترى تلك السيارة الصغيرة إنها تقف أمام منزل الفقيه باب ولد معطه.
ولأن السيدة ربما تكون قد لاحظت شيئا من ارتباكي، أردفت قائلة: أعرف أنك تسأل عن منزل باب حتى ومن قبل أن تسأل، لذلك فأنا لم أعد بحاجة لأن أنتظر السؤال. لقد تعودت في هذه الأيام أن أرد على تحية الغرباء بتحية وبإشارة إلى منزل الفقيه باب، لأني أعرف مسبقا بأنهم سيسألونني عن منزل الفقيه.
لقد كان الإقبال كبيرا على منزل الفقيه، وذلك هو ما جعل تلك السيدة تقرر أن تدل الزائرين على منزل باب حتى من قبل أن يسألوها عنه.
قبل الزيارة، وعندما علمت بمرض الفقيه باب، وبعدم تمكنه من العلاج بسبب قلة الموارد المالية، كنت قد كتبت على صفحتي الشخصية على الفيسبوك  الخاطرة التالية:  "بإمكاننا أن ننظم حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للتضامن مع الفقيه المريض باب ولد معطه، وسيكون ذلك موقفا نبيلا إن اكتفينا به، ولكن بإمكاننا أيضا أن نفعل شيئا آخر قد يكون أكثر أهمية وأكثر جدوائية، وهو أن يتبرع كل واحد منا بمبلغ بسيط للمساعدة في علاج الفقيه باب.
فهل من متبرع ؟"
بعد نشر تلك الخاطرة وصلتني مكالمات عديدة من موريتانيين في الداخل وفي الخارج عبروا عن استعدادهم للتبرع، وأنهم لا ينتظرون إلا أن يجدوا من يوصل تبرعاتهم للفقيه المريض.
ومع أني كنت قد أوقفت حملة جمع التبرعات من قبل بدئها، وذلك بعد أن علمت بأن السلطات قد تكفلت بتحمل تكاليف علاج الفقيه المريض، ومع أني قد أوقفت تلك الحملة إلا أن ذلك لم يمنع بعض الموريتانيين في الخارج من أن يرسلوا لي مبالغ مالية، ويصروا على إيصالها لأسرة الفقيه، رغم أني كنت قد أشعرتهم بأن السلطة قد تحملت مسؤوليتها في هذه الحالة، وأنها قد تكفلت بتحمل تكاليف علاج الفقيه باب شفاه الله.
فهذا صديق لي لا أعرفه إلا على الفيسبوك يرسل لي مائة وسبعين ألف أوقية لأوصلها لأسرة الفقيه، وذلك آخر يرسل لي مائة وتسعين ألف أوقية، وهذا طالب في المغرب يقول بأنه يريد عنوانا ليرسل لي عن طريقه مبلغا بسيطا كمساهمة منه في علاج الفقيه.
والحقيقة أني لم أفاجأ بذلك، خاصة من طرف الجالية الموريتانية في انغولا وفي الكونغو والتي واكبت برنامج "ويؤثرون على أنفسهم" في مواسمه الأربعة، حتى ارتبط اسم هذه الجالية باسم البرنامج، وطوبى لتلك الجالية بذلك الارتباط.
فتقبل الله من الجميع، وتقبل الله من الجاليات في الخارج، و التي كلما وُجِه إليها نداء للبذل في الخير سارعت إلى تلبية ذلك النداء.
تصبحون على أخبار طيبة... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق