الخميس، 7 سبتمبر 2017

تأملات في شعار "موريتانيا الرحيمة"

يُعد شعار موريتانيا الرحيمة هو آخر شعار ابتدعه النظام القائم، وقد ظهر هذا الشعار لأول مرة خلال أحد المهرجانات الدعائية لاستفتاء الخامس من أغسطس، وفي محاولة منا لتحديد ملامح موريتانيا الرحيمة، ولفهم ما يراد بهذا الشعار، فقد ارتأينا أن نتوقف مع بعض تصرفات السلطة القائمة التي أعقبت ظهور هذا الشعار، وخاصة تصرفاتها في أول عيد يحتفل به الموريتانيون في ظل دولتهم الرحيمة.

إن التأمل في هذه التصرفات ومحاولة قراءتها قراءة تغوص في العمق، ولا تتوقف عند بريق الشعار، ستقودنا إلى موريتانيا غير رحيمة، إلى موريتانيا أخرى يمكن أن نصفها بالدكتاتورية، أو بالمرتبكة، أو بالقاسية الباطشة، ومثل هذا الوصف الأخير يجوز في لغة العرب، فاللديغ يوصف بالسليم، والأعمى بالبصير، ومن هنا فقد تكون موريتانيا الرحيمة تعني في حقيقتها وفي جوهرها موريتانيا القاسية الباطشة.
موريتانيا القاسية الباطشة
لقد أظهر رئيس البلاد الكثير من القسوة مع المواطنين من بعد إطلاقه لشعار موريتانيا الرحيمة، وإذا كان الرؤساء قد تعودوا على أن يطلقوا سراح بعض السجناء بمناسبة الأعياد، وذلك من أجل أن تتسع فرحة العيد حتى تصل إلى أسر بعض المساجين، فإن صاحب شعار موريتانيا الرحيمة قد تصرف بشكل يناقض تلك العادة التي دأب عليها الرؤساء. ففي يوم عيد الأضحى المبارك لهذا العام، والذي صادف يوم عيد آخر للمسلمين وهو يوم الجمعة، والذي كان يوم عطلة رسمية في هذه البلاد المسلمة، وذلك من قبل أن يبدله "رئيس العمل الإسلامي" بيوم الأحد. ففي هذا اليوم، والذي كان يوم عيد مزدوج، قرر رئيس موريتانيا الرحيمة أن يحيل السيناتور محمد غدة إلى السجن، وأن يضع عددا من الشيوخ والصحفيين والنقابيين تحت الرقابة القضائية، هذا فضلا عن إصدار مذكرات اعتقال في حق محمد ولد بوعماتو ومحمد الدباغ.
تصرف آخر قام به رئيس موريتانيا الرحيمة يناقض تصرفات الرؤساء، فقد تعود الرؤساء إلى أن يقطعوا زياراتهم إذا حلت ببلدانهم كارثة، أما رئيس موريتانيا الرحيمة فقد قرر أن يترك بلاده بعد يوم واحد من حصول كارثة أدت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا، وأن يذهب إلى فرنسا ليشارك في طاولة مستديرة حول المخطط التنموي لتشاد! بالمناسبة هذه الطاولة لم يحضرها من الرؤساء إلا الرئيس الموريتاني بالإضافة طبعا إلى  رئيس تشاد، حتى الرئيس الفرنسي الذي تنعقد هذه الطاولة على أرضه فإنه لم يحضر للافتتاح، وإنما اكتفى بإيفاد رئيس حكومته.
موريتانيا الحاقدة المنتقمة
إن القسوة التي تعاملت بها السلطة مع الشيوخ، والتي تظهر من خلال اختطاف السيناتور محمد ولد غدة ليلا من منزله، وإخفائه لستة أيام كاملة، وما تبع ذلك من معاملة قاسية، والتي تظهر كذلك من خلال استدعاء الفنانة الشيخة المعلومة منت الميداح يوما قبل عيد الأضحى واحتجازها في المحكمة حتى فجر العيد والتهديد بإحالتها إلى السجن، وهو تهديد ما يزال قائما بعد استئناف النيابة لقرار القاضي برفض اعتقالها. إن كل هذه المعاملة القاسية للشيوخ، والتي بلغت الذروة في صبيحة يوم العيد لتؤكد بأن زلزال السابع عشر من مارس لا يزال يفعل أفاعيله برأس النظام.
إن الرئيس قد أصبح على قناعة تامة بأن تعديلاته الدستورية قد فشلت فشلا مزدوجا، فشلت في المرة الأولى بتصويت الشيوخ ب"لا"، وفشلت في المرة الثانية بمقاطعة الشعب الموريتاني لصناديق الاقتراع يوم 5 أغسطس، ولذلك فقد أظهر الرئيس هذا الحقد الكبير وهذه الروح الانتقامية  في تعامله مع الشيوخ الذين أفشلوا تعديلاته الدستورية. ولو أن الرئيس صدَّق ولو للحظة واحدة بنجاح تعديلاته الدستورية، لانشغل بالاحتفال بالانتصار، ولنسي أمر الشيوخ بعد إلغاء مجلسهم طبقا لنتائج استفتاء 5 أغسطس.
إن الرئيس على قناعة  تامة ـ حتى وإن أخفى ذلك ـ بأن تعديلاته الدستورية قد فشلت فشلا ذريعا، وبأن السبب في فشلها هو تصويت الشيوخ ب"لا"، وبأنه لابد من الانتقام القاسي من هؤلاء الشيوخ، ولتذهب من بعد ذلك استقلالية القضاء إلى حيث تشاء، المهم أن تخرج مذمومة مدحورة من كل أراضي موريتانيا الجديدة، موريتانيا الرحيمة.
موريتانيا الدكتاتورية
إن كارثة تصويت الشيوخ ب "لا" بالنسبة للرئيس محمد ولد عبد العزيز لا تتوقف فقط عند إسقاط التعديلات الدستورية والتي أراد الرئيس أن يجعل منها مقياسا لإمكانية البقاء في الحكم من بعد اكتمال مأموريته الثانية. إن الكارثة لا تتوقف عند ذلك رغم أهميته، بل إن الأخطر بالنسبة للرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي يقود دولة بأسلوب أمني ومخابراتي هو أنه ظل يتوقع وحتى صبيحة يوم الجمعة 17 مارس بأن الشيوخ سيمررون التعديلات الدستورية بما يقارب50 صوتا، فإذا بهم يسقطونها ب33 صوتا. إن حدوث مثل هذا في دولة مخابرات ليعد بالأمر الخطير،  وقناعة الرئيس بخطورة الأمر هو الذي أوقعه في ارتباك شديد، ولعلكم تتذكرون المؤتمر الصحفي الذي نظمه الرئيس من بعد ذلك، ولعلكم تتذكرون كيف لجأ إلى المادة 38.
إن يوم السابع عشر من مارس لم يكن يوما عاديا، وإن إسقاط الشيوخ للتعديلات الدستورية يمكن أن يصنف بأنه هو أقوى ضربة سياسية وأمنية يتلقاها الرئيس محمد ولد عبد العزيز طيلة فترة حكمه.
إن تصويت الشيوخ ب"لا" لا يزال بالنسبة للرئيس لغزا محيرا لابد من فك طلاسمه، ومن هنا جاءت فرضية تلقي مبالغ طائلة من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، والرئيس ولد عبد العزيز يفسر كل شيء بالمال، ومن هنا أيضا كان الشيوخ يسألون في التحقيقات عن الأسباب التي جعلتهم يصوتوا ب"لا".فأن يسأل شرطي أو دركي برلمانيا منتخبا عن تصويته، وعن الأسباب التي جعلته يصوت ب"لا"؟ فذلك يعني بأنه لم يعد هناك أي احترام حتى لديكور الديمقراطية في موريتانيا الرحيمة، عفوا، في موريتانيا الدكتاتورية.
موريتانيا المرتبكة
يعيش الرئيس محمد ولد عبد العزيز حالة ارتباك شديد، وسيزداد هذا الارتباك وضوحا كلما اقترب العداد الزمني من منتصف العام 2019، وأسباب هذا الارتباك معروفة وقد تحدثت عنها بشيء من التفصيل في مقال سابق.  ومن مظاهر ارتباك الرئيس محمد ولد عبد العزيز خروجه إلى قصر المؤتمرات مساء الخامس من أغسطس، وعودته منه دون أي تعليق يذكر, ومنها عدم تهنئة الشعب الموريتاني بنجاح الاستفتاء من طرف أول مجلس وزراء يعقد بعد الاستفتاء ، و منها قراءة بيان تأسيس جمهورية المقاومة بلسان فرنسي غير مبين، ومنها أن أول خروج للرئيس المقاوم من بعد الإعلان عن دولة المقاومة كان إلى دولة المستعمر، ومنها هذه الزيارات "المفاجئة" إلى المدارس في العطل الصيفية، ومنها إعلان رئاسة الجمهورية في بيان صادر مساء السبت (ليلة الأحد) أن يوم الاثنين 4 سبتمبر هو عطلة معوضة على كامل التراب الوطني. إنه ليس من المعهود أن يكون اليوم الثالث بعد العيد عطلة، وحتى ولو افترضنا أنه يمكن أن يكون عطلة، فلماذا يعلن عن ذلك في وقت متأخر، وبعد أن يكون العمال قد بدؤوا في العودة إلى أماكن عملهم؟
خلاصة القول
إن ما حدث في يوم السابع عشر من مارس كان زلزالا سياسيا وأمنيا كبيرا، وقد وضع الرئيس محمد ولد عبد العزيز أمام واحد من خيارين: فإما أن يبتلع الهزيمة، وينسى حكاية التعديلات الدستورية، فيظهر بمظهر الرئيس الديمقراطي الذي يضع نفسه فوق صراعات موالاته، وبذلك يحول هزيمته إلى نصر، وكان بإمكانه في هذه الحالة، إذا كان لابد من الانتقام من الشيوخ، أن ينتقم منهم بتجديد مجلسهم وبحرمان كل من صوت منهم ب "لا" من العودة إلى المجلس، وكان بإمكانه أن يفعل ذلك فأغلب البلديات تتبع للحزب الحاكم. أما الخيار الثاني، فهو أن يعتبر الرئيس بأن تصويت الشيوخ كان طعنة موجهة إليه بشكل شخصي، وأن عليه في هذه الحالة أن ينتقم بشكل شخصي من كل أولئك الذين "غدروا"به.
للأسف لقد اختار الرئيس الخيار الثاني، ولذلك فعليكم أن تتوقعوا له المزيد من الفشل والارتباك والتخبط  والبطش..عليكم أن تتوقعوا كل شيء باستثناء قرارات راشدة أو دولة رحمية بمواطنيها.   

حفظ الله موريتانيا..

هناك 3 تعليقات: