الاثنين، 9 نوفمبر 2009

الطريق إلى الانتحار!


النسر لا يموت بشكل طبيعي وإنما يموت بسبب الانتحار. لقد تذكرت تلك المعلومة عندما قررت أن أكتب ـ من جديد ـ عن المعارضة التي يبدو أنها قد اختارت أن تنتحر بدلا من أن تعالج المرض، تماما كما يفعل النسر عندما يمرض.
لقد خسرت المعارضة في الانتخابات الأخيرة ولم تحصل على نتائج تتناسب مع حجم التضحيات التي قدمتها، لأسباب تحدثت قصة " الباء الهاربة " عن بعضها، و أعرضت عن بعضها الآخر.
أما اليوم وبعد أن مرت فترة زمنية كافية لتجاوز حالة الذهول، ولامتصاص الآثار النفسية لتلك الصدمة، التي أعقبت تلك الخسارة المفاجئة، فلم يعد من المناسب الإعراض عن بعض تلك الأسباب، كما أنه لم يعد من المناسب التحدث بلغة " الباء الهاربة " عما ترتكبه المعارضة من أخطاء قاتلة.
فمن المؤسف جدا أن ثلاثة من الأحزاب الكبيرة المكونة للمعارضة التقليدية : ( التكتل، التحالف، اتحاد قوى التقدم ) قد تعاملت مع نتائج الانتخابات بطريقة سطحية جدا جعلتها ترفض نتائج تلك الانتخابات رغم عجزها عن تقديم أدلة صريحة وواضحة تثبت أن الطرف الآخر قد قام بعمليات تزوير واسعة.
ومن المؤسف كذلك أن هذه الأحزاب لم يعد لديها ما تفعله سوى تكرار مطلبها العبثي الذي رفعته قبل أن يكتمل إعلان النتائج، وهي لم تزل ترفعه حتى الآن رغم أنها لا تمتلك وسائل ضغط لا داخلية ولا خارجية تمكنها من فرض التحقيق في تلك النتائج.
والظاهر من خلال ما يصرح به أقطاب هذه المعارضة من حين لآخر، أن الغرض من رفع ذلك المطلب ليس تنظيم انتخابات رئاسية أخرى، وإنما الغرض منه إجبار الرئيس المنتخب على حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة. وكأن تلك المشاركة هي السبيل الوحيد لجعل تلك الانتخابات انتخابات نزيهة، أو كأن تلك المشاركة هي الحل الأمثل لتصحيح عمليات التزوير الواسعة إذا كانت قد حدثت في الانتخابات الرئاسية الماضية.
ومن المؤسف أيضا أن حزب المعارضة الوحيد الذي امتلك من الشجاعة ما مكنه من أن يعترف بنتائج الانتخابات، لم تسعفه شجاعته في أن يعلن بأنه سيبقى يمارس حقه الطبيعي في المعارضة الدستورية في انتظار أن يعود شركاؤه السابقون إلى رشدهم لممارسة معارضة دستورية راشدة وعاقلة وناضجة ، يحتاجها البلد اليوم أكثر من أي وقت مضى. وهم سيعودون حتما للمعارضة الدستورية لأنه لن يكون بالإمكان الاستمرار في رفض النتائج وعدم الاعتراف بالرئيس المنتخب لوقت طويل.
لقد أخطأ " تواصل " في سعيه الحثيث للتقرب من الحزب الحاكم رغم الرسالة الصريحة جدا التي وجهها رئيس الجمهورية لخصوم الأمس بما فيهم " تواصل " عندما قال بأنه لن يُشْرِكَ في الحكومة أي حزب صوت ضده في الانتخابات الماضية، ولقد نصح تلك الأحزاب ـ وله الحق في ذلك ـ في أن تبقى في مكانها الطبيعي لتمارس حقها الطبيعي في المعارضة الدستورية.
و" تواصل " الذي يعمل جاهدا ـ حسب التواصليين ـ من أجل إضفاء بعد أخلاقي على العمل السياسي، قد كَثُرَ ترحاله في الأشهر الأخيرة لدرجة أنه أصبح هو أول حزب في تاريخ البلد يتحالف مع الأغلبية في دائرة انتخابية، ويتحالف مع المعارضة في دائرة أخرى !
فأي بعد أخلاقي لهذه التحالفات ؟ إن إضفاء الأخلاق على العمل السياسي يتطلب قبل أي شيء آخر أن يَحُدَّ الحزب من ترحاله السياسي، فالترحال هو من أخطر الظواهر اللاأخلاقية التي تعاني منها الممارسة السياسية في هذا البلد.
إن هذه المعارضة التائهة ( بشقيها المعترف بالنتائج والرافض لها ) لن تستطيع أن تفعل شيئا يذكر من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية الذي يجب أن يكون شعار المرحلة، كما كان إفشال الانقلاب هو شعار المرحلة السابقة، وإسقاط نظام "معاوية " هو شعار المرحلة الأسبق.
لقد أصبحت المعارضة ـ وبشقيها ـ عاجزة تماما عن التعبير بشكل واضح عما تريد أن تفعله، مما يعني ـ ببساطة شديدة ـ أنها لا تعرف ما الذي تريد أن تفعل.
فعندما تكون الأهداف غير واضحة فلن يكون الخطاب السياسي واضحا، وعندما لا تكون هناك أهداف يراد الوصول إليها في فترة زمنية محددة، فلن يكون بالإمكان إعداد خطة عملية تقلل من الجهد اللازم بذله للوصول لتلك الأهداف.
لقد كان من المفترض أن تتحالف أحزاب المعارضة التقليدية من جديد لتشكيل حلف جديد يناضل من أجل تحقيق أربعة أهداف كبرى في المرحلة القادمة، وهي أهداف يمكن تحقيقها بتضحيات قد تكون أقل مما بذلته المعارضة من تضحيات في المراحل السابقة، وهذه الأهداف هي:
1ـ العمل الدؤوب والمتواصل من أجل أن تُفْتَحَ وسائل الإعلام الرسمية أمام جميع الموريتانيين، فالإعلام الرسمي هو الذي قَدَّمَ المعارضة في الفترة السابقة على أنها شلة من الانتهازيين على استعداد كامل للتعامل مع الأجنبي ضد المصالح العليا للبلد، وهو ما انعكس سلبا وبشكل واضح على نتائج المعارضة في الانتخابات الأخيرة.
لذلك فعلى المعارضة أن تناضل دستوريا من أجل استقلالية الإعلام الرسمي حتى يتحول إلى إعلام دولة بدلا من أن يبقى إعلام نظام.
2ـ العمل من أجل الاستقلال الفعلي للقضاء حتى تكون لديه مناعة تحميه من أن يتم استخدامه في الصراعات السياسية بين النظام الحاكم ومعارضيه.
3 ـ العمل من أجل أن تبقى وظائف القطاع العام مفتوحة لكل الكفاءات والخبرات بغض النظر عن الانتماء السياسي، أما الوظائف السياسية فللأغلبية الحاكمة الحق في احتكارها.
4 ـ العمل من أجل إصلاح البيت الداخلي للمعارضة من خلال إصلاح الأحزاب المكونة لهذه المعارضة ، وهذا الإصلاح يمكن أن يتم من خلال :
1ـ تجديد القيادات السياسية: لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الكبير والرائد الذي لعبه رئيسا التكتل والتحالف فيما تحقق من ديمقراطية في هذا البلد.
ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن معظم شعبية وقوة التكتل والتحالف إنما يستمدها الحزبان وبشكل مباشر من زعيميهما التاريخين.
لا أحد يستطيع أن ينكر شيئا من ذلك ، ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا هو : وماذا بعد ؟
إن أي انسحاب مفاجئ بغض النظر عن السبب لأي من الزعيمين الكبيرين سيشكل خسارة كبيرة لهذين الحزبين إن لم يكن ذلك يعني نهايتهما، وهو ما سيشكل خسارة كبيرة للديمقراطية في هذا البلد.
لذلك فقد أصبح من الضروري تحضير قيادات بديلة تتمتع بدماء سياسية جديدة، الشيء الذي يستوجب أن يفكر الزعيمان ـ من الآن ـ بانسحاب تدريجي يمنحان من خلاله الخبرة والتجربة لزعامات جديدة قادرة على إرساء سفينة النضال السياسي إلى بر الأمان.
2ـ الإصلاح الداخلي الثاني يمكن أن يتم من خلال إبعاد وجوه الفساد التي التحقت بهذه الأحزاب من الواجهة الأمامية لتلك الأحزاب، فظهور تلك الوجوه في الصفوف الأمامية لأحزاب المعارضة قد أضر كثيرا تلك الأحزاب، وقد انعكس سلبا على نتائجها في الانتخابات الأخيرة.
لقد استقبلت المعارضة المفسدين بحفاوة أضرت كثيرا بسمعتها رغم أنهم لم يلتحقوا بها إلا بعد أن أصبح ضرهم أكثر من نفعهم.

ومن المهم هنا تحذير المعارضة من خطورة تكرار تلك الأخطاء الفادحة، حيث أن بعض الموظفين الذين قد تم تجريدهم في الآونة الأخيرة من وظائفهم بسبب ضلوعهم في قضايا فساد، قد يفكر بعضهم في الالتحاق بصفوف المعارضة التي أصبحت تُعْرَفُ بحسن ضيافتها لكل مفسد لفظته الأغلبية وطردته من صفوفها، تلك الأغلبية التي كانت تجمع وإلى وقت قريب كل المفسدين في عهد "عز" الفساد، وهي اليوم تريد أن تلفظهم فرادى وجماعات في عهد " ذله " و "هوانه ".
إن المعارضة تعيش اليوم مرحلة حرجة من تاريخها عليها أن تتعامل معها بشكل جدي من خلال تأسيس قوة سياسية جديدة قادرة على أن تكون ندا للحزب الحاكم بكل ملحقاته ، وهو ما يتطلب الجمع بين الاعتراف بالنتائج مع الاستمرار على خط المعارضة الدستورية ، الشيء الذي لم يوفق إليه لحد الآن أي حزب من أحزاب المعارضة التقليدية . تصبحون على معارضة دستورية قوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق