مر نصف قرن تقريبا والسفينة تتقاذفها الأمواج العاتية.. كان الركاب مع فجر كل يوم جديد يعتقدون أن الفرج قادم لا محالة.. ولكنهم سرعان ما كانوا يُصدمون عندما يكتشفون أن اليوم الجديد أشد قسوة من الأمس..
وكان في السفينة راكب حكيم ..كان يردد دائما : ستقولون بأن يومكم سيء.. وستقولون بأنه أسوأ يوم .. ولكن عندما يأتي الغد ستشتاقون للأمس.. وستكتشفون أن الأمس كان يوما سعيدا.. فثقوب الشراع تزداد يوما بعد يوم .. وحماس الركاب في إحداث الثقوب يكبر يوما بعد يوم ..إنه الشيء الوحيد الذي يكبر في هذه السفينة التائهة منذ خمسين عاما..
وكان في السفينة قلة قليلة جدا.. تتوارث المقاعد الفاخرة كابرا عن كابر.. أما أغلبية الركاب فكانت تتصارع على مقاعد متهالكة.. تتوارثها صاغرا عن صاغر.. وكان دائما بإمكان أحد الركاب العامة أن يتبوأ مقعدا فاخرا.. بشرط أن يكذب.. وينافق ..ويتزلف ..لكي يرضي الربان وأعوانه .. وبشرط أن يدوس أثناء صعوده على جثث العشرات من عامة الركاب ..
وكانت في السفينة شاشة بائسة.. شاحبة.. تافهة .. يطل منها حكواتي عجيب يعد الركاب بغد أفضل .. و يبشرهم بأن الشاطئ أصبح قريبا جدا .. وأن السفينة سترسو قريبا على بر الأمان...
كان الحكواتي لا يمل من تكرار تلك البشرى .. وكان حماسه يزداد كلما تغلب قبطان على قبطان ..فقد كانت تلك هي فرصته الوحيدة لسب وشتم وقذف القبطان السابق الذي طالما مدحه .. والذي كاد أن يغرق السفينة نهائيا لولا تدخل القبطان المنقذ المصحح للمسار.. والمتصدي لقوى الظلام بالحديد والنار.. والموصل السفينة ـ إن شاء الله ـ إلى بر الأمان .. بعد أيام معدودات ..
كان الشاطئ يقترب ويبتعد في وقت واحد.. كان يقترب مع قدوم كل قبطان جديد.. وإن كان في حقيقته يبتعد.. ولكن ذلك الابتعاد لا يكشفه الحكواتي لعامة الركاب إلا بعد أن يصبح القبطان الجديد قبطانا سابقا...
وكان في البحر قراصنة شداد.. يتربصون بالسفينة وبركابها.. وقد ازداد تهديهم للسفينة في الأعوام الأخيرة من رحلة التيه هذه .. لدرجة أنهم استطاعوا في بداية العام الخمسين أن يقتحموا السفينة مرتين .. وأن يختطفوا منها ركابا أجانب للحصول على فدية كبيرة..
كثرت الخروق والثقوب في السفينة المتهالكة .. كان بعضها بفعل الرصاص الطائش للقراصنة الإرهابيين ..وكان كثير منها بفعل ركابها.. وبالأخص الأكابر ذوي الشوكة.. والذين لم يعد لهم من شغل ـ منذ العام الثامن عشر من انطلاق السفينة ـ إلا الصراع على قيادة السفينة.. والانفراد بما تدر من عائدات...
لقد قاد السفينة ثمانية قبطان.. اثنان منهم مسالمان .. أما الستة الباقون فهم من ذوي الشوكة وأولي البأس .. كان القبطان الثامن آخرهم ، وقد جاء في العام الثامن والأربعين.. في اليوم السادس من الشهر الثامن .. وكان ذلك في صبيحة يوم أربعاء.. يوم السعد لكل من يفكر بالاستيلاء على زمرة قيادة السفينة..وكان الشهر الثامن هو شهر الحظ..
كادت السفينة أن تنقلب وتغرق نهائيا في ذلك العام المخيف لو لم يتفق ركابها الأكابر لفض الخلاف حول هوية الربان من خلال الاحتكام إلى رأي عامة الركاب..
وكان ما كان.. واختار الركاب القبطان .. ومرت ثمانية أشهر من الزمان .. وقال منافسو القبطان بأن الأوضاع لم تتحسن .. بل أنها زادت سوءا..
حدث في السفينة هرج كبير ومرج مما أثار حفيظة القبطان الذي اكتشف أن الحكواتي لم يعد قادرا على التلبيس على الركاب.. بأن الشاطئ قريب .. وأن الفرج آت بلا ريب .. وقرر القبطان الجديد أن يحول كل من في السفينة من الأعوان إلى حكواتي يقنع الأنصار والخصوم .. بأن اليوم أحسن من الأمس.. وبأن غدا سيكون أفضل من اليوم ... لقد غضب القبطان الجديد كثيرا على أنصاره عندما علم أن الركاب أصبحوا يميلون للاستماع أكثر للخصوم الذين كانوا يُحَدِّثونهم ـ بتشاؤم كبير ـ عن قرب حدوث الكارثة..
وماجت السفينة موجا .. حين تراءت في الأفق نذر عاصفة هوجاء .. والتفت راكب بلا مقعد إلى جاره وقال : لا أدري إن كانت الأوضاع قد ازدادت سوءا في الأشهر الثمانية الأخيرة أم لا ..من المؤكد أن الكثير من الركاب يعتقد بأنها زادت سوءا .. قد يكون ذلك بفعل فشل دعاية أنصار القبطان الجديد ..وقد يكون بفعل نجاح دعاية خصومه .. وقد تكون الأوضاع قد ساءت بالفعل..حقيقة لا أدري.
ومع اقتراب العاصفة بدأ الجميع يستشعر الخطر القادم .. وضرورة الحوار والتشاور مما جعل القبطان وأنصاره يدعون خصومهم لحوار "بناء".. من أجل إنقاذ السفينة وركابها .. أما الخصوم فكانوا يدعون إلى حوار "صادق" و"هادئ" ..كان كل طرف يدعو إلى الحوار ويقول بأن خصمه يرفض ذلك الحوار..
وكانت هناك عائلات لا هي إلى هؤلاء.. ولا هي إلى أولئك .. دعت إحداها إلى حوار " ناصح" .. وربما تكون تلك الدعوة هي الدعوة الوحيدة الجادة..
قال الراكب الحكيم مخاطبا بقية الركاب : يا قوم.. إن ما تسمعون من دعوات للحوار إنما هي دعوات غير صادقة.. والدليل على ذلك أن كل طرف لا يدعو الطرف الآخر للحوار إلا بعد أن يُسْمِعَهُ الكثير من السب.. والشتم.. والتخوين .. هل سمعتم محاورا يسب ويشتم خصمه.. ثم يدعوه بعد ذلك للحوار؟
ولو كان القبطان جادا في الحوار لعاقب سفيره في السفينة المجاورة الذي رفض استقبال رئيس مجلس شورى سفينتنا التائهة .. ومن الغريب أن مجلس الشورى الذي تمت إهانته لم يتحدث عن الموضوع .. باستثناء نائب واحد من عائلة رئيس المجلس .. وكم كان من "الجميل" أن يُسْكَبَ " مداد قلم" للتنديد بذلك...
ولو كان خصوم القبطان أيضا يريدون الحوار لما ظلوا يشترطون التحقيق فيما حدث منذ ثمانية أشهر .. إنه شرط غير بريء ..فهم لم يصدقوا ما حدث منذ ثمانية أشهر وهم يتقاسمون قيادة السفينة مع خصومهم .. فكيف سيصدقون نتائج تحقيق سيجري في وقت لا يشاركون فيه في قيادة السفينة..
ولقد كان الأجدر بهم أن ينظروا إلى المستقبل .. وأن يشترطواـ بدلا من التحقيق في النتائج ـ إصلاح مجلس القضاء بالسفينة وجعله مستقلا .. أو إسكات الحكواتي وعدم احتكار الشاشة.. أو السماح لكل الركاب بالمساهمة في كل ما من شأنه إيصال السفينة إلى بر الأمان ..
وقال راكب أحمق : إنهم لا يريدون الحوار بسبب الحقد .. فالقبطان وأنصاره يتمنون أن تغرق السفينة من مؤخرتها حتى يتمتعوا برؤية خصومهم وهم يغرقون.. أما خصوم القبطان فهم يعتقدون بأن أول ما سيغرق من السفينة هو زمرة القيادة .. لذلك فبالنسبة لهم سيكون الغرق ممتعا لأنه سيأتي بعد غرق القبطان وأنصاره..
إنهم يعلمون أنهم لو تعاونوا فإنهم سينجون جميعا .. وهو ما سيحرم بعضهم من التلذذ والتمتع برؤية البعض الآخر وهو يغرق..سكت الراكب الأحمق قليلا ثم قال : بالنسبة لي ليست لي في هذه الدنيا إلا أمنية واحدة.. وهي أن تغرق السفينة .. وأن أبقى حيا حتي أشاهد كل أولئك يغرقون.. سيكون ممتعا أن أغرق بعد أن أكون قد تمتعت برؤية الأكابر وهم يغرقون جميعا..
كانت أحوال السفينة غريبة .. وكان أحوال ركابها أكثر غرابة ..كل واحد منهم يخرق السفينة ويلوم الآخر .. العامة تُحْدِثُ ثقوبا صغيرة ولكنها كثيرة.. والخاصة يحدثون فجوات كبيرة.. الماء بدأ يدخل في السفينة من كل الجهات .. الكل يلوم الكل .. ولا أحد يلوم نفسه .. ولا أحد يتوقف عن خرق السفينة .. البعض مشغول باللغة التي سيصرخ بها طلبا للنجدة .. بعضهم يصر على أن تكون آخر كلمات يلفظها قبل غرقه هي كلمات أجنبية.. البعض الآخر يدعو ليل نهار إلى الفتنة ..
قال راكب بلا مقعد : ربما يكون الموت بالفتنة.. أرحم من الموت بالغرق..
اختفى الحوت من البحر.. جاع الركاب وعطش الكثير منهم .. رغم أن الماء بدأ يزحف داخل السفينة .. وتوقف الراكب الحكيم لأول مرة منذ خمسين عاما عن سد الثقوب .. لقد بدأ يشعر باليأس..عندما ابتل ثوبه لأول مرة ..
تمتم بكلمات مرتعشة وقال : إن أغلب ركاب هذه السفينة قوم مجانين إنهم غارقون ..غارقون لا محالة .. ولكن من يدري .. فربما يخرج من أصلابهم عقلاء راشدون..
تصبحون على الشاطئ ...
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :elvadel@gmail.com
www .autodev.org
وكان في السفينة راكب حكيم ..كان يردد دائما : ستقولون بأن يومكم سيء.. وستقولون بأنه أسوأ يوم .. ولكن عندما يأتي الغد ستشتاقون للأمس.. وستكتشفون أن الأمس كان يوما سعيدا.. فثقوب الشراع تزداد يوما بعد يوم .. وحماس الركاب في إحداث الثقوب يكبر يوما بعد يوم ..إنه الشيء الوحيد الذي يكبر في هذه السفينة التائهة منذ خمسين عاما..
وكان في السفينة قلة قليلة جدا.. تتوارث المقاعد الفاخرة كابرا عن كابر.. أما أغلبية الركاب فكانت تتصارع على مقاعد متهالكة.. تتوارثها صاغرا عن صاغر.. وكان دائما بإمكان أحد الركاب العامة أن يتبوأ مقعدا فاخرا.. بشرط أن يكذب.. وينافق ..ويتزلف ..لكي يرضي الربان وأعوانه .. وبشرط أن يدوس أثناء صعوده على جثث العشرات من عامة الركاب ..
وكانت في السفينة شاشة بائسة.. شاحبة.. تافهة .. يطل منها حكواتي عجيب يعد الركاب بغد أفضل .. و يبشرهم بأن الشاطئ أصبح قريبا جدا .. وأن السفينة سترسو قريبا على بر الأمان...
كان الحكواتي لا يمل من تكرار تلك البشرى .. وكان حماسه يزداد كلما تغلب قبطان على قبطان ..فقد كانت تلك هي فرصته الوحيدة لسب وشتم وقذف القبطان السابق الذي طالما مدحه .. والذي كاد أن يغرق السفينة نهائيا لولا تدخل القبطان المنقذ المصحح للمسار.. والمتصدي لقوى الظلام بالحديد والنار.. والموصل السفينة ـ إن شاء الله ـ إلى بر الأمان .. بعد أيام معدودات ..
كان الشاطئ يقترب ويبتعد في وقت واحد.. كان يقترب مع قدوم كل قبطان جديد.. وإن كان في حقيقته يبتعد.. ولكن ذلك الابتعاد لا يكشفه الحكواتي لعامة الركاب إلا بعد أن يصبح القبطان الجديد قبطانا سابقا...
وكان في البحر قراصنة شداد.. يتربصون بالسفينة وبركابها.. وقد ازداد تهديهم للسفينة في الأعوام الأخيرة من رحلة التيه هذه .. لدرجة أنهم استطاعوا في بداية العام الخمسين أن يقتحموا السفينة مرتين .. وأن يختطفوا منها ركابا أجانب للحصول على فدية كبيرة..
كثرت الخروق والثقوب في السفينة المتهالكة .. كان بعضها بفعل الرصاص الطائش للقراصنة الإرهابيين ..وكان كثير منها بفعل ركابها.. وبالأخص الأكابر ذوي الشوكة.. والذين لم يعد لهم من شغل ـ منذ العام الثامن عشر من انطلاق السفينة ـ إلا الصراع على قيادة السفينة.. والانفراد بما تدر من عائدات...
لقد قاد السفينة ثمانية قبطان.. اثنان منهم مسالمان .. أما الستة الباقون فهم من ذوي الشوكة وأولي البأس .. كان القبطان الثامن آخرهم ، وقد جاء في العام الثامن والأربعين.. في اليوم السادس من الشهر الثامن .. وكان ذلك في صبيحة يوم أربعاء.. يوم السعد لكل من يفكر بالاستيلاء على زمرة قيادة السفينة..وكان الشهر الثامن هو شهر الحظ..
كادت السفينة أن تنقلب وتغرق نهائيا في ذلك العام المخيف لو لم يتفق ركابها الأكابر لفض الخلاف حول هوية الربان من خلال الاحتكام إلى رأي عامة الركاب..
وكان ما كان.. واختار الركاب القبطان .. ومرت ثمانية أشهر من الزمان .. وقال منافسو القبطان بأن الأوضاع لم تتحسن .. بل أنها زادت سوءا..
حدث في السفينة هرج كبير ومرج مما أثار حفيظة القبطان الذي اكتشف أن الحكواتي لم يعد قادرا على التلبيس على الركاب.. بأن الشاطئ قريب .. وأن الفرج آت بلا ريب .. وقرر القبطان الجديد أن يحول كل من في السفينة من الأعوان إلى حكواتي يقنع الأنصار والخصوم .. بأن اليوم أحسن من الأمس.. وبأن غدا سيكون أفضل من اليوم ... لقد غضب القبطان الجديد كثيرا على أنصاره عندما علم أن الركاب أصبحوا يميلون للاستماع أكثر للخصوم الذين كانوا يُحَدِّثونهم ـ بتشاؤم كبير ـ عن قرب حدوث الكارثة..
وماجت السفينة موجا .. حين تراءت في الأفق نذر عاصفة هوجاء .. والتفت راكب بلا مقعد إلى جاره وقال : لا أدري إن كانت الأوضاع قد ازدادت سوءا في الأشهر الثمانية الأخيرة أم لا ..من المؤكد أن الكثير من الركاب يعتقد بأنها زادت سوءا .. قد يكون ذلك بفعل فشل دعاية أنصار القبطان الجديد ..وقد يكون بفعل نجاح دعاية خصومه .. وقد تكون الأوضاع قد ساءت بالفعل..حقيقة لا أدري.
ومع اقتراب العاصفة بدأ الجميع يستشعر الخطر القادم .. وضرورة الحوار والتشاور مما جعل القبطان وأنصاره يدعون خصومهم لحوار "بناء".. من أجل إنقاذ السفينة وركابها .. أما الخصوم فكانوا يدعون إلى حوار "صادق" و"هادئ" ..كان كل طرف يدعو إلى الحوار ويقول بأن خصمه يرفض ذلك الحوار..
وكانت هناك عائلات لا هي إلى هؤلاء.. ولا هي إلى أولئك .. دعت إحداها إلى حوار " ناصح" .. وربما تكون تلك الدعوة هي الدعوة الوحيدة الجادة..
قال الراكب الحكيم مخاطبا بقية الركاب : يا قوم.. إن ما تسمعون من دعوات للحوار إنما هي دعوات غير صادقة.. والدليل على ذلك أن كل طرف لا يدعو الطرف الآخر للحوار إلا بعد أن يُسْمِعَهُ الكثير من السب.. والشتم.. والتخوين .. هل سمعتم محاورا يسب ويشتم خصمه.. ثم يدعوه بعد ذلك للحوار؟
ولو كان القبطان جادا في الحوار لعاقب سفيره في السفينة المجاورة الذي رفض استقبال رئيس مجلس شورى سفينتنا التائهة .. ومن الغريب أن مجلس الشورى الذي تمت إهانته لم يتحدث عن الموضوع .. باستثناء نائب واحد من عائلة رئيس المجلس .. وكم كان من "الجميل" أن يُسْكَبَ " مداد قلم" للتنديد بذلك...
ولو كان خصوم القبطان أيضا يريدون الحوار لما ظلوا يشترطون التحقيق فيما حدث منذ ثمانية أشهر .. إنه شرط غير بريء ..فهم لم يصدقوا ما حدث منذ ثمانية أشهر وهم يتقاسمون قيادة السفينة مع خصومهم .. فكيف سيصدقون نتائج تحقيق سيجري في وقت لا يشاركون فيه في قيادة السفينة..
ولقد كان الأجدر بهم أن ينظروا إلى المستقبل .. وأن يشترطواـ بدلا من التحقيق في النتائج ـ إصلاح مجلس القضاء بالسفينة وجعله مستقلا .. أو إسكات الحكواتي وعدم احتكار الشاشة.. أو السماح لكل الركاب بالمساهمة في كل ما من شأنه إيصال السفينة إلى بر الأمان ..
وقال راكب أحمق : إنهم لا يريدون الحوار بسبب الحقد .. فالقبطان وأنصاره يتمنون أن تغرق السفينة من مؤخرتها حتى يتمتعوا برؤية خصومهم وهم يغرقون.. أما خصوم القبطان فهم يعتقدون بأن أول ما سيغرق من السفينة هو زمرة القيادة .. لذلك فبالنسبة لهم سيكون الغرق ممتعا لأنه سيأتي بعد غرق القبطان وأنصاره..
إنهم يعلمون أنهم لو تعاونوا فإنهم سينجون جميعا .. وهو ما سيحرم بعضهم من التلذذ والتمتع برؤية البعض الآخر وهو يغرق..سكت الراكب الأحمق قليلا ثم قال : بالنسبة لي ليست لي في هذه الدنيا إلا أمنية واحدة.. وهي أن تغرق السفينة .. وأن أبقى حيا حتي أشاهد كل أولئك يغرقون.. سيكون ممتعا أن أغرق بعد أن أكون قد تمتعت برؤية الأكابر وهم يغرقون جميعا..
كانت أحوال السفينة غريبة .. وكان أحوال ركابها أكثر غرابة ..كل واحد منهم يخرق السفينة ويلوم الآخر .. العامة تُحْدِثُ ثقوبا صغيرة ولكنها كثيرة.. والخاصة يحدثون فجوات كبيرة.. الماء بدأ يدخل في السفينة من كل الجهات .. الكل يلوم الكل .. ولا أحد يلوم نفسه .. ولا أحد يتوقف عن خرق السفينة .. البعض مشغول باللغة التي سيصرخ بها طلبا للنجدة .. بعضهم يصر على أن تكون آخر كلمات يلفظها قبل غرقه هي كلمات أجنبية.. البعض الآخر يدعو ليل نهار إلى الفتنة ..
قال راكب بلا مقعد : ربما يكون الموت بالفتنة.. أرحم من الموت بالغرق..
اختفى الحوت من البحر.. جاع الركاب وعطش الكثير منهم .. رغم أن الماء بدأ يزحف داخل السفينة .. وتوقف الراكب الحكيم لأول مرة منذ خمسين عاما عن سد الثقوب .. لقد بدأ يشعر باليأس..عندما ابتل ثوبه لأول مرة ..
تمتم بكلمات مرتعشة وقال : إن أغلب ركاب هذه السفينة قوم مجانين إنهم غارقون ..غارقون لا محالة .. ولكن من يدري .. فربما يخرج من أصلابهم عقلاء راشدون..
تصبحون على الشاطئ ...
محمد الأمين ولد الفاظل
رئيس مركز " الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية
هاتف 6821727
Email :elvadel@gmail.com
www .autodev.org
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق