الخميس، 14 أبريل 2016

القراءة الثامنة


 شكَّل كتاب "العادة الثامنة" لمؤلفه "ستيفن كوفي" تكملة ضرورية لكتاب "العادات السبع للناس الأكثر فعالية"، وقد حقق الكتابان شهرة كبيرة، وبيعت منهما ملايين النسخ. إن فكرة الكتاب التكملة التي جاء بها "ستيفن كوفي" هي نفسها الفكرة التي استخدمها كاتب هذه السطور لإكمال مقال سابق كان قد تضمن سبع قراءات لتصريحات الوزراء الثلاثة الذين تحدثوا عن تمديد المأموريات وعن تعديل الدستور.

كنتُ قد تحدثتُ في مقال سابق عن سبع قراءات حاولتُ من خلالها أن أقدم تفسيرا منطقيا للسبب أو الأسباب التي جعلت وزراء الاقتصاد والعدل والنطق باسم الحكومة يطلقون تصريحات متزامنة تروج ـ تلميحا أو تصريحا ـ للمأمورية الثالثة ولتعديل الدستور. ولكن، وبعد نشر ذلك المقال، وبعد أن أعدتُ قراءته، وليس من عادتي أن أعيد قراءة مقالاتي بعد نشرها، وجدتُ أن هناك قراءة ثامنة لتلك التصريحات لم تظهر في ذلك المقال، وأن هناك ضرورة لإضافة هذه القراءة الثامنة للقراءات السبع التي تم عرضها في مقال سابق.
ومن قبل أن أعرض عليكم قراءتي الثامنة لتلك التصريحات فإليكم هذه القصة القصيرة. تقول هذه القصة بأن رجلا فقيرا كان يسكن في غرفة ضيقة مع زوجه وأربعة من أبنائه، وأنه ذات مرة شكا لأحد أصدقائه صعوبة العيش مع خمسة أشخاص في غرفة ضيقة، وأنه طلب من ذلك الصديق أن يشير عليه برأي سديد، فما كان من الصديق المستشار إلا أن طلب من صديقه المستشير أن يشتري حمارا، وأن يستضيف ذلك الحمار في المنزل ليقاسمه مع الزوجة والأبناء الأربعة المبيت في الغرفة الضيقة، وطلب الصديق المستشار من صديقه المستشير بأن يأتيه في اليوم الموالي ليخبره عن الحالة النفسية له، ولأسرته، بعد أول ليلة يقضونها مع حمار في غرفة ضيقة.
ـ لقد كانت ليلة مزعجة تماما..هكذا وصف صاحبنا الفقير أول ليلة استضاف فيها حمارا في غرفته.
ـ حسنا، اذهب الآن إلى السوق واشتر ديكا ثم اذهب به إلى الغرفة ليشارككم المبيت فيها مع الحمار، ولا تنس أن تأتيني في الصباح الموالي لتحدثني عن حالك وعن حال الغرفة في تلك الليلة.
في صبيحة اليوم الموالي جاء صاحبنا الفقير إلى صديقه، وقال له:
ـ لقد كانت ليلة في غاية الإزعاج اختلط فيها نهيق الحمار بصياح الديك.
ـ حسنا، اذهب الآن إلى السوق واشتر معزاة، ولا تنس أن تأتيني في صباح اليوم الموالي لتحدثني عن ليلتك التي تقاسمتَ فيها الغرفة الضيقة مع الزوجة والأبناء الأربعة بالإضافة إلى الحمار والديك والمعزاة.
في صبيحة اليوم الموالي جاء صاحبنا الفقير إلى صديقه، وقال له بصوت غاضب:
ـ إني لم أعد أطيق العيش في هذه الغرفة الضيقة التي اختلط فيها نهيق الحمار بصياح الديك وثغاء المعزاة ..إن قضاء أي ليلة أخرى في هذه الغرفة الضيقة مع الأسرة والحيوانات سيتسبب لي في الجنون.
ـ حسنا، الآن اخرج الحمار من الغرفة، واترك الديك والمعزاة، ولا تنس أن تمر بي في صباح اليوم الموالي.
في اليوم الموالي جاء صاحبنا الفقير وهو يردد:
ـ لقد تحسن الحال قليلا..
ـ حسنا، الآن أخرج الديك أيضا من الغرفة، ولا تترك إلا المعزاة، ولا تنس أن تمر بي في صباح اليوم الموالي لتحدثني عن ليلتك التي قضيتها في الغرفة بعد غياب الحمار والديك.
في هذه المرة قال صاحبنا الفقير:
ـ لقد تحسن الحال أكثر..
ـ حسنا، الآن اخرج المعزاة من الغرفة، ولا تنس أن تمر بي لتحدثني عن حال الغرفة، وعن المبيت فيها بعد أن غادرها الحمار والديك والمعزاة.
في اليوم الموالي جاء صاحبنا الفقير فرحا وهو يقول:
ـ لقد كانت ليلة رائعة!!
لعلكم لاحظتم أن صاحبنا الفقير في بداية القصة كان يشكو من العيش في غرفة ضيقة مع خمسة أشخاص، ولكنه في نهايتها أصبح يعتبر العيش في نفس الغرفة الضيقة ومع نفس الأشخاص شيئا رائعا..فما الذي تغير؟ وهل ازدادت الغرفة اتساعا؟ أم أن عدد الأشخاص قد نقص؟
لا شيء من هذا أو ذاك قد حصل، وكل ما في الأمر هو أن صاحبنا الفقير كان قد وقع ضحية لخدعة كبيرة فالمشكلة التي كان يعاني منها لا تزال قائمة، ولكن هذه المشكلة تم نسيانها تماما بعد أن أضيفت لها مشاكل مفتعلة، وبعد أن تم حل تلك المشاكل المفتعلة.
إن هذا الأسلوب المخادع في إدارة الأزمات يمارسه العديد من الأنظمة الحاكمة، وبطبيعة الحال فإن نظامنا الحاكم يعد واحدا من تلك الأنظمة التي تمارس هذا الأسلوب المخادع.
لم تكن مشكلة تعديل الدستور وتمديد المأموريات مشكلة مطروحة أصلا، فهذه قضية قد تم حسمها بعد أن تم تحصين المادة 99 من الدستور الموريتاني. إن هذه المشكلة قد تم افتعالها، مثلما تم افتعال مشاكل لصاحبنا الفقير من خلال جلب حمار وديك ومعزاة إلى غرفته الضيقة، ولذلك فإنه من المهم جدا أن نذكر بأن إخراج الحمار من الغرفة الضيقة لن يؤدي إلى حل المشكلة الأصلية المتمثلة في ضيق الغرفة، كما أن تعهد الرئيس غدا بأنه لن يعدل الدستور من أجل الترشح إلى مأمورية ثالثة لن يؤدي إلى حل الأزمة السياسية القائمة، والتي كانت قائمة من قبل تصريحات الوزراء الثلاثة، ومن قبل أن يكون هناك أي حديث عن مأمورية ثالثة.
إن الرئيس كان قد أقسم منذ عام وزيادة بأنه لن يدعم بشكل مباشر أو غير مباشر أية مبادرة تدعو إلى تمديد المأموريات، ولذلك فأن يعيد الرئيس تأكيد ذلك التعهد غدا، ومن دون قسم، فإن ذلك لن يضيف جديدا، حتى وإن كان سيخلق موجة من الفرح العارم والزائف لدى الكثير من الموريتانيين، وذلك بسبب كل هذه المخاوف المتعلقة بتعديل الدستور، والتي كانت قد  إثارتها التصريحات الأخيرة للوزراء الثلاثة.
إنه علينا أن لا نغتر بذلك الفرح الزائف، كما اغتر صاحبنا الفقير، فغرفة الفقير ما تزال على حالها، وأزمتنا السياسية ستبقى على حالها حتى وإن صرح الرئيس غدا بأنه لن يعدل الدستور، وبأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة. إن تقديم حلول جاهزة لمشاكل مفتعلة هو مجرد خدعة تهدف إلى مغالطة المعارضة، تماما مثلما تمت مغالطتها في أوقات سابقة، ولعل المثال الأبرز الذي يمكن تقديمه هنا هو ما حدث بعد إطلاق رصاصات على الرئيس في الثالث عشر من أكتوبر من العام 2012. لقد تم افتعال مشكلة جديدة من أجل نسيان المشكلة الأصلية، فبدلا من أن يتم التركيز على الحادثة، وعلى المطالبة بكشف ملابستها، فقد تم تحويل مسار النقاش بين السلطة والمعارضة إلى الحالة الصحية للرئيس، وعن مدى قدرة  الرئيس على مزاولة مهامه بعد تلك الإصابة، ولقد عملت السلطة على تغذية تلك الشكوك من أجل الانحراف بمسار النقاش إلى قضايا تخدمها في تلك الظرفية. هكذا، وببساطة شديدة، تم تجاهل الحادثة وملابستها، وتم التركيز على الوضعية الصحية للرئيس، ولذلك فقد شكل ظهور الرئيس في قصر الإليزيه صحبة الرئيس الفرنسي يوم التاسع عشر من نوفمبر، نصرا كبيرا للسلطة، وخسارة فادحة للمعارضة. لقد هزمت المعارضة هزيمة نكراء في فترة كان بإمكانها أن تحقق فيها نصرا مبينا، ولقد كان السبب في ذلك هو أن هناك مشكلة قد تم افتعالها أنست في المشكلة الأصلية، ولقد كسبت السلطة كثيرا بافتعال تلك المشكلة، وبإيجاد حلول لها، بينما خسرت المعارضة خسارة كبيرة، فهل ستتكرر الحكاية من جديد؟ وهل ستكون ليلتنا كبارحتنا؟
لا أريد أن اختم هذا المقال من قبل أن أبعدكم قليلا عن السياسة وتعقيداتها، وما دام قد تم ذكر "ستيفن كوفي" في بداية هذا المقال، فلا بأس من أن نختم المقال بوصاياه الشهيرة التي جاءت في كتابه "العادة الثامنة":
ـ الناس غير منطقيين ولا تهمهم إلا مصلحتهم، أحِبهم على أية حال..
ـ إذا فعلت الخير سيتهمك الناس بأن لك دوافع أنانية خفية، افعل الخير على أية حال..
ـ إذا حققت النجاح سوف تكسب أصدقاء مزيفين وأعداء حقيقيين، انجح على أية حال..
 ـ الخير الذي تفعله اليوم سوف ينسى غداً، افعل الخير على أية حال..
 ـ إن الصدق والصراحة يجعلانك عرضة للانتقاد، كن صادقاً وصريحاً على أية حال..
ـ إن أعظم الرجال والنساء الذي يحملون أعظم الأفكار يمكن أن يوقفهم أصغر الرجال والنساء الذي يملكون أصغر العقول، احمل أفكاراً عظيمة على أية حال..
ـ الناس يحبون المستضعفين لكنهم يتبعون المستكبرين، جاهد من أجل المستضعفين على أية حال..
ـ ما تنفق سنوات في بنائه قد ينهار بين عشية و ضحاها، ابن على أية حال..
ـ الناس في أمس الحاجة إلى المساعدة لكنهم قد يهاجمونك إذا ساعدتهم، ساعدهم على أية حال..
ـ إذا أعطيت العالم أفضل ما لديك سيرد عليك البعض بالإساءة، أعط العالم أفضل ما لديك على أية حال..
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق