الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

هل من تسوية في الأفق؟

 

تعددت الآراء حول إطلاق سراح الرئيس السابق والسماح له بالعودة إلى منزله مع وضعه تحت المراقبة المباشرة، وذلك بعد انتهاء مدة الحراسة النظرية، والتي تصل إلى 48 ساعة قابلة للتمديد مرتين بالنسبة لجرائم الفساد ( المادة 27 من قانون مكافحة الفساد).

تعددت الآراء حول إطلاق سراح الرئيس السابق مع وضعه تحت المراقبة المباشرة، فهناك من رأى بأن عملية إطلاق سراحه تأتي كمقدمة ل "تسوية ما" ستنكشف تفاصيلها مستقبلا، وهناك من يرى بأن كل ما جري حتى الآن هو مجرد عمل مسرحي للإلهاء، وبأنه لا جدية في هذا الملف.

من الذين أغضبهم إطلاق سراح الرئيس السابق طائفة من الموريتانيين بعضها كان يبالغ في التطبيل للرئيس السابق، وبعضها الآخر كان يحسب على معارضته المتطرفة. أصحاب هذا الموقف لا يريدون تطبيق القانون ومحاربة الفساد بشكل جدي، وإنما يريدون نوعا من الانتقام والتشفي، ولذلك فقد أغضبهم إطلاق سراح الرئيس السابق بعد انتهاء مدة حراسته النظرية.

يريد هؤلاء من الرئيس الحالي أن يتصرف كما كان يتصرف الرئيس السابق مع خصومه، أي أن لا يلقي أهمية للإجراءات والآجال القانونية، وأن يبقي الرئيس السابق قيد الاعتقال خارج القانون، فذلك هو ما يرضيهم، وذلك هو ما يريدون.  

إن ممارسة الأساليب الانتقامية في هذا الملف قد ترضي طائفة من موالاة الرئيس السابق كانت تبالغ في مدحه، وأصبحت اليوم تبالغ في نقده، وقد ترضي طائفة أخرى من معارضيه، وهي طائفة طغى على معارضتها البعد الشخصي. نعم إن ممارسة الأساليب الانتقامية قد ترضي هؤلاء وأولئك، ولكنها لن ترضي من يريد حربا جدية على الفساد تقوم على احترام القانون والفصل بين السلطات.

إن من يريد حربا جدية على الفساد تقوم على احترام القانون يجب عليه أن يثمن كل خطوة يحترم فيها القانون في مسار هذا الملف المعقد والشائك، ومن الخطوات التي تم فيها احترم القانون إطلاق سراح الرئيس السابق خلال الدقائق الأولى التي أعقبت انتهاء مدة الحراسة النظرية.

هناك طائفة ثانية تعتبر بأن كل ما يجري في هذا الملف هو مجرد عمل سرحي، والطريف عند أصحاب نظرية "العمل المسرحي" أنهم في كل مرة يقولون لقد انكشفت اللعبة وانتهت المسرحية، ولكنهم مع كل إعلان عن نهاية المسرحية يعودون من جديد لمتابعتها، وذلك على الرغم من اعترافاتهم المسبق بانتهاء فصولها.

لقد قالوا بأن المسرحية انتهت يوم قال أحد أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية بأن الرئيس السابق ليس مستهدفا..

وقالوا بأن المسرحية انتهت يوم رفض الرئيس السابق الاستجابة لدعوة لجنة التحقيق البرلمانية للمثول أمامها..

وقالوا بأن المسرحية انتهت عندما أجلت الجمعية الوطنية نقاش القانون النظامي لمحكمة العدل السامية..

وقالوا بأن المسرحية انتهت عندما تم إطلاق سراح الرئيس السابق بعد انتهاء مدة الحراسة النظرية.

الطريف في الأمر أن هؤلاء سيعودون غدا لمتابعة فصول مسرحية أقسموا أكثر من مرة بأنها قد انتهت! هم لم يتابعوا المشاهد القوية من هذه المسرحية (تشكيل لجنة تحقيق برلمانية؛ إقالة وزراء؛ التحقيق مع رئيس سابق ...إلخ)، كل هذه المشاهد القوية لم يتابعوها ولم يعلقوا إيجابا عليها، وإنما اكتفوا بانتظار تلك المشاهد التي يمكن تأويلها تأويلا مغلوطا، انتظروها وتلقفوها ليقدموها كدليل لا يقبل التشكيك على انتهاء مسرحية التحقيق مع الرئيس السابق وبعض وزرائه.

هناك طائفة ثالثة تختلف عن الطائفتين السابقتين ترى بأن في إطلاق سراح الرئيس السابق "بداية ما" لتسوية الملف. إن كل المؤشرات المتاحة حاليا تؤكد بأنه:

 - لم يعد بالإمكان عقد أي تسوية من أي نوع بين الرئيسين الحالي والسابق.

 - الفترة الزمنية التي كانت متاحة نظريا لعقد أي تسوية من أي نوع انتهت منذ أشهر، ومن قبل أن يتم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية.

 - الرئيس السابق لم يعد يملك أي ورقة ضغط من أي نوع لفرض أي تسوية.

-  الرئيس الحالي يقدر - أكثر من غيره - حجم الكلفة التي سيدفعها نظامه إن هو أقبل على تسوية من أي نوع لغلق هذا الملف.

التسوية التي يمكن أن تحدث مستقبلا هي تلك التسوية التي تمكن من استعادة بعض الأموال المنهوبة، وغير ذلك من التسويات لا أراه متوقعا.

خلاصة القول :

-  من كان يتوقع في هذا الملف أسلوبا انتقاميا يتم فيه تجاوز القانون ، كما كان يحدث في الماضي فسيخيب أمله كثيرا.. يكفي لتأكيد ذلك أن الدولة انتدبت 60 محاميا للدفاع عن مصالحها، والتي تريد أن تستعيدها بالقانون، وبالقانون فقط.

-  من كان يتوقع بأننا أمام عمل مسرحي غير جاد فسيفاجأ كثيرا.

هناك محطات سيصاب فيه الناقمون على الرئيس السابق بخيبات أمل كثيرة، وهناك محطات أخرى سيفاجأ فيها من يقول بنظرية المسرحية بنوع من الجدية لم يكن يتوقعه أبدا.

ليست هناك أي تسوية في الأفق، والملف يسير بطريقة قد لا تعجب هؤلاء ولا أولئك، ولكنها بإذن الله ستعجب كل من يريد حربا جدية على الفساد تعتمد على احترام القانون وفصل السلطات.

حفظ الله موريتانيا... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق