تعرضت موريتانيا في الماضي لحملات إعلامية مضللة لتشويه سمعتها، وتقديمها للعالم وخاصة دول الجوار على أنها دولة عنصرية، وما تزال حتى اليوم تتعرض لمثل هذه الحملات، ويشارك في هذه الحملات المضللة كثيرٌ من الإعلاميين والحقوقيين والدبلوماسيين من دول عديدة في القارة، ويشارك فيها كذلك ـ وهذا مما يؤسف له حقا ـ الكثير من الموريتانيين من مختلف الشرائح والأعراق، وتعدُّ جولة النائب الشاب خالي جالو الأخيرة في أوروبا مجرد مثال من أمثلة عديدة لا يتسع المقام لتعدادها وبسط الحديث عنها.
المضحك المبكي في هذه الحملات المضللة أننا نجد اليوم من بين نخب الجارة
المالية من يتجرأ على اتهام بلادنا بالعنصرية، متجاهلا أن نظام بلده يخوض حرب
إبادة ضد بعض مكونات شعبه، وأنه من الصعب أن يمر يوم دون أن تكون هناك مجزرة ضد الفلان
أو غيرهم، وبلادنا التي يتهمها أولئك بالعنصرية تحتضن حاليا أكثر من 100 ألف لاجئ
مالي فارين من التصفيات العرقية، فيا للعجب، ويا للجرأة على تزييف الحقائق!
لا أخفيكم أني أرى اليوم بوادر حملة تحريض جديدة في مالي والسنغال وبدعم
كبير ـ عن وعي أو عن غير وعي ـ من
موريتانيين في الداخل والخارج، وهي حملة تُحاول أن تضع موريتانيا أمام خيارين
قاتلين، فإما أن تترك حدودها مفتوحة أمام تدفق المهاجرين غير الشرعيين، فتسلم بذلك
من ألسنتهم الشداد، وإما أن يحولوها أصحاب تلك الألسنة الشداد، وكما فعلوا سابقا،
إلى دولة عنصرية تقتل الأفارقة السود بدم بارد، إن هي حاولت أن تضبط حدودها، وأن
توقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها.
إن واجبنا الوطني يقتضي منا اليوم الكثير من اليقظة، والتحرك
العاجل للوقوف صفا واحدا وبقوة ضد حملات تزييف الحقائق التي تمهد للإضرار
بجالياتنا في الخارج، فتلك اليقظة وذلك التحرك العاجل، هما أهم درسين يمكن أن نخرج
بهما من أحداث 1989 الأليمة.
ويقتضي منا هذا الواجب
الوطني أن نقف اليوم وبقوة، ضد بقاء حدود
بلدنا مفتوحة أمام تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادنا، ويتأكد الأمر عندما
نعلم بأن بعض الدراسات الموثوقة تتحدث عن وجود
17 مليون شخص في منطقة الساحل والصحراء يتأهبون للهجرة، وأن بلادنا هي الوجهة
المفضلة لهذا الكم البشري الهائل.
إننا في موريتانيا نرحب ـ حكومة وشعبا ـ بكل من يدخل بلادنا بطريقة شرعية، سنغاليا كان
أو ماليا، ونرحب كذلك باللاجئين المالين في مخيمات اللجوء، والذين فروا من التصفيات
العرقية في بلدهم، وهم يتلقون منا الآن، ما توقعوا وما لم يتوقعوا، من كرم ضيافة
وحسن إيواء، ولكننا ـ في المقابل ـ لن
نقبل أبدا بأي مهاجر غير شرعي، يدخل بلادنا متسللا، ومن حقنا ـ بل ومن واجبنا ـ أن نطرده وأن نعيده إلى بلده
في أي وقت، متى تأكدنا من أنه دخل بلادنا بطريقة غير شرعية.
إني في هذه الكلمات التي كُتبتْ على عجل، أود أن أوجه برقيات
مختصرة جدا إلى جهات عدة.
1 ـ على الحكومة أن تعلم أن التعتيم الإعلامي كان قاتلا في أحداث
1989، وأنه لم يعد اليوم ممكنا في ظل تنامي تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، والتي
تنتشر فيها الإشاعات والأكاذيب بشكل واسع كلما غابت أو غُيبت الحقيقة؛
2 ـ على السلطات الأمنية أن تتعامل باحترام مع كل المهاجرين غير
النظاميين عند اعتقالهم وترحيلهم، ويجب أن يوثق ذلك التعامل الحسن بالصوت والصورة؛
3 ـ على المجتمع المدني الجاد ـ وبالتنسيق مع الجهات الأمنية ـ أن يواكب عمليات الاعتقال والترحيل، وأن يكمل كل
النواقص التي قد تشهدها العملية من خلال توفير الطعام والشراب وكل الضروريات
الأخرى التي قد يحتاجها المرحلون؛
4 ـ على النخب الداعمة لترحيل المهاجرين غير النظاميين من كتاب
وإعلاميين ومدونين وصناع محتوى أن يبتعدوا عن أي خطاب عنصري، وأن يبرزوا حقيقة ما
يجري، فالأمر يتعلق فقط بترحيل مهاجرين غير نظاميين، وعلى السلطات الأمنية أن تسمح
لنشطاء المجتمع المدني وللمدونين بتوثيق عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين،
فمثل ذلك سيمكن من الوقوف ضد ما سيفبرك من أكاذيب لإلصاق تهمة العنصرية ضد السود
ببلدنا، وقد بدأت ماكنات الفبركة تشتغل بالفعل،
فظهرت بالأمس فيديوهات في مالي والسنغال يُهان فيها بعض المهاجرين، لا صلة لها
بموريتانيا، عُرضت في السنغال ومالي على أنها صورت ووثقت من داخل موريتانيا؛
5 ـ على الموريتانيين الذين يحاولون حاليا أن يشوهوا سمعة البلد،
وأن يظهروا أن دولتهم عنصرية، لأنها تحاول أن تضبط حدودها وأن توقف الهجرة غير
النظامية، على هؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم، وفي بلدهم، وأن لا يساهموا ـ علموا
بذلك أو لم يعلموا به ـ في حملة التحريض على جالياتنا في السنغال ومالي وفي بقية
البلدان الإفريقية.
هذا ما أردتُ قوله، وأنا على استعداد للتعاون مع نشطاء المجتمع
المدني، ومع الإعلاميين والمدونين الذين يرون بضرورة توحيد الجهود لضمان نجاح
بلادنا في الجمع بين ثلاثة أمور بالغة الأهمية:
1ـ وقف الهجرة غير النظامية، وترحيل كل من دخل بلادنا متسللا؛
2 ـ الوقوف ضد أي محاولة لإرباك عملية ترحيل المهاجرين غير
الشرعيين، والتي نعتبرها عملية مصيرية لضمان بقاء واستقرار بلدنا؛
3 ـ الوقوف ضد أي محاولة لتشويه سمعة بلدنا، أو التحريض على
جالياتنا المسالمة في الخارج، من خلال
محاولة إظهار موريتانيا على أنها دولة عنصرية لأنها أرادت فقط أن تضبط حدودها.
فضلا لا أمرا، شارك هذا المقال.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق