السبت، 10 يوليو 2010

خطأ غبي...واعتذار ذكي



للمرة الثانية يرتكب السفير الموريتاني في دكار نفس الخطأ البروتوكولي الجسيم في حق رئيس الجمعية الوطنية أثناء زيارته لدكار. ولقد تم ارتكاب الخطأ الأول في وقت أظهر فيه رئيس الجمعية الوطنية رغبة صادقة في الحوار مع الرئيس المنتخب. وهي رغبة تجلت في الأساس في الخطاب الشهير، والهادئ، والمفاجئ، الذي افتتح به أول دورة برلمانية بعد انتخابات 18يوليو. كما تجلت تلك الرغبة في موقفه الصريح والواضح من مخلفات الاسترقاق، أثناء زيارة لجنة حقوق الإنسان الإفريقية، وهو موقف عكس ـ كالعادة ـ مدى وطنية الرجل، خاصة أنه أطلق موقفه ذاك، في وقت كان يواجه فيه تحديات جادة، وصراعات قوية، مع بعض قيادات الشريحة.
في ذلك الوقت بالذات اختار السفير الموريتاني في دكار أن يتجاهل وجود رئيس الجمعية الوطنية في دكار، وهو تجاهل ربما يكون قد ساهم مع أمور أخرى في أن يفتتح رئيس البرلمان الدورة الثانية بخطاب متشنج عكس خطابه الافتتاحي الأول. وأن يدعو بعد ذلك لإزاحة الرئيس بالقوة ( انقلاب)، وهي دعوة لم تكن موفقة ولا مناسبة لرئيس برلمان. المهم أنه تراجع عنها ضمنيا وفي وقت مبكر، عندما فسر تلك الدعوة، وقال صراحة بأنه لا يقصد بها انقلابا عسكريا.
لقد كان من المفترض في ذلك الوقت بالذات، أن يستقبل السفير الموريتاني في دكار رئيس الجمعية الوطنية بما يليق بمقامه. لا لأن المصلحة العليا للبلد تقتضي ذلك فحسب، ولا لأن القيم الديمقراطية، وحتى الأخلاقية تفرض ذلك. ولا لأن الكرم الموريتاني يستوجب ذلك. بل لأن المصلحة الضيقة للأغلبية الحاكمة ـ إذا ما كانت هي المعيار الوحيد الذي يضبط تصرفاتنا ـ كانت تفترض من سفير الأغلبية ـ الذي يرفض أن يكون سفير دولة ـ أن يستقبل رئيس الجمعية الوطنية بما يليق، وذلك لكي يُحدث ـ خدمة للأغلبية ـ شرخا في منسقية المعارضة، والتي كان رئيس الجمعية الوطنية في ذلك الوقت يقود تيارها المعتدل.
فشلت الأغلبية، كما فشل سفيرها في التقاط تلك الإشارات الإيجابية التي أطلقها رئيس الجمعية الوطنية في تلك الفترة. بل على العكس من ذلك فقد ردوا عليها ـ كل من موقعه ـ بإشارات سلبية ساهمت في تأجيج الخلاف وفي تأجيل الحوار.
وأما الخطأ الثاني، فقد جاء بعد أيام معدودة من لقاء رئيس الجمهورية بالرئيس الدوري لمنسقية المعارضة. وهو اللقاء الذي عبر من خلاله رئيس الجمهورية عن رغبته الجادة والصادقة في الحوار مع المعارضة، والتي حاول سفير موريتانيا في دكار أن ينسفها كما فعل قبل ذلك مع الرغبة التي عبر عنها رئيس الجمعية الوطنية في وقت سابق.
فلماذا يحاول سفير موريتانيا في العاصمة التي تم فيها التوقيع على اتفاقية دكار أن يعمق من الخلاف بين الأغلبية والمعارضة، خاصة بعد أن أظهر رئيس الجمهورية رغبة صادقة وجادة في الحوار، ولم يعد يمانع أن تكون على أساس اتفاق دكار؟؟؟؟ ذلك سؤال أطرحه فقط على كل من لا يملك ـ مثلي ـ إجابة عليه.
ما أستطيع قوله هنا هو أن الوزير الأول قد وُفِق في اعتذاره الذكي في الجمعية الوطنية عن تلك الأخطاء الغبية التي ارتكبها سفير "موريتانيا" في دكار. ورغم أهمية ذلك الاعتذار ورغم قيمته، إلا أن ذلك لن يمنع من تقديم بعض الحقائق المرتبطة بتلك الأخطاء التي تم ارتكابها في دكار وفي دمشق.
الحقيقة الأولى : لقد كان من المخجل حقا أن ردود نواب الجمعية الوطنية كانت غائبة بعد التجاهل الأول لرئيس جمعيتهم. ولقد اقتصرت تلك الردود على مقال كتبه نائب من التحالف الشعبي. وهو مقال تمنيت في وقت سابق أن يكون قد كتبه نائب آخر، من حزب آخر، حتى لا يظهر وكأن ذلك التجاهل كان موجها لحزب التحالف لوحده. فلم يكن من المقبول أن يهان رئيس الجمعية الوطنية، من طرف موظف حكومي، دون أن تكون هناك ردة فعل مناسبة من طرف البرلمانيين الذين هم ـ قطعا ـ ليسوا أقل شأنا من الصحفيين الذين لن يقبلوا ـ بغض النظر عن انتماءاتهم ـ أن يهان نقيبهم، ولا حتى عضو من نقابتهم. ولا أقل شأنا من المحامين، ولا من الأطباء، ولا من الفنانين، ولا من المتقاعدين، ولا من تجمع الخياطين أو الغاسلين .. ولا... ولا..
لقد كان موقف البرلمانيين بعد الخطأ الأول موقفا محبطا ومخجلا، وربما يكون ذلك الموقف السلبي قد شجع السفير لتكرار غلطته. فكيف يقبل برلمانيون محترمون ومنتخبون أن يُعامل رئيسهم الذي انتخبوه بتلك الطريقة التي لا تليق؟ ولماذا يغضب نواب الأغلبية عندما يقال بأنهم أغلبية مأمورة، في الوقت الذي لا يدافعون فيه عن رئيسهم الذي انتخبوه، لأن الأوامر لم تصدر إليهم بعد بذلك؟
الحقيقة الثانية : إن تجاهل رئيس الجمعية الوطنية الذي يمثل نواب الشعب والذين يمثلون بدورهم الشعب الموريتاني بكل مكوناته، هو تجاهل للشعب الموريتاني بموالاته وبمعارضته، بمدنييه وبعسكره، بنخبه وبعامته. وهذا التجاهل لن ينقص من مكانة رئيس الجمعية الوطنية، وإنما سينقص من مكانة السفير الذي ارتكبه.
الحقيقة الثالثة : إن التعامل اللامسؤول مع الموريتانيين أثناء تواجدهم في الخارج بسبب انتماءاتهم السياسية، هو تصرف سخيف، و يناقض أحد الأهداف الهامة للعمل الدبلوماسي الذي يسعى إلى التعزيز من قيمة وسمعة المواطنين لدى سلطات الدول التي تستضيفهم. وإذا كان السفير المعين أصلا لتعزيز تلك المكانة هو الذي يهين مواطني بلده أمام السلطات الأجنبية فإنه بذلك يكون قد أخل كثيرا بمهمته.
الحقيقة الرابعة : إن السفير قد ارتكب خطأين جسيمين بغض النظر عن الدوافع والأسباب التي دفعته لارتكابهما. ومهما يكن من أمر فإن تلك الدوافع لا يمكن أن تخرج ـ في اعتقادي ـ عن أربعة احتمالات.
الاحتمال الأول: هو أن تكون هناك أوامر عليا قد صدرت للسفير وهو احتمال أستبعده تماما رغم بيان منسقية المعارضة. وحتى ولو افترضنا جدلا بأن السفير قد تلقى أوامر بذلك فكان عليه أن يرفض تنفيذ تلك الأوامر. وكان عليه أن يستقيل إذا أرغم على ذلك. وعموما فارتكاب الأخطاء استجابة لأوامر عليا هو الذي أوقعنا فيما نحن فيه. وهو لم يعد مقبولا على الأقل ـ نظريا ـ في موريتانيا الجديدة التي نحلم بها.
الاحتمال الثاني: هو أن يكون السفير قد ارتكب ذلك الخطأ البرتوكولي بمبادرة شخصية منه في محاولة للتقرب ولابتداع آخر "صرعة" ولاء لرئيس الجمهورية. والمؤكد ـ ومهما كان إخلاص السفير ـ أنه بتصرفه ذاك قد أضر بالرئيس و أغلبيته أكثر مما نفعهم.
الاحتمال الثالث: أن يكون السفير للمرة الثانية لم يعلم أصلا بقدوم رئيس الجمعية الوطنية إلى دكار. والاعتذار عن الخطأين بعدم العلم أقبح من الذنبين. فإذا كان السفير لا يعلم شيئا عن تحركات رئيس الجمعية الوطنية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، ثاني شخصية رسمية في البلاد. ولا يعلم شيئا عن دخوله ولا عن مغادرته للعاصمة التي يزاول فيها مهامه. فهو ـ أي السفير ـ لن يعلم شيئا عن المواطنين البسطاء الذين يفترض أنه يسهر على مصالحهم، و الذين يدخلون السنغال ويغادرونه دون أن يذكرهم ذاكر.
الاحتمال الرابع: أن يكون السفير من الأغلبية التي تعمل ـ في الخفاء ـ من أجل إجهاض "التغيير البناء" ومن أجل وأد "موريتانيا الجديدة" من قبل ولادتها. فمن يعمل من أجل إفشال الحوار بين المعارضة والأغلبية يعمل ضد موريتانيا أولا، وضد رئيس الجمهورية ثانيا. فغياب الحوار سيشكل ضررا كبيرا على موريتانيا بصفة عامة، وعلى الرئيس وأغلبيته الداعمة بصفة خاصة، لأنه سيشغله عن معركة البناء بمعارك جانبية مع المعارضة. وإذا كان يمكن للمتابع أن يفهم رغبة بعض المعارضين في عرقلة الحوار، لأن المصلحة الضيقة والأنانية لمن لا تهمه مصلحة الوطن من المعارضين، ولا يهمه إلا أن يظهر فشل النظام الحاكم، قد يفسر تلك الرغبة. إذا كان يمكن تفهم ذلك، عند بعض المعارضين، إلا أنه لا يمكن تفهمه إذا تعلق الأمر بمن يدعي بأنه من الأغلبية، فالأغلبية لن تستفيد شيئا حتى من منظور المصالح الضيقة لأنها ـ وببساطة شديدة ـ ستكون هي الخاسر الأكبر من عرقلة الحوار.
تصبحون على حوار بناء...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق