السبت، 18 فبراير 2012

ملاحظات سريعة على الحلقة الأولى من كتاب "نجاة العرب"



بالأمس كنا نُنفق ببذخ لتشييد دور الكتاب، وكنا نفتخر عندما يلتقط لنا التلفزيون صورة عابرة ونحن نطالع كتابا في الطبخ أو في الخياطة، وكنا نتمايل طربا كلما سمعنا أغنية الكتاب، وكانت تغمرنا سعادة عارمة  كلما مررنا ـ ذهابا أو إيابا ـ  بمجسمات الكتاب عند ملتقى طرق "كارفور مدريد".
ثم نسينا قصة الكتاب لسنوات ست، فأبدلنا مطالعة الكتب بغرس الشجر.

نسينا الكتب ودورها وأغانيها ومجسماتها إلى أن فاجأتنا المواقع والصحف بخبر صدور أول كتاب للرئيس الأسبق معاوية، وهو الكتاب الذي أعادنا  ـ رغما عنا ـ إلى الحديث من جديد عن الكتب.
كان الخبر مثيرا وغريبا، وكان مُحيرا أيضا..

فبعد صمت كامل لست سنوات، يقرر الرئيس السابق معاوية، أو الكاتب معاوية، على الأصح، أن يكسر صمته من خلال  إصدار كتاب تحت عنوان: " نجاة العرب".

ومع أني لم أطلع حتى الآن على الكتاب بشكل كامل، إلا أني مع ذلك طالعت الحلقة الأولى من الكتاب، والتي نشرها موقع "صحراء ميديا"، وهي الحلقة التي أثارت لدي بعض الملاحظات السريعة، والتي أردت أن أطلع عليها القراء الأعزاء، ومن هذه الملاحظات:

1 ـ لقد بدأ المؤلف معاوية كتابه بالجملة التالية : "أذهلتني سرعة انتشار الفتن والاضطرابات في البلدان العربية، وقادني الأمر إلى التفكير في العرب، ثم إلى تخيل حوار حول تلك الأحداث المفاجئة، يدور بين رجل سياسي ذي خبرة طويلة وشبان يمثلون نماذج من فئات الشباب المنتفضين، يثير الحوار أساسا مسألة عجز العرب عن مسايرة الأمم المتقدمة، وعن إقامة أنظمة ديمقراطية في بلدانهم إلى الآن" 
.
إن التأمل في هذه القرة لوحدها  ليؤكد بأن الكاتب معاوية غير راض عن الربيع العربي فاختياره  لكلمتي الفتن والاضطرابات لوصف ما يجري، لم يكن اختيارا عفويا أو عبثيا.

وتأتي فكرة الحوار بين خمس شخصيات ، التي يعتمد عليها كتاب "نجاة العرب" ، لتعويض الحوار الذي ظل غائبا  خلال عشرين سنة من حكم الرئيس معاوية، خاصة مع فئة الشباب، والتي أعطاها الكاتب معاوية مساحة واسعة في كتابه من حيث عدد الشخوص، وربما من حيث حجم الأفكار والآراء الواردة في الكتاب (وهذا ما سيتم التحقق منه بعد الإطلاع على الكتاب كاملا).

كما تُظهر الفقرة نفسها بأن الكاتب معاوية  لا يزال ـ رغم كل ما حدث ـ يثق في نفسه ثقة كاملة، وإذا ما صدق حدسي، فالرجل السياسي ذي الخبرة الطويلة، كما وصفه الكاتب معاوية، إنما جاء به الكاتب ليقدم من خلاله وجهة نظره واقتراحاته للعرب، والتي ستنجيهم من الفتن والاضطرابات التي يمرون بها.

إن معاوية الرئيس الذي فشل في أن يجنب بلاده الانقلابات، لا يزال يعتقد بأنه لديه القدرة  على أن ينجي العرب من شر قادم إن هم استمعوا لاقتراحاته ونصائحه التي اختار أن يقدمها بشكل غير مباشر،  من خلال شخصية سياسية تخيلية وصفها بأنها صاحبة خبرة طويلة. 

2 ـ  يعطي الكاتب معاوية أهمية بالغة لتهميش اللغة العربية فيما يحدث من مشاكل، ويعتقد الكاتب أن الاهتمام باللغة قد يحل جميع المشاكل التي يعاني منها العرب، وهذا ما يظهر ـ على الأقل ـ من خلال مقدمة الكتاب: وهذا الاهتمام الكبير من طرف المؤلف باللغة العربية يثير الاستغراب، خصوصا إذا ما علمنا بأن معاوية الرئيس هو الذي عمل على زيادة الفجوة بين مكونات شعبه من خلال "الإصلاحات" التي قام بها في فترة حكمه، والتي انعكست سلبا على اللغة العربية، كما أنها زادت من  حجم الحواجز، ومن اتساع الفجوة وغياب التواصل بين مكونات  الشعب الموريتاني.

إن هذا الاهتمام الذي يعطيه معاوية الكاتب للغة العربية، لم يكن ظاهرا عند معاوية الحاكم، وإن كان ذلك لا يعني بأننا لن نعترف للرجل بأنه قد بذل جهدا كبيرا في تعلم اللغة العربية أثناء حكمه، وهو ما مكنه من أن يخطب بها أثناء حكمه، وأن يؤلف بها بعد ست سنوات من الانقلاب عليه كتابا أسماه "نجاة العرب".

3 ـ إن التركيز  في هذا الكتاب على الشباب الذي خصص له المؤلف أربع شخصيات من بين شخصيات الكتاب الخمسة، قد يكون له ما يبرره خاصة وأن الكتاب قد جاء بعد الثورات التي قادها الشباب: ولكن ذلك لا يمنع من القول بأن الاهتمام لدى المؤلف بالشباب، ربما يكون أيضا نتيجة لشعوره  بالذنب لتهميشه للشباب خلال عقدين من حكمه، حتى وإن كان في حملته الرئاسية الأخيرة قد قدم وعودا مغرية للشباب فشل في تجسيدها على أرض الواقع.

ولقد لفت انتباهي أن الشخصية الأولى التي ذُكرت في الكتاب هي شخصية لعاطل عن العمل، ولقد عانى العاطلون عن العمل في عهد الرئيس معاوية، وإن كان وضعهم في عهده أحسن بكثير من وضعهم في عهد كل من الرئيس أعل، و الرئيس سيدي، و الرئيس محمد ولد عبد العزيز. ففي عهد معاوية كان الآلاف من حملة الشهادات يتقاضون رواتب في حملات محو الأمية، وفي دور الكتاب، وحتى من اتحادية المخابز . وكانت تلك الرواتب رغم تواضعها تعين العاطل عن العمل على مواجهة تحديات الواقع، وكان يمكن اعتبارها بمثابة تعويض في فترة البطالة تستفيد منه نسبة هامة من العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات.

أما أسماء شخصيات الكتاب أو الرواية فيبدو أنها أسماء محايدة، اختارها المؤلف بعفوية، حتى وإن كان اسمح "صالح" الذي اختاره الكاتب لشخصية الرجل السياسي صاحب الخبرة الطويلة لا يمكن الجزم بأنه كان نتيجة لاختيار عفوي.

تبقى الملاحظة الأخيرة التي لفتت انتباهي وأنا أقرأ الحلقة الأولى من كتاب "نجاة العرب" هي أن الكاتب اختار  أن يتحدث في السياسة من خلال شخصيات متخيلة اختارها الكاتب ليقدم من خلالها اقتراحاته  للعرب والتي ستنجيهم  ـ إن عملوا بها ـ من الفتن والاضطرابات التي يمرون بها حسب رأي المؤلف.

إن الكتابة في السياسية من خلال شخصيات روائية جعلتني أتشوق كثيرا لمطالعة كتاب "نجاة العرب" لمؤلفه معاوية ولد سيد أحمد الطايع، دون أن يعني ذلك بأني أصبحت في شوق للرئيس معاوية، وإن كنت لا أستطيع أن أنكر بأن نسبة معتبرة من الشعب الموريتاني أصبحت في حنين إلى عودة الرئيس معاوية بعد أن ساءت أوضاعها المعيشية شيئا كثيرا.

تصبحون على  الحلقة الثانية من "نجاة العرب".....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق