الأربعاء، 19 يناير 2022

مغالطات شائعة عن اللغة العربية!


     هناك مغالطات شائعة عن اللغة العربية، وكثيرا ما   يكررها دعاة لفرانكونيه والتمكين للغة الفرنسية في   بلادنا، وربما يكون سبب لجوئهم لمثل هذه   المغالطات هو عدم حصولهم على حجج متماسكة   قادرة على إقناع الناس بأهمية بقاء اللغة الفرنسية   مسيطرة على التعليم والإدارة في موريتانيا.

ومن هذه المغالطات الشائعة، والتي كثيرا ما يرددونها عند أي نقاش هي قولهم بأنه علينا أن نبقي اللغة الفرنسية مسيطرة في هذه البلاد، وذلك لكونها لغة تواصل في افريقيا التي ننتمي إليها، ونرتبط بالكثير من شعوبها.

في هذا القول مغالطة كبيرة بالفعل،  ذلك أن اللغة الفرنسية تحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد الناطقين بها في إفريقيا، فهي تأتي بعد السواحلية (الثالثة إفريقيا)، والعربية ( الثانية إفريقيا)، والانجليزية (الأولى إفريقيا). فعلى من يريد أن يتواصل مع أكبر عدد من الأفارقة أن يتعلم الانجليزية أولا، والعربية ثانيا، والسواحلية ثالثا، وإن وجد بعد ذلك وقتا فيمكنه  أن يتعلم اللغة الفرنسية ليتواصل مع 90 مليون إفريقي يتحدثون بها.

وإذا ما تركنا إفريقيا، وحاولنا أن نقارن بين وضعية اللغة العربية واللغة الفرنسية على المستوى العالمي في الوقت الحالي، فسنجد أن اللغة العربية هي اللغة الأولى من حيث عدد الكلمات ( أكثر من 12 مليون كلمة)، ولا يمكن في هذا المجال  أن تُقارن بأي لغة أخرى. أما من حيث عدد الناطقين بها فهي تأتي في الرتبة الرابعة وبفارق كبير جدا مع اللغة الفرنسية. وعلى مستوى الانترنت فهي تأتي في الرتبة الأولى من حيث نسبة تزايد مستخدميها سنويا على الانترنت، وهي تحتل الآن الرتبة الرابعة عالميا من حيث عدد المستخدمين على الانترنت. وكلغة رسمية فهي اللغة الثالثة على المستوى العالمي، وهي الثانية كلغة تُدَرس، فهي تُدرس في 61  دولة، وتأتي  مباشرة بعد الانجليزية (اللغة الأولى)، والتي  تدرس في 101 دولة في العالم.  

واللغة العربية  وعلى الرغم من أنها من أقدم اللغات فهي لم تتغير كثيرا، ويمكن لمتحدثيها اليوم أن يفهموا بسهولة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، والتي مر عليها أكثر من ألف وأربعمائة عام، في حين أن المتحدث اليوم باللغة الانجليزية أو الفرنسية لا يمكنه أن يفهم الكتب التي ألفت بإحدى اللغتين من قبل خمسمائة عام.

وفي ظل ظاهرة موت أو انقراض اللغات فإن أهم الدراسات المستقبلية التي قيم بها حتى الآن  تؤكد أن اللغة  العربية هي واحدة من أربع لغات عالمية ستصمد أمام تلك الظاهرة.

كل هذه الأرقام والمعلومات تدحض تلك المغالطات الشائعة عند البعض، وعلى رأسها تلك  المغالطة  التي تقول إن اللغة العربية هي من بين لغات الماضي التي تحتضر، وأنها ليست لغة مستقبل.

ويكفي لدحض هذه المغالطة الأخيرة أن نذكر بخلاصة دراسة أعدها المجلس الثقافي لبريطاني، ونشرت صحيفة "الاندبندت" تقريرا عنها تحت عنوان مثير : " انسوا الفرنسية والصينية.. العربية هي اللغة التي يجب تعلمها". لقد خلصت هذه الدراسة إلى أن اللغة العربية ستكون في بريطانيا هي اللغة الأجنبية الثانية بعد الإسبانية بالنسبة لأصحاب الوظائف والأعمال التجارية. أي أنها

 ستكون اللغة الأجنبية الثانية في بريطانيا لمن يريد عملا في المستقبل.

المؤسف حقا أنه في بلادنا يوجد من يتجاهل هذه الحقائق والأرقام، ويُحاول ـ وبحجج واهية  ـ أن يبرر بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة في التعليم والإدارة. حتى إذا ما تجاهلنا أن اللغة العربية هي لغة القرآن، ويُقترض أن هذا يكفيها أهمية وشرفا عند كل مسلم، وتجاهلنا كذلك أنها هي اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية بنص المادة السادسة من الدستور الموريتاني، وهذا يُفترض أنه يكفيها عند كل من يهمه القانون ويسعى إلى بناء دولة المؤسسات. وحتى إذا ما تجاهلنا كل ذلك، فإن المصلحة العليا للبلد تقتضي منا أن نعمل على التمكين للغة العربية في بلادنا، فبهذه اللغة سيكون بإمكاننا أن نتواصل مع عدد أكبر من سكان إفريقيا والعالم، ولن يكون ذلك متاحا لنا إذا ما بقينا متمسكين باللغة الفرنسية.

لو أنصف الدهر، ولو كانت الأمور تسير وفق المنطق،  لما كان هذا النقاش قائما بين المطالبين بالتمكين للغة العربية والمتمسكين باللغة الفرنسية بعد ستة عقود من الاستقلال. كان يجب أن تكون رسمية ومكانة اللغة العربية في التعليم والإدارة قد حُسمت منذ عقود، وكان يجب أن يقتصر النقاش في الوقت الحالي على موضوع آخر، يتعلق باللغة الأجنبية الأولى، فأيهما علينا أن نجعل منه اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا : الانجليزية أم الفرنسية؟

بالنسبة لي، فإني أعتقد ـ وهذا رأي شخصي لا يلزم غيري ـ  بأن مصلحة الأجيال القادمة تتطلب منا أن نهتم أكثر باللغة الانجليزية، لغة العلم الأولى في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، وأن نجعل منها ـ وبشكل متدرج ـ  اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا من قبل نهاية هذا العقد.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق