الاثنين، 4 أكتوبر 2010

خاص برئيس الجمهورية (13)


سيدي الرئيس،
لقد انتقدتم بشدة التلفزيون أثناء زيارتكم له، وطلبتم من القائمين عليه أن يهتموا أكثر بهموم المواطنين. ولقد استدعيتم ثلاث مرات ـ على الأقل ـ مديري مؤسسات الإعلام الرسمي، وطلبتم منهم نفس الطلب. بل إنكم فوق ذلك قررتم أن تجعلوا من ذكرى التنصيب مناسبة للقاء مفتوح للإجابة على أسئلة بعض الصحفيين والمواطنين العاديين الذين أتيحت لهم فرصة المشاركة في ذلك البرنامج الهام، والذي شكل سابقة من نوعه في المنطقة. كل ذلك حدث بعد تنصيبكم، وكل ذلك جعلنا نتوقع أن يتحسن أداء الإعلام الرسمي، خاصة بعد أن صادق البرلمان على قانون تحرير الفضاء السمعي البصري. ولكن الذي حدث كان هو العكس تماما، فقد ابتعدت تلك المؤسسات كثيرا عن هموم المواطن العادي، في تحدٍ سافر لتعليماتكم وتوجيهاتكم الصريحة والواضحة في هذا المجال.
لقد أردتم للتلفزيون أن يكون قريبا من هموم المواطن العادي، وأراد له مديره أن يكون بعيدا من هموم المواطن. فكان ما أراد المدير، لا ما أردتم أنتم.
صحيح أن المدير استحدث بعد زيارتكم للتلفزيون برنامج " الحكومة في الميزان". وصحيح أيضا أنه سمح بتقديم بعض الحلقات الحوارية التي تم فيها نقاش بعض القضايا التي تهم المواطن العادي. ولكن صحيح أيضا أن كل ذلك كان مجرد ردة فعل عابرة، على تعليمات وتوجيهات سيادتكم السامية، والتي كانت بالنسبة لمدير التلفزيون مجرد تعليمات وأوامر عابرة، يجب التعامل معها بشكل عابر.
لقد توقف برنامج "الحكومة في الميزان" قبل أن يستضيف كل الوزراء. وتوقف برنامج " المنتدى" الذي كان يناقش ـ من حين لآخرـ بعض القضايا التي تهم المواطن. كما تجاهل التلفزيون المعركة الأخيرة التي خاضها جيشنا الوطني ضد بعض الإرهابيين في الشمال المالي، بل إنه ركز على برامج الغناء والطرب في الأوقات التي كان فيه بعض جنودنا الأبطال يقدمون أرواحهم دفاعا عن الوطن. ولم يبذل التلفزيون أي جهد ـ حتى ولو كان قليلا ـ من أجل تصحيح نظرة البعض للعمليات التي يقوم بها جيشنا ضد الإرهاب، والتي لا زال البعض يعتبرها حربا بالوكالة.
سيدي الرئيس،
لقد أصبحت لكل مؤسسة من مؤسساتنا الإعلامية سياستها الإعلامية الخاصة بها، والتي لا يحدد معالمها إلا مزاج المدير لوحده. فوزارة الاتصال ليست هي من يحدد السياسة الإعلامية، وليس لوزيرها سلطة على من يدير هذه المؤسسات. ويكفي أن أقدم مثالا واحدا من أمثلة عديدة يمكن تقديمها في هذا المجال. لقد قرر مدير الإذاعة أن يبث بيان السلطة العليا للصحافة الأخير، في حين أن مدير التلفزيون رفض بث ذلك البيان. ألا يعني ذلك أن التلفزيون والإذاعة لا يتبعان لنفس الوزارة، ولا لنفس الحكومة، ولا يخضعان لنفس السياسة الإعلامية؟ أم أن المسألة تتعلق بمجرد اختلاف في "الأمزجة" حيث كان مزاج مدير الإذاعة رائقا وقت تسلمه للبيان فبثه. في حين أن مزاج مدير التلفزيون لم يكن كذلك فرفض بث البيان.
عموما لقد اتسمت ردة فعل السلطة العليا للصحافة "بدروشة" ألفناها. ولقد كان رئيسها يعلم أنه لا سلطة له عمليا على مؤسسات الإعلام الرسمي، حتى ولو كان نظريا يملك سلطات واسعة. لذلك فهو لم يتجرأ حتى على الاحتجاج على عدم بث البيان لأنه يعرف جيدا بأن احتجاجه لن تكون له نتيجة. ولم يشفع له ـ لبث بيانه ـ أنه تعامل مع الإعلام الرسمي والمستقل بازدواجية واضحة، وذلك عندما اكتفى بانتقاد بعض المواقع والصحف المستقلة، ولم ينتقد سلبية الإعلام الرسمي.
نفس الازدواجية انتهجها رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الذي كان قد وعد في وقت سابق بأنه سينتقد كل تقصير من طرف الحكومة، ورغم ذلك فلم يتجرأ على نقد الموقف السلبي للإعلام الرسمي. وإنما اكتفى بانتقاد بعض القنوات الفضائية بحدة لافتة، وهدد بسحب تراخيصها. وربما كانت تلك الحدة اللافتة جاءت كمحاولة ذكية للتغطية على عجزه اللافت عن انتقاد أي مؤسسة إعلامية عمومية، حتى ولو كان قد وعد بذلك في " التقرير المذهبي للحزب"
فلماذا الكل يخاف من مديري الإعلام الرسمي؟ وإلى متى يظل المواطن الموريتاني يزداد ابتعادا عن الإعلام الرسمي كلما كانت هناك أحداث وطنية كبيرة؟
سيدي الرئيس،
لقد كتبت لكم سابقا عن مصير المقترح الذي قدمته من أجل استحداث برنامج شبابي متخصص في التنمية البشرية، كان يمكن ـ لو تم قبوله ـ أن يشكل إضافة نوعية لما يقدمه التلفزيون.
الشيء الذي أضيفه في هذه الرسالة، هو أن مدير التلفزيون تلقى أوامر من وزير الاتصال السابق بضرورة إطلاق البرنامج. كما تلقى توصية إيجابية من إدارة السمعيات البصرية بضرورة اعتماده، وذلك بعد أن كلفها الوزير الحالي بدراسة المقترح والرد عليه. هذا فضلا عن تدخل مستشاركم الإعلامي والذي كان قد أكد هو الآخرـ بعد أن اطلع على تفاصيل المقترح ـ بأن البرنامج سيتم اعتماده. لقد تم رفض البرنامج لأنه ـ ببساطة شديدة ـ لم يوافق مزاج المدير، والذي يظهر أن مزاجه أهم من أوامر وزير الاتصال، ومن أوامر مستشاركم الإعلامي، وأهم ـ بالتأكيد ـ من اقتراحات كل العاملين في وزارة الاتصال.
فإلى متى ستظل المؤسسات العامة تسير وفق مزاج من يديرها، لا وفق القوانين ولا وفق المصلحة العامة ؟ وهل من اللائق أن نظل دولة " أمزجة" لا دولة مؤسسات في الوقت الذي سنحتفل فيه ـ بعد أسابيع معدودة ـ بخمسينية استقلال الدولة الموريتانية؟ وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد ... وإلى الرسالة الرابعة عشر إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق