الأحد، 21 أغسطس 2011

شباب بلا بوصلة



قد يكون غريبا، في سنة حبلى بالثورات، قدم فيها شباب أغلب الدول العربية صورا رائعة من النضال والتضحية في سبيل تغيير واقع بلدانهم، أن يشكل الشباب الموريتاني استثناء، في مثل هذا العام، وأن يظل يتخبط ويسير ـ بلا بوصلة ـ في متاهات و مسارات عبثية، لن توصله إلا لمزيد من الفشل والإحباط، ولن توصل بلده المتعطش للإصلاح وللتغيير ـ أكثر من غيره ـ إلا لمزيد من التخلف والضياع.
فمن المبكيات المبكيات، وشر البلية ما يبكي فقط، أنه في عام الشباب هذا، لا زال يطالعنا الشباب الموريتاني في صبيحة كل يوم، ببيانات متهافتة، وبتصريحات بائسة، وبانشقاقات مثيرة للشفقة، وبانضمامات مخجلة تؤكد في مجملها بأنه لا يزال غير قادر على الإمساك بزمام المبادرة، ولا يزال غير مؤهل ـ حسب ما يصدر عنه ـ لتجاوز الصف الثاني، أو الصف الثالث في المشهد السياسي، رغم الدعوات المتكررة التي نسمعها من هنا وهناك بضرورة تجديد النخبة السياسية.
إن المتأمل للمستنقع السياسي الراكد، والمتعفن في أغلب أوقاته، سيلاحظ أن هناك أربعة اتجاهات تستقطب الشباب، تختلف في توجهاتها، وتتفاوت في أحجامها، ويحاول كل اتجاه منها أن يخرج من الوحل، وأن يطفو بطريقته وبآلياته الخاصة على السطح السياسي، وهذه الاتجاهات يمكن تصنيفها على النحو التالي:
الاتجاه الأول: ويمثله الشباب المنخرط في مشروع حزب العصر بكل ملحقاته، وملحقات ملحقاته، بما في ذلك مجموعة الغد، ومجموعة من شباب 25 فبراير التحقت أخيرا بذلك الركب. وهذا المشروع الشبابي عبارة عن مجموعات تشكلت حسب الطلب، استجابة لتعليمات عليا، لذلك فلا يمكن أن يعول عليها، في أي مشروع سياسي شبابي جاد.
فأي مشروع سياسي شبابي لا يتشكل استجابة لرغبة شبابية خالصة من كل الشوائب، وبإمكانيات ووسائل ذاتية، تبعده عن كل وصاية، فهو مشروع محكوم عليه بالفشل، حتى وإن وفرت له السلطات إمكانية هائلة.
ومن المثير للشفقة، وشباب العصر التائه يثير الشفقة، أكثر من غيره، أن هذه المجموعة الشبابية التي أثبتت بعد أيام معدودات من الإعلان عن مشروعها، بأنها تختزن في جيناتها كل مساوئ الطبقة السياسية التقليدية، التي يراد تجديدها، لا زالت تردد كالببغاوات شعار تجديد الطبقة السياسية، كما ردده الآمر بتشكيل حزب العصر، مع حزمة أخرى من الشعارات، التي انتهت صلاحيتها، بعد أن تأكد المواطن أنها كانت مجرد شعارات انتخابية، ليس إلا.
إن النفعية، والسعي وراء المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، والتنابز بالألقاب، هي صفات سيئة كنا ننتقد عليها طبقتنا السياسية التقليدية، وهي التي جعلتنا نرحب بشعار تجديد الطبقة السياسية، إلا أن ما أظهره المنخرطون في مشروع حزب العصر وملحقاته من تلك الصفات السلبية في أيام معدودة، فاق بكثير، ما أظهرته النخب السياسية التقليدية في عقود كاملة.
فمشروع حزب العصر لم يستطع أن يؤجل خلافاته، ولا أن يخفي المآرب الشخصية التي تحرك مؤسسيه ـ على الأقل ـ أثناء فترة التأسيس. وهذا ما كانت تنجح فيه نخبنا السياسية التقليدية التي يقال أن هذا المشروع جاء لتجديدها!. فنخبنا التقليدية كانت تتمكن دائما من أن تخفي سعيها وراء المصالح، أثناء تأسيس الأحزاب والتشكيلات السياسية. وكانت تنجح في أغلب الأوقات في كبح مطامحها الشخصية، وفي تأجيل خلافاتها، إلى أن يقترب موسم قطف الثمار، وهذا ما لم يستطع مشروع حزب العصر أن يحققه.
فما الذي يمكن أن يقدمه مشروع حزب العصر للشباب الموريتاني، وهو المشروع الذي أظهر مؤسسوه بأنهم أكثر جشعا، وأكثر سعيا وراء المصالح الخاصة من نخبنا السياسية التقليدية، في الوقت الذي لا يمتلكون فيه خبرة و تجربة النخب التي يريدون تجديدها.
فبئس التجديد الذي يدعو إليه شباب العصر، إذا كان سيأتي بمساوئ أعظم من مساوئ النخب المراد تجديدها، مع العجز عن الاحتفاظ ـ على الأقل ـ بالايجابيات القليلة لتلك النخب المراد تجديدها.
الاتجاه الثاني: ويمثله بعض الشباب الذي افتقد بدوره بوصلة تحدد له الاتجاه الصحيح. فكان أن قاده تيه المراكب إلى الإنخرط في أحزاب يمكن أن نتوقع منها كل شيء، إلا أن يكون لها مشروع مجتمع، يستجيب لتطلعات الشباب في العيش بشكل كريم في دولة مؤسسات.
ومن هذه الطائفة المجموعات الشبابية المنضمة أخيرا لحزب الوئام، وهو الحزب الذي شكل في الفترة الأخيرة ـ لأسباب ليس هذا المقام مناسبا لبسطها ـ قبلة لهجرات عديدة من فسطاط الموالاة.
فما الذي يمكن أن يقدمه حزب الوئام للشباب المهاجر إليه؟ وما الذي يميز حزب الوئام شبابيا عن غيره من الأحزاب؟ وهل في برنامج حزب الوئام ما يغري الشباب بالالتحاق به؟ وما الذي يمكن أن يقدمه "بيجل" وصحبه من رجال معاوية للشباب الموريتاني في العام 2011؟
بالعربي الصريح، يمكننا أن نفتش عن كل شيء، إلا عن المصلحة العامة، لتفسير تلك الإنضمامات. والتفسير الأقرب هو أن انضمام تلك المجموعات لحزب الوئام إنما هو من أجل البحث عن مصلحة خاصة محتملة، قد يوفرها حزب الوئام لقيادات المجموعات الشبابية المنخرطة في الحزب.
أيضا هذه الطائفة لا يمكن التعويل عليها في قيادة مشروع التغيير والإصلاح الذي يتطلع إليه الشباب الموريتاني.
الاتجاه الثالث: و يمثله الشباب المنخرط في الأحزاب السياسية القائمة، خاصة منها الأحزاب المؤدلجة.
وهذه المجموعات الشبابية قد تكون لها خبرة في مجال العمل السياسي أكثر من غيرها، إلا أنها تعاني من خلل في تنشئتها السياسية حيث تم إعدادها لخدمة الايدولوجيا أكثر من خدمة الوطن. وهي لازالت تقدس زعيم الحزب بطريقة لا تتناسب مع روح الثورات الشبابية التي جاءت لترفع من شأن المصلحة العامة، على حساب المصلحة الخاصة، ولتضعها ـ أي المصلحة العامة ـ فوق أي مصلحة أخرى حزبية كانت أو إيديولوجية.
وتبقى هذه المجموعة الشبابية مؤهلة أكثر من غيرها ـ نظرا لخبراتها المتراكمة ـ لأن تقود مشروع الإصلاح والتغيير المنشود من خارج تشكيلاتها السياسية، أو من داخل تلك التشكيلات إن هي استطاعت أن تغير من أسلوبها في التفكير وفي العمل. والشرط الأساسي لتحقيق ذلك، هو أن تثق تلك المجموعات في قدراتها الذاتية، وأن تقرر أن تقود ـ وبشكل فوري ـ أحزابها إلى ما فيه المصلحة العامة، بدلا من أن تظل في الصفوف الخلفية مكتفية بتمجيد رئيس الحزب، و بالدفاع عن إيديولوجيات بائدة، أو أحزاب معاقة، لم تعد قادرة ـ في شكلها الحالي ـ أن تحدث تغييرا في هذا البلد المتعطش للتغيير.
الاتجاه الرابع: ويمثله شباب 25 فبراير، والذي سعى لإحداث تغيير في البلاد، إلا أن الفعالية ظلت غائبة عن حراك هذه المجموعة الشبابية.
وهذه المجموعة والتي يعول عليها كثيرا، يمكن أن تلعب أدوارا رائدة في عملية التغيير لو أنها تمكنت من تجاوز بعض الأخطاء التي وقعت فيها، والتي تسببت في تراجعها كثيرا، حتى وصلت إلى الوضعية الصعبة التي تعيشها اليوم.
ولجسامة الدور المعلق على هذه المجموعة، فسأخصص لها ـ إن شاء الله ـ مقالا خاصا، سأحاول من خلاله أن أرصد بعض الأخطاء التي ارتكبها شباب 25 فبراير، مع تقديم بعض المقترحات التي أعتقد أنها قد تكون ضرورية لكي يستعيد شباب 25 فبراير شيئا من ألقه الذي ظهر به في الأسابيع الأولى التي أعقبت بداية احتجاجاته واعتصاماته.
تصبحون على حراك شبابي فعال...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق