السبت، 8 مايو 2010

خاص برئيس الجمهورية... أعيدوا لي "صوتي"!!!


سيدي الرئيس، سأحدثكم في هذه الرسالة عن سيدة فقيرة، قصتها مثيرة، تسكن في مقاطعة عرفات غير بعيد من ساحة التغيير البناء.
هذه السيدة الفقيرة بذلت جهدا كبيرا من أجل نجاحكم، وأنفقت من قوت عيالها على حملتكم الانتخابية. ورغم أنها لم تجد تعويضا من إدارة حملتكم على نفقات خيمتها التي ضربت، ورغم سخرية بعض جاراتها الداعمات لمنافسيكم من عدم التعويض لها، إلا أن ذلك كله لم يقلل من عزيمتها ولم يؤثر مثقال ذرة على ولائها لكم.
لقد كانت تلك السيدة تقول بأنه على الفقراء أن ينفقوا من جهدهم ووقتهم ومالهم من أجل نجاحكم الذي سيشكل قطعا نصرا للفقراء، وهزيمة نكراء لرموز الفساد الذين أهلكوا البلاد والعباد، خلال العقود الماضية. بل إنها فوق ذلك جعلت من المنافسة بينكم وبين المرشحين الآخرين منافسة بين الخير المطلق، والشر المطلق. و جعلتها وكأنها حربا بين المسلمين والكفار. ولقد كانت تدعو لكم في جوف الليل ـ كغالبية الفقراء والبسطاء ـ وتسأل الله أن ينصركم على خصومكم من المفسدين.
واليوم، وبعد مرور تسعة أشهر على تنصيبكم، لم يعد لتلك السيدة إلا أمنية واحدة، وهي أن تقابلكم لتطلب منكم أن تعيدوا لها " صوتها " الذي منحته لكم أثناء الانتخابات الرئاسية الماضية.
لم تعد تلك السيدة تؤمن بالتغيير البناء، ولم تعد تبشر جاراتها بموريتانيا الجديدة، ولم تعد تحلم بأن يتحسن مستوى معيشتها. لقد تبخرت كل تلك الأحلام ولم يعد لتلك السيدة إلا حلم واحد وهو أن تتمكن من أن تستعيد "صوتها" لا أكثر ولا أقل.
فما الذي حدث في الأشهر التسعة الماضية وجعل تلك السيدة تشعر بإحباط مخيف بعد حماس مفرط؟ ذلك سؤال يستحق أن نبحث له عن إجابة محايدة.. إجابة لا تزيد من حجم الهموم لدوافع سياسية كما يفعل بعض معارضيكم . ولا تنقص في المقابل من تلك الهموم كما يفعل بعض مناصريكم لمصالح شخصية أو سياسية.
سيدي الرئيس، يمكن القول بأن الفقراء الذين يعود لهم الفضل المباشر في نجاحكم قد انقسموا ـ خلال الأشهر التسعة ـ إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: وهي طائفة لا زالت تحلم بموريتانيا الجديدة ولازالت تعتقد بأن التغيير البناء قادم لا محالة. وهي تستشهد بجملة من الانجازات التي تحققت خاصة في مجال شق الطرق، وتوزيع القطع الأرضية ، وتعميم العلاوات والشفافية في توزيعها. وهذه الطائفة لا زالت تبذل جهودا جبارة لصالحكم، وأقصد هنا الدلالة اللغوية لكلمة جبارة لا دلالتها في الإعلام الرسمي، رغم أنها لا تجد من يعينها على ذلك فالخطاب الحكومي والخطاب الحزبي قد فشِلا فشَلاً غير مسبوق في "تسويق" ما تم انجازه.( وهذا ما سيتم الحديث عنه إن شاء الله وبشكل مفصل في البطاقة الحمراء الثانية).
الطائفة الثانية: وهي طائفة حائرة لم تستطع بعد تسعة أشهر أن تحسم خيارها النهائي، وهي تميل إلى الصمت حتى تنكشف الأمور، فهي لم تعد تملك من الحماس ما يكفي للدفاع عن التغيير البناء. كما أنها لم تفقد الأمل نهائيا في حصول التغيير المنشود.
الطائفة الثالثة: وهي التي تحولت مئة وثمانين درجة رغم أنها كانت هي الطائفة الأكثر تحمسا للتغيير البناء أثناء الحملة الانتخابية الماضية، وأصبحت اليوم هي الأكثر قنوطا من حصول ذلك التغيير، كما هو الحال بالنسبة للسيدة التي لم تعد تطالب إلا باستعادة "صوتها".
ومع أنه لا يمكن تحديد نسبة كل طائفة، إلا أنه رغم ذلك يمكن تقديم بعض الملاحظات التي يجب أخذها بعين الاعتبار، حتى لا تزداد نسب الطائفتين الثانية والثالثة، ومن هذه الملاحظات يمكن أن أذكر:
1ـ إن الفقراء والبسطاء هم الذين حسموا الانتخابات الماضية حيث صوتت غالبيتهم لصالحكم بينما انقسمت الشرائح والفئات الأخرى، بشكل متساوي تقريبا بينكم وبين منافسيكم . فلم يكن حظكم من الوجهاء أكثر من حظ غيركم. ولم يكن نصيبكم من النخب السياسية والاقتصادية والثقافية بأكثر من نصيب خصومكم. ولم يكن من دعمكم من المفسدين أكثر ممن دعم خصومكم. لذلك فالفقراء يعتقدون بأنهم هم من حسم الانتخابات، وبأنهم هم من يستحق أن تهتموا به، فالعدالة تقتضي ذلك، والوفاء السياسي والأخلاقي يقتضيان أيضا ذلك.
2 ـ إن أحاديثكم عن أوجاع الفقراء، وقدرتكم الفائقة على تشخيص المرض، وتحديد مكان الداء جلبت لكم الكثير من الأنصار قبل وأثناء الحملة الانتخابية. وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن هناك حقيقة أخرى لا يمكن كذلك إنكارها، وهي أن تلك الأحاديث لم تعد الآن تكفي للمحافظة على تلك الشعبية بعد أن أصبحتم رئيسا منتخبا للبلاد، وبعد أن أصبح المطلوب منكم هو التخفيف ميدانيا من تلك الآلام، لا الاكتفاء بالدقة في تشخيصها.
لقد تحدثتم بشكل صريح في مجلس الوزراء عن القمامة، وأعطيتم أوامر صارمة بضرورة تنظيف العاصمة. ورغم ذلك لا زالت العاصمة مدينة مليئة بالأوساخ والقمامة. ولقد زرتم المستشفيات والمراكز الصحية، وتحدثتم كثيرا عن مشاكل الصحة، ولكن تلك الأحاديث والزيارات لم تنعكس ـ حتى اليوم ـ على الخدمات الصحية التي تقدمها تلك المؤسسات.
ولقد زرتم شركة الماء، وشركة الكهرباء أكثر من مرة، وتحدثتم بشكل صريح عن سوء التسيير، ولكن المشكلة أن التسيير لم يتحسن، وأن خدمات الماء والكهرباء لم تتحسن حتى يومنا هذا، وإن كان سقف الوعود قد زاد من جديد بعد زيارتكم للدار البيضاء، وبعد زيارتكم الأخيرة لشركة المياه.
ولقد زرتم التلفزيون وتحدثتم بشكل صريح عن بعد هذه المؤسسة عن هموم المواطن العادي، ورغم ذلك فالتلفزيون لم يقترب من هموم المواطن بعد تلك الزيارة. ولو أنه اقترب من تلك الهموم لأسمعكم أنين الكثير من الفقراء، بما فيهم السيدة التي تطالب بأن يعاد لها صوتها.
ولقد تحدثتم قبل ذلك كله عن الأزمة الأخلاقية التي لم يعد يذكرها ذاكر، والتي يعمل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية من أجل تعميقها من خلال إشعال النعرات القبلية، والجهوية. ومن خلال التزوير والرشوة التي تم استخدامها بشكل واسع أثناء عمليات التنصيب الجارية في أيامنا هذه. ولو أن الحزب أعلن بصريح العبارة، قبل عملية الانتساب بأنه سيجمد عضوية كل من يثبت أنه مارس الرشوة، أو التزوير، أو الإغراء بممتلكات الدولة، أو تسبب في صراعات عرقية أو جهوية أو فئوية لكان بالإمكان أن يدعي بعد ذلك بأنه اتحادا من أجل الجمهورية، لا اتحادا من أجل إعادة موريتانيا إلى الوراء، وإلى أساليب الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي.
3 ـ لقد فقدت الحرب على الفساد ورموزه الكثير من المصداقية. ولم تعد قادرة على المحافظة على الأنصار بعد أن تم تعيين الكثير من المفسدين في فترة قياسية. وما تم تعيينه من المفسدين منذ تنصيبكم يفوق من حيث الكم والكيف ما تم تعيينه في عهد الرئيس السابق. كما أن أغلب التعيينات الأخرى التي تمت لم تلتزم بمعيار الكفاءة والوطنية والاستقامة وهو ما جعلها في غير مصلحة الفقراء. ويمكن هنا العودة إلى الكتاب الأبيض الذي كتبه أحد المستشارين في وزارة الخارجية عن التعيينات قبل الأخيرة. كما يمكن تقديم العديد من الأدلة الأخرى والتي من بينها قصة المهندس الذي تمت إقالته من إدارة الرقابة البيئية لأنه أراد أن يؤدي عمله على أحسن وجه وأن يحمي بيئة بلده من جشع الشركات الأجنبية.
4 ـ لقد قلتم يا سيادة الرئيس و أكثر من مرة، بأن موارد الدولة كافية لتوفير كل الحاجات الأساسية، ورغم ذلك فقد اتسعت الفجوة كثيرا بين الوعود وبين المنجزات أي بين أحلام الفقراء وواقعهم المعيشي. فقد وصلت الأحلام إلى مستويات عالية بفعل وعودكم السخية، في حين أن الظروف المعيشية لم تتحسن بشكل ملموس وهو ما كان له الأثر البالغ في رفع مستوى الإحباط لدى الكثيرين من أنصار التغيير البناء. وحتى لا يزداد مستوى الإحباط فقد أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات حاسمة وعاجلة وصارمة لكي يحصل الفقراء على حقوقهم وهي بالمناسبة لن تضيع أبدا.
فلن تضيع حبة قمح ولا حبة أرز لأي مواطن. ولن يضيع قرص دواء، ولا جرعة ماء، ولا ساعة عدل. لن يضيع أي حق، لأي مواطن. فإما أن يحصل عليه الآن كاملا غير منقوص، وإما أن يحصل عليه بعد حين، وعلى صعيد آخر، حيث لا حرس، ولا ألقاب، ولا أغلبية تطبل.
وسيكون التسديد وقتها بالحسنات، وكم سيكون صعبا ومؤلما وفظيعا تسديد شربة ماء، لمواطن واحد في ذلك اليوم الذي ستدنو فيه الشمس من الرؤوس، وسيتصبب فيه العرق، حتى يلجم خلقا كثيرا.
سيكون من الصعب تسديد شربة ماء لمواطن واحد، فكيف إذا تعلق الأمر بما يزيد على مليون ونصف من الفقراء، الذين يعيشون تحت خط الفقر، حسب الإحصاءات الرسمية ؟؟؟ والذين سيطالب كل واحد منهم بكثير من وجبات الطعام و من جرعات الماء و من أقراص الدواء التي كان بالإمكان أن توفر له خلال فترة حكمكم للبلاد إلا أنها لم توفر له.
وفقكم الله لما فيه خير البلد ، وإلى الرسالة الحادية عشر إن شاء الله...
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :elvadel@gmail.com
www .autodev.org

هناك تعليق واحد: