إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
الجمعة، 28 فبراير 2020
حَدَثَ هذا في دولة "الآبرتايد العروبي الإسلامي"!
في الانتخابات التشريعية الماضية حاول
السيناتور محمد غدة أن يترشح للبرلمان من داخل السجن فَمُنع من ذلك، وهو الشيء
الذي سُمح به للنائب بيرام، مع أن هذا الأخير كان مسجونا بسبب شكوى تقدم بها صحفي
أساء إليه، بينما كان الأول مسجونا لأسباب سياسية، وذلك لمشاركته النشطة في إسقاط
التعديلات الدستورية. اللافت في الأمر أن السلطات سمحت للسيد الساموري ولد بي
بالترشح، وهو المشمول مع السيناتور ولد غدة في نفس الملف السياسي المفبرك!
السيناتور ولد غدة ـ ولمن لا يعرفه ـ هو من المكونة التي يتهمها النائب بيرام بممارسة
"الآبارتايد العروبي الإسلامي"، بل أكثر من ذلك، فهو ابن عم الرئيس الذي حرمه ظلما وعدوانا من الترشح لمقعد
نائب.
ما أريد قوله هنا، هو أن النظام السابق لم يكن
نظاما عنصريا، بل كان كغيره من الأنظمة التي حكمت هذه البلاد، نظاما يمارس الظلم
ضد الجميع، ولم تسلم أي مكونة ولا أي شريحة من ظلمه.
لقد سجن الرئيس السابق ابن عمه السيناتور ولد
غدة، وحرمه ـ بالتالي ـ من الترشح لمقعد نائب في الجمعية الوطنية، وذلك لأنه كان
يعلم بأن السيناتور ولد غدة يملك ملفات فساد ضده، وبأنه سيفتح تلك الملفات عندما
يتم انتخابه نائبا، بينما سمح للنائب بيرام بالترشح لأنه كان يعلم بأن هذا الأخير
لن يثير ملفات فساد ضده إذا ما أصبح نائبا، ولعلكم تذكرون كيف وقف النائب بيرام ـ
وبحزم ـ ضد تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في عشرية ولد عبد العزيز.
أذكر أنه في شهر سبتمبر من العام 2011 تم حرمان
نائب رئيس حزب الوئام السيد محمد يحظيه
ولد المختار الحسن وهو وزير داخلية سابق، وكذلك زوجة رئيس حزب الوئام، أي زوجة
الرئيس بيجل من أوراقهما الثبوتية، وذلك بحجة أن أم كل منهما مولودة في الخارج.
أذكر أيضا أنه في تلك الفترة تم الحديث
بشكل واسع عن العنصرية التي مارستها وكالة الوثائق المؤمنة ضد زوجة المعارض حينها
السيد بيجل، ولم يتحدث أحد عن الظلم الذي مورس ضد ولد المختار الحسن وهو ابن عم
الرئيس ووزير داخلية سابق. نفس الشيء حدث مع الصحفية سلوى منت بودادية (سلوى شريف) التي حرمت في نفس الفترة من
التسجيل بحجة أن أحد والديها لم يولد في موريتانيا، ولم تجد سلوى من يقف معها ضد
"عنصرية" وكالة الوثائق المؤمنة.
إن الاستنتاج السريع الذي أريد الوصول إليه من خلال تقديم مثالين من أمثلة عديدة لا يتسع
المقام لبسطها هو أن الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في موريتانيا قد تكون أنظمة
مستبدة وظالمة، ولكنها ليست بالضرورة أنظمة عنصرية، وإذا افترضنا أنها كانت أنظمة
عنصرية، فسيكون نظام ولد الطايع هو الأولى بأن يصفه النائب بيرام بنظام "الآبرتايد العروبي الإسلامي".
الطريف في الأمر أن السيد بيرام كان مناضلا في الحزب الجمهوري الديمقراطي، وكان من
المدافعين عن نظام ولد الطايع!
لقد آن الأوان للتوقف عن استغلال مظلمة قائمة
يعترف الجميع بوجودها، استغلالها من أجل شيطنة هذا المكون أو ذاك ...هناك أولويات
علينا القيام بها من أجل القضاء على مخلفات الاسترقاق والغبن، وليس من بين تلك
الأولويات استغلال مظاهر الغبن والتهميش للإساءة إلى شريحة هامة من شرائح المجتمع
الموريتاني.
أذكر أخيرا بأنه بعد الفاجعة الأليمة التي وقعت
في مقاطعة دار النعيم في يوم 8 يناير 2020
، والتي تسببت في موت خمسة أطفال حرقا، أذكر أن الكل أبرق برسائل المواساة
والتضامن للأم المكلومة، فجاء الوزير الأول صحبة بعض الوزراء فقدموا قطعة أرضية
ومبلغا ماليا للأم المكلومة، وجاء من بعدهم رؤساء أحزاب وناشطون سياسيون ومدونون
ومواطنون عاديون، وقدم بعضهم مساعدات مادية للأم المكلومة..
من بعد كل أولئك جاء النائب بيرام ولم يقدم
شيئا للأم المكلومة ، وهو ليس أفقر القوم، بل على العكس من ذلك، فقد حاول استغلال
تلك المأساة لتوجيه المزيد من السب والشتم
والإساءة لإحدى شرائح المجتمع.
ألا يملك النائب بيرام شيئا آخر يقدمه
للمغبونين والمهمشين في بلده غير الإساءة إلى شريحة من شرائح المجتمع الموريتاني؟
حفظ الله موريتانيا...
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق