السبت، 5 نوفمبر 2016

أفكارٌ لإفشال الاستفتاء الذي تم إقراره من طرف واحد


قاطع أغلب الطيف المعارض الحوار الأحادي الذي نظمته السلطة مع نفسها في قصر المؤتمرات في الفترة ما بين 29 سبتمبر إلى 20 أكتوبر، ونظمت  المعارضة من بعد مقاطعتها للحوار الأحادي مسيرة حاشدة مساء السبت الموافق 29 أكتوبر عبرت من خلالها عن رفضها القاطع لنتائج الحوار وعن استعدادها للوقوف ضد العبث برموز الوطن. ولكن، وعلى الرغم من هذه المقاطعة الواسعة للحوار، وعلى الرغم من المسيرة الحاشدة فإن السلطة الحاكمة قد قررت أن تمضي قدما في استفتائها الرامي إلى تغيير العلم وإلغاء مجلس الشيوخ واستحداث مجالس جهوية. إن عناد السلطة وإصرارها على المضي قدما في تنفيذ نتائج حوارها الأحادي يضع المعارضة التي التزمت أمام جماهير حاشدة من الشعب الموريتاني بأنها لن تقبل بالعبث برموز الوطن ، يضعها أمام تحد كبير، فهل ستكون المعارضة على مستوى التحدي أم أنها ستخذل مرة أخرى الحشود الكبيرة التي شاركت في مسيرة السبت، وأكدت من خلال تلك المشاركة عن رفضها للعبث بالدستور؟

وفي انتظار أن تجيب المعارضة على هذا السؤال فإن الشيء الذي يمكن قوله هنا هو أن الخيارات المتاحة أمام المعارضة لإفشال الاستفتاء ـ الذي بشر به وزير الدفاع في المؤتمر الأسبوعي للحكومة، وأقول وزير الدفاع وإن في ذلك لدلالة ـ هي خيارات محدودة جدا وتتمثل في:
الخيار الأول : أن تشارك المعارضة في الاستفتاء وأن تصوت بلا لتظهر بأن أغلبية الشعب الموريتاني ترفض التعديلات الدستورية. هذا خيار محتمل، ولكن مخاطر هذا الخيار تتمثل في أن عملية الاستفتاء لن تكون شفافة، ويكفي أن نعلم بأن الإشراف على الاستفتاء ستتولاه اللجنة المستقلة للانتخابات وبنسختها الحالية، وهي النسخة التي كانت قد أثبتت من خلال إشرافها على الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية بأنها لا تمتلك من الكفاءة ولا من الاستقامة ما يؤهلها للإشراف على أي عملية انتخابية يُراد لها أن تكون ذات مصداقية. إن مشاركة المعارضة في هذا الاستفتاء ستعطي للاستفتاء مصداقية، وذلك على الرغم من أن النتيجة ستكون محسومة سلفا لصالح التصويت بنعم حتى ولو صوتت غالبية الشعب الموريتاني بلا، ومن هنا يظهر بأن هذا الخيار سيكون هو الخيار الأسوأ بالنسبة للمعارضة.
الخيار الثاني : أن تعلن المعارضة عن مقاطعتها للاستفتاء، وهذا الخيار سيكون أيضا عديم الفائدة فالمقاطعة التي لا تربك العملية الانتخابية، والتي لا تتمكن من نزع المصداقية من الانتخابات ستبقى في النهاية مجرد مقاطعة سلبية وبلا جدوى، ومن هنا تبرز أهمية السؤال الذي يقول : كيف يمكن للمعارضة أن تربك العملية الانتخابية وهل بإمكانها أن تعري الاستفتاء القادم وأن تظهره على أنه استفتاء بلا مصداقية؟
في اعتقادي بأنه بإمكان المعارضة أن تحقق ذلك، ولكن تحقيق ذلك يتطلب منها أن تمسك هذه المرة بزمام المبادرة فتحدد ساحة المعركة وعنوانها وأساليب إدارتها، ويمكن للمعارضة في هذا الإطار أن تجعل من التمسك بالعلم الوطني سلاحا ذكيا لإفشال الاستفتاء في مجمله، ولنزع المصداقية من هذا الاستفتاء الذي أحيل مشروع القانون المتضمن له إلى المجلس الدستوري لإبداء الرأي ( لو كان المجلس الدستوري حكيما لرفض المشروع ولأخرج بذلك النظام القائم من الورطة التي وضع نفسه فيها). فأن تجعل المعارضة من مسألة تغيير العلم سلاحها لإفشال الاستفتاء برمته فإن ذلك سيفيدها كثيرا، وذلك لجملة من الأمور من أهمها:
1 ـ إن هناك أطرافا واسعة في موالاة الرئيس ترفض تغيير العلم، وهناك من عبر بصراحة عن ذلك.
2 ـ  إن شهر نوفمبر (شهر الاستقلال) هو الظرف الزمني الأنسب لإطلاق حملة واسعة للتمسك بالعلم الوطني.
3 ـ من المهم جدا أن تطلق حملة واسعة لرفع العلم الوطني في كل مكان على أن تشارك في هذه الحملة كل القوى الرافضة لتعديل الدستور. إن مثل هذه الحملة ستظهر وبأساليب حضرية بأن غالبية الشعب الموريتاني ترفض تغيير العلم.
4 ـ  إن كل مواطن يمكنه أن يشارك في مثل هذه الحملة، والأهم من ذلك، هو أن النظام سيقف مرتبكا فهو لا يمكنه أن يمنع المواطنين من رفع العلم الوطني، وهو لا يمكنه أن يقوم بحملة مضادة يرفع فيها مشروع علمه المقترح، وإن فعل فإنه سيكون بذلك قد نزع المصداقية من الاستفتاء، فما أهمية الاستفتاء على تعديلات تم العمل بنتائجها من قبل تصويت الشعب الموريتاني عليها؟
5 ـ هذه الحملة لن تكون مكلفة ماديا، وما ينفقه المنتدى في مسيرة جماهيرية واحدة يفوق بكثير ما سينفق على هذه الحملة خلال شهر بكامله.
يبقى أن أشير أيضا إلى أن إفشال الاستفتاء يتطلب من المعارضة أن تغير من خطابها في المرحلة القادمة، فمن الراجح بأن النظام القائم سيجعل من المقاومة ومن الدفاع عنها مبررا لتعديلاته الدستورية الرامية إلى تغيير العلم، ولن يكون مثل ذلك غريبا على نظام تعود على أن يقتات على الشعارات، فالنظام القائم كان قد اقتات لفترة من الزمن على شعار "محاربة الفساد"، وذلك من قبل أن ينكشف للناس بأن ما شهده العهد الحالي من فساد لم تشهده العهود السابقة، والطريف في الأمر أن النظام ظل في تلك الفترة يصف كل معارضيه برموز الفساد. نفس الشيء تكرر مع شعار "رئيس الفقراء" الذي خدع الفقراء لفترة من الزمن وذلك من قبل أن يكتشفوا بأن حالهم في هذا العهد قد ساء كثيرا، ونفس الكلام يمكن أن نقوله عن شعار تجديد الطبقة السياسية وتمكين الشباب والذي خدع هو أيضا الشباب لفترة من الزمن، وذلك من قبل أن يظهر بأن النظام القائم قد أعاد أغلب رموز الأنظمة السابقة حتى من دون إعادة تدوير.  
إن طريقة تعامل النظام القائم مع الشعارات وأساليبه في استغلالها ليؤكدان بأنه قد أظلنا زمان شعار جديد ستمجد فيه المقاومة وسيوصف فيه كل من يعارض التعديلات الدستورية بأنه من عملاء الاستعمار وبأنه من أبناء " أماليز"، ولذلك فعلى المعارضة أن تعد لذلك خطابا يركز على الأمور التالية:
1 ـ إن الوريث الشرعي للمقاومة والذي يمثل روحها في أيامنا هذه هو ذلك الذي يناضل ضد تفشي التطبيل والتصفيق وتمجيد الأنظمة الحاكمة، هو ذلك الذي يرفض الدكتاتورية ويقف ضد الفساد والظلم. إن من يقاوم الدكتاتورية في أيامنا هذه هو الوريث الشرعي لمن قاوم الاستعمار في النصف الأول من القرن الماضي.
2 ـ  إن لدى النظام أكثر من طريقة غير تعديل الدستور للاحتفاء بالمقاومة وتكريمها، فإنشاء وزارة خاصة بالمقاومة وأبناء الشهداء، وتدريس تاريخ المقاومة في كل المراحل الدراسية، وتقديم جوائز كبرى باسم المقاومين إلى غير ذلك، إن كل تلك الإجراءات ستبقى أعظم فائدة من إضافة شريطين أحمرين على العلم الوطني قد يغيرهما في استفتاء آخر من سيصل إلى السلطة من بعد الرئيس الحالي، فمن حق الرئيس القادم أن يضيف هو بدوره خطا أسود أو أبيض ما دام العلم قد أصبح لعبة بيد الرؤساء، وما دام لكل واحد منهم الحق في أن يترك بصمته على هذا العلم.
3 ـ إن من يهتم بالمقاومة وبتكريمها عليه من قبل أي شيء آخر أن يبعث الحياة في المادة السادسة من الدستور الموريتاني، وعليه أن يعطي للغة العربية وللغاتنا الوطنية المكانة اللائقة بدلا من تهميش هذه اللغات لصالح لغة المستعمر، والذي نتفق جميعا على أنه كان هو العدو الأول للمقاومين.
4 ـ إن من يهتم بالمقاومة عليه أن يحسن تدبير أموال الشعب، وعليه أن ينفق تلك الأموال في إطعام الفقراء من الناس، وفي تعليمهم، وفي علاجهم، وفي تشغيلهم بدلا من تبذير تلك الأموال في استفتاء عبثي يهدف إلى إضافة خطين أحمرين إلى العلم ستكلف إضافتهما أموالا طائلة في الحاضر والمستقبل.
5 ـ إن المقاومة التي ظهرت في موريتانيا لم تكن تقاوم من أجل وطن، فموريتانيا حينها لم تكن قد وجدت كدولة. إن هذه المقاومة كانت تقاوم دفاعا عن الإسلام، ومن أراد أن يمجد هذه المقاومة فعليه أن يحتفظ بالعلم بشكل الحالي والذي جمع بلونه وبهلاله وبنجمته أهم الرموز الإسلامية التي يمكن أن يتضمنها علم وطني. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن النشيد، ولو أن سيدي ولد مولاي الزين و بكار ولد أسويد أحمد والحاج عمر تال الفوتي وغيرهم ممن قاوم النصارى بعثوا فينا لكانوا هم أول من يرفض تغيير العلم أو تغيير نشيد يبدأ بكن للإله ناصرا ويختتم ببيت يتضمن جزءا من آية كريمة من سورة الكهف.
5 ـ إن الدفاع عن العلم والنشيد هو دفاع عن المقاومة، وكم سيكون رائعا أن تختتم الحملة المقترحة في هذا المقال بمسيرة كبرى في يوم الاستقلال تحت شعار "وفاءً للمقاومة" على أن يرفع العلم الوطني لوحده في تلك المسيرة.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق