الأربعاء، 3 أبريل 2019

لماذا يخوض غزواني حملة ضد غزواني؟


إن المتأمل في كل حركات وتصرفات ولقاءات وزيارات المرشح غزواني من بعد خطاب إعلان ترشحه، لابد وأنه سيجد صعوبة كبيرة في تفسير تلك الحركات والتصرفات واللقاءات والزيارات، فلا خيط ناظم لها سوى أنها كلها في غير صالحه، وفي غير صالح حملته، وهي في المجمل يمكن تصنيفها على أنها تدخل في إطار حملة مضادة، وكأن الذي يشرف عليها هو أحد منافسي المرشح غزواني.

فلماذا يخوض غزواني حملة ضد غزواني؟
بالعودة إلى حفل إعلان الترشح، وإلى الخطاب الذي ألقاه غزواني لإعلان ترشحه فسنجد بأن ذلك الخطاب قد وجد ترحيبا واسعا من جمهور عريض لم يكن محسوبا على النظام، فلماذا تراجع غزواني عن مضامين ذلك الخطاب؟ ألم يكن الأولى به أن يسير على نهج الخطاب الذي جلب له أو كان سيجلب له داعمين كثر من خارج دائرة النظام؟
لو أن الخطاب كان  خطابا منفرا لكان من المقبول ومن المتفهم التراجع عنه، أما وأنه كان خطابا جذابا، بل وشديد الجاذبية، فسيبقى السؤال المحير الذي يطرح نفسه هو لماذا تراجع غزواني عن مضامين خطابه الجذاب؟ ولماذا كان التراجع بهذه السرعة؟
إن البحث عن جواب مقنع لهذه الأسئلة الحائرة سيقودنا إلى الفرضيات التالية:
1 ـ  أن الخطاب ومضامينه كان محل اتفاق بين ولد عبد عزيز وغزواني، ولكن الصدى الإيجابي  للخطاب، والصورة الجيدة التي منحها ذلك الخطاب لغزواني في أول إطلالة سياسية له، وحجم الإقبال الكبير الذي أعقب ذلك الخطاب، أن كل ذلك أدى إلى شعور ولد عبد العزيز بأنه بدأ يفقد السيطرة على الأمور، وبأن الرئاسة قد بدأت تنتقل في وقت مبكر إلى غزواني، ولذا فقد قرر ولد عبد العزيز أن يتدخل حتى يُظهر للجميع بأنه ما يزال يتحكم في الأمور كلها، وبأنه قادر في أي وقت على أن يظهر غزواني بالصورة التي يشاء، فتارة يظهره كمرشح مستقل جذاب، وتارة أخرى يظهره كمرشح استمرار النهج، بل والاستمرار في أسوأ ما في النهج.
2 ـ أن يكون غزواني قد خاض "انقلابا ما" كان من نتائجه البيان الرئاسي الشهير الذي أوقف مبادرة النواب للتمديد، وكان من نتائجه أيضا حفل إعلان الترشح والخطاب الذي ألقي فيه. ولكن هذا الانقلاب أعقبه انقلابا مضادا كان من نتائجه هذا التراجع الكبير والسريع في مسار الحملة الانتخابية للمرشح غزواني، والتي أصبحت تأخذ اليوم مسارا موغلا في الاستمرارية في النهج، بل والاستمرارية في أسوأ ما في النهج.
3 ـ أن يكون الأمر كله يتعلق بمعركة تدار من خلف الكواليس، والمعارك والحروب ـ وحسب ما هو معروف ـ  سجال، فيوم لك ويوم عليك، ففي البداية كانت المعركة تسير  لصالح غزواني، واليوم أصبحت تسير لصالح ولد عبد العزيز، وربما تكون ورقة "ولد محمد لغظف" هي التي أدت إلى قلب الموازين لصلح ولد عبد العزيز، فولد عبد العزيز ربما يكون قد هدد في وقت ما بترشيح ولد محمد لغظف، وبتقديم الدعم الخفي له، في حالة إذا ما قرر غزواني الاستمرار في الظهور بمظهر المرشح المستقل الخارج عن النهج.
لنختم هذه الفرضيات الثلاث بالقول بأن هذا التراجع الحاصل في مسار حملة غزواني السابقة لأوانها، لن يكون في صالح غزواني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبريره، حتى بالنسبة لأولئك الذين يقولون بأن من مصلحة غزواني أن يُساير ولد عبد العزيز حتى يخرج هذا الأخير من القصر الرئاسي.  إن من يقولون بهذا فهو مخطئ، فالمسايرة كانت أكثر إقناعا من قبل خطاب إعلان الترشح، وكان بإمكان غزواني أن يخفف من حدة استقلالية خطاب إعلان ترشحه، وحينها سيكون بالإمكان الدفع بمبرر المسايرة في انتظار الوصول إلى الرئاسة. أما وأن غزواني قد قرر أن يعطي في أول إطلالة له على الموريتانيين، أن يعطي الانطباع بأنه رجل قوي ومستقل، فإن التراجع عن ذلك، وبهذه السرعة سيضر غزواني كثيرا، لأنه سيظهره بالمرشح المتذبذب، و بأنه غير قادر على حسم الأمور.
كان على غزواني أن يستمر في إظهار استقلاليته، ومن المؤكد بأن ذلك ستكون له كلفة، ولكنه في المقابل كان سيمكن غزواني من استقطاب الكثير من الداعمين الذين يمكن التعويل عليهم في البأساء والضراء، والذين يختلفون بشكل كامل عن غوغاء المبادرات، وعن نخب التزلف والنفاق، والذين "لا معنى للعهد عندهم"، فهم بالأمس كانوا يقودون المبادرات المطالبة بالتمديد، واليوم يلهثون خلف طائرة المرشح غزواني، وغدا قد يولون وجوههم شطر أي جهة أخرى إذا ما استشعروا بأن البوصلة قد تغير اتجاهها.
بكلمة واحدة فإنه يمكن القول بأنه كان من الأفضل لغزواني أن يتمسك بخطابه وبمضامين خطابه حتى ولو تم الدفع بولد محمد لغظف كمرشح، ذلك كان أفضل له من التنازل عن مضامين الخطاب مقابل سحب ترشيح ولد محمد لغظف.
ما الهدف من هذه الحملة المبكرة؟
إن هذه الحملة المبكرة التي قرر غزواني أو قرر له (بضم القاف) أن يطلقها من قبل حلول الآجال الدستورية للحملات الانتخابية، يمكن اعتبارها هي أيضا من الحملات المضادة التي ستجلب للمرشح غزواني خسائر أكبر من المكاسب السياسية والانتخابية المتوقعة من خلال هذه الزيارات.
هناك خسائر سياسية وانتخابية سيتكبدها غزواني بسبب هذه الحملة المبكرة، ومن هذه الخسائر يمكننا أن نذكر:
1 ـ  أنها أظهرت عدم احترام المرشح للأعراف الديمقراطية وللآجال الدستورية، وذلك في والوقت الذي كان عليه أن يظهر فيه صورة مغايرة حتى يُقنع الموريتانيين بأنه لم يعد ذلك  العسكري الانقلابي، كما هو في الذاكرة الجمعية، بل إنه أصبح شخصية سياسية تحترم الدستور وتتعامل إيجابيا مع الأعراف الديمقراطية.
2 ـ حتى ولو اعتبرنا جدلا بأن الحملة قد بدأت بالفعل، فإن هذه الزيارات ستبقى في غير صالح المرشح غزواني، وذلك لأنها لم تكن زيارات اتصال مباشر بالمواطنين، مثلما حدث مع زيارات ولد عبد العزيز في حملة 6/6/2008، ففي تلك الزيارات كان ولد عبد العزيز يلتقي بالبسطاء من المواطنين، وفي نفس المجالس التي يلتقي فيها بالوجهاء والأطر، وكان يعدهم ويمنيهم بما يحبون أن يسمعوا، فكان يحدثهم عن الحرب على الفساد، وعن التغيير البناء، وعن الإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها الدولة، والتي يمكن من خلالها توفير كل ما يحتاجونه كمواطنين من مستلزمات العيش الكريم. أما في زيارات غزواني فإن الأمر يختلف تماما، فهو لا يلتقي بالبسطاء من المواطنين، ولا يعطي اعتبارا للوجهاء، والأخطر من ذلك كله، فإن زياراته ستزيد من عمق الخلافات المحلية في كل المقاطعات المزورة، وكل ذلك يجعلنا نتساءل : لماذا أصلا هذه الزيارات؟ وهل كانت من أجل أن يكتسب المرشح غزواني عداوات جديدة في المناطق المزورة؟
3 ـ لقد أخطأ غزواني بإطلاق حملة انتخابية سابقة لأوانها، وليس ذلك هو محل الاستغراب هنا، بل إن محل الاستغراب يكمن في عدم الاستفادة من هذا الوقت الطويل العريض الذي يسبق الحملة؟ فلماذا لم يقرر غزواني البقاء في كل مقاطعة لوقت أطول من أجل الاتصال بعدد أكبر من المواطنين؟ ولماذا لم يستخدم السيارات في التنقل بين المقاطعات، وهذا السؤال الأخير سيقودنا إلى الفقرة الأخيرة من هذا المقال.
لماذا استخدم غزواني طائرة عسكرية؟
كما قلنا سابقا، فإن الوقت ليس بضاغط، ونحن لسنا أمام حملة انتخابية محدودة بأسبوعين فقط، حتى يكون هناك أي مبرر لاستخدام طائرة عسكرية أو غير عسكرية.  
إن استخدام طائرة عسكرية من طرف مرشح كغزواني في مثل هذا الوقت كان خطأ كبيرا، ومن المؤكد بأنه قد أحرج  داعميه الصادقين الذين كانوا يريدون أن يظهروه على أنه شخصية مدنية لم تعد لها أي صفة عسكرية. ليس هذا فقط، بل إن استخدام هذه الطائرة قد أثار جدلا كبيرا يتعلق بتأجير الجيش لطائراته، وبضرورة كشف الفاتورة إن كانت العملية تتعلق بصفقة شفافة، وما إذا كان سيتاح لبقية  المترشحين الاستفادة من خدمة تأجير الطائرات العسكرية مع عناصر عسكرية للحراسة.
إن استخدام مثل هذه الطائرة حتى وإن كانت مؤجرة ليوحي بنوع من البذخ، كما أنه يوحي أيضا بعدم الاهتمام بمعاناة المواطنين، وخاصة أولئك الذين يموتون منهم على الطرق المتهالكة ودون أن يجدوا سيارة إسعاف، أما طائرة إسعاف عسكرية أو مدنية فتلك أمنية بعيدة لا يحلمون بها.
لو أن المرشح غزواني استخدم السيارات لاطلع أكثر على معاناة المواطنين، ولاطلع بشكل خاص على تهالك الطرق، ولأنه لم يفعل، ولأنه بدأ بمقاطعة بوتلميت، فلا بأس بتذكيره ببعض الحوادث التي تسببت فيها الحفر في العام 2018، والتي تم تسجيلها على مقطع غرب مدينة بوتلميت لا يتجاوز طوله 50 كلم.
ـ في يوم 23 مايو 2018 وقع حادث سير عند المدخل الغربي من بوتلميت، وكان بسبب حفرة، وتوفي فيه 5 أشخاص.
ـ  في يوم 26 مايو 2018، أي بعد ثلاثة أيام فقط من الحادث السابق، وعند الكلم (20 ـ 21) غرب مدينة بوتلميت وقع حادث سير بسبب حفر، وكانت حصيلته 5 وفيات و7 إصابات خطرة.
ـ في يوم 4 أغسطس 2018 تسببت الحفر نفسها الموجودة على الكلم (20 ـ 21) غرب مدينة بوتلميت، في  وقوع حادث سير آخر كانت حصيلته هذه المرة وفاة 8 أشخاص وإصابة 14 شخصا.
ـ في يوم 15 أغسطس 2018، أي بعد أقل من أسبوعين من حادث الكلم (20 ـ 21)، وعلى بعد واحد كلم ، أي عند الكلم 19 وقع حادث آخر بسبب الحفر، وتوفي فيه 5 أشخاص وإصابة شخصين بإصابات خطيرة.
ـ في يوم 1 نوفمبر 2018، وقع حادث عند الكلم (49ـ 50) بسبب الحفر، وكانت الحصيلة 3 وفيات.
 ـ في يوم 10 ديسمبر 2018، وعند الكلم 10 غرب بوتلميت وقع حادث سير آخر بسبب الحفر، وكانت حصيلته 5 وفيات وأربع إصابات.
ختاما:
إن تشجيع المبادرات القبلية، وتنظيم زيارات كرنفالية على متن طائرة عسكرية، ورفض لقاء المواطنين البسطاء. إن كل ذلك يشكل حملة مضادة في غير صالح المرشح غزواني، فهل المرشح غزواني يعي ذلك أم لا؟
من المؤكد بأن الأمور إذا ظلت تسير في هذا الاتجاه، فإن الخاسر الأكبر سيكون المرشح غزواني، والذي سيصبح من المستحيل فوزه في ظل انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية. صحيح أن السير في هذا الاتجاه قد لا يمنع غزواني من الفوز في انتخابات مزورة تتدخل فيها الدولة لصالحه، ولكن فوزا من ذلك القبيل سيعني تولي الرئاسة في ظل أزمة سياسية ستزداد استفحالا، وهو ما يعني رئاسة مليئة بالمشاكل والقلاقل ولا أحد سيكون بإمكانه أن يتنبأ بمآلاتها.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق