السبت، 17 أكتوبر 2009

عاجل إلى رئيس الجمهورية (3)



في هذه الرسالة الثالثة سأقدم لكم واحدا من المقترحات الثورية التي كنت قد وعدتكم بها في الرسالة الأولى من هذه الرسائل المفتوحة.
ولقد ارتأيت أن أقدم لكم هذا المقترح مباشرة بعد أن استمعت إلى البيان الصادر عن الاجتماع الماضي لمجلس الوزراء، والذي أصدرتم فيها تعليماتكم إلى الحكومة، مطالبين بالقيام وعلى وجه السرعة بحملة جدية وصارمة لضمان نظافة مدينة نواكشوط .
هذا المقترح الذي ستقدمه هذه الرسالة قد يُمَكِّنُ ـ لو تم اعتماده ـ من تنظيف مدينة نواكشوط في أشهر قليلة جدا، وقد يحولها إلى عاصمة نظيفة وصحية خالية تماما من الأوساخ والقمامة!!!
ولكن قبل تقديم المقترح لابد أن أقول هنا بأن الفكرة الإبداعية قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها فكرة مجنونة، ولكنه سرعان ما يثبت عكس ذلك ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، فعلى سبيل المثال لما طالب "محمد يونس " في منتصف السبعينات بضرورة تأسيس بنك خاص بالفقراء يقدم قروضا متناهية في الصغر لفقراء لا يملكون أي ضمان،وُصِفَ وقتها ومن طرف كل الاقتصاديين في العالم بأنه مجنونا وبأن أفكاره سطحية وساذجة لأنه لم يكن حينها يمكن لأي عاقل أن يتصور أنه يمكن لبنك أن يستمر وهو يقدم قروضا لفقراء دون أن يأخذ منهم ضمانا لتلك القروض.
بعد ذلك بثلاثين سنة حصل " محمد يونس " على جائزة نوبل على نفس تلك الفكرة التي كانت توصف بأنها سطحية وساذجة ، وذلك بعد أن أحدثت فكرته تلك ثورة في مجال محاربة الفقر من خلال التمويلات الصغيرة التي قدمها بنكه بنك غرامين (بنك القرية ) و الذي كانت بدايته ب27 دولارا فقط وهو اليوم يقدم قروضا تزيد على 5.7 مليار دولار، وموجود فيما يزيد على 40 دولة، وقد استفاد منه حتى الآن ما يزيد على 7 ملايين فقير.
أيضا هناك بعض الأفكار الأخرى التي لا يتسع المقام هنا للتحدث عنها والتي قد تبدو مضحكة و ساخرة بالنسبة للبعض، إلا أنها مع ذلك تحقق الآن نجاحات كبيرة ، ففي مجال محاربة التسول يمكن تقديم فكرة رائدة تم اعتمادها في بعض دول آسيا ، وأما في مجال مكافحة الجريمة فيمكن التحدث عن فكرة أخرى حققت نتائج مشجعة في إحدى دول أمريكا الجنوبية.
أقول هذا الكلام لأن هذا المقترح الذي سأقدم لكم في هذه الرسالة كان قد تعرض لنقد سطحي من طرف البعض ، وذلك عندما تم تقديمه لأول مرة منذ ما يقترب من ثلاث سنوات، أي قبل قدوم الشركة الفرنسية التي تكفلت بتنظيف العاصمة.
ولقد حاول هذا المقترح أن يستخدم مشكلة القمامة للتخفيف من مشكلة أخري أكبر، وهذه من أكثر الطرق إبداعا في التعامل مع المشكلات حيث يتم حل مشكلة ما من خلال حل مشكلة أخرى.
ولقد حاول هذا المقترح أن يحقق ثلاث مطالب أساسية :
1ـ أن يجعل المواطن العادي يأتي للشارع لجمع القمامة بدلا من رميها فيه.2ـ أن يجعل من القمامة مصدرا للدخل خاصة بالنسبة للفئات الأكثر فقرا.3ـ أن يفتح مجالا لتشغيل الفقراء يصعب أن ينافسهم فيهم الأغنياء نظرا لطبيعة العمل، وهذه نقطة هامة جدا، لأن التجارب أثبتت أن الأغنياء دائما ينافسون الفقراء في كل الفرص التي كان من المفترض أن تكون خاصة بالفقراء.
ولقد وجدت أن هذه المطالب الثلاثة يمكن أن تتحقق لو أسست الدولة شركة لشراء القمامة من عند المواطنين.تلك الشركة لو تم تأسيسها لكنا اليوم نعيش في مدينة نظيفة فعلا، بدلا من اقتصار نظافتها علي شعار ترفعه شركة فرنسية ، و تنفيذ هذا الاقتراح كان سيخلق 2400 فرصة عمل على الأقل ، براتب شهري قدره 75.000 أوقية بدلا من تشغيل 700 عامل برواتب متدنية والذي يعتبره مدير الشركة الفرنسية إنجازا ضخما.يقول مدير تلك الشركة في أول تصريح له بعد مجيئها ، بأنهم يعالجون يوميا 600 طن من القمامة، ولو أن الدولة خصصت المليارين أوقية التي تُدْفَعُ للشركة الفرنسية لشراء القمامة لكان بالإمكان شراء كل كلغ من 216000 طن التي تنتجها العاصمة سنويا ب 10 أواقي للكلغ، مما يعني أن 600 طن التي ينتجها نواكشوط يوميا من القمامة لا تحتاج إلا ل2400 صاحب عربة من العربات التي تجرها الحمير، وذلك بمعدل 250 كلغ لكل عربة، يتم نقلها يوميا خارج العاصمة ، بتعويض قدره 2500 أوقية يوميا مما سيوفر لصاحب العربة دخلا شهريا قدره 75.000 أوقية .وذلك يعني أن القمامة كان من الممكن أن توفر نفس العدد من فرص العمل الذي يوفره قطاع الصناعة تقريبا وبمتوسط دخل يفوق كثيرا أي متوسط دخل في أي قطاع آخر .
لقد أصبح من الواضح جدا ـ خاصة بعد تعليماتكم في مجلس الوزراء الماضي ـ أن الشركة الفرنسية عجزت تماما عن تنظيف العاصمة، والعيب قد لا يكون كله في تلك الشركة التي ربما يكون قد فاتها أن سلوك المواطن الموريتاني ليس بالطبع نسخة طبق الأصل من سلوك المواطن الفرنسي.
وربما يكون قد فاجأها ذلك السلوك الغريب الذي يقوم به ذلك الإنسان الموريتاني الْمُحَيِّر الذي يحمل قمامته إلى الحاوية الخاوية المخصصة للقمامة ، ولكنه عندما يصل إلى الحاوية يقرر فجأة رمي القمامة خارج تلك الحاوية ، ثم يأتي بعده إنسان آخر يتصرف نفس التصرف الغريب ، ثم يأتي ثالث ورابع حتى يتشكل سور عظيم من القمامة حول الحاوية الفارغة والتي يصبح الوصول إليها أمر صعب حتى بالنسبة لمن يريد وبشكل جاد أن يرمي قمامته داخلها.
وربما يكون قد فاجأها ذلك المتوسط المرتفع جدا من القمامة الذي ينتجه الموريتاني رغم تدني مستوى دخله ومستوى استهلاكه، وربما تكون تلك الشركة لم تكن تتوقع أن تتعرض الحاويات المخصصة للقمامة للسرقة والنهب.
حقيقة هناك أشياء كثيرة لا تتحكم فيها الشركة قد تكون من الأسباب التي أدت إلى فشل تلك الشركة في مهمتها الصعبة، وأنا لا أكتب لكم هنا لأحمل تلك الشركة كامل المسؤولية، وإنما أكتب لأقول لكم بأن توقيع اتفاق مع تلك الشركة كان غلطة كبيرة ، كما أن استمرار وجودها هو أيضا غلطة حتى ولو تمكنت من تنظيف العاصمة الشيء الذي يصعب توقعه.
السيد الرئيس،
لقد حان الوقت لأن نعتمد علي أنفسنا في مواجهة بعض همومنا، فنحن عندما نحتاج للغير في تنظيف عاصمتنا فهذا يعني أننا سنظل عاجزين عن حل المشاكل الأخرى الأكثر تعقيدا.
ونحن إن لم ننجح وبالاعتماد على أنفسنا في تنظيف عاصمتنا فإننا قطعا لن ننجح في الزراعة ولا في الصيد ولا في التعليم ولا في الصحة ولا في أي واحد من تلك التحديات الكثيرة التي تحتاج فعلا ـ عكس تنظيف العاصمة ـ لمساعدة الغير، ولتدخل الغير، ولإبرام معاهدات واتفاقات مع أجانب.
علينا أن نعتمد على أنفسنا ـ على الأقل ـ في تنظيف العاصمة من خلال تأسيس شركة وطنية لشراء القمامة أو من خلال تدخل الجيش الذي حقق نجاحا لا بأس فيه في تجربة سابقة ، رغم أنه لم يُمْنَحْ عشر هذا المبلغ الذي يمنح لتلك الشركة الفرنسية.
ولن يكون من الصعب على الجيش أن يُنظف العاصمة لو مُنِحَ سنويا مليارين أوقية هو في أمس الحاجة إليها ، يتم تخصيص نسبة كبيرة منها لزيادة دخل الجنود الذين سيتفرغون لتنظيف العاصمة.
فكفى توكلا على الغير، لأنه لو استمر المواطن في توكله على الدولة ، واستمرت الدولة في توكلها على الغير، فربما يأتي يوم نضطر فيه لأن نبرم اتفاقا مع شركة أجنبية أخرى لتنظيف مساجد العاصمة.وإلى الرسالة الرابعة، وفقكم الله لما فيه خير البلد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق