الأحد، 23 يونيو 2019

هنيئا لموريتانيا ..هنيئا لغزواني

إن المتأمل في أحوال بعض بلدان المنطقة التي فشلت في تحقيق مبدأ التناوب أو التداول السلمي على السلطة، الشيئ الذي أدخلها في حروب وفتن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنهايتها، إن المتأمل في أحوال تلك البلدان لابد وأنه سيدرك مدى أهمية تحقيق تناوب أو تداول سلمي على السلطة في بلد كبلدنا.
إن مغادرة رئيس للسلطة من بعد انتهاء مأموريته ووصول رئيس جديد إليها من خلال صناديق الاقتراع لهو أمر يستحق التثمين، خصوصا عندما يحدث ذلك في زمن كزمننا هذا، وفي منطقة كمنطقتنا هذه.

هناك شيئٌ آخر يستحق التثمين، ألا وهو نتائج هذه الانتخابات والتي ظلت غير محسومة حتى آخر لحظة. لقد ظلت النتائج تتذبذب بين إمكانية الحسم في الشوط الأول وإمكانية حدوث شوط ثان حتى آخر لحظة، كما ظلت الرتبة الثانية تتذبذب بين اثنين من المتنافسين وبفوارق بسيطة جدا الشيئ الذي أعطى لهذه الانتخابات نكهتها، وجعلها ـ بالتالي ـ تصنف على الأقل من حيث تذبذب النتائج على أنها انتخابات على مقاييس الديمقراطيات العريقة.
صحيحٌ أنه حدثت خروقات هنا وهناك، خلال الحملة الانتخابية وخلال يوم الاقتراع، ولمرصد "من أجل موريتانيا" للانتخابات بياناته التي أصدرها، وله موقفه الذي سيصدره عن الانتخابات من بعد اكتمال تقارير مراقبيه، ولكن ـ ومن وجهة نظر شخصية ـ فإن كل تلك الخروقات لا ترقى إلى درجة التشكيك في نتائج هذه الانتخابات، ولا إلى الطعن في مصداقيتها، وعلى المترشحين باسم المعارضة أن يدركوا ذلك، وعليهم أن يهنئوا المرشح الفائز من بعد الإعلان الرسمي عن النتائج.
إننا بحاجة من بعد انتخابات 22 يونيو إلى فتح صفحة جديدة لمواجهة تحديات ما بعد الانتخابات، فنحن بحاجة إلى أن نعمل معا من أجل ترسيخ مبدأ التناوب السلمي على السلطة، ولن يتحقق ذلك إلا بوجود رئيس منفتح على الجميع، رئيس لا يعتبر المعارضة مجموعة من الخونة، وإنما يعتبرها شركاء في الوطن، وكذلك بوجود معارضة ناضجة تبتعد عن شخصنة المواقف، أي أنها لا تعارض شخص الرئيس، وإنما تعارض نهجه وأسلوبه في الحكم إن هو اعتمد نهجا وأسلوبا لا يخدم الوطن ولا يعزز المسار الديمقراطي.
إن أسوأ قرار يمكن أن تتخذه المعارضة في مثل هذا الوقت الحرج سياسيا، هو أن ترفض نتائج الانتخابات وأن تنزل إلى الشارع دون تقديم أدلة مقنعة على حدوث تزوير، فمثل ذلك سيُظهر المعارضة أمام الشعب الموريتاني على أنها غير مكترثة بالسلم والأمن، وبأنها على استعداد للاحتجاج ضد تزوير لا تمتلك حججا مقنعة على حدوثه.
إننا بحاجة أيضا لأن نتذكر جميعا بأن هناك تركة ثقيلة سيخلفها الرئيس المنصرف من بعده: ديون الشيخ الرضا؛ ملف ولد أمخيطير؛ هذا فضلا عن وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة. هذه الوضعية تحتاج منا جميعا توفير الحد الأدنى من التهدئة لإتاحة الفرصة أمام الرئيس المنتخب لإيجاد حلول ناجعة لهذه الملفات الصعبة، خاصة وأن استغلال الغاز لن يبدأ إلا مع بداية العام 2022، أي أن عائداته لن تكون متوفرة إلا مع منتصف المأمورية.
إننا بحاجة لأن ندرك جميعا بأن هناك من لا يتحمس كثيرا لمبدأ التناوب السلمي على السلطة، ولذلك فسيكون من الخطأ الاستراتيجي توتير الأجواء، وبما قد يخدم مصالح أولئك الذين لا يتحمسون للتناوب السلمي على السلطة، ولا للانتقال الديمقراطي.
على كل المهتمين بالشأن العام، وعلى كل الحريصين على تعزيز الديمقراطية في هذه البلاد أن لا يتركوا الرئيس المنتخب للانتهازيين والنفعيين والمطبلين ليلتفوا حوله، ولينحرفوا به كما انحرفوا برؤساء من قبله، فعليهم أن يمدوا له يد العون، وأن يمنحوه الفرصة في عامه الأول من مأموريته الأولى، فإن أراد إصلاحا واصلوا المشوار معه، وإن لم يرد إصلاحا تبرؤوا منه وجاز لهم حينها أن يعارضوه بشدة.
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق