الاثنين، 14 مارس 2011

كيف تُزيح دكتاتورا عربيا في ثلاثة أسابيع!؟


لن يكون غريبا في عام الثورات هذا، أن تصدر عشرات الكتب التي تحمل مثل هذا النوع من العناوين المغرية، على طريقة كتب كيف تتعلم الانجليزية في شهر، أو كيف تكون مؤثرا في أسبوع. ونظرا لأن هذه الثورات المباركة كانت ثورات عربية خالصة، فلن يكون غريبا كذلك أن تتأثر عناوين الكتب المحتملة الصدور بالخصوصية العربية والإسلامية في صياغة العناوين. فربما نسمع عن كتاب "المختصر المفيد في سقوط العقيد"، أو كتاب "صريح الأقوال لإزاحة الجنرال"، أو كتاب " سبع خطوات للإطاحة بأعتى الديكتاتوريات"، أو غير ذلك من العناوين المنظومة.
هي إذاً عناوين كثيرة محتملة لكتب قد تصدر أو لا تصدر، اخترنا من بينها تلخيصا لكتاب افتراضي لم يصدر بعد، تحت عنوان " كيف تزيح دكتاتورا عربيا في ثلاثة أسابيع!؟". وفي هذا الملخص لن نقدم ـ بالتأكيد ـ نصائح عملية ملموسة لإزاحة دكتاتور عربي في ثلاثة أسابيع ، وإنما سنحاول ـ بدلا من تقديم خطوات عملية بشكل مباشر ـ أن نتتبع بعض الملامح المشتركة بين الثورات الثلاث ( التونسية، المصرية، الليبية) في محاولة لمعرفة أسرار نجاح تلك الثورات، في إزاحة ثلاثة دكتاتوريين لم يكن من المتخيل أن إزاحتهم ستكون بتلك البساطة، وبتلك السرعة التي تمت بها.
رحل دكتاتوران، والثالث سيرحل قريبا لا محالة، بفعل ثورات شبابية تشابهت ملامحها وإن اختلفت في بعض التفاصيل الصغيرة. ومن بين الملامح المشتركة كانت هناك ملامح ظاهرة وجلية لا تحتاج لجهد فكري كبير من أجل تلمسها، ويمكن أن أذكر منها في هذا المقال سبعا.
1 ـ الشعور بالمسؤولية لدى أغلب المشاركين في الثورات الجديدة، حيث لوحظ في هذه الثورات ـ وهذه من أهم ميزاتها ـ أن كل مشارك كان يتصرف وكأنه لوحده في الميدان، أو كأنه هو وحده، دون غيره، من يقع عليه عبء نجاح الثورة، دون أن يعني ذلك غياب روح العمل الجماعي. لقد كان الجميع يفكر فردا فردا، ويقترح فردا فردا، وينزل إلى الميدان فردا فردا. وغابت السلبية والإتكالية عن المشاركين في هذه الثورات، ولم يكن هناك مشارك يقبل ـ عكس ما كان يحدث في السابق ـ أن ينوب عنه مشارك آخر، أو أن يناضل، أو أن يضحي نيابة عنه.
2 ـ لقد استطاعت هذه الثورات وفي بدايتها أن تستقطب خيرة الشباب في البلدان التي اشتعلت فيها تلك الثورات، حيث لوحظ أن الشباب الذي قاد ـ وبشكل جماعي ـ تلك الثورات كان هو الشباب الأكثر تعلما، والأكثر وطنية، والأكثر تحضرا، والأكثر سلمية، والأكثر معاصرة، خاصة من حيث القدرة على تطويع التكنولوجيا واستخدامها لصالح القضايا التي يناضل من أجلها.
ووجود هذه النخبة الشبابية الرائعة هو الذي أسقط كثيرا من "الخرافات" التي كان يجمع عليها الناس، والتي كانت تُعيق كل تغيير عن طريق الاحتجاج والثورات الشعبية.
فأسقط الشباب خرافة الفوضى، ولم يعد التظاهر والاحتجاج يعني الفوضى. وذلك بعد أن أثبت الشباب الثائر في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا بأنه أشد حرصا على النظام و السكينة والأمن من الأنظمة الحاكمة، والتي كان من المفترض أن تكون أكثر حرصا على تحقيق كل ذلك. وقد ظهر ذلك من خلال تأسيس لجان شعبية لتوفير الأمن، كما ظهر أيضا من داخل ساحات الاحتجاج نفسها، والتي كانت آمنة من الداخل، ومنظمة بطريقة مبهرة، خاصة في القاهرة التي كان يجتمع في ميدان تحريرها الملايين من المحتجين.
وسقطت خرافة الفتنة، ولم يعد التظاهر مرادفا للفتنة الطائفية أو القبلية أو العرقية. فقد استطاع الشباب الثائر أن يُظهر صورا راقية من اللحمة الوطنية بين الطوائف والأعراق والأديان والقبائل لم يكن بالإمكان مشاهدتها قبل اشتعال تلك الثورات المباركة.
3 ـ لقد استطاع الشباب الثائر أن يثبت بأن هذا الجيل الجديد من الثورات، ليس ثورات جياع يقودها جياع، أخرجهم الجوع إلى الشوارع، ليحتجوا بعنف، ولينهبوا، وليسرقوا ما يسد رمقهم. ومع أن هناك جياعا كثرا في ثورات الفيس بوك إلا أنهم يختلفون عن غيرهم من الجياع، فهم متعلمون راشدون ووطنيون، ولم ـ ولن ـ يقبلوا بأن يخربوا أوطانهم في سبيل وجبة من طعام.
ولقد استطاع شباب الثورات الجديدة، أن يفرضوا على الأوساط الإعلامية والسياسية والنخبوية بصفة عامة استبدال مصطلح مشين ومنفر ( ثورة الجياع)، بمصطلح أخر متحضر وأنيق وجذاب (ثورة الفيس بوك).
4 ـ يمتاز ثوار الفيس بوك بأن لهم قدرة فائقة على رسم الأهداف الطموحة، والتي تمتاز بخاصيتي الهدف الطموح، من حيث كونه صعبا وممكنا في نفس الوقت. فهم يختلفون عن فئتين من المناضلين السياسيين التقليديين لم يتسم نضالهما بالفعالية، وتسببتا، بشكل أو بآخر، في استمرار هذا الواقع البائس الذي تعيشه المجتمعات العربية. وهاتان الفئتان هما : فئة كانت تناضل من أجل تحقيق أهداف تافهة، وسخيفة، كالسعي لتحقيق بعض المصالح الشخصية لقادتها، أو تحقيق مصالح حزبية ضيقة في أحسن الأحوال، وفئة ثانية ظلت تناضل في سبيل أهداف نبيلة، بطرق مستحيلة ، وفاتها بأنها كانت تهدر طاقاتها في أهداف مستحيلة التحقيق في ظل الوضعية العربية الراهنة، فتحقيق الوحدة العربية يسبقه تحقيق الوحدة الوطنية الداخلية، وتحرير فلسطين لن يأتي إلا بعد تحرير الشعوب العربية من الدكتاتوريات التي تحكمها. كما أن ثوار الفيس بوك أثبتوا كذلك أنهم قادرون على التفريق ـ عكس المناضلين التقليديين ـ بين الأهداف الإستراتيجية، والأهداف المرحلية و الإجرائية والتكتيكية التي لا تتعدى كونها مجرد درجات في السلم لابد من المرور بها للوصول إلى الهدف الاستراتيجي، دون أن يعني ذلك أنها تستحق التوقف بشكل نهائي عند إحداها.
5 ـ تتسم هذه الثورات بخطابها المقنع و بشعاراتها الجذابة التي استطاعت أن تستقطب شرائح وفئات عديدة، في وقت قياسي. فهذه الثورات التي بدأت بالشباب، تحولت في وقت قصير إلى ثورات شعبية انضمت لها كافة الشرائح والفئات، والتحق بها الشيوخ والأطفال والنساء والعلماء والمثقفون والبسطاء والعاطلون والموظفون والفنانون ...
ولقد تميزت هذه الثورات بأنها ابتعدت بحكمة بالغة عن كل الشعارات والخطابات التي قد تُثير حساسية البعض، وركزت على المطالب والشعارات التي هي محل إجماع وطني ولا يتخلف عنها إلا "بلطجي" مشهود له بالبلطجة، أو منتسب للحزب الحاكم معروف بانتسابه لكل حزب حاكم.
6 ـ تميز ثوار الفيس بوك بقدرتهم الفائقة على كشف عورات النظام الحاكم وإرباكه، وعلى تقديمه للشعوب وإظهاره على حقيقته المخجلة والبائسة والتي استطاع أن يحجبها عن المواطنين سنين عددا.
ولم يستطع الدكتاتوريون الثلاثة أن يصمدوا في وجه تلك الثورات الذكية التي استخدمت أسلحة جديدة لم تكن معهودة، أجبرت الحكام على أن يتحدثوا، ويتحدثوا، ويتحدثوا. فتحدث أولهم عن عصابة من الملثمين، وتحدث ثانيهم عن أقلية مندسة، وجاء ثالثهم بنظرية الحبوب الهلوسة. ولم يعرف الحكام كيف يواجهون الاحتجاجات، فهم إن تركوها سلمية بلا مواجهة أظهروا للعالم كم تكرههم شعوبهم، وإن واستخدموا العنف أظهروا للعالم كم هم وحشيون. أما الخيار الثالث وهو الخيار الأسلم، أي الاستجابة ـ وبشكل مبكر ـ للمطالب فلم يهتدوا إليه، لذلك فقد رفضوا الاستجابة لمطالب الثوار في الوقت المناسب ، ولم يستجيبوا لها إلا بعد أن أصبح الوقت متأخرا جدا، وبعد أن أصبحت الاستجابة لتلك المطالب دليلا على ضعف الحاكم وعزلته ، وليست دليلا على توبته ورغبته في الإصلاح.
7 ـ لقد استطاعت تلك الثورات أن تكشف عن زيف نظرية التآمر والتي ظل يرددها الحكام ويسومون بها كل من يريد ويسعى للإصلاح. فالحكام هم الذين عُرفوا بتنفيذ أوامر الأجنبي ولم يتركوا الأجنبي بحاجة لأن يحيك المؤامرات، لأنهم ينفذون له كل ما يريد، ودون الحاجة للتآمر. أولئك الحكام المتآمرون على شعوبهم هم الذين يتهمون كل راغب في الإصلاح بأنه عميل ومتآمر مع الأجنبي.
ولقد كشفت تلك الثورات بأن "الراعي" أشد خطرا من "الذئب"على “القطيع" (وعذرا على استخدام هذا المصطلح الذي لم يعد صالحا بعد الثورات المباركة). وكشفت كذلك أن الثورة على "الراعي" يجب أن تسبق مواجهة الذئب. فمواجهة الذئب لن نكسبها إلا بعد القضاء نهائيا على " الراعي" الظالم.
تصبحون على رحيل الدكتاتور الثالث...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق