نظمت المعارضة الموريتانية مساء اليوم الخميس الموافق 25 مايو 2023 أول مهرجان جماهيري لها بعد طول غياب امتد لسنوات، وقد كان من المتوقع أن يكون الحضور الجماهيري ضعيفا لهذا المهرجان، وذلك لعدة أسباب نذكر منها:
1 ـ أن المعارضة لم تنظم خلال العهد الحالي مهرجانا واحدا يرفع مطالب المواطن، ولذا فقد كان من المتوقع أن لا يتحمس جمهورها لحضور هذا المهرجان الذي يرفع مطالب "انتخابية" قد لا تهم المواطن بشكل مباشر؛
2 ـ أن هذا المهرجان قد جاء بعد حديث في مؤتمر صحفي لأحد قادة المعارضة قد يُفهم منه بأنه دعوة لحمل السلاح، ومن المعروف بأن المواطن الموريتاني شديد الحساسية من أي دعوة لحمل السلاح؛
3 ـ أن المهرجان كان مهرجانا للمعارضة لوحدها، ولم تنفتح فيه المعارضة على أطراف سياسية أخرى تعتبر أنها كانت ضحية للتزوير، وكان من المحتمل أن يستقطب مثل ذلك الانفتاح حضور جمهور غير معارض يرى أنه تضرر من التزوير؛
4 ـ أن الوقت الذي خصص للتحضير للمهرجان لم يكن كافيا، كما أن مكان المهرجان قد عرف تغييرا؛
5 ـ أنه جاء بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع بين الداخلية والأحزاب السياسية ولجنة الانتخابات، مما يعني انطلاق مسار تفاوضي، وقد طالبت الداخلية وقف كل الأنشطة بما فيها مهرجان المعارضة دعما لذلك المسار؛
6 ـ شن بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي المحسوبين على المعارضة حملة تدوينية ضد المهرجان؛
كل هذه النقاط السابقة جعلت أغلب متابعي الشأن العام يتوقعون حضورا جماهيريا ضعيفا لمهرجان المعارضة الرافض لنتائج الانتخابات، ومع ذلك فقد كان الحضور مقبولا إن لم أقل معتبرا، وهو ما يعني أن المعارضة مازالت قادرة رغم كل نقاط ضعفها على تحريك الشارع، وهذه هي الرسالة الأولى للمهرجان.
وهو ما يعني كذلك أن هناك مستوى من الرفض الشعبي للانتخابات الأخيرة، وهذا الرفض هو الذي مكن المعارضة من أن تستقطب حضورا معتبرا أو على الأقل مقبولا لمهرجانها الذي اختارت له شعار " مهرجان الرفض". وهذه هي الرسالة الثانية للمهرجان.
وبكلمة واحدة، فيمكننا أن نقول بأن المعارضة من خلال هذا المهرجان قد أثبتت، وبالرغم كل نقاط ضعفها، أنها ما تزال قادرة على تحريك الشارع. وليس الشارع هو السلاح الوحيد الذي تمتلكه المعارضة للطعن في الانتخابات، فهي تمتلك أيضا سلاحا آخر كلفته أقل من تحريك الجماهير، ومع ذلك فله تأثيره القوي، واقصد هنا عدم اعترافها بنتائج الانتخابات، والذي قد تمتد عدواه خارج المعارضة ليشمل عددا من الأحزاب السياسية الداعمة للرئيس.
لقد عمل رئيس الجمهورية ، ومنذ أول يوم بعد التنصيب، وظل يعمل على ذلك خلال ما يقارب أربع سنوات مضت من مأموريته، على تهدئة الأوضاع، والانفتاح على المعارضة، وخلق مناخ سياسي وانتخابي توافقي، فكيف تكون الحصيلة بعد كل هذا الاستثمار الكبير في التهدئة انتخابات لا تعترف بنتائجها أغلب الأحزاب السياسية في المعارضة وربما في الموالاة؟
إن لجنة الانتخابات الحالية، والتي كان تشكيلها محل توافق غير مسبوق، قد وضعت الجميع في مواقف صعبة، فبالنسبة للمعارضة التي تشكك في نتائج الانتخابات، فإن حكماءها الذين زكت قد زكوا نتائج الانتخابات، وهم أكثر تحمسا من حكماء الأغلبية في الدفاع عن هذه النتائج, أما بالنسبة للنظام فإن اللجنة قد وضعته أمام خيارين كلاهما أصعب من الآخر، فإما أن يمرر انتخابات لا تعترف بها أغلب الأحزاب السياسية، وإما أن يعيد تلك الانتخابات رغم صعوبة إعادتها، ورغم ما تطرح الإعادة من مشاكل وتحديات كبيرة منها:
1 ـ أن رئيس الجمهورية ليس من صلاحياته إلغاء الانتخابات وإعادتها؛
2 ـ أن البرلمان القادم لا يمكن حله إلا من بعد سنة كاملة، وذلك لأن البرلمان السابق قد تم حله من قبل انتهاء مأموريته؛
3 ـ أن إلغاء الانتخابات بسبب التزوير، قد يشجع كل من سيفشل مستقبلا في الانتخابات القادمة على المطالبة بإلغائها، ولذا فإلغاء الانتخابات دون تعهد مسبق من كل المشاركين في تلك الانتخابات بأنهم سيعترفون بنتائجها بعد استنفاد التظلمات والطعون، فبدون وجود مثل ذلك التعهد فإننا سندخل دوامة من عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات بلا أول ولا آخر.
نعم نحن أمام خيارين كلاهما أصعب من الآخر، وسيبقى المخرج الوحيد من هذه المعضلة الانتخابية التي وضعتنا فيها لجنة الانتخابات هو الاستمرار في حوار الداخلية مع الأحزاب السياسية إلى أن يتم التوصل لحل توافقي يرضي جميع الأطراف السياسية.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق