الخميس، 30 أبريل 2020

عن توقيف فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو


بدءا لابد من القول بأني من الذين يطالبون بإطلاق سراح فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو بشكل فوري، فالعلماء والأئمة لا يليق بهم الاحتجاز في مفوضيات الشرطة، وخاصة في مثل هذا الظرف العصيب الذي تعيش فيها بلادنا ـ كغيرها من دول العالم ـ تهديدا صحيا غير مسبوق.
إن هذه المطالبة بإطلاق سراح فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو لا تعني ـ بأي حال من الأحوال ـ موافقة الشيخ في أرائه، بل على العكس من ذلك، فأنا من الذين يعارضونه ـ وبشدة ـ  في أرائه الأخيرة ، وسأبين ذلك في ثنايا هذا المقال.

ومن قبل الإسهاب في تقديم أوجه الاعتراض، فلا بد أن أبين بأن اعتراضي على أراء فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو سيكون من خلال الآثار الإعلامية والسياسية لتلك الآراء، أما الجانب الشرعي، فلا يحق لمثلي الخوض فيه، وإن كنتُ كأحد عامة المسلمين آخذ بفتوى المجلس الأعلى للفتوى والمظالم وهيئة العلماء الموريتانيين والكثير من كبار علماء البلد الذين أفتوا بجواز تعليق الجمعة، وذلك بعد أن أوصى الأطباء ـ وهم أصحاب القول الفصل في الوقاية من الأوبئة ـ بالابتعاد عن التجمعات، وقد تعززت هذه الفتوى بعد أن أمر ولي الأمر بها، وإذا أمر ولي الأمر بأمر في قضية اجتهادية وجب الامتثال له، ذلك هو ما سمعنا من علمائنا.
لا يعني هذا الكلام التقليل من وجاهة رأي العشرات من العلماء والأئمة، والذين كان من بينهم فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو ، والذين قالوا بعدم جواز تعطيل الجمعة، وراسلوا وزارة التوجيه الإسلامي بذلك، ولا اعتراض على تبيان رأيهم ومحاولة إقناع الوزارة به. إنما الاعتراض على الوقوف العلني ضد تنفيذ ما أمر به ولي الأمر بناءً على فتوى من المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، وهيئة العلماء الموريتانيين، والكثير من كبار العلماء في البلد.
بالعودة إلى صفحة فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو على الفيسبوك ـ وأنا من متابعيها باستمرارـ  فسنجد بها العديد من المنشورات التي تعبر عن الوقوف العلني ضد القرار بتعطيل الجمعة. ومن المنشورات الدالة على ذلك : " ما يزال مسجدنا مغلقا أمام الجمعة، للأسبوع الثاني، ولا نزال نصليها في ساحته.. حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.."
" اليوم حصل العذر المقنع لنا شرعا، وهو المنع عنوة من دخول المسجد."
"فتاوى تعطيل الجمعة فاسدة، والقرار خاطئ، وتهديد المصلين مشين، والجمعة باقية بحفظ الله، ولن يغسل عار المشاركة في تعطيلها غير التوبة".
" قرار تعطيل الجمعة؛ تولى جمع غفير من الفقهاء كبره، وتلطخ النظام بعاره.. ونال جمهور عريض من الأئمة والمصلين شرف وأده في مهده". ....إلخ
إن وقوف فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو العلني ضد الأمر بتعطيل الجمعة ورفضه للامتثال لذلك الأمر، لم يكن من زاوية إعلامية وسياسية بالموقف السليم، وذلك لجملة من الأسباب لعل من أهمها:  
(1)
على العلماء والأئمة أن يكونوا هم أكثر الناس حرصا على وحدة وتماسك المجتمع خاصة في أوقات الأزمات والأوبئة، ولقد أظهر الشعب الموريتاني ـ في إطار التصدي لوباء كورونا ـ  الكثير من التماسك و نبذ الخلاف، حتى أن أهل السياسة في هذه البلاد، وهم الذين عُرفوا بخلافاتهم التي لا تنتهي، استطاعوا خلال هذه الأزمة أن يتجاوزوا خلافاتهم، وأن يقفوا وقفة رجل واحد ضد كورونا...المؤسف أنه في ظرفية إجماع كهذه، لم يظهر الخلاف إلا في صفوف الأئمة والعلماء! المؤسف أكثر أن هذا الخلاف يأتي في وقت يسعى فيه النظام الحاكم لجمع العلماء والأئمة في هيئة واحدة تضم كل علماء البلاد بمختلف أطيافهم واتجاهاتهم ومشاربهم، وذلك بعد أن تشتتوا في هيئات وروابط متعددة، وهو ما كان يؤثر سلبا على مكانتهم وعلى دورهم في المجتمع.
(2)
في منشور له كتب فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو : "سجل يا تاريخ: أول حكومة موريتانية تهدد الأئمة بالعقوبة إذا صلوا الجمعة في مساجدهم..."، وفي مناشير أخرى حاول فضيلة الشيخ أن يشبه ما تقوم به الحكومة الحالية من "تهديد للائمة" بما كان يقوم به ولد الطايع في فترة حكمه. لا أظن بأن المقارنة واردة، فما كان يقوم به ولد الطايع كان يقوم به تقربا لأنظمة غربية معادية للإسلام، وقد جاء في إطار التقرب للعدو الصهيوني، وما يقوم به النظام الحالي يقوم به اجتهادا منه لحفظ الأنفس من وباء مهلك، وليس تقربا لنظام معاد للإسلام. ثم إن النظام الحالي لم يتأخر منذ قدومه في اتخاذ خطوات تبعده عن تلك الشبهة، فقد سارع في أيامه الأولى إلى أقامة صلاة استسقاء في عموم التراب الوطني، وسارع بعد ظهور فيروس كورونا في بلادنا إلى رفع القرآن من مآذن المساجد في عموم التراب الوطني.
(3)
لقد قرر النظام أن يتخذ إجراءات صارمة للتصدي لكورونا، وفي هذا الإطار جاء قراره بتعطيل الجمعة الذي اتخذه بناء على فتوى من كثير من العلماء. كما اتخذ النظام قرارات أخرى قاسية منها عدم السماح للموريتانيين في الخارج بالدخول إلى بلادهم بعد إغلاق الحدود، ولقد كانت هناك حالات إنسانية صعبة منعت من الدخول. كما أنه تم منع موظفين كبار من الدخول إلى موريتانيا من بينهم وزيرة، وهو ما يعني أن صرامة النظام كانت جدية، و تساوى فيها المواطن العادي والوزير.
لقد اتخذ النظام حزمة من الإجراءات القاسية في إطار جهوده للتصدي لكورونا، ومن الظلم محاولة إظهار النظام بأنه يتساهل مع كل إجراءات الوقاية، ولا يتشدد إلا في قضية تعطيل الجمعة..للأسف هذا هو ما يحاول فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو أن يقنعنا به كمتابعين لصفحته.
هذا هو ما أردتُ قوله، واختم المقال كما بدأته، بالمطالبة بالإطلاق الفوري لسراح فضيلة الشيخ محمد سالم ولد دودو فمثله لا يليق به أن يسجن، حتى وإن اتخذ موقفا لا يخدم الجهود التي تبذل للتصدي لوباء كورونا.
   
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق