الأربعاء، 18 يونيو 2025

موسم جديد لاكتشاف المواهب الشبابية


 الإعلان عن انطلاق برنامج خطوة لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية

∎ إيمانا منا بأن الثروات التي تسير فوق الأرض (المواهب)، ليست أقل قيمة من الثروات الموجودة في باطن الأرض (المعادن)، وأن الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق للتنقيب عن الثروات في باطن الأرض يجب أن ينفق ما يماثلها للتنقيب عن الثروات التي تسير فوق الأرض؛

∎ قناعة منا بضرورة التحرك العاجل لمواجهة المخاطر التي يواجهها شبابنا، والتي تتمثل في البطالة، وتفشي الجريمة، والهجرة، وتنامي روح اليأس والإحباط؛

∎ تحملا منا للمسؤولية التي يجب أن يلعبها المجتمع المدني في مواجهة هذه التحديات والمخاطر؛

∎ سعيا منا للمشاركة ميدانيا في الجهود المبذولة من طرف الحكومة لمواجهة هذه التحديات والمخاطر، فإننا في جمعية خطوة للتنمية الذاتية لنعلن على بركة الله إطلاق أول برنامج تدريبي في موريتانيا لاكتشاف المواهب الشبابية وتنميتها ورعايتها، ونأمل أن يستفيد من برنامجنا التدريبي هذا 1000 شاب خلال العام 2024، ويتمثل هذا البرنامج التدريبي في: 

1 ـ تقديم دورة أساسية في مجال اكتشاف الموهبة واستغلالها، وسيستفيد من هذه الدورة كل المشاركين في البرنامج. سيتلقى المشاركون في دورة الموهبة اختبارا وعلى أساس نتائجه يتم فرز من سيواصل منهم في البرنامج التدريبي للاستفادة من الدورات الأخرى ذات الصلة؛

2 ـ تقديم دورات مكملة في مجال : التفكير الإبداعي ـ الاتصال الفعال ـ التخطيط الشخصي ـ إدارة الوقت ـ مهارات العمل الجماعي؛

3 ـ تقديم دورات في مجال التخصص، وذلك بعد أن يتم تقسيم المشاركين في البرنامج إلى مجموعات متجانسة حسب الاتجاهات والميول والمواهب المشتركة لدى كل مجموعة، لتتلقى بعد ذلك كل مجموعة، وعلى حدة، دورة متخصصة في المجال الذي يمتلك فيه أعضاء تلك المجموعة موهبة مشتركة؛

4 ـ تقديم دورات تأطير ودعم للموهوبين الذين تأهلوا للمشاركة في مسابقات وتصفيات إقليمية أو دولية؛

5 ـ تقديم الاستشارات مع المتابعة المستمرة للموهوبين المتميزين.

وتأمل جمعية خطوة للتنمية الذاتية أن تنظم نهاية هذا العام أول مؤتمر لها لصالح المواهب الشابة التي استفادت من برنامجها، وستُعلن خلال هذا المؤتمر عن جوائزها السنوية للموهوبين المتميزين.

نواكشوط بتاريخ : 26 شعبان 1445 الموافق 07 مارس 2024

جمعية خطوة للتنمية الذاتية.

----

كان هذا هو الإعلان عن أول موسم للبرنامج التدريبي الأول من نوعه، وللأسف فقد توقفنا عند النقطة الأولى أي تقديم دورات في اكتشاف الموهبة واستغلالها لصالح مئات الشباب في نواكشوط ولعيون وأكجوجت وشنيقيط....

نرجو في هذا الموسم أن نكمل كل التزاماتنا التي تعهدنا بها عند الانطلاق والإعلان عن البرنامج، وسنفتح المجال أمام الشراكات والتعاون في هذا الموسم.



الثلاثاء، 17 يونيو 2025

لماذا لا نفكر في تأسيس حلف إسلامي عالمي؟


في ظل ظرفية دولية بالغة الخطورة والتعقيد، يطبعها اللايقين، وتتسم بما يلي:

1 ـ شلل الأمم المتحدة، وعجزها بكل هيئاتها ومؤسساتها عن وقف حرب الإبادة الأكثر وحشية في التاريخ الحديث، والتي تتعرض لها غزة منذ أكثر من عام ونصف؛

2 ـ الموت السريري للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وعجزهما البيِّن عن حل قضايا العرب والمسلمين العالقة، وعلى رأس تلك القضايا إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتحرير المسجد الأقصى من بطش الكيان الصهيوني المدعوم عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا من طرف الغرب المسيحي؛

3 ـ عدم استفادة الدول الإسلامية من النظام العالمي القائم على قطبين قبل انهياره، وعدم استفادتها بعد ذلك من نظام القطب الواحد الذي تقوده حاليا أمريكا، بل وعلى العكس من ذلك، فقد تضرر العالم الإسلامي كثيرا من النظام العالمي القائم على قطبين، وتضرر أكثر في ظل النظام العالمي القائم على قطب واحد، وكل المؤشرات تقول بأن الضرر سيبلغ ذروته في ظل رئاسة ترامب لأمريكا؛

نظرا لكل ذلك، فقد بات من الملح جدا التفكير في تأسيس حلف إسلامي عسكري واقتصادي قوي، يُشكل قطبا إسلاميا عالميا يحمي مصالح المسلمين في عالم يسير في اتجاه نظام متعدد الأقطاب، بعد فشل نظام القطب الواحد، ونظام القطبين قبل ذلك.

من المؤكد أن الدول الإسلامية تمتلك كل المقومات لتشكل قطبا عالميا قويا قادرا على الدفاع عن مصالح المسلمين في العالم، فمن الناحية العسكرية، هناك باكستان التي تمتلك سلاحا نوويا، وهناك إيران التي أثبتت مؤخرا أنها قادرة على مواجهة الكيان المغتصب بمفردها، ومن الناحية الاقتصادية فهناك العديد من الدول الإسلامية التي تمتلك اقتصادا قويا، وموارد مالية هائلة.

نعم لقد بات من الملح جدا التفكير في تأسيس حلف إسلامي قوي تنخرط فيه الدول الإسلامية، ويمكن استثمار المواقف الداعمة لإيران التي اتخذتها مؤخرا السعودية وباكستان ودول إسلامية أخرى، انطلاقة لمشروع تأسيس هذا القطب، والذي يمكن أن تتشكل نواته الأولى من السعودية وباكستان وإيران وتركيا ومصر، لتشمل بعد ذلك بقية الدول الإسلامية، فبحلف كهذا يمكن أن نحرر فلسطين، وبحلف كهذا يمكن أن نحل المشاكل التي قد تحدث بين بعض الدول الإسلامية دون الحاجة لتدخل قوى عظمى، ولتشكيل نواة هذا الحلف فلا بد للدول المؤسسة من أن تتخذ بعض الخطوات والإجراءات التمهيدية:

1 ـ أن تعتذر الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن تدخلاتها السابقة في بعض الدول العربية، وأن تلتزم التزاما صريحا وقويا  بالتخلي نهائيا عن أي وصاية على الشيعة خارج حدودها، وأن لا تعمل مستقبلا ـ تحت أي ظرف ـ على تحريك الشيعة في بعض البلدان العربية والإسلامية لتحقيق المزيد من المصالح والنفوذ خارج حدودها؛

2 ـ أن تُوقِف المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج منح الأموال الضخمة لترامب، فليس من الحكمة وضع كل البيض في سلة واحدة، وخاصة إذا كان صاحب تلك السلة هو ترامب المتقلب المزاج،  على أن توجه تلك الأموال للتعزيز من مكانة الحلف الإسلامي المنتظر، أو توجه لدعم بعض الدول الإسلامية المحتاجة؛

3 ـ أن تقطع مصر وتركيا ـ وبشكل فوري ـ علاقاتهما الدبلوماسية مع العدو الصهيوني.

هذه مجرد فكرة خام أعرضها عليكم للنقاش والتطوير، وهي فكرة تهدف بعد صياغتها النهائية إلى إقناع القادة في العالم الإسلامي بضرورة تأسيس قطب إسلامي، في ظل نظام عالمي يتشكل حاليا، سيكون متعدد الأقطاب ، فلماذا لا يكون للمسلمين قطبهم الذي يدافع عن مصالحهم وقيمهم الإسلامية؟

في انتظار مقترحاتكم لتطوير هذه الفكرة الخام

حفظ الله الأمة الإسلامية...


الاثنين، 16 يونيو 2025

صالون المدونين يناقش المواجهة بين إيران والعدو


خصص صالون المدونين حلقته النقاشية ليوم الأحد 15 يونيو 2025  للحرب الدائرة حاليا بين إيران والكيان الصهيوني، وكان عنوان الحلقة: "العدو يُهاجمُ بِقُوة، وإيران ترد بقوة.. ماذا بعد؟".

الجلسة النقاشية بدأت بمداخلة للعسكري السابق أحمد أمبارك رئيس مركز ديلول للدراسات الاستراتيجية، والذي خَلص في مداخلته إلى أن الحرب لن تستمر طويلا، وأن لا أحد من الطرفين سيتمكن من تحقيق أهدافه، وأنهما سيضطران في النهاية للتفاوض، مؤكدا على أن الفلسطينيين سيكونون هم أول المستفيدين من هذه الحرب.

بعد ذلك تحدث أستاذ العلوم السياسية بجامعة نواكشوط الدكتور أحمد ولد أنداري، والذي استعرض في مداخلته نقاط القوة والضعف لدى الطرفين، مبينا أن أمريكا مقيدة في هذه الحرب بثابتين أساسيين في سياستها في الشرق الأوسط، وهما ضمان أمن الكيان الصهيوني، وضمان تدفق النفط والذي يمكن لإيران أن تؤثر عليه من خلال إغلاق مضيق هرمز، وقد خلص في مداخلته إلى أن الحرب إذا طالت فستكون في صالح إيران، وإذا قصرت فسيكون ذلك لصالح العدو الصهيوني.

أما العقيد المتقاعد البخاري محمد مؤمل رئيس مركز أم التونسي للدراسات الاستراتيجية فقد اعتبر في مداخلته بأن ما يجري حاليا ليس حربا بين إيران والعدو الصهيوني، وإنما يدخل في إطار صراع مستمر تقوده أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية للسيطرة على العالم، والذي تحول  في العقود الأخيرة من عالم يقوده قطبان إلى عالم يقوده قطب واحد، وقد خلص العقيد المتقاعد في مداخلته إلى أن الحرب الدائرة حاليا قد تكون بداية لتشكل عالم متعدد الأقطاب.

بدوره أستاذ العلوم السياسية بجامعة نواكشوط الدكتور الناني ولد المامي تحدث في مداخلته عن وجود مصالح مشتركة بين إيران والكيان الصهيوني، وتتمثل تلك المصالح المشتركة في القضاء على العرب، ولما تم لهما ذلك بدأ الصراع بينهما، مؤكدا في مداخلته على أن الحرب الدائرة حاليا لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، حتى وإن رُفعتْ كشعار.

نشير في الأخير إلى أن الجلسة النقاشية ترأسها الدكتور محمد سالم جدو، والذي خصص كلمته الافتتاحية للحديث عن أهمية الموضوع الذي اختاره الصالون ليكون موضوع حلقته هذه، وشهدت الحلقة حضور عدد من الأساتذة الجامعيين والخبراء الذين أثروا النقاش بمداخلاتهم المتنوعة، وقد اتفقوا جميعا على أهمية دعم إيران في حربها الحالية مع العدو الصهيوني، مؤكدين في مداخلاتهم المختلفة أن دعمها في هذه الحرب سيكون في صالح القضية الفلسطينية، وفي صالح العرب والمسلمين.

الاثنين، 9 يونيو 2025

حديث سابق لأوانه عن العام 2029!


 تابعتُ النقاش الدائر حاليا، حول غياب الوزير الأول وحكومته عن صلاة العيد في الجامع القديم (ابن عباس)، والحقيقة أن هذا النقاش لا يتعلق في جوهره بغياب أو حضور الوزير الأول لصلاة العيد، بقدر ما يخفي في حقيقة أمره فشلا سياسيا لدى المعارضة، وفشلا إعلاميا لدى الأغلبية، ولولا هذا الفشل المزدوج في الفسطاطين  لما دار هذا النقاش أصلا.

غاب الوزير الأول عن صلاة العيد في الجامع القديم فأثار غيابه نقاشا واسعا، ومن المؤكد أنه لو حضر لصلاة العيد لأثار حضوره نقاشا أوسع، ولذا فالمسألة لا تتعلق أصلا بحضور الوزير الأول أو غيابه، وإنما تتعلق في جوهرها بفشل سياسي لدى المعارضة لا يريد مدونوها أن يتحدثوا عنه، وفشل إعلامي لدى الأغلبية جعل مدونوها يقعون دائما في أي فخ ينصبه لهم مدونو المعارضة.

سيتحدث هذا المقال وبشكل سريع عن الفشل السياسي للمعارضة، وعن الفشل الإعلامي للأغلبية، أي عن الفشل المزدوج الذي تسبب في إثارة النقاش الدائر حول صلاة العيد، والذي لا شك أنه سيتسبب مستقبلا في نقاشات أخرى مماثلة، قد لا تنتظر مناسبة مقنعة لكي تنفجر من جديد.

عن الفشل السياسي للمعارضة

الحديث عن الفشل السياسي للمعارضة  حديث يطول، سأترك التفصيل فيه لكتابي الثاني من سلسلة كتب الإصلاح في موريتانيا، والذي سيتضمن وصفة طبية لعلاج الحالة المرضية التي تعاني منها المعارضة منذ عقود، ولكن قبل ذلك، سأكتفي في هذا المقام بالتذكير بأننا في "نداء 4 دجمبر" طرحنا على قادة المعارضة فكرة المرشح التوافقي، وأني في العام 2017 اشتغلتُ كثيرا على ملف رئاسيات 2019، فنشرتُ في تلك الفترة سلسلة من المقالات تحت عنوان: "حتى لا نضيع فرصة 2019"، وكان من أهم ما خَرجتْ به تلك السلسلة من المقالات أن المعارضة لن تشكل منافسا جديا للنظام في تلك الانتخابات، إلا إذا أخذت بجملة من الإجراءات التحضيرية، يمكن إجمالها إذا ما أعيد تفصيلها على مقاس رئاسيات 2029، في النقاط التالية:
1ـ أن تبدأ مبكرا في التحضير الفعلي لانتخابات 2029، وأي تحضير لا يبدأ عمليا من العام 2026 على أبعد تقدير، لن يدخل في خانة التحضير المبكر؛

2ـ يمكن لذلك التحضير أن يبدأ بتشكيل لجنة عليا تضم كل التشكيلات الوازنة  في المعارضة لصياغة البرنامج الانتخابي للمرشح التوافقي لها في رئاسيات 2029، وقد يُكتفى في هذا الإطار بإعلان مبادئ عامة أو عناوين كبرى لذلك البرنامج؛

3ـ أن يوكل لتلك اللجنة مهمة تحديد الصفات أو المواصفات التي يجب أن تتوفر في المرشح التوافقي للمعارضة؛

4 ـ بعد تحديد الصفات أو المواصفات المطلوبة في الترشح تبدأ اللجنة المشكلة من طرف المعارضة في استقبال ملفات المعارضين الراغبين في الترشح، وذلك لتختار من بينهم من تتوفر فيه أغلب صفات المرشح التوافقي المحددة سلفا ليكون هو المرشح التوافقي للمعارضة، أو على الأقل مرشحها الرئيسي الذي تلتف حوله أغلب الأحزاب والتشكيلات السياسية المعارضة، على أن تتقاسم بقية التشكيلات المعارضة الوازنة، والتي لم تحظ بتسمية المرشح التوافقي منها، رئاسة البرلمان والوزارة الأولى وغير ذلك من المناصب السامية التي تتغير مع تغير النظام، هذا إذا لم يُشترط في المرشح التوافقي أن يكون شخصية مستقلة من خارج أحزاب المعارضة؛

5 ـ لا بأس بوجود مرشحين ثانويين محسوبين على المعارضة، ويمكن لمن لم يقبل ملفه أن يترشح، ولكن بصفته مرشحا ثانويا يعتمد على قدراته وإمكانياته الشخصية لا على أحزاب المعارضة في تحصيل الأصوات.
في اعتقادي الشخصي أن المعارضة الموريتانية إذا لم تُكمل هذه الإجراءات التحضيرية، وتبدأ في حملتها الانتخابية قبل نهاية العام 2026، فسيعني ذلك أنها لم تضبط ساعتها بشكل جيد على موعد استحقاقات 2029، وأنها لم توجه بوصلتها في الاتجاه  الصحيح نحو تلك الاستحقاقات، وأنها خاسرة لا محالة في تلك الانتخابات كما خسرت من قبل في انتخابات: 2024، 2019، 2014، 2009، 2007..إلخ.

بالطبع ستبرر المعارضة فشلها في تلك الاستحقاقات، وكما جرت بذلك العادة، بالقول بتزوير الانتخابات، ثم ستعترف لاحقا وعمليا بالنتائج دون إعلان ذلك، قبل أن تشارك في استحقاقات 2034 دون أي تحضير، لتتكرر قصة فشلها من جديد. تعيد المعارضة في كل استحقاقات نفس أساليبها القديمة، وربما بطريقة أكثر سوءا من المرات السابقة، ومع ذلك تتوقع نتائج مختلفة!

الملاحظ أن المعارضة الموريتانية تعاني اليوم من انقسام  لم تعرفه في كل فتراتها السابقة، وأنها تمر بفترة تخبط وغياب للرؤية لم تعرفهما من قبل، وهو ما يعني أن الفشل الذي ينتظرها في استحقاقات 2029 قد يكون فشلا غير مسبوق. والمفارقة أن كُتاب المعارضة ومدونيها بدلا من أن يوجهوها وينيروا لها الطريق للعبور إلى العام 2029 انشغلوا بما يصفونه بصراع الأجنحة داخل النظام، وبالبحث عن مرشح النظام في رئاسيات 2029، وقد تمكنوا ـ وهذه تُحسب لهم ـ أن يجروا كتاب النظام ومدونيه إلى هذا النقاش العقيم الذي يضر النظام، ولا ينفع المعارضة.

وعلى النقيض من ذلك، فإذا كان المطلوب من المعارضة هو التحضير المبكر للانتخابات الرئاسية في العام 2029، فإن المطلوب من الأغلبية هو عكس ذلك تماما، أي تأجيل الحديث عن استحقاقات 2029 إلى آخر سنة من المأمورية.

ولأن كتاب النظام ومدونيه يعانون من فشل إعلامي كبير، ولأنهم بلا خطة إعلامية، فإنهم يقعون دائما في أي فخ إعلامي ينصب لهم ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ  من طرف كتاب ومدوني المعارضة، فمن المعروف أن من لا يمتلك خطة، إعلامية كانت أو غير إعلامية، سيكون في النهاية جزءا من خطط الآخرين، ولذا فإن جل الكتاب والمدونين المحسوبين على النظام، انشغلوا في أيام العيد بالحديث عن غياب الحكومة عن صلاة العيد، وعن صراع الأجنحة داخلها، بل وعن المرشح أو المرشحين المفترضين للنظام في استحقاقات 2029.

إن حديثا كهذا لا يخدم النظام، ولا يخدم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فالسياسة ـ وكما قلتُ سابقا ـ تقوم أساسا على خلق الآمل لدى المواطن، ومن يتحدث الآن عن المرشح المفترض للنظام في العام 2029 ، إنما يُريد أن يقول سياسيا بأنه لا إنجازات تحققت يمكن أن نتحدث عنها، ولا إنجازات  تُنتظر، ولذا فإنه علينا أن ننشغل من الآن فصاعدا بالبحث عن مرشح الرئيس وخليفته القادم.

إن انخراط  كتاب ومدوني الأغلبية في نقاش كهذا، لا يخدم ـ بكل تأكيد ـ النظام، وأي حديث عن استحقاقات 2029 في فسطاط الأغلبية يجب أن يؤجل ـ وفي أعجل تقديرـ إلى آخر عام من المأمورية الحالية.

لا خلاف على أن 2029 لن تكون مثل 2019 على مستوى الأغلبية الحاكمة، فالفوارق كبيرة بين السنتين، ففي العام 2019 كان مرشح النظام الحاكم حينها شبه معروف للجميع، وكان محل إجماع داخل الأغلبية، بل كان هناك من المعارضة من هو على استعداد لدعمه إن ترشح، وهو ما تأكد بالفعل بعد ذلك عندما أعلن عن ترشحه,

كان هناك بالفعل شبه إجماع داخل الأغلبية في عهد الرئيس السابق، يؤازره مزاج طيف كبير في المعارضة، على المرشح المفترض للنظام في العام 2019، ومن المؤكد أن ذلك الإجماع على من هو جدير بأن يكون مرشح النظام في العام 2019، قد لا يكون قائما في الوقت الحالي، ذلك أن الشخصية الثانية في النظام الحالي، لم تبرز بنفس الوضوح، الذي برزت به في العام 2019.

كل ذلك صحيح، وهذا هو ما جعل الكثير من كتاب ومدوني النظام يقع في أي فخ يُنْصَب له في هذا المجال من طرف أي معارض، يُقدِّمُ هذا الاسم أو ذاك بصفته هو المرشح المحتمل للنظام في العام 2029.

من هنا أصبح بعض المعارضين يستغل أي حركة للوزير الأول أو لغيره من أركان النظام، لفتح نقاش مفتعل حول مرشح النظام في العام 2029، فلو أن الوزير الأول حضر صلاة العيد في مسجد ابن عباس مصحوبا بالوزراء لقيل إن ذلك يدخل في إطار سعيه ليكون مرشح النظام في العام 2029، وإن هو تغيب عنها كما حصل،  لقيل ـ كما قيل بالفعل ـ إن ذلك التغيب دليل على إبعاده من دائرة الترشح في العام 2029.

إن حضور الوزير الأول لصلاة العيد في الجامع القديم لا يزيد من حظوظ ترشيحه لرئاسيات 2029، وإن غيابه عنها لا ينقص من تلك الحظوظ، فالترشيح من طرف النظام لا يخضع لمثل هذه المعايير التي يضعها بعض المدونين لفتح نقاش حول الموضوع، لا يقدم ولا يؤخر، كما حصل في أيام العيد.

وبما أنني تحدثتُ في هذا المقال عن معايير الترشيح داخل المعارضة ( المرشح التوافقي)، فلا  بأس بالحديث قليلا عن معايير الترشيح لدى النظام، لأبين أنها تختلف تماما عن المعايير التي يضعها بعض المدونين الذين يثيرون هذا الموضوع  من حين لآخر، والذين قد يعتبرون حضور صلاة العيد أو الغياب عنها، معيارا من معايير الترشيح لرئاسيات 2029. إن المعايير التي سيحدد على أساسها مرشح النظام في العام 2029، وكما تظهر لي في الوقت الحالي، يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1 ـ أن يكون المرشح المتوقع قد كسب ثقة رئيس الجمهورية في الماضي، وأن يعزز تلك الثقة في هذه المأمورية، فرئيس الجمهورية هو من سيحدد مرشح النظام في العام 2029، ولذا فكل عمل يقوم به أي شخص من الدائرة الضيقة في النظام  لتعزيز تلك الثقة فهو سيقربه أكثر من الترشيح، وكل عمل يشوش أو يهز تلك الثقة فسيبعد صاحبه ـ وبشكل تلقائي ـ عن الترشيح؛

2 ـ شرعية الإنجاز وتأدية المهام على أحسن وجه، فمن يؤدي مهامه الحالية من أركان النظام على أحسن وجه، فسيكون  احتمال ترشيحه هو الأقوى، والعكس صحيح؛

3 ـ كسب ثقة المواطن، أي الناخب، فأي شخص في الدائرة الضيقة من النظام يتمكن من تعزيز ثقة المواطن به، من خلال تأديته لعمله على أحسن وجه، ستكون حظوظه في الترشيح أكبر، فالرئيس سيختار من نظامه من سيكون تسويقه للمواطن (أي الناخب) أسهل؛

4 ـ صحيح أن الإجماع الذي كان يتمتع به مرشح النظام في العام 2019 داخل الأغلبية الحاكمة، وحتى خارجها، يستحيل أن يتكرر في العام 2029، ولكن مع ذلك فإن من يستطيع أن يخلق حوله إجماعا أكبر داخل أغلبية النظام وخارجها فستكون حظوظ ترشيح الرئيس له أكبر من حظوظ من يعمل على تفكيك الأغلبية من الداخل من خلال سياسة صراع الأحلاف.

في اعتقادي الشخصي أن من تحققت فيه هذه المعايير الأربع، أو تحقق فيه أغلبها، سيكون هو الأوفر حظا لأن يختاره الرئيس ليكون مرشح النظام في العام 2029.

وفي اعتقادي الشخصي أن كل من يرتكب من أركان النظام في الوقت الحالي خطأ التحدث عن استحقاقات 2029، أو يقوم بأي خطوة معلنة أو في الخفاء سعيا للترشح في العام 2029، أو يؤسس نواة حلف داخل الأغلبية لدعم ترشيحه، إن كل من يفعل أي شيء من ذلك، سيكون خارج دائرة الترشيح نهائيا، لأن أي خطوة من ذلك القبيل ستشكل إساءة للرئيس، وستهز من ثقته فيمن قام بها، وستبعد بالتالي من قام بها من لائحة خيارات الترشيح المحتملة.

حفظ الله موريتانيا..

الجمعة، 6 يونيو 2025

حتى لا تتحول فرحة العيد إلى أحزان!


جرت العادة أن تزداد كثافة حركة السير في مواسم معينة، والأكيد أنها ستزداد خلال هذه الأيام، وذلك بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك.

 هناك مواسم تكثر فيها الحوادث، وتبقى مواسم الأعياد هي الأخطر، وذلك للأسباب التالية:

أولها : أن عطلة العيد هي مجرد أيام قليلة (ثلاثة إلى أربعة أيام)، وضيق هذا الوقت مع إصرار الكثير من الموريتانيين على الذهاب إلى الأهل والعودة إلى مكان العمل خلال فترة وجيزة قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإفراط في السرعة، ومن المعروف أن الإفراط في السرعة يعدُّ هو السبب الأول في حوادث السير؛

ثانيها: بالإضافة إلى السرعة، فإن فترة الأعياد قد تشهد الكثير من السهر والتعب والإرهاق، وهو الشيء الذي قد يجعل بعض السائقين يقود سيارته وهو في حالة تعب وإرهاق، وخطورة ذلك معروفة؛

ثالثها : أنه في فترة الأعياد تزداد نسبة السيارات التي يقودها القصر والمراهقون بشكل كبير، وهذه السيارات التي يقودها قصر أو مراهقون قد تكون مؤجرة، وقد تكون مملوكة للأهل والأقارب.

يعني كل ذلك أن الأيام القادمة ستكون أياما حرجة على مستوى السلامة الطرقية نسأل الله السلامة الجميع، ولذا فهذه جملة من النصائح موجهة من طرف حملة معا للحد من حوادث السير إلى عدة جهات، نرجو أن يتم الأخذ بها حماية للأنفس والممتلكات.

أولا / نصائح موجهة إلى السائق

1ـ خفف السرعة (السرعة هي السبب الأول في حوادث السير)؛

2 ـ  ضع حزام الأمان ( بعض السائقين يتحايل على نقاط التفتيش فيضع الحزام عند نقطة التفتيش وينزعه بعد تجاوزها..إنه بهذا الفعل الغريب يتحايل على نفسه لا على عناصر نقطة التفتيش، فعندما يقع حادث ـ لا قدر الله ـ فإن الذي سيتضرر من عدم وضع الحزام هو السائق لا عناصر نقطة التفتيش)؛

3ـ  احذر مفاجآت الطريق : الحفر ؛ ألسنة الرمال؛ الحيوانات السائبة ...إلخ؛

4ـ  لا تستخدم الهاتف أثناء القيادة؛ وتوقف فورا عن القيادة عند الشعور بالتعب أو النعاس؛

 5 ـ التزم بكل قوانين السير.

ثانيا / نصائح موجهة إلى الراكب

1 ـ لا تشغل السائق بالأحاديث الجانبية؛

2 ـ لا تطلب من السائق أن يزيد من السرعة، ولا من الحمولة، فكثيرا ما نلاحظ أن بعض الركاب بدلا من أن يطلب من السائق التقيد بإجراءات السلامة المرورية، فإنه يشغله بالأحاديث الجانبية، ويحثه ـ في الوقت نفسه ـ على زيادة السرعة، وزيادة الحمولة حتى لا يبقى شيئا من حقائب ذلك الراكب وأمتعته.

3 ـ  لا تترك السائق يخاطر بحياتك، وهناك قصص كثيرة تؤكد أهمية الوقوف ضد تهور السائقين، ومنها أن سيدتين طلبتا من سائق حافلة ركاب صغيرة ذات سفر على طريق الأمل  أن يخفف من السرعة، فرفض، فما كان منهما إلا أن قررتا ترك الحافلة والبحث عن وسيلة نقل أخرى.. واصل سائق الحافلة طريقه وبنفس السرعة، وعلى مسافة غير بعيدة تعرضت الحافلة لحادث سير تسبب في وفاة عدد من ركابها، وإصابة آخرين بإصابات متفاوتة الخطورة.

هذا الوعي، وهذا الأسلوب المتحضر أنقذ حياة السيدتين، وهو أسلوب نطلب من كل راكب أن يتبعه إذا لم يتقيد السائق بإجراءات السلامة المرورية.

ثالثا/  نصائح إلى الآباء وإلى مؤجري السيارات

بالنسبة للآباء فنصيحتنا لهم هي أن يتوقفوا فورا عن منح السيارات لأبنائهم الصغار، وخاصة في فترة الأعياد. أما بالنسبة لمؤجري السيارات للمراهقين فندعوهم إلى أن يتقوا الله في شبابنا، وأن يتوقفوا عن تأجير السيارات للقصر والمراهقين، فتأجيرهم للسيارات للمراهقين والقصر قد تسبب في إزهاق الكثير من الأرواح.  

رابعا/  نصائح إلى نقاط التفتيش من درك وشرطة وأمن طرق

إن الصرامة في فرض إجراءات السلامة مطلوبة في كل الأوقات، ولكنها مطلوبة أكثر في مثل هذه الأيام التي تتزامن  مع عطلة العيد.

إن الصرامة مطلوبة بشدة في هذه الأيام في نقاط التفتيش، وداخل المدن خاصة في العاصمة نواكشوط. ففي هذه الأيام يجب أن تكون هناك صرامة شديدة لمنع القصر من قيادة السيارات، ووقف السباقات الليلة التي ينظمها بعض المراهقين، ووقف كل أشكال "اتكاسكادي".

خامسا/ نصائح  إلى مؤسسة أشغال صيانة الطرق

إن صيانة الطرق مطلوبة في كل الأوقات، والتقصير في هذا المجال واضح وبيِّن، ولكن هذا التقصير يجب أن يتوقف على الأقل خلال هذه الأيام التي تكثر فيها حركة السير على شبكتنا الطرقية. على مؤسسة أشغال صيانة الطرق أن تعلن عن حالة استنفار في كل الفترات والمواسم التي تزداد فيها حركة السير كثافة، كما هو الحال في أيامنا هذه.

وتبقى الوصية الأهم، وهي وصية موجهة إلى كل سالكي الطرق : لا تنسوا دعاء السفر، وأكثروا من الصدقة عند أي سفر.

حفظ الله موريتانيا..


الخميس، 5 يونيو 2025

ذكريات أليمة على مقطع مميت!


في الطريق إلى موقع حادث الكلم 110، مررتُ رفقة عدد من شباب الحملة بنقاط سوداء عدة على هذا المقطع المئوي الأول من طريق الأمل، ذكرتني كل نقطة منها بحوادث سير مميتة، ففي هذه النقطة السوداء بالذات حدثت فاجعة أليمة كنّا في الحملة شهودا عليها، وفي هذه النقطة السوداء الثانية حدثت فاجعة أليمة أخرى وثقناها بالصوت والصورة، وهنا عند الوصول إلى المكان الذي اصطدمت فيه ـ أو عليه ـ شاحنتان وحافلة، فتوفي ثلاثة أشخاص، يكاد حصى المكان يصرخ في وجهي قائلا: هنا بالضبط، وقبل عقدين من تأسيس حملتكم التوعوية، توفي شخصان ستنظمون لهما فيما بعد نشاطا تأبينيا لتخليد ذكرى رحيلهما.

 عندما تسافر على طريق الأمل، وتبدأ في استعادة ذكرياتك على هذا الطريق الحيوي، فإن ذكرى الفاجعة قد تنسيك ذكرى فاجعة أخرى ماكنتَ تعتقد أنك ستنساها أبدا، وعلى هذا الطريق يمكن أن يقع الحادث على الحادث، كما يقع الحافر على الحافر، وعلى أي مقطع منه، وفي أية لحظة، يمكن أن تتبعثر الحروف المشكلة لاسم الطريق بشكل مفاجئ، فيتحول الأمل إلى الألم في نفوس الضحايا وذويهم، ولأن شريط ذكريات الفواجع طويل جدا بطول هذا الطريق الحيوي الذي يمتد لأكثر من ألف كلم، ولأنه يستحيل على مثلي ممن يتابع باستمرار حرب الشوارع الدائرة على هذا الطريق الحيوي، أن يجمع كل ذكرياته الأليمة، في مقال حزين واحد، فقد ارتأيت أن أكتفي بسرد بعض الذكريات الأليمة دون غيرها، مكتفيا في هذا المقام الحزين بمقطع قصير من طريق الأمل، لا يتجاوز 40 كلم، أي 20 كلم قبل المائة كيلومتر الأولى من هذا الطريق، و20 كلم بعدها. سأكتفي بسرد بعض ذكرياتي الأليمة على مقطع لا يتجاوز 40 كلم، ولا أظن القارئ سيصدق بأن كل هذا العدد من الموتى، وكل هذا الكم الكبير من الأحزان والآلام والدماء يمكن أن يمتصه مقطع واحد من طريق الأمل، لا يتجاوز طوله 40 كلم فقط.

حمار يتسبب في حادث سير أليم ثم يختفي!

في حدود الساعة العاشرة من مساء السبت (ليلة الأحد 01 يونيو 2025)، وعلى بعد 110 كلم من نواكشوط على طريق الأمل، حاول سائق حافلة متجهة إلى نواكشوط ـ وحسب ما جمعنا من شهادات ـ أن يتفادى حمارا على الطريق، فاصطدم بشاحنة قادمة من نواكشوط، لم يُصَب الحمار، ولم يُشاهد أهل القرية بعد وقوع الحادث حمارا في موقع الفاجعة حسب ما أكدوا لنا، ولكنهم شاهدوا ـ كما شاهدنا من بعدهم ـ حادث سير أليم وفظيع، ناتج عن اصطدام حافلة متجهة إلى نواكشوط  بشاحنة قادمة، ثم بعد ذلك بقليل، وحتى يكتمل المشهد الكارثي، ستصطدم شاحنة ثانية قادمة أيضا من نواكشوط بحطام الحافلة والشاحنة، ربما بسبب سرعة الحافلة الثانية حسب بعض الروايات، وربما بسبب بعض الأضواء الكاشفة التي حجبت عن سائقها رؤية الحافلة والشاحنة اللتين تعرضتا لحادث قبل قليل، حسب رواية ثانية.

المهم، أننا في المحصلة النهائية، كنا أمام حادث سير فظيع، وفاجعة أليمة، وكان لابد أن تكون هناك فاجعة أليمة، عندما تصطدم شاحنتان محملتان ببضائع، بحافلة تحمل ثلاثة أشخاص وبعض المواشي (انظر الصورة رقم1).



يقول شاهد عيان، وهو أول من وصل من القرية إلى موقع الحادث، بأنه عندما سمع صوت تصادم قويا نتيجة للحادث الأول، اتجه فورا إلى عين المكان، ولكنه، وقبل أن يصل إلى مكان الحادث، سمع صوت التصادم الثاني الناتج عن اصطدام الشاحنة الثانية بالشاحنة الأولى والحافلة، ويقول هذا الشاهد إنه لما وصل إلى مكان الحادث، نسي وجود شاحنة ثانية، واعتقد لأول وهلة، أن الحادث وقع بين حافلة وشاحنة واحدة فقط.

لقد كان الشاهد معذورا في ذلك، فبعد وصولنا نحن لمكان الحادث في ضحى اليوم الموالي اعتقدنا في بادئ الأمر أن الحادث ناتج عن تصادم شاحنة وحافلة، ولم نكن نعتقد أن الأمر يتعلق بشاحنتين، نظرا لقوة التصادم بين الشاحنتين، وهو ما نتج عنه تلاحم شديد بينهما، لدرجة قد يعتقد من يراهما دون تأمل في التفاصيل بأنهما شاحنة واحدة.

لم يتسبب هذا الحادث رغم بشاعته في الموت الفوري للركاب الثلاثة الذين تكدست عليهم الحافلة، بسبب سقوط إحدى الشاحنتين عليها، بل ظلت الأصوات تأتي من داخل الحافلة مستغيثة، ولكن لم يكن هناك من يستطيع أن يستجيب لنداءات الاستغاثة تلك، نظرا لغياب وسائل وتجهيزات قادرة على رفع الشاحنة، وقطع حديد الحافلة المتكدس على الضحايا لإخراجهم، وهنا تظهر من جديد الحاجة الماسة لوجود فرق إنقاذ مجهزة بأحدث وسائل الإنقاذ على المقاطع الأكثر خطورة، لإخراج الضحايا العالقين في السيارات في الوقت المناسب، إن احتاجوا إلى ذلك، فمن المعروف في مثل هذه الحالات، أن الحياة والموت، قد لا تفصل بينهما أكثر من دقيقة واحدة، فالتأخر لدقيقة واحدة قد يتسبب في وفاة مصاب، وكسب دقيقة واحدة في توفير إسعاف المصابين، قد ينقذ بمشيئة الله نفسا بشرية من موت محقق.

وللفت الانتباه إلى أهمية اقتناء هذه التجهيزات، فقد سلمنا في الحملة، وبدعم من بعض الموريتانيين في الخارج، مجموعة من تجهيزات الإنقاذ، تم شراؤها من طرف بعض أفراد جالياتنا في الخارج، من خلال المشاركة في مزاد علني نظمه مركز للحماية المدني في إحدى المدن الفرنسية.

سلمنا تلك التجهيزات لمندوبية الحماية المدنية، والتي كان يفترض حسب مذكرة التفاهم التي وقعنا معهم أن تطلعنا مستقبلا على استخدام تلك الأجهزة في عمليات الإنقاذ، ولكن ذلك لم يحدث، وكان عهدنا بالمندوبية في يوم الاثنين 19 دجمبر 2022 عندما سلمناها تلك التجهيزات (انظر عملية التسليم في الصورة رقم 2).



بث مباشر من موقع حادث سير أليم

في حدود الساعة الثامنة من صبيحة يوم الجمعة الموافق 19 يناير 2024، وغير بعيد من قرية الغشوات، اصطدمت حافلة صغيرة بشاحنة، وحسب المصادر الأولية، فإن الحادث كان بسبب نوم أحد السائقين والسرعة المفرطة للسائق الآخر.

الحادث تسبب في وفاة 5 أشخاص بشكل فوري، وإصابة آخرين، وكنتُ من أوائل الذين وصلوا إلى موقع الحادث، وقد أجريت من موقعه بثا مباشرا، ولكن دون أن أظهر صورا من الضحايا، ودون أن اقترب كذلك من موقع الحادث، وهو ما انعكس على جودة هذه الصورة المأخوذة من البث المباشر (انظر الصورة رقم 3).



آخر لحظات في حياة داعية

على بعد سبعة كيلومترات من مكان فاجعة الكلم 110، وفي يوم الثلاثاء (ليلة الأربعاء) الموافق 17 أكتوبر 2023 اصطدمت سيارة تويوتا هيليكس بشاحنة كانت متعطلة عند الكلم 102، لم تضع أي إشارة تحذيرية، وتسبب هذا الحادث الأليم في وفاة الداعية المعروف إنجيه ولد زروق، وأحد أبنائه، وثلاثة من تلاميذه وأقاربه.

الحادث وقع قرب سيارة الإسعاف المرابطة عند الكلم 100، وقد وصل المسعفون بعد ثلاث دقائق أو أربع من وقوع الحادث، ولكنهم وجدوا ركاب السيارة الخمسة قد توفوا بشكل فوري بسبب قوة التصادم، الناتج عن وجود شاحنة متعطلة على الطريق لا تضع إشارات تحذيرية،  وربما تكون السرعة المفرطة للسيارة الأخرى قد زادت من قوة ذلك التصادم. (في الصورة 4 تظهر الشاحنة التي تسببت في الحادث، وفي الصورة 5 تظهر السيارة التي كان فيها الضحايا).








هل نحن أمام هجوم صاروخي؟

في صبيحة يوم الأربعاء 17 مارس 2021، وعند الكلم 82، حدثت فاجعة أليمة أدت إلى وفاة 13 شخصا في حادث سير واحد، وكانت الفاجعة هذه المرة نتيجة لتصادم سيارتي نقل من نوع رينو.

الحادث وقع على مقطع من الطريق حديث الترميم، شديد الاستواء، لا منعرج فيه ولا منحدر ولا حفر، مما يعني أن الحادث  كان بسبب أخطاء بشرية، كان من أهمها السرعة المفرطة والنعاس (أنظر الصورة رقم 6).


عندما وصلنا إلى مكان الحادث خُيِّل إلينا أن السيارتين قد تعرضتا لقصف صاروخي، فالمشهد كان فظيعا، فماكينة إحدى السيارات وجدناها قد انفصلت عن السيارة، وتدحرجت بعيدا، وبشكل سريع حسب ما تركت من آثار على الأرض.

وقد كان هذا الحادث الأليم من بين الحوادث الأثقل حصيلة التي زرناها في الحملة، فقد تسبب في وفاة 13 شخصا على الأقل، ومن شاهد آثار هذا الحادث لن يتفاجأ من تلك الحصيلة الثقيلة (لمشاهدة آثار الحادث أنظر الصورة 7 ).



رحيل أسرة شابة في حادث سير أليم

في ضحى يوم الجمعة الموافق 06 يوليو 2018، كان المهندس الشاب براهام أحمد خليفة يقود سيارته، وكانت برفقته زوجته الشابة شيخة بنت أحمد معلوم، وابنتهما الرضيعة، وعند الوصول إلى الكلم 95 حدثت الفاجعة، بسقوط شاحنة كبيرة على سيارتهما الصغيرة.

كان المهندس وزوجته يضعان حزام الأمان، وكانت زوجته في ثياب محتشمة لم يظهر منها إلا كفيها، وكانت تلوح بيدها طالبة النجدة، حسب شهادات الأهالي في قرية الغشوات، وقد احتاجت عملية إزاحة الشاحنة وإخراج الضحايا من السيارة الصغيرة أكثر من أربع ساعات، وهو ما يؤكد مرة أخرى ضرورة وجود فرق إنقاذ مجهزة بمعدات ثقيلة عند المقاطع الأكثر خطورة للتدخل السريع والفعال في مثل هذا النوع من الحوادث.

لقد قيل حينها أن سبب الحادث كان حفرة، حاول صاحب الشاحنة تفاديها، فكانت الكارثة، وقد قمنا في الحملة بردم تلك الحفرة للفت انتباه السلطات إلى تهالك الطريق، وبالفعل فقد كان مقطعُ (نواكشوط  ـ بوتلميت) مليئا بالحفر في تلك الفترة (في الصورة 8 يظهر بعض نشطاء الحملة يرممون الحفرة التي تسببت في الحادث، وفي الصورة 9 يظهر ما تبقى من سيارة المهندس).


من هنا بدأتُ أفكر في عمل ما للحد من حوادث السير

بعد المشاركة في نشاط لمبادرة "كنتُ طالبا في ثانوية لعيون" نظمناه في ثانوية لعيون، وفي طريق العودة إلى العاصمة نواكشوط، وعلى بعد 120 كلم منها، وفي حدود الساعة الثامنة وعشرين دقيقة من صبيحة يوم الخميس الموافق 23 أكتوبر 2014 وقع حادث سير أليم بسبب تصادم شاحنة صهريج مليئة بالبنزين وسيارة من نوع رينو، وكان من نتائج هذا الحادث أن توفي على الفور الشابان اللذان كانا في السيارة الصغيرة، بينما أصيب سائق الشاحنة ورفيقه بجروح طفيفة..

كنتُ من أوائل من وصلوا إلى مكان وقوع الحادث، فوجدت الشابين قد توفيا على الفور، وقد قال لي سائق الشاحنة بأن سائق السيارة الصغيرة كان نائما، وأن الحادث كان بسبب نومه، وأنه حاول وبكل الوسائل الممكنة أن يتفادى الاصطدام بالسيارة الصغيرة، ولكنه لم يتمكن من ذلك نتيجة لنوم سائقها.

ربما يكون المشهد المؤلم لضحايا هذا الحادث، ولضحايا حوادث سير أخرى ستقع فيما بعد، قد جعلاني أفكر في القيام بأي جهد من شأنه أن يَحُدَّ من حوادث السير على طرقنا، وسأجد فيما بعد بعض الأصدقاء يحملون الفكرة نفسها، وبعد لقاءات ونقاشات قررنا ـ وكنا ستة في البداية ـ أن نطلق حملة "معا للحد من حوادث السير"، وكان أول نشاط للحملة في يوم 07 أغسطس 2016، وتمثل ذلك النشاط في ترميم حفرة عند الكلم 29، وكان ذلك النشاط من أجل لفت انتباه السلطات إلى تهالك المقطع الرابط بين (نواكشوط ـ  وبوتلميت)، فقد كان حينها مليئا بالحفر، (انظر الصورة 10).


عودة إلى الكلم 110 مرة أخرى

في مساء الخميس (ليلة الجمعة) الموافق 15 فبراير 1996، وعند الكلم 110، وقع حادث سير أليم توفي فيه نقيب المحامين والشيخ السابق محمد شين محمادو، والمساعد الأول الجمركي هنون ولد أعمر، وكان السبب المباشر للحادث ألسنة رملية على الطريق.

وقع هذا الحادث الأليم قبل تأسيس الحملة بأكثر من عقدين من الزمن، ولكننا قررنا في الحملة أن نخلد ذكرى هذا الحادث الأليم في إطار برنامجنا التأبيني والتوعوي، والذي أطلقناه تحت شعار "لنخلد ذكراهم بالمزيد من التوعية".

كان أول نشاط تأبيني وتوعوي تنظمه الحملة، في يوم 03 دجمبر 2023، وبحضور عائلتي وأصدقاء الراحليْن محمد شين وهنون، وكان الهدف من هذه الأنشطة التأبينية والتوعوية إشراك ذوي الضحايا، والقطاعات التي سيتم تأبين ضحاياها في التوعية في مجال السلامة الطرقية، وذلك من باب تحمل المسؤولية الاجتماعية اتجاه ضحايا كل قطاع. (الصورة 11 من نشاط التأبين التوعوي).


وتبقى جملة من النقاط السريعة:

1 ـ نسأل الله تعالى أن يتغمد ضحايا حوادث السير الذين ذكرت أسماؤهم في هذا المقال الحزين، وكل ضحايا حوادث السير ممن لم يذكروا فيه، بواسع رحمته، وأن يسكنهم فسيح جناته؛

2 ـ إن حوادث السير المذكورة هنا ليست هي كل الحوادث التي وقعت بعد إطلاق الحملة في العام 2016 على هذا المقطع الممتد لأربعين كلم من طريق الأمل، وإنما تمثل فقط عددا قليلا من الحوادث التي تمكنت الحملة بوسائلها المحدودة أن تنظم زيارات ميدانية لمواقعها؛

3 ـ لم يحدث إطلاقا أن صادفنا خلال زيارتنا لكل مواقع هذه الحوادث موظفا واحدا من وزارة التجهيز والنقل، أو من أي إدارة معنية بالسلامة الطرقية، وهو يُعاينُ موقع حادث سير؛

4 ـ تعتمد الحملة في أنشطتها على إرادة شبابها وتحمسهم، وعلى ما يوفره بعض أعضائها من مساهمات مادية متواضعة؛

5 ـ لم تمتلك الحملة خلال السنوات التسع الماضية، أي منذ تأسيسها وحتى اليوم، مقرا خاصا بها حتى وإن كان من غرفة واحدة، ويتم التخطيط والتحضير لأنشطتها من خلال مجموعتها على الواتساب؛

6 ـ هذه المعلومات الأخيرة مهمة لأن هناك من يعتقد أننا نحصل على تمويلات من هنا أو هناك، فيطلب منا أن نقوم بأنشطة لا قدرة لنا على القيام بها، وعندما لا نقم بها ينتقدنا بشدة؛

7 ـ الحملة قائمة على رفض الاكتفاء بالتفرج على ما يقع من حوادث السير، دون فعل أي شيء، وهي تقوم دائما بالمتاح لها من أنشطة بفضل إرادة وحماس شبابها، أما الوسائل فهي لا تمتلكها أصلا، ولا تعتبرها - بأي حال من الأحوال -  عائقا أمام القيام بما هو متاح.

عندما تُصِرُّ على القيام بما هو متاح لك، فإنك ستجد دائما ما يمكن أن تفعله لصالح بلدك، وهذه هي قناعتنا في حملة معا للحد من حوادث السير.

صحيح أن الوسائل قد توسع من أنشطتنا في الحملة، وتزيد من فعاليتها، ولكن الصحيح أيضا، هو أن هناك الكثير من الأنشطة المفيدة التي يمكننا القيام بها دون وسائل.

حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 4 يونيو 2025

بيان (بمناسبة حوادث السير الأخيرة)


شهدت بلادنا خلال الأيام الماضية، عدة حوادث سير مميتة، تسببت في سقوط العديد من القتلى والجرحى، هذا بالإضافة إلى خسائر مادية معتبرة، ناتجة عن انقلاب العديد من الشاحنات في حوادث السير تلك، وهو ما عرض عشرات الأطنان من البضائع والسلع إلى التلف.

وفي هذا الإطار، فقد نظمت حملة معا للحد من حوادث السير زيارات ميدانية لبعض مواقع تلك الحوادث، للاطلاع الميداني على حجم الخسائر البشرية والمادية، ولمعرفة الأسباب المباشرة التي أدت إلى تلك الحوادث، وكان من بين مواقع الحوادث التي زارها نشطاء الحملة، حادث "اكريمي" الذي وقع ضحي يوم الأربعاء 21 مايو نتيجة لاصطدام سيارة هيليكس وتكدس هيكلها على الراكبين بعد دخولها تحت مؤخرة شاحنة انفجرت إحدى عجلاتها، وتسبب هذا الحادث في وفاة 5 أشخاص بشكل فوري، وكذلك حادث الكلم 110 على طريق الأمل، والذي وقع مساء السبت (ليلة الأحد) 1 يونيو، وكان ناتجا عن اصطدام ثلاثي بين حافلة وشاحنتين، وقد أدى هذا الحادث إلى وفاة 3 أشخاص، ونفوق مواشي، وتلف كميات من البضائع كانت تحملها الشاحنتين.

إننا في حملة معا للحد من حوادث السير، لنؤكد بمناسبة هذه الحوادث المميتة على ما يلي:

1ـ  ضرورة توفير فرق للتدخل السريع في المقاطع الأكثر خطورة من طريق الأمل، وتزويد تلك الفرق بآليات للتدخل السريع، تمكن من التعامل مع الشاحنات المنقلبة، وتزويد تلك الفرق بأجهزة قادرة على الوصول إلى الضحايا الذين قد يبقون عالقين لساعات داخل السيارات دون أن تتمكن فرق الإسعاف من الوصول إليهم؛

2 ـ تشكيل دوريات متنقلة من الدرك لرصد الشاحنات المتوقفة على الطرق، والتي لا تضع مثلثات تحذيرية، واتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد سائقيها؛

3 ـ إرسال عناصر من الدرك بشكل فوري إلى المواقع الأكثر خطورة عندما تتعطل فيها شاحنة، وتزويد تلك العناصر بعاكسات للضوء ليلا، لتأمين سالكي الطريق، عندما تكون هناك حاجة لذلك؛

4 ـ تسوية جوانب الطرق في المقاطع الأكثر خطورة، وجعلها مناسبة لتوقف الشاحنات، وذلك لتمكين الشاحنات من التوقف الآمن عندما تكون هناك ضرورة للتوقف؛

5 ـ التعامل بصرامة مع الحمولة الزائدة، والتي تعتبر هي السبب الأول في انقلاب الشاحنات على الطرق؛

6 ـ اتخاذ إجراءات رادعة لوقف عمليات تعديل الحاويات الأصلية للشاحنات لزيادة حجمها، من أجل حمولة أكبر؛

7 ـ فرض تثبيت حاجز أمان في خلفية الشاحنات للحد من دخول السيارات بشكل كامل تحت الشاحنات في حالة اصطدام سيارة بمؤخرة شاحنة؛

8 ـ  المسارعة في نشر المعلومات الدقيقة عن حوادث السير من طرف الجهات الرسمية المعنية، فغياب نشر معلومات دقيقة، كثيرا ما يتسبب في تداول شائعات غير دقيقة، قد يتضرر منها البعض؛

9 ـ المسارعة في تنظيم زيارات ميدانية لمواقع الحوادث من طرف الجهات المعنية بالسلامة الطرقية، مع تنظيم زيارات مواساة وتعزية لذوي الضحايا؛

10 ـ التركيز على التوعية والتحسيس للحد من حوادث السير، ومن الملاحظ في هذا الإطار غياب أي جهد توعوي يذكر من طرف الجهات المعنية بالسلامة الطرقية، وغياب لأي دعم من القطاع العام أو الخاص للجمعيات القليلة الفاعلة في مجال السلامة الطرقية، والتي تحاول بوسائلها المتواضعة أن تنظم من حين لآخر أنشطة توعوية في مجال السلامة الطرقية.

وفي الأخير، فإننا في حملة معا للحد من حوادث السير نوصي السائقين بالمزيد من التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، وخاصة في هذه الأيام التي تسبق عيد الأضحى المبارك، والتي تكثر فيها عادة حوادث السير، بسبب الزيادة في حجم تنقل المواطنين، كما نعلن بهذه المناسبة عن إطلاق حملة "السائق اليقظ"، وهي حملة توعوية جديدة، متعددة الأهداف، تسعى إلى توعية السائق بأهمية التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، وتنبيهه إلى العقوبات التي قد يتعرض لها في حالة مشاركته في تهريب المهاجرين غير الشرعيين، أو إدخال ممنوعات من أي نوع، وتوعيته كذلك بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في تحصين وطنه من تهريب المخدرات وتدفق المهاجرين غير النظاميين.

نواكشوط:02 يونيو 2025

حملة معا للحد من حوادث السير.