السبت، 4 أغسطس 2012

يا أهلنا في أطار أدخلوا ملاجئكم فرئيس الفقراء قادم..!!



لقد كنت إلى وقت قريب أعتقد بأن كلمة الشعب تعني كل أفراد الشعب، وأنه إذا كان لابد من تمييز ايجابي لمن يستحق أن ينفرد بتلك الكلمة دون غيره، فإنه يجب أن يكون الفقراء والبسطاء والمرضى وأصحاب المظالم، خاصة إذا ما كنا نعيش أفراح الذكرى الثالثة المخلدة لتنصيب "رئيس الفقراء".
ذلك هو ما كنت أعتقد من قبل، ولكن لقاءات الشعب التي نظمها رئيس الفقراء أثبتت لي بأن الشعب الذي يحرص الرئيس على لقائه، ليس هو الشعب الذي أعرفه، ولا ذلك الذي أنتمي إليه. .
ولقد تكشفت لي تلك الحقيقة شيئا فشيئا، ففي العام الأول كنت أعتقد بأن الشعب الذي يقصده الرئيس بلقائه هو الشعب المعروف لدينا نحن العامة. وقد دفعني ذلك الاعتقاد الخاطئ لأن أتحمس كثيرا لأول لقاء بالشعب فكتبت بمناسبة ذلك اللقاء رسالة مفتوحة إلى الرئيس تحت عنوان " أسئلة حائرة إلى رئيس الجمهورية" جمعت فيها ثمانية وأربعين سؤالا من تلك الأسئلة الحائرة التي ترتسم على شفاه بسطاء الشعب، ثم انتظرت من الرئيس أن يجيبني على سؤال واحد منها على الأقل، ولكن الرئيس لم يجب على أي سؤال منها، الشيء الذي جعلني أشعر بخيبة أمل كبيرة بعد لحظة حماس عابرة.
بعد اللقاء الأول بالشعب علمت بأن هناك صنفين من الشعب : شعب رئاسي (وهو الحاشية)، وشعب شعبي (عامة الناس وبسطائهم)، ولأني لست من الشعب الرئاسي، ولا أعرف ما هي همومه بالضبط، ولا طبيعة أحلامه، ولأني وقتها لم أكن قد أعلنت التوقف عن كتابة الرسائل المفتوحة، فكان لابد لي من كتابة رسالة مفتوحة بمناسبة النسخة الثانية من اللقاء بالحاشية، وقد كتبتها، ولكن بعد أن اهتديت إلى حيلة ذكية مكنتني من كتابة رسالة مفتوحة خالية من أي سؤال، وكان عنوانها: "لن أسألكم يا سيادة الرئيس".
أما في هذا العام فقد كتبت بمناسبة النسخة الثالثة من لقاءات الرئيس بحاشيته مقالا تحت عنوان : "الرئيس يلتقي بحاشيته في أطار".
ولقد كتبت ذلك المقال بعد أن علمت بأن "الشعب" الذي يعتصم بشكل يومي أمام القصر الرئاسي، ليس من الشعب حسب الفهم الرئاسي، فلو كان من الشعب حقا لقرر الرئيس أن يلتقي به، خاصة أن اللقاء به لن يكلف خزينة الدولة أوقية واحدة. فالشعب المعتصم اختار أن يتحمل تكاليف التنقل إلى الرئيس، بدلا من ترك الرئيس وحاشيته يتحملون تلك التكاليف، كما هو حاصل في لقاء الرئيس بحاشيته في أطار.
ولقد علمت أيضا بأن عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل من حملة الشهادات ليسوا كذلك من الشعب حسب الفهم الرئاسي، فلو كانوا من الشعب لقرر الرئيس أن يلتقي بهم، خاصة وأن فيهم مجموعة "كواس حامل شهادة" والتي اقتحمت القصر الرئاسي ذات يوم مثير، واعتصمت داخله وطالبت بلقاء الرئيس، ولكن لأنها ليست من الشعب الرئاسي فقد رفض الرئيس أن يلتقي بها، وحاصرها الحرس الرئاسي وحرمها من الماء والطعام حتى أخرجها الجوع والعطش من قصر "رئيس الفقراء".
ولقد علمت بأن الطلاب ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، و أن الأساتذة المعلقة رواتبهم ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن العمال في أكجوجت و أزويرات ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن أهلنا في مكطع لحجار والمذرذرة وجكني وباقي مقاطعات الوطن ـ باستثناء انبيكت لحواش والشامي ـ  ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن البحارة في نواذيبو ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن نساء أدويرارة لسن من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن العائدين من ساحل العاج وليبيا ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن نساء الفلوجة لسن من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن كل أهالينا في الترحيل ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن المحامين ونقيبهم ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن الأطباء والممرضين ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن المعوقين ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن المتسولين ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وأن أهلنا في أطار ليسوا كذلك من الشعب حسب الفهم الرئاسي.
فأهلنا في أطار عليهم أن يختفوا تماما عن الأنظار خلال "لقاء الشعب" لأنهم ليسوا من الشعب حسب الفهم الرئاسي، وعليهم أن لا يخرجوا من بيوتهم حتى لا يشوهوا الشوارع التي تم تنظيفها، ولا المباني التي تمت صباغتها، ولا اللوحات الجميلة التي تم رفعها.
عليهم أن يختفوا عن الأنظار حتى لا يزعجوا الرئيس ـ بمظهرهم البائس ـ  خلال مقامه في مدينتهم التي تبدلت، أرضها،  وشوارعها، ومبانيها، ولوحاتها، وساكنتها أيضا.
ستظهر أطار خلال مقام الرئيس، وكأنها مدينة بلا معاناة، مع أن العكس هو الذي كان يجب أن يحصل، فزيارة الرئيس كان يجب أن تستغل لإظهار المعاناة، ولإخفاء أي مظهر من مظاهر النعيم في المدينة، إن كان مثل ذلك المظهر يوجد أصلا، لأن ذلك ربما كان سيدفع بالرئيس لأن يفعل شيئا للمدينة، أو يتألم على الأقل لحالها، حتى ولو كان ذلك الألم  ليوم واحد فقط.
وختاما فعلى الشعب الموريتاني أن يعلم بأنه ليس هو الشعب المقصود بلقاء الرئيس، فالشعب المقصود حسب الفهم الرئاسي يتكون من سبعة من الصحفيين، و 15000 إلى 20000 مدعو من طرف الحزب الحاكم، وعشرة إلى عشرين متصلا عبر الهاتف سيتم إخضاعهم لأحدث وسائل الفلترة المعروفة.
تصبحون وأنتم من الشعب الرئاسي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق