لم أكن أعتقد بأن خطاب الرئيس في النعمة كان بحاجة إلى حملة
كبرى لشرح مضامينه، فالرئيس لم يتحدث باللغة الأذرية ولا الأوزبكية ولا الملغاشية
ولا الكردية حتى نكون بحاجة إلى ترجمة خطابه، وإلى شرح مضامين ذلك الخطاب للشعب
الموريتاني.
كما أن الرئيس لم يُمنع من الكلام، حتى وإن كانت لافتات
"ماني شاري كزوال" قد أربكته. لقد أكمل الرئيس خطابه، وقال كل ما كان
يريد قوله بالأسلوب الذي أراد، وباللهجة الحسانية التي تتحدث بها غالبية الشعب
الموريتاني، فإذا كان ذلك هو الحال، فلماذا يستنفر الحزب الحاكم؟ ولماذا تخرج اليوم
البعثات؟ ولماذا يؤتى بالمستشارين والمكلفين بالمهام إلى القنوات التلفزيونية لشرح
مضامين هذا الخطاب؟ وبالمناسبة فإن مهمة المستشار كان يجب أن تبدأ من قبل إلقاء
الخطاب، أي أثناء الإعداد والصياغة، لا من بعد إلقائه، ولا من بعد تطاير شظاياه
هنا وهناك. ولعل النصيحة السريعة التي يمكن تقديمها في هذا المقام للرئيس، ولرئيس
الحزب الحاكم، وللمكلفين بمهام، وللمستشارين، هي أنه إذا كان كلامهم من فضة لا
يمكن اكتشافها إلا من خلال عمليات تنقيب شاقة، فإن سكوتهم من ذهب لا يحتاج لتراخيص،
ولا لجمركة، ولا لمخاطرة، ولا لركوب أمواج الرمال في صحراء انشيري. على الرئيس إذا
ما أراد السلامة أن لا يخرج من بعد الثالث
من مايو خطيبا في الناس، وعليه أن يمنع رئيس حزبه من عقد أي مؤتمر صحفي من بعد الثامن من مايو، وعليه أن
يقيد مستشاريه والمكلفين بالمهام بسلاسل
من حديد حتى لا يتسلل أحدهم إلى قناة تلفزيونية فيجلب له من الأضرار ما يعادل ما
جلبه خطاب النعمة من أضرار.
وبالعودة إلى شرح مضامين خطاب النعمة، ولأن الشيء بالشيء
يذكر، ولأن شرح المضامين يذكر بشرح المضامين، فقد ذكرتني الحملة القائمة حاليا
لشرح مضامين خطاب النعمة بحملة أخرى كانت قد انطلقت في النصف الثاني من شهر سبتمبر
من العام الماضي، لشرح نتائج ومضامين اللقاء التشاوري الذي تم تنظيمه في قصر
المؤتمرات في الفترة ما بين (7 إلى 15) سبتمبر.
ولعلكم تذكرون بأن وزير الصحة حينها كان قد ترك وزارته في
أيام كانت فيها الحمى تفتك بالمواطنين في العاصمة، ترك الوزارة وخرج في الناس
شارحا لمضامين حوار السابع من سبتمبر، ذلكم الحوار الذي لم يعد يذكره اليوم أي
ذاكر.
يبدو أنه لا جديد تحت شمس موريتانيا، ويبدو أننا لا نستفيد من
الدروس والعبر، فها هو وزير الطاقة والمعادن يولي وجهه شطر الميناء بدلا من الذهاب
إلى ضحايا حمى التنقيب في صحراء انشيري ليخفف من معاناتهم، وها هو يخرج شارحا
لخطاب النعمة كما خرج من قبله، ذات يوم من أيام سبتمبر، أخ له (وزير الصحة) ليشرح
نتائج ومضامين اللقاء التشاوري.
سيترك الوزراء مهامهم، وسينشغل الموظفون عن وظائفهم، وسيهجر
الأستاذة الجامعيون طلابهم، وسيتفرغ الجميع لشرح مضامين خطاب النعمة، وقد بدأ شيء
من ذلك يحدث، فهاهم من يطلقون على أنفسهم " منتدى جامعيون من أجل الوطن"
ينظمون ندوة تحت عنوان الأبعاد الإستراتيجية في خطاب الثالث من مايو.
من المؤكد بأن هذه الحملة الجديدة لن تغير وجهة نظر الناس حول
الخطاب، فمن كان منهم قد اعتبر الخطاب من بعد سماعه كارثة، فلن تتغير وجهة نظره
بسبب هذه الحملة، ومن كان منهم قد اعتبره خطابا إيجابيا، إن كان هناك من اعتبره
كذلك، فلن تزيده هذه الحملة إعجابا بالخطاب.
ذلك ما اعتقده، ولكن، وعلى الرغم من كل ذلك فقد ارتأيت أن
أشارك في هذه الحملة، وأن أشرح لكم بيت القصيد في خطاب النعمة، وهو البيت المتعلق
بالجزئية التي تحدث فيها الرئيس عن إلغاء مجلس الشيوخ وعن استحداث المجالس
الجهوية.
إن استحداث المجالس الجهوية وإلغاء مجلس الشيوخ لن يكون إلا
مقدمة لتغيير النظام السياسي، أو لزيادة عدد المأموريات الرئاسية.
إن إلغاء مجلس الشيوخ ـ وبحسب ما جاء في مقابلة تلفزيونية مع
الخبير في القانون الدستوري الدكتور محمد الأمين ولد داهي ـ سيؤدي إلى المساس
بثمانية أبواب من الدستور الموريتاني، أي بثلثي أبواب الدستور الموريتاني، كما أنه
سيمس 23 إلى 25 مادة من أصل 102 مادة هي مجموع مواد الدستور الموريتاني، أي أنه
سيمس ربع مواد الدستور الموريتاني.
ما يقلق في الأمر أنه لن يكون من الممكن إلغاء مجلس الشيوخ
دون المساس بالمادة 99 التي حصنت المأموريات، والتي توجد فيها فقرة تقول: "لا
يناقش أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين إلا إذا وقعه على الأقل ثلث (3/1)
أعضاء إحدى الغرفتين. لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2)
أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء."
هذه الفقرة تؤكد بأنه لابد من تعديل المادة 99 من بعد إلغاء
مجلس الشيوخ، وهو المجلس الذي يحتاج إلغاؤه إلى تصويت ثلثيه لتنظيم أي استفتاء
شعبي على عملية الإلغاء. فهل سيصوت الشيوخ على عملية اغتيال مجلسهم؟ كما أنه لا
يمكن إلغاء مجلس الشيوخ دون المساس بالمادة 29 المتضمنة لقسم الرئيس بعدم مراجعة
الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة المأمورية وبشروط تجديدها الواردة في المادتين 26
و28.
إن عملية إلغاء مجلس الشيوخ، على العكس من استحداث مجالس
جهوية، هي عملية في غاية التعقيد، وسيصل شررها إلى العديد من أبواب ومواد الدستور
الموريتاني، وبما في ذلك المادة 99 التي حددت عدد المأموريات، وكذلك المادة 29
المتضمنة للقسم.
إن ما فهمته من مضامين خطاب النعمة هو أن هذا الخطاب سيشكل الانطلاقة
الفعلية للبدء في تنفيذ الخطة الرامية إلى تغيير النظام السياسي، أو إلى زيادة
المأموريات، ولذلك فإنه على كل المعنيين بالديمقراطية وبالدفاع عن مبدأ التناوب
السلمي على السلطة أن يبدؤوا ـ ومن الآن ـ في توحيد جهودهم لإفشال ذلك المخطط.إن هناك
أفكارا ومبادرات قد تم إطلاقها في هذا المجال، وهي تستحق في مجملها الدعم من طرف
الجميع، ولعل من أبرز تلك الأفكار والمبادرات إطلاق موقع تحت اسم: www.article99.org من أجل أن يكون ملتقى للتنسيق بين كل
رافضي تعديل المادة 99، هذا بالإضافة إلى أن هذا الموقع يمنح ـ وبشكل فوري ـ بطاقات
تعهد والتزام لكل منتسبيه الرافضين لتمديد المأموريات ولتغيير النظام السياسي في
البلاد.
نداء : أرجو من القراء الكرام أن يدعموا هذا الموقع بزيارته،
وبالتسجيل فيه، وبالدعاية له، وذلك هو أقل ما يمكن القيام به لإفشال خطة السلطة
التي تهدف إلى تمديد المأموريات أو إلى تغيير النظام السياسي في البلاد.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق