الخميس، 19 أغسطس 2010

خيال X خيال




تخيلت أن رئيس الجمهورية قرر أن يقضي يوما كاملا في المدن والقرى المنكوبة. وتخيلت أنه تبرع من ماله الخاص لبعض الأسر الأكثر تضررا، وتخيلت بأنه قرر أن يقيل حكومته الخيالية أثناء تواجده التخيلي في القرى والمدن المنكوبة.
وتخيلت أن وزير التوجيه الإسلامي تبرع بثلث راتبه في هذا الشهر الكريم لصالح مسجد تيشيت، وأن وزيرة الثقافة تبرعت بربع راتبها لترميم ذلك المسجد الذي يعتبر من المعالم التراثية الهامة في البلد.
وتخيلت أن مفوض الأمن الغذائي قدم استقالته ـ قبل أن يُقال ـ لشعوره بأنه لم يفعل شيئا للتخفيف من معاناة المتضررين من السيول.
وتخيلت أن مفوض حقوق الإنسان ـ في محاولة لتفادي الإقالة ـ شوهد وهو بين الحمالين يحمل خنشة من الأرز إلى إحدى الأسر المتضررة، مقلدا بذلك بعض الموظفين السامين في بعض الدول الأوروبية.
وتخيلت أن التلفزيون الرسمي نظم سهرة مفتوحة لجمع التبرعات لصالح المنكوبين، وتخيلت أنه جمع في تلك السهرة مئات الملايين بعد أن تنافس رجال الأعمال وكبار الموظفين في تقديم التبرعات التي يتم نقلها بشكل مباشر على شاشة التلفزيون، ويتابعها رئيس الجمهورية أولا بأول.
وتخيلت أن بعض رجال الأعمال قرروا أخيرا أن يتبرعوا لضحايا السيول في "لعيون" و في "كيهيدي" و في " السياسة" و في "كامور" وفي "مقطع لحجار" ... كما تبرعوا سابقا لضحايا فيضانات كاترينا في الولايات المتحدة والذين لا يحتاجون لتبرعاتهم.
وتخيلت ـ كذلك ـ أن رجال الأعمال تبرعوا لضحايا الفيضانات ب5% من مجموع ما ينفقونه عادة في جلب الصور، وتنظيم السهرات المفتوحة في الخيام لصالح مرشحي الرئاسة.
وتخيلت أن النواب والشيوخ الذين تضررت دوائرهم الانتخابية من الأمطار تبرعوا برواتبهم لشهر كامل لصالح الأسر الأكثر تضررا، وتخيلت أن بقية النواب تبرعوا بنسب من رواتبهم لتلك الدوائر المتضررة.
وتخيلت أن شركات الاتصال قررت أن تنفق قليلا من أرباحها الطائلة في أعمال اجتماعية خيرية هادفة من خلال التنافس في تقديم العون للمدن والقرى المنكوبة. فتخيلت أن شينقتل تكفلت بالمتضررين في إحدى الولايات المنكوبة، وأن ماتال تكفلت بولاية ثانية، وأن موريتل تكفلت بولاية ثالثة.
وتخيلت أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية قرر أن ينظم يوما تضامنيا لصالح ضحايا السيول وذلك بتكليف كل منتسب أن يتبرع بمائة أوقية مما مكن من جمع 50.000.000 أوقية في يوم واحد (يقال أن عدد المنتسبين نصف مليون، وبالتأكيد فإن كل مندوب سيدفع عن كل منتسب من وحدته تعذر عليه ـ لسبب أو لآخر ـ أن يدفع).
وتخيلت أن المساجد تنافست في يوم الجمعة القادم في جمع التبرعات لصالح المنكوبين. وتخيلت أن كل من حضر لصلاة الجمعة تبرع ـ على الأقل ـ بمائة أوقية، مما مكن المساجد على عموم التراب الوطني من جمع مئات الملايين.
وتخيلت أن التبرعات الوطنية التي تأتي من الأفراد والمؤسسات والمجتمع المدني قد سبقت هذه المرة التبرعات التي تأتي من مشارق الأرض ومغاربها مع حدوث كل كارثة.
وتخيلت أن التبرعات الخارجية لم تشكل في هذه المرة إلا نسبة مئوية قليلة من التبرعات المحلية.
وتخيلت أن كل تلك التبرعات ذهبت إلى مستحقيها ولم تذهب ـ كما يحدث عادة ـ إلى من يطعم نوقه بقمح الفقراء، ويزخرف قصوره بأقراص دوائهم، ويزيد من أرصدته بنهب الصدقات الممنوحة لهم.
وتخيلت أن الهندسة العسكرية استطاعت أن تنفذ " عملية ناجحة" في إحدى المدن أو القرى المنكوبة.
وتخيلت أنه تم تأسيس هيئة وطنية موسعة للتصدي للكوارث الطبيعية.
وتخيلت أن موريتانيا حكومة وشعبا تمكنت من أن تثبت ميدانيا بأنها أكثر رحمة وشفقة بمواطنيها المنكوبين من الدول الشقيقة والصديقة والتي عودتنا ـ مشكورة ـ على أن تمد يد العون للمنكوبين قبل أن تمدها لهم حكوماتهم، وكما هو الحال بالنسبة لليبيا التي سبقت الجميع للطينطان، كما سبقت الجميع للمتضررين من السيول الأخيرة.
وتخيلت أن الشعب الموريتاني استطاع هذه المرة أن يثبت ميدانيا بأنه مجتمع مسلم كالجسم الواحد، وكالبنيان المرصوص. وأنه يزداد تعاونا وتلاحما وتآزرا وتعاطفا أثناء حدوث الأزمات والكوارث الطبيعية.
وتخيلت أخيرا بأن كل ما تخيلت سابقا لم يكن خيالا، بل كان حقيقة وواقعا ملموسا.

تصبحون على واقع كالخيال...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق