السبت، 27 مارس 2010

مصفقون بلا حدود


يبدو أن السوق المحلي لم يعد قادرا على استهلاك الإنتاج الوطني الكبير من التصفيق الذي تنتجه "النخبة " من خلال تشغيل الأيادي و الأرجل في وقت واحد. وهذا العجز هو الذي جعل البعض يبحث عن أسواق خارجية لتصدير التصفيق الموريتاني الفائض.
ورغم عدم وجود مؤشر دولي لقياس مستوى التصفيق فإنه يمكن القول بأن متوسط إنتاج الفرد الموريتاني من التصفيق يعتبر مرتفعا جدا، بالمقارنة مع متوسط الإنتاج الفردي في الدول الأخرى. وهذا ما يفسر وجود فائض من التصفيق يزيد على حاجة السوق المحلية، رغم أن الطلب المحلي على التصفيق يعتبر مرتفعا جدا بالقياس مع الطلب في الدول المجاورة، حتى وإن كان قد شهد في الفترة الأخيرة كسادا موسميا.
إن "المصفق" الموريتاني ( للدقة سأستخدم كلمة مصفق بدلا من مواطن ) هو مصفق مبدع جدا، وذكي جدا، وقادر دائما على غزو أسواق الدول الأخرى، مرة بالشعوذة و الاحتيال ومرة أخرى بالتصفيق، وذلك بعد أن غدا لا يملك غير ذلك ليصدره للأمم الأخرى. فقد اختفي السمك، وتبخر النفط ، وضاعت الأخلاق والقيم، وزاد مستوى الجشع حتى بلغ مستويات مخيفة.
وبطبيعة الحال فإن تصدير التصفيق الموريتاني قد يساعد على جلب عملات صعبة للنخبة والتي هي بأمس الحاجة إليها لمواجهة الكساد الحالي، خاصة أن التصفيق الموريتاني يعتبر من أجود وأفخر وأغلى أصناف التصفيق المعروفة حتى الآن.
في الأسبوع الماضي قام " كارتل" الأحزاب القومية في البلد بالتعاون مع " الفضيلة " بتصدير تصفيقة هائلة إلى الجماهيرية الليبية تم بموجبها إعلان قيادات " الكارتل" لولائهم المطلق للأخ القائد. إنها تصفيقة "عظمى" تستحق الملاحظات التالية :
1ـ قد تشجع هذه التصفيقة أطرافا أخرى للبحث عن أسواق أخرى يصدرون إليها تصفيقهم "الحار" و"الطازج". ولذلك قد نسمع في المستقبل القريب قيام مجموعات أخرى بالتصفيق للسنغال أو للمغرب أو لمالي أو ... أو..
وربما يشتد التنافس بين مصدري التصفيق لدرجة يختفي فيها التصفيق داخل هذا البلد حتى يصبح بلا مصفق ( أقصد بلا مواطن ) وذلك بعد أن تكون كل الأحزاب والتيارات والقبائل والجهات والشرائح والأعراق قد أعلنت ولاءها بمنح تصفيقها لدول وأنظمة أخرى.
2ـ يطرح تصدير التصفيق إشكالية قانونية عويصة تحتاج لاستشارات في القانون الدولي: فهل أن الأخطاء التي يرتكبها مُصَدِّر التصفيق سيتحملها البلد المصدر للتصفيق أو البلد المستورد له؟ و بعبارة أوضح : هل الأخطاء التي قد يرتكبها مستقبلا المصفق الليبي من أصل موريتاني سيحاسب عليها النظام الليبي الذي أعلن ذلك المصفق ولاءه المطلق له؟ أم ستحاسب عليها الدولة الموريتانية التي كان من المفترض أن يكون ولاء ذلك المصفق خالصا لها؟
للتوضيح أكثر، لنفترض جدلا أن الأخ القائد طلب ـ وطلباته أوامر حسب الكارتل ـ من أحد " القيادات " السياسية التي بايعته وأعلنت له الولاء المطلق أن يفجر إحدى طائرات سويسرا الكافرة. ولنفترض جدلا بأن ذلك "القيادي" نجح في تلك المهمة الجهادية. فهل أن سويسرا ستطالب النظام الموريتاني تسليم مدبر العملية للعدالة الدولية؟ أم أنها ستطالب النظام الليبي ؟ وهل ستتحمل الخزينة الموريتانية التعويض لأسر الضحايا أم أن الخزينة الليبية هي التي ستتحمل ذلك؟ وهل أن المجموعة الدولية ستفرض حصارا دوليا على موريتانيا أم على ليبيا ؟
أبشروا فلن يحدث شيء من ذلك، فالقائد قد يعلن في المستقبل القريب أن سويسرا لم تعد دولة كافرة، لا لأنها قد سمحت ببناء مآذن للمساجد، بل لأنها لم تعد تضايق أبناء الزعيم و أعوانه والذين كانت مضايقتهم هي السبب المباشر في إعلان كفرها.
3 ـ يعتبر المصفق الموريتاني غير جريء على الاستثمار في القطاعات البكر ولكنه في المقابل معروف بالقدرة الهائلة على المنافسة في كل مجال مربح يتم اكتشافه. ولذلك قد يشهد قطاع تصدير التصفيق ـ بعد "نجاح" أول عملية تصدير كبيرة ـ منافسة محمومة في المستقبل القريب، الشيء الذي يستدعي من المؤسسات الاقتصادية المحلية إعداد دليل للأسواق الدولية الأكثر استهلاكا للتصفيق الخام وذلك حتى لا يخسر بعض مصدري التصفيق الموريتاني.
وهذا الدليل في غاية الأهمية لأن بعض المصفقين "الوطنيين" قد يفكر في تصدير التصفيق إلى " التبت" مثلا، دون أن يعلموا بأن ذلك قد يسبب لهم مشاكل جمة. فالتبت يستخدمون التصفيق لطرد الأرواح الشريرة . وهذا هو الذي جعلهم يصطفون ويستقبلون المستعمر البريطاني بالتصفيق الحار، وهو تصفيق فسره البريطانيون ـ في البداية ـ بأنه للترحيب بهم، قبل أن يكتشفوا بعد ذلك بأنه كان لطرد أرواحهم الشريرة.
4 ـ لقد أصبح من الملح أن تهتم رئاسة الجمهورية بقطاع التصفيق الذي عاش كسادا غير مسبوق بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة نتيجة لعدم تعيين مصفقين كبار و نتيجة لتجريد مصفقين كبار آخرين. ونتيجة كذلك لغلق أبواب الإعلام الرسمي أمام مبادرات التأييد والمساندة للمصفقين الداعمين والمؤيدين والمناصرين لرئيس الفقراء.
إن عدم فتح قنوات رسمية لاستهلاك الناتج اليومي من التصفيق سيؤدي إلى هجرة أدمغة التصفيق إلى دول أخرى وستليها في مرحلة لاحقة الأدمغة الصغيرة وكل الأيادي والأرجل المصفقة التي ليست لها أدمغة. ستشهد البلاد هجرات واسعة إذا ظل التصفيق المحلي لا يجد نظاما يستهلكه، ويعوض عنه، ويدفع بكرم لكل تصفيقة وهي ما زالت طازجة.وإذا استمر الحال كما هو فقد نتحول إلى بلد بلا مصفق (عفوا بلا مواطن).
تصبحون بأيادي تبني وتعمر.. بدل أن تصفق فتدمر..

محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :elvadel@gmail.com
www .autodev.org

الخميس، 25 مارس 2010

عاجل إلى رئيس الجمهورية .... رسالة رقم 7


سيدي الرئيس، إنه لمن المؤسف حقا أن يكون قصر المؤتمرات للجمهورية الإسلامية الموريتانية ـ المزود بكل التجهيزات اللازمة ـ بلا مسجد يصلى فيه المؤتمرون، خاصة أن هذا القصر هو المرفق العام الوحيد الذي يمكن له أن يحتضن المؤتمرات والندوات والملتقيات الكبيرة.
واللافت للانتباه هو أن القصر يقع على مساحة كبيرة جدا مما يعني أن هناك أمكنة كثيرة في ساحة القصر يمكن أن يشيد عليها بيتا لله في قصر المؤتمرات.
لقد تذكرت هذا الموضوع ـ من جديد ـ عندما رأيت المؤتمرين وهم يصلون في العراء وذلك أثناء حضور الندوة المتميزة التي نظمتها جمعية " المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم " والتي حضرها الكثير من علماء المسلمين والذين ربما يكون قد فوجئ بعضهم بأن " الشناقطة الجدد " الذين عُرِفوا بالعلم وبالدعوة قد فاتهم أن يشيدوا مسجدا في هذا المرفق الهام.
سيدي الرئيس، لم أكن أفكر في الوقت الحالي في كتابة رسالة مفتوحة جديدة ولكن رؤية الناس وهم يصلون تحت العراء ذكرني بهذا المطلب الملح الشيء الذي جعلني أكتب لكم هذه الرسالة المختصرة جدا ـ عكس الرسائل السابقة ـ للتذكير بضرورة تشييد هذا المسجد.
وفقكم الله لما فيه خير البلد.. وإلى الرسالة الثامنة إن شاء الله..
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :elvadel@gmail.com
www .autodev.org

السبت، 13 مارس 2010

السفينة التائهة / قصة قصيرة


مر نصف قرن تقريبا والسفينة تتقاذفها الأمواج العاتية.. كان الركاب مع فجر كل يوم جديد يعتقدون أن الفرج قادم لا محالة.. ولكنهم سرعان ما كانوا يُصدمون عندما يكتشفون أن اليوم الجديد أشد قسوة من الأمس..
وكان في السفينة راكب حكيم ..كان يردد دائما : ستقولون بأن يومكم سيء.. وستقولون بأنه أسوأ يوم .. ولكن عندما يأتي الغد ستشتاقون للأمس.. وستكتشفون أن الأمس كان يوما سعيدا.. فثقوب الشراع تزداد يوما بعد يوم .. وحماس الركاب في إحداث الثقوب يكبر يوما بعد يوم ..إنه الشيء الوحيد الذي يكبر في هذه السفينة التائهة منذ خمسين عاما..
وكان في السفينة قلة قليلة جدا.. تتوارث المقاعد الفاخرة كابرا عن كابر.. أما أغلبية الركاب فكانت تتصارع على مقاعد متهالكة.. تتوارثها صاغرا عن صاغر.. وكان دائما بإمكان أحد الركاب العامة أن يتبوأ مقعدا فاخرا.. بشرط أن يكذب.. وينافق ..ويتزلف ..لكي يرضي الربان وأعوانه .. وبشرط أن يدوس أثناء صعوده على جثث العشرات من عامة الركاب ..
وكانت في السفينة شاشة بائسة.. شاحبة.. تافهة .. يطل منها حكواتي عجيب يعد الركاب بغد أفضل .. و يبشرهم بأن الشاطئ أصبح قريبا جدا .. وأن السفينة سترسو قريبا على بر الأمان...
كان الحكواتي لا يمل من تكرار تلك البشرى .. وكان حماسه يزداد كلما تغلب قبطان على قبطان ..فقد كانت تلك هي فرصته الوحيدة لسب وشتم وقذف القبطان السابق الذي طالما مدحه .. والذي كاد أن يغرق السفينة نهائيا لولا تدخل القبطان المنقذ المصحح للمسار.. والمتصدي لقوى الظلام بالحديد والنار.. والموصل السفينة ـ إن شاء الله ـ إلى بر الأمان .. بعد أيام معدودات ..
كان الشاطئ يقترب ويبتعد في وقت واحد.. كان يقترب مع قدوم كل قبطان جديد.. وإن كان في حقيقته يبتعد.. ولكن ذلك الابتعاد لا يكشفه الحكواتي لعامة الركاب إلا بعد أن يصبح القبطان الجديد قبطانا سابقا...
وكان في البحر قراصنة شداد.. يتربصون بالسفينة وبركابها.. وقد ازداد تهديهم للسفينة في الأعوام الأخيرة من رحلة التيه هذه .. لدرجة أنهم استطاعوا في بداية العام الخمسين أن يقتحموا السفينة مرتين .. وأن يختطفوا منها ركابا أجانب للحصول على فدية كبيرة..
كثرت الخروق والثقوب في السفينة المتهالكة .. كان بعضها بفعل الرصاص الطائش للقراصنة الإرهابيين ..وكان كثير منها بفعل ركابها.. وبالأخص الأكابر ذوي الشوكة.. والذين لم يعد لهم من شغل ـ منذ العام الثامن عشر من انطلاق السفينة ـ إلا الصراع على قيادة السفينة.. والانفراد بما تدر من عائدات...
لقد قاد السفينة ثمانية قبطان.. اثنان منهم مسالمان .. أما الستة الباقون فهم من ذوي الشوكة وأولي البأس .. كان القبطان الثامن آخرهم ، وقد جاء في العام الثامن والأربعين.. في اليوم السادس من الشهر الثامن .. وكان ذلك في صبيحة يوم أربعاء.. يوم السعد لكل من يفكر بالاستيلاء على زمرة قيادة السفينة..وكان الشهر الثامن هو شهر الحظ..
كادت السفينة أن تنقلب وتغرق نهائيا في ذلك العام المخيف لو لم يتفق ركابها الأكابر لفض الخلاف حول هوية الربان من خلال الاحتكام إلى رأي عامة الركاب..
وكان ما كان.. واختار الركاب القبطان .. ومرت ثمانية أشهر من الزمان .. وقال منافسو القبطان بأن الأوضاع لم تتحسن .. بل أنها زادت سوءا..
حدث في السفينة هرج كبير ومرج مما أثار حفيظة القبطان الذي اكتشف أن الحكواتي لم يعد قادرا على التلبيس على الركاب.. بأن الشاطئ قريب .. وأن الفرج آت بلا ريب .. وقرر القبطان الجديد أن يحول كل من في السفينة من الأعوان إلى حكواتي يقنع الأنصار والخصوم .. بأن اليوم أحسن من الأمس.. وبأن غدا سيكون أفضل من اليوم ... لقد غضب القبطان الجديد كثيرا على أنصاره عندما علم أن الركاب أصبحوا يميلون للاستماع أكثر للخصوم الذين كانوا يُحَدِّثونهم ـ بتشاؤم كبير ـ عن قرب حدوث الكارثة..
وماجت السفينة موجا .. حين تراءت في الأفق نذر عاصفة هوجاء .. والتفت راكب بلا مقعد إلى جاره وقال : لا أدري إن كانت الأوضاع قد ازدادت سوءا في الأشهر الثمانية الأخيرة أم لا ..من المؤكد أن الكثير من الركاب يعتقد بأنها زادت سوءا .. قد يكون ذلك بفعل فشل دعاية أنصار القبطان الجديد ..وقد يكون بفعل نجاح دعاية خصومه .. وقد تكون الأوضاع قد ساءت بالفعل..حقيقة لا أدري.
ومع اقتراب العاصفة بدأ الجميع يستشعر الخطر القادم .. وضرورة الحوار والتشاور مما جعل القبطان وأنصاره يدعون خصومهم لحوار "بناء".. من أجل إنقاذ السفينة وركابها .. أما الخصوم فكانوا يدعون إلى حوار "صادق" و"هادئ" ..كان كل طرف يدعو إلى الحوار ويقول بأن خصمه يرفض ذلك الحوار..
وكانت هناك عائلات لا هي إلى هؤلاء.. ولا هي إلى أولئك .. دعت إحداها إلى حوار " ناصح" .. وربما تكون تلك الدعوة هي الدعوة الوحيدة الجادة..
قال الراكب الحكيم مخاطبا بقية الركاب : يا قوم.. إن ما تسمعون من دعوات للحوار إنما هي دعوات غير صادقة.. والدليل على ذلك أن كل طرف لا يدعو الطرف الآخر للحوار إلا بعد أن يُسْمِعَهُ الكثير من السب.. والشتم.. والتخوين .. هل سمعتم محاورا يسب ويشتم خصمه.. ثم يدعوه بعد ذلك للحوار؟
ولو كان القبطان جادا في الحوار لعاقب سفيره في السفينة المجاورة الذي رفض استقبال رئيس مجلس شورى سفينتنا التائهة .. ومن الغريب أن مجلس الشورى الذي تمت إهانته لم يتحدث عن الموضوع .. باستثناء نائب واحد من عائلة رئيس المجلس .. وكم كان من "الجميل" أن يُسْكَبَ " مداد قلم" للتنديد بذلك...
ولو كان خصوم القبطان أيضا يريدون الحوار لما ظلوا يشترطون التحقيق فيما حدث منذ ثمانية أشهر .. إنه شرط غير بريء ..فهم لم يصدقوا ما حدث منذ ثمانية أشهر وهم يتقاسمون قيادة السفينة مع خصومهم .. فكيف سيصدقون نتائج تحقيق سيجري في وقت لا يشاركون فيه في قيادة السفينة..
ولقد كان الأجدر بهم أن ينظروا إلى المستقبل .. وأن يشترطواـ بدلا من التحقيق في النتائج ـ إصلاح مجلس القضاء بالسفينة وجعله مستقلا .. أو إسكات الحكواتي وعدم احتكار الشاشة.. أو السماح لكل الركاب بالمساهمة في كل ما من شأنه إيصال السفينة إلى بر الأمان ..
وقال راكب أحمق : إنهم لا يريدون الحوار بسبب الحقد .. فالقبطان وأنصاره يتمنون أن تغرق السفينة من مؤخرتها حتى يتمتعوا برؤية خصومهم وهم يغرقون.. أما خصوم القبطان فهم يعتقدون بأن أول ما سيغرق من السفينة هو زمرة القيادة .. لذلك فبالنسبة لهم سيكون الغرق ممتعا لأنه سيأتي بعد غرق القبطان وأنصاره..
إنهم يعلمون أنهم لو تعاونوا فإنهم سينجون جميعا .. وهو ما سيحرم بعضهم من التلذذ والتمتع برؤية البعض الآخر وهو يغرق..سكت الراكب الأحمق قليلا ثم قال : بالنسبة لي ليست لي في هذه الدنيا إلا أمنية واحدة.. وهي أن تغرق السفينة .. وأن أبقى حيا حتي أشاهد كل أولئك يغرقون.. سيكون ممتعا أن أغرق بعد أن أكون قد تمتعت برؤية الأكابر وهم يغرقون جميعا..
كانت أحوال السفينة غريبة .. وكان أحوال ركابها أكثر غرابة ..كل واحد منهم يخرق السفينة ويلوم الآخر .. العامة تُحْدِثُ ثقوبا صغيرة ولكنها كثيرة.. والخاصة يحدثون فجوات كبيرة.. الماء بدأ يدخل في السفينة من كل الجهات .. الكل يلوم الكل .. ولا أحد يلوم نفسه .. ولا أحد يتوقف عن خرق السفينة .. البعض مشغول باللغة التي سيصرخ بها طلبا للنجدة .. بعضهم يصر على أن تكون آخر كلمات يلفظها قبل غرقه هي كلمات أجنبية.. البعض الآخر يدعو ليل نهار إلى الفتنة ..
قال راكب بلا مقعد : ربما يكون الموت بالفتنة.. أرحم من الموت بالغرق..
اختفى الحوت من البحر.. جاع الركاب وعطش الكثير منهم .. رغم أن الماء بدأ يزحف داخل السفينة .. وتوقف الراكب الحكيم لأول مرة منذ خمسين عاما عن سد الثقوب .. لقد بدأ يشعر باليأس..عندما ابتل ثوبه لأول مرة ..
تمتم بكلمات مرتعشة وقال : إن أغلب ركاب هذه السفينة قوم مجانين إنهم غارقون ..غارقون لا محالة .. ولكن من يدري .. فربما يخرج من أصلابهم عقلاء راشدون..
تصبحون على الشاطئ ...
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :elvadel@gmail.com
www .autodev.org

الأربعاء، 3 مارس 2010

طلاسم قرار دستوري


ذكَّرني القرار الأخير للمجلس الدستوري بقباء مشهور للشاعر العباسي بشار بن برد، كما ذكرني المجلس الدستوري نفسه بالخياط الذي خاط ذلك القباء وهو الخياط الذي لا زال حتى يومنا هذا يشكل لغزا مثيرا، فلا أحد يعرف إن كان بارعا أم لا ؟ ولا أحد يعرف إن كان القباء جميلا أم رديئا؟ لا أحد يعرف، إلا الخياط الذي خاط القباء أو الشاعر الذي لبسه، ولقد كان الشاعر أعمى ولم يتمكن من رؤية القباء، أما الخياط فقد كان أعور له عين سليمة وأخرى طافية.
لا فرق بين خياط بشار والمجلس الدستوري، فالمجلس الدستوري يصعب الحكم عليه كما يصعب الحكم على الخياط. وللمجلس عين سليمة قرأ بها الطعن الذي قدمه نواب المعارضة حول دستورية قانون الإرهاب. وله عين أخرى غير سليمة جعلته يوم التنصيب يبدل كلمة انقلاب بكلمة تصحيح وذلك أثناء قراءة أحد أعضائه لسيرة رئيس الجمهورية المنتخب. ومن الطريف هنا أنه لا يوجد حرف واحد مشترك بين الكلمتين يبرر ذلك الخلط العجيب أثناء قراءة سيرة الرئيس.
وبغض النظر عن موقفنا مما حدث يوم السادس من أغسطس فسيبقى الاستيلاء على السلطة بالقوة في كل اللغات يسمى انقلابا. ومن المخجل أن يسميه مجلسا دستوريا بغير ذلك، هذا لا يعني أنه لا يجوز لنا أن نختلف حول ذلك الانقلاب وما إذا كان قد شكل حلا ضروريا لا مفر منه أم لا ؟ والحقيقة أنه لا يمكن إعطاء إجابة قاطعة على ذلك السؤال. كما أنه لا يمكن إعطاء إجابة حاسمة على السؤال الذي طرحه بشار منذ مئات السنين عن خياطه وهو سؤال سأختتم به هذا المقال. فإن استطعتم أن تعرفوا حقيقة خياط بشار فإنكم لا محالة ستعرفون حقيقة المجلس الدستوري.وإن استطعتم أن تعرفوا حقيقة القباء فإنكم لا محالة ستعرفون حقيقة موريتانيا في طبعتها الجديدة المصححة في السادس من أغسطس والمنقحة في الانتخابات الرئاسية الماضية.
لقد رحبت المعارضة بالقرار الأخير للمجلس الدستوري رغم أنه في حقيقته الخافية شكل طعنة قاسية لها. وانتقدته الأغلبية متجاهلة بأنه أعطى مصداقية كبيرة للديمقراطية وللأغلبية الحاكمة، حتى ولو جاء ذلك على حساب تمرير القانون الذي روجت له تلك الأغلبية كثيرا.
سيسبب القرار في المستقبل القريب ارتباكا كبيرا للمعارضة وسيجعلها غير قادرة على أن تردد وبالحماس نفسه أغنيتها الساخرة التي تشكك في شرعية النظام الحالي وفي دستورية رفض الطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ستجد المعارضة نفسها وقد أُجبرت على أن تكون معارضة دستورية وعلى أن تتعامل مع المؤسسات الدستورية القائمة ، بل إنها قد تضطر للدفاع عن المجلس الدستوري لمواجهة الانتقادات التي بدأت توجهها الأغلبية لذلك المجلس. سيكون في ذلك شيء من الغرابة، وسيكون فيه شيء من الإثارة، وربما يساهم ذلك كله في التخفيف من الرتابة التي أصبحنا نعيشها بعد أن خفت حدة الحرب على الفساد, وبعد أن توقف ـ تقريبا ـ التجريد من المهام في الاجتماعات الأسبوعية للحكومة.
من المؤكد أن قرار المجلس الأخير كان انتصارا للديمقراطية. ومن المؤكد أيضا أن المعارضة سيكون بإمكانها دائما أن تحقق أشياء مهمة إذا ما تعاملت بذكاء مع الواقع بدلا من التشكيك والتوقف عند نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية.
ومن المؤكد أيضا أن الأغلبية الغاضبة حاليا من قرار المجلس الدستوري أصبحت اليوم تملك أول دليل مادي على أن موريتانيا في طبعتها الجديدة قد تختلف عن موريتانيا في طبعاتها القديمة.
نظر المواطن العادي إلى القرار الأخير بكثير من الريبة والحيرة لأنه لم يتعود الاستقلالية في عمل المؤسسات. بعضهم اعتبر أن الأمر كله مجرد تمثيلية وبأن هناك أوامر عليا من رئيس الجمهورية هي التي جعلت المجلس يتخذ ذلك القرار المثير.
وربما يكون قرار المجلس الدستوري قد جاء كردة فعل للتكفير عن ذنوب سابقة بما فيها إبدال كلمة الانقلاب بكلمة تصحيح. وهو ـ أي القرارـ من هذه الزاوية قد يتشابه كثيرا مع الأذان الذي رفعه ذات يوم بشار بن برد وهو سكران.
لقد كان بشار يمشى وهو سكران وفجأة أخبروه بأن الخليفة قادم فما كان منه إلا أن رفع صوته بالأذان في وقت لا صلاة فيه لكي يخفي أنه سكران. لقد كان أذان بشار دليلا على سكره وسببا في قتله.
تتشابه موريتانيا في طبعتها الجديدة مع قباء بشار بن برد الذي لا أحد يعرف حقيقته فربما يكون ذلك القباء قمة في الروعة، وربما يكون قمة في الرداءة. لا أحد يستطيع أن يحسم ذلك الخلاف.
لا فرق إذن بين موريتانيا الجديدة وقباء بشار الذي خاطه عمرو الخياط الأعور، ونحن لا زلنا غير قادرين على الحكم على موريتانيا الجديدة كعجزنا عن الحكم على قباء بشار وعلى الخياط الذي قال عنه بشار:
خاط لي عمرو قباء +++++ ليــــت عينيه سواء
فسل الناس جميعا +++++ أمديــــــــح أم هجاء
تصبحون على مجلس دستوري بعينين سليمتين
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :elvadel@gmail.com
www .autodev.org

إلى السفير الأمريكي في موريتانيا


هذه رسالة مفتوحة كتبتها بعد تنصيب باراك أوبوما رئيسا للولايات المتحدة قررت أن أعيد نشرها ـ بدون أي تغيير ـ للمشاركة في الحوار الدائر عبر الأقمار الصناعية بعد مرور عام على تنصيب أوبوما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ..

عاجل .....إلي باراك حسين أوباما
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

" جرأة أمل "
لقد وجدت من الضروري أن أكتب لكم هذه الرسالة المفتوحة وذلك بعد أن تابعت ـ مثلي مثل مئات الملايين من المسلمين ـ حفل تنصيبكم وخطاب التنصيب الذي ألقيتموه في هذا الحفل ، وهو خطاب كان بمثابة "جرعة أمل" لا تقل أهمية عن تلك الجرعة التي تولدت في نفوس الملايين من المظلومين والمستضعفين بعد فوزكم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية .
بدءا أرجو أن تسمحوا لي باستخدام عنوان كتابكم " جرأة أمل " ـ الذي يؤسفني أني لم أطالعه حتى الآن ـ كعنوان لهذه الرسالة وذلك لأني لم أجد ما أعنونها به أفضل من ذلك العنوان ، وأنا أتمني فعلا أن تكون سنواتكم الأربع أو الثمانية القادمة "جرعة أمل " لكل شعوب الأرض يكون فيها لكل إنسان ـ أي إنسان ـ الحق في أن يعيش كريما حرا آمنا يحترمه الآخر ويحترم هو الآخر .
ولأن قدرنا ـ شئنا ذلك أم أبينا ـ أن نعيش معا علي هذا الكوكب ، فإنه يتحتم علينا جميعا أن نبحث عن أفضل السبل للعيش الكريم لنا ولأجيالنا القادمة وذلك حتى لا تغرق بنا السفينة التي تعددت الثقوب فيها والتي يؤسفنا أن نقول إن أكثر الثقوب وأكبرها وأقدمها يوجد في عالمنا العربي والإسلامي وأن سياسة بلدكم الخارجية لم تزل تؤدي إلي خرق السفينة في أماكن عديدة من عالمنا الإسلامي .
وأنا لست هنا بحاجة لأن أقول لكم بأنه عندما تغرق السفينة فلن يكون وقتها هناك فرق بين من كان مقعده فاخرا مثلكم أو من كان مقعده متواضعا مثلنا أو من يراد له أن لا يكون له أصلا مقعد في هذه السفينة كالشعب الفلسطيني المظلوم منذ عقود من الزمن.
سأحدثكم بصدق وبصراحة قد لا يحدثكم بها غيري ، وستجدون في هذه الرسالة مشاعر و أفكارا" خاما " لمسلم بسيط عادي قد تكون هي أفضل تعبير عن ما يدور في أذهان مئات الملايين من شعوب عالمنا الإسلامي ، كما أني سأقتصر في هذه الرسالة علي ما يهمني بشكل مباشر ـ كمسلم ـ من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وإن كنت لا أستطيع أن أنكر بأن كل ما يحدث في بلدكم ينعكس بدرجة أو بأخرى علي حياتي اليومية لذلك فأنا أتمني لكم النجاح في تجاوز الأزمة المالية التي تسبب فيها بلدكم نتيجة الجشع وعدم المسؤولية كما قلتم في خطاب التنصيب والتي تنعكس آثارها السلبية علي العالم كله.
لا أخفيكم بأني لم أعد معجبا بأمتكم العظيمة أمريكا والتي كان من المفترض أن أحترمها لأنها شكلت نموذجا فريدا من نوعه و قدمت للبشرية في القرن الأخير ما لم تقدمه أمة أخري ، كما أن ديني ـ وهذا ما يجب أن تعرفوه ـ هو دين محبة وسلام للإنسانية جمعاء وبالأخص بمن يدين منها بالمسيحية كغالبية شعبكم .
ديننا الإسلامي ـ وهذه حقيقة يؤكدها التاريخ ـ هو الذي جعلنا نستقبل اليهود بصدور رحبة عندما كانت أوربا تخيرهم بين ترك ديانتهم اليهودية أو القتل ،استقبلناهم في الأندلس وعاشوا معنا كما كنا نعيش ، لا فرق ، وبعد هزيمتنا في الأندلس استقبلناهم في الدولة العثمانية وعاشوا أيضا معنا كما كنا نعيش وهو ما أشار إليه أخيرا الرئيس التركي.
في هذه الرسالة قد تجدون جوابا لسؤال طرحه سلفكم عندما سأل ذات مرة وهو يقصد بسؤاله المسلمين: لماذا يكرهوننا ؟ ومع أني أعتقد بأن المنطق كان يفترض أن يوجه المسلمون ـ وهم الضحية دوما ـ نفس السؤال لسلفكم: لماذا تكرهنا ؟
فمن المعروف أن أهم حدث حبس الأنفاس وأثر كثيرا علي العلاقة بيننا وبينكم هو أحداث 11 سبتمبر وذلك عندما قامت مجموعة محدودة بتدمير برجين كانت ردة فعل سلفكم عليها هي احتلال دولتين من العالم الإسلامي رغم أن كل الدول الإسلامية استنكرت وأدانت تلك العمليات بل أن بعضها أيضا كان ضحية لبعض العمليات الإرهابية من نفس المجموعة .
ومما لا يحتاج إلي تأكيد هنا هو أن العراق ليست له ـ قطعا ـ أية علاقة من أي نوع بتلك الأحداث ومع ذلك قُتِلَ من شعبه ما يزيد علي مليون من الأبرياء في حرب قال سلفكم بأنها لمواجهة الإرهاب وهو الذي اعتذر في نهاية حكمه بأنه يأسف ـ وكأن كلمة آسف تكفي ـ لما قام به في العراق لأنه اعتمد علي كذبة من المخابرات الأمريكية قتل بموجبها مليونا وزيادة من العراقيين الأبرياء .
والحقيقة أن هذه الحرب الطائشة لم تشكل خسارة فقط للعراق الذي أدخلته في صراعات طائفية ومذهبية خطيرة أصبحت تهدد أمنه وأمن المنطقة بكاملها ، بل أنها شكلت كارثة علي أمريكا نفسها التي زادت هذه الحرب من أعدائها رغم أنها فقدت في هذه الحرب من جنودها ما يزيد علي ما فقدت في أحداث 11 سبتمبر ، هذا فضلا عن المبالغ الطائلة التي أنفقتها علي هذه الحرب والتي ربما تكون قد ساهمت في حدوث هذه الأزمة المالية التي يعيشها العالم اليوم .
148مليار دولار تنفقها أمريكا سنويا علي حربها في العراق لو أنفقتها في الحرب علي الفقر والجهل والمرض في العالم الإسلامي لكانت صورة أمريكا تختلف تماما عن صورتها الحالية ولما احتاج سلفكم أن يتساءل لماذا تكرهوننا ؟ لأنه وقتها سنواجه نحن أعداء أمريكا بالنيابة عنها لأنهم لن يكونوا ساعتها مجرد أعداء لأمريكا فقط .
لقد ساءت كثيرا سمعة أمريكا خاصة في السنوات الأخيرة ونحن تتمني أن يكون السبب في ذلك مرتبطا بأخطاء تلك الإدارات السابقة لأن شعبكم المتميز يستحق سمعة أفضل من سمعته الحالية فهو الشعب الذي يقدم لنا اليوم هذا الدرس الرائع في الديمقراطية الذي أوصل من خلاله رجلا من أصول إفريقية والده مسلم إلي البيت الأبيض لأنه كان هو المرشح الأفضل رغم أن أباه كان لا يمكن له أن يحصل علي طعام من مطعم محلي كما قلتم في خطاب التنصيب، بل أنه كان ينظر إليه علي أنه لا يشكل إلا ثلاثة أخماس من قيمة الرجل الأبيض .
ومن المؤسف جدا أن هذه النظرة العنصرية التي تفرق بين البشر حسب ألوانهم أو معتقداتهم هي التي ينظر بها صناع القرار في بلدكم لشعوبنا العربية والإسلامية.
لقد أصبح الإنسان العربي المسلم لا يمثل إلا 1% أو 2 % .ـ حسب وجهة نظر سلفكم ـ من قيمة الإنسان اليهودي أو الأمريكي، فأن يموت المئات من الفلسطينيين بسلاح أمريكي فهذا حدث لا يستحق أي اهتمام، أما أن يجرح إسرائيلي واحد فتلك مأساة إنسانية تستحق أقسي أنواع الشجب والتنديد من كل حكومات العالم " المتحضر".
كثيرا ما يستفزني بعض الأمريكيين عندما يتحدث عن "الكلفة المالية " للحرب علي الإرهاب ولا يهتم بالكلفة البشرية لهذه الحرب وأنا هنا أتحدث عن خسارة كل الأطراف بما فيهم آلاف الجنود الأمريكيين وما يزيد علي المليون من العراقيين ، أي أنه لو تمكن الأمريكيون من استعادة ما خسروه من مال لما تحدث هؤلاء عن ضرورة الانسحاب من العراق ووقف هذه الحرب التي شكلت صفحة سوداء في تاريخ بلدكم الذي تكثر فيها الصفحات السوداء ـ علي الأقل ـ إذا كان من يقرأ هذا التاريخ إنسان عربي مسلم بسيط مثلي .
لن أحدثكم في هذه الرسالة عن تلك الصور المؤلمة والقاسية التي يكاد يستحيل أن أنساها (القرآن ـ وهذا هو أقدس شيء عندي كمسلم ـ يمزقه الجندي الأمريكي ، مساجد تدمر ، صور لا تطاق رؤيتها في أبو غريب وكوانتانامو )
لن أحدثكم أيضا في هذه الرسالة عن أحداث "غزة " الأخيرة والتي لا بد أنكم شاهدتموها رغم صمتكم الرهيب الذي لم أقتنع بتبريره وإن كان في كل الأحوال أفضل بكثير من تعليقات سلفكم ووزيرة خارجيته التي كانت لا تخجل من مطالبتها بوقف تهريب السلاح إلي " حماس " كلما تمادت إسرائيل في قتل الشيوخ والنساء ورجال الإسعاف والصحفيين وحتى الأطفال الموجودين في المقرات التابعة للأمم المتحدة والتي لم تسلم حتى في اليوم الذي كان يزور فيه الأمين العام للأمم المتحدة إسرائيل .
لن أحدثكم عن هذه الأمور الشائكة وإن كان يؤلمني حقا أني علي يقين أنه لو حدث العكس ولو بنسبة 1% لكانت ردة الفعل ـ علي أقل تقدير ـ هي التلويح باستخدام البند السابع الذي أصبح لا يهدد به إلا العرب والمسلمون .
لن أحدثكم عن هذه الأمور وإن كنت لا أخفيكم بأن أمنيتي ـ التي يبدو أنها لن تحقق قريبا ـ هي أن أعيش في عالم يستنكر قتل كل نفس بريئة بغض النظر عن جنسيتها وعن دينها ، في عالم عدالته عدالة واحدة وإنسانيته إنسانية واحدة لا تتغير بتغير الضحية ، وديمقراطيته ديمقراطية واحدة يتم احترام نتائجها في أمريكا عندما تنتخب رئيسا أسودا ، مثلما يتم احترام نتائجها في فلسطين عندما يصوت شعبها لحماس .
لن أحدثكم عن هذه الأمور المؤلمة التي تحدث في " غزة " بل سأكتفي هنا بأن أذكر لكم قصة واحدة من مئات القصص التي تحدث يوميا في " الضفة الغربية " والتي يراد لنا أن نصدق بأنها دولة لها سلطة كان من حظ رئيسها أنه كان أول رئيس تتصلون به هاتفيا بعد تنصيبكم .
شاب يسكن في قرية يقرر الزواج بفتاة تسكن في قرية أخري من " الضفة الغربية "، وبعد أن يئس الخطيبان من إمكانية إقامة الحفل في أي من القريتين بفعل الحواجز قررا في الأخير أن يسافرا مع بعض الأقارب والأصدقاء إلي " الأردن " لإقامة حفل الزواج .
هذه هي الدولة الفلسطينية "العظيمة "التي تمخضت عن كل تلك السنوات الطوال من المفاوضات العبثية والتي لم تكن أمريكا فيها وسيطا محايدا.
أيضا وللأسف الشديد يبدو أن هذه السلسلة الطويلة من المفاوضات قد نشهدها في عهدكم لأنه يبدوا أنكم ستتعاملون مع هذه الأزمة المعقدة بنفس الأساليب التي أفرزتها، هذا ما ظهر لنا بعد يومكم الثاني في البيت الأبيض الذي أشدتم فيه بدور بعض الرؤساء العرب وتحدثتم فيه عن أحداث "غزة " وكأنها بفعل زلزال لا يمكن أن تُحََمَّلَ إسرائيل نتائجه ، بل أنكم حاولتم ـ وإن كان بطريقة قد تكون أكثر حياءً وأكثر لباقة من سلفكم ـ أن تحملوا" حماس " مسؤولية ما حدث .
كم هو فظيع أن يتعامل العالم بأسره مع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل وكأنها كوارث طبيعية لا مفر منها ، أقصي ما يمكن فعله هو أن يتم إعادة إعمار جزء مما تم تدميره قبل أن تقرر إسرائيل أن تدمره مرة أخري وبشكل أفظع .
قطعا سيكون بالإمكان تقديم "طبعة جديدة " غير مصححة وغير منقحة من مسرحية " أوسلو " أو " أنابولس " مع بعض التعديلات الطفيفة ، وستجدون بالتأكيد من يروج لهذه المسرحية من القادة والزعماء العرب ، سيقبلكم بعضهم ذات اليمين وسيقبلكم بعضهم ذات الشمال وسيرقص معكم البعض الآخر رقصة السيف ،المهم أن لا تشعروهم بأنهم رؤساء صلاحياتهم منتهية وأن لا تجعلوهم يستفيقوا من سكرتهم التي تمنيهم بأن حكمهم دائم أو علي الأقل إلي ورثتهم صائر .
وسيكون بإمكان إسرائيل أن ترتكب حماقات جديدة دون أن تجد من يردعها وسينكشف يوما بعد يوم مدي الإفلاس الذي يعيشه عالمنا اليوم ، وقد يحدث بعد ذلك كله أن يستخدم أحدهم حذاءه للتعبير عن سخطه مما يحدث .
هذا ما قد يحدث داخل "قاعة العرض " ولكن هناك أشياء أخري ستحدث خارج القاعة أعتقد أنه من الضروري أن أحدثكم عنها .
سيزداد وعي الشعوب الإسلامية وستتأكد الغالبية من هذه الشعوب أن القضية الفلسطينية ـ والتي هي بالمناسبة كانت ولم تزل وستبقي قضية العرب والمسلمين الأولي ـ لن تجد حلها عن طريق " الأمم المتحدة " ولا عن طريق مفاوضات القادة العرب بعد أن أصبح السلام هو خيارهم الإستراتيجي ، كما فشلوا سابقا في حلها أيام كانت الحرب مع إسرائيل هي خيارهم الإستراتيجي .
ستزداد قناعة الشعوب بأن المقاومة الشعبية والتضامن معها ونصرتها بشتى الوسائل بما فيها مقاطعة المنتجات الأمريكية هي السبيل الوحيد لمناصرة الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن قضية عادلة لم تجد رغم مرور ستين عاما ـ يوم كان والدكم رحمه الله لا يخدم في المطعم ـ الحد الأدنى من الإنصاف من طرف حكومات العالم "المتحضر " وإن كانت قد وجدت الكثير من التعاطف المتنامي ـ وهذا ما يجب ذكره ـ من طرف العديد من الأحرار في هذا العالم بما فيهم من ناصرها من الشعب الأمريكي .
ربما يكون من المفيد أيضا أن أذكر لكم هنا أني مثلي مثل مئات الملايين من المسلمين أومن إيمانا كاملا بأن من تظلمهم إسرائيل الآن سينتصرون في النهاية ، لا أشك في ذلك ، فالمسلم يؤمن بأن النصر هو وعد إلهي و المهم أن يدافع عن حق وعن قضية عادلة وأن يستخدم كل الوسائل المتاحة أمامه للدفاع عن هذا الحق حتى ولو كانت مجرد حجارة في يد طفل صغير،أو كانت مجرد صواريخ مصنعة تقليديا لا أدري لماذا يرتجف منها العالم " المتحضر " الذي لم يهمس يوما بكلمة أو بإشارة تعبر عن خوفه من السلاح النووي الإسرائيلي ؟
تلك الحقيقة هي ما نفسر به انتصار الشعب اللبناني في جنوب لبنان وانتصار الشعب الفلسطيني في قطاع "غزة " في مواجهة الآلة العسكرية المخيفة التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي .
هذه الحقيقة الدينية هي أيضا حقيقة تاريخية ، فالتاريخ يقول بأن من يصر علي الدفاع عن الحق سينتصر في النهاية ، لذلك فنحن نؤمن بأن الشعب الفلسطيني سينتصر في النهاية ونؤمن كذلك بأن كل حماقة جديدة ترتكبها إسرائيل بغطاء أمريكي ستعجل من هذا النصر الحتمي .
ونحن نشعر ـ نحن هنا تعني مئات الملايين من بسطاء المسلمين ـ بأن أمريكا التي لم تكن لديها في الماضي مشكلة في تسديد "الفاتورة " الاقتصادية والسياسية والقانونية والأخلاقية والإعلامية للتغطية علي ظلم وغطرسة إسرائيل ، هي الآن لم تعد قادرة علي ذلك بعد الأزمة المالية وبعد تنامي الوعي العالمي بأن إسرائيل ليست هي الضحية وبعد بروز أقطاب عالمية جديدة لا تتفق إلا علي هدف واحد وهو مشاركة أمريكا في قيادة العالم .
لا أظن بأنه يخفي عليكم دلالة تلك الإشارات العديدة التي أرسلتها الشعوب العربية و الإسلامية من جاكرتا إلي نواكشوط ، كما أنه لن يكون من الحكمة المراهنة علي علاقات " طيبة " مع حفنة من الأمراء والملوك والرؤساء الذين لم تعد لهم أي مصداقية أو شرعية داخل بلدانهم مما ينذر بقرب نهاية دكتاتورياتهم ، فهؤلاء لم تعد تنفعهم شرعية مستوردة من خارج بلدانهم ، فلا تراهنوا عليهم ، وهنا نطلب منكم ـ وهذا طلب ملح ـ أن تتركوا بين هؤلاء القادة وشعوبهم ، لا نطلب منكم التدخل لصالح الشعوب ، كما أننا في المقابل لم نعد نتحمل التدخل لصالح هؤلاء القادة الذين خذلوا شعوبهم كثيرا، يكفي هنا أن نذكر كمثال ما حدث في القمة الأخيرة من أسبوع القمم العربية " المضحكة " ، لن أتحدث عن " غزة " التي خذلوها كثيرا في قمة الرياض وفي قمة شرم الشيخ وفي قمة الكويت وقدموا لها الحد الأدنى في قمة الدوحة بل سأقتصر هنا علي الاقتصاد الذي خُصِصََتْ له قمة الكويت والتي تم الإعداد "الجيد " لها من طرف جامعة عمر موسي ، لقد تحدثوا عن اكتشاف عظيم في قمة الكويت وهو تطبيق تجربة بنجلادش التي تعتمد علي القروض الصغيرة جدا والتي قادها الاقتصادي الكبير محمد يونس في منتصف السبعينات من القرن الماضي !!!
أعذرني، لقد خرجت قليلا عن الموضوع ، فمصائبنا التي يجلبها لنا القادة العرب لا تقل خطورة عن مصائبنا التي تأتينا من بلدكم .
المهم ـ وهذه هي زبدة الرسالة ـ أنه قد أصبح من الملح ومن الضروري لأمريكا أن تراجع علاقاتها مع شعوب أمة المليار وزيادة وهي الشعوب التي ستكون لها الكلمة الفصل في حسم المنافسة القادمة بين الأقطاب الجديدة والقديمة علي قيادة العالم .
وفي ختام هذه الرسالة لا بد أن أعترف ـ وأنا من الذين يقرؤون كثيرا عن بلدكم ـ بأن لأمريكا وجها آخر مضيئا جدا يمكن لها أن تقود به العالم من جديد ، كما أنه لا بد لي من أن أعترف أيضا بأني أحترم كثيرا ذكاءكم وطريقتكم الإبداعية في التفكير وهذا بالضبط هو ما جعلني لا أهتم بتلك الحقيقة التي تتردد كثيرا الآن ، وهي أن الرئيس الجديد لأمريكا لا يمكن له أن يحدث تغييرا جذريا في السياسة الخارجية حتى ولو كان يرغب بشكل جاد في إحداث ذلك التغيير، لأن صناعة القرار في أمريكا تتحكم فيها مؤسسات ولوبيات وقوي ومصالح متشعبة ومعقدة جدا .
تلك حقيقة لا أنكرها ، ولكن هناك حقيقة أخري لا أستطيع أن أنكرها أيضا، وهي أن أمريكا تعيش اليوم ـ وهذه زبدة الزبدة ـ لحظة حرجة من تاريخها وهي تحتاج وبشكل عاجل إلي أن تُحْْقَنَ بــ "جرعة أمل " جديدة تمكنها من أن تحافظ علي مركزها العالمي .
فهل سيبدع المحامي الذكي جدا طريقة ما يتمكن من خلالها من حقن " جرعة الأمل" للبلد الذي اختاره لأن يكون خلفا لأسوأ رئيس عرفته أمريكا ؟
هذا سؤال يهم الجواب عليه الكثير من شعوب العالم خاصة منه شعوب العالم العربي والإسلامي .
محمد الأمين بن الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولي " للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Elvadel @gmail.comhttp://www.autodev.org/