الخميس، 27 أغسطس 2020

ماذا سيقول الرئيس السابق في مؤتمره الصحفي؟

 


لقد أوضحتُ في عدة مقالات سابقة، وبعضها تم نشره من قبل مغادرة الرئيس السابق للسلطة، بأن الرئيس السابق سيخرج من السلطة وهو لم يعد يمتلك أية ورقة ضغط، وبأن الورقة الوحيدة التي ستبقى لديه هي العلاقة القوية التي تربطه بصديقه الرئيس الجديد، ولذا فمن مصلحته الخاصة أن يعمل على تعزيز تلك العلاقة وعلى تقويتها، ولكن الذي حصل بعد ذلك كان أقرب إلى هدم الثقة وإضعاف تلك العلاقة بدلا من تعزيزها وتقويتها.

كما أوضحتُ أيضا في تلك المقالات بأن من مصلحة الرئيس السابق أن يبتعد تماما عن الأضواء والصحافة، أو على الأقل، خلال العام الأول من مغادرته للسلطة، فأي إطلالة أو أي ظهور إعلامي في هذه الفترة  لن يكون في صالحه، وسيجلب له من الأضرار الشيء الكثير. ولعلكم تذكرون حجم الأضرار السياسية التي تكبدها الرئيس السابق بسبب اجتماعه بلجنة تسيير الحزب الحاكم، وحجم الأضرار الإعلامية التي تكبدها بسبب مؤتمره الصحفي الذي عقده في منزله بعد اجتماعه بلجنة تسيير الحزب.

لقد ارتكب الرئيس السابق أخطاء كثيرة في حق نفسه، كما ارتكب مناصروه الذين يعدون بأصابع اليد أخطاء لا تقل خطورة، وذلك عندما دفعوا به إلى مواجهة غير متكافئة.

نعم إن من المناصرة ما قتل، فمن كان يقول للرئيس السابق بأنه هو مؤسس الحزب الحاكم، وأنه وهو مرجعيته، إنما كان يدفعه بذلك القول إلى معركة خاسرة. ومن كان يقول له بأن الرئيس الحالي هو ظله في الرئاسة، وأن عليه أن يتصرف على ذلك الأساس، إنما كان يريد أن يكشف عنه غطاء الحماية، وأن يجعله في مرمى نيران الأصدقاء من قبل الخصوم.

هذه حقيقة واضحة، ويبدو أن من يكتب البيانات التي توقع باسم بدر ولد عبد العزيز نجل الرئيس السابق أدرك هذه الحقيقة، فأغلب تلك البيانات طالبت بوقف التظاهر وبعدم الإساءة للرئيس الحالي، بل أكثر من ذلك فقد اعتبرت أن بعض المناصرين ما هم إلا مجموعة من المندسين تعمل لصالح أعداء الرئيس السابق، وتسعى إلى إلحاق الضرر به.

اليوم يكرر أنصار الرئيس السابق نفس الأخطاء، وذلك عندما حاولوا أن يقنعوا الرأي العام بأن النظام القائم يخاف من مؤتمر الرئيس السابق، ويخاف مما سيكشف في هذا المؤتمر، ولذلك فقد عمد النظام الحاكم على إلقاء القبض على الرئيس السابق كلما اقترب موعد المؤتمر.

فماذا سيقول هؤلاء عندما يسمح للرئيس السابق أن يعقد مؤتمره الصحفي؟

وماذا سيقول الرئيس السابق في مؤتمره الصحفي الذي تم الترويج له كثيرا من طرف أنصاره الذين يعدون بأصابع اليد؟ وهل ستكون هناك مفاجآت في هذا المؤتمر كما يقول أنصار الرئيس السابق؟

الراجح عندي أن المؤتمر سيأتي بنتائج عكسية، وسيتسبب في مزيد من الخسائر، فالرئيس السابق لن يكون بمقدوره أن يجيب إجابة مقنعة على السؤال الأهم الذي يطرحه الآن الموريتانيون، وهو السؤال الذي يقول : كيف استطاع الرئيس السابق أن يجمع ثروته الطائلة، وهو الذي كان لا يملك وحتى وقت قريب إلا حفارة واحدة تقوم ببعض الأعمال الخيرية؟ فكيف جمع هذه الثروة الهائلة في فترة كان يحرم عليه فيها مزاولة أي نشاط تجاري؟ فحتى راتبه الذي كان يتقاضاه في فترة رئاسته لم يسحب من البنك، وبالتالي فلم يستخدم في ممارسة أي نوع من أنواع تجارة.

لن يقدم الرئيس السابق في مؤتمره الصحفي جوابا متماسكا على هذا السؤال الملح، ولن يقدم مفاجآت تدين بشكل موثق خصومه، وسيكون تركيزه على كلام مكرر لا يقدم ولا يؤخر، وبذلك فإن المؤتمر الصحفي للرئيس السابق سيؤدي في المحصلة النهائية إلى خسارة سياسية وإعلامية جديدة تنضاف إلى الخسائر المتعددة التي تكبدها الرئيس السابق منذ خروجه من السلطة.

 

حفظ الله موريتانيا... 

الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

هل من تسوية في الأفق؟

 

تعددت الآراء حول إطلاق سراح الرئيس السابق والسماح له بالعودة إلى منزله مع وضعه تحت المراقبة المباشرة، وذلك بعد انتهاء مدة الحراسة النظرية، والتي تصل إلى 48 ساعة قابلة للتمديد مرتين بالنسبة لجرائم الفساد ( المادة 27 من قانون مكافحة الفساد).

تعددت الآراء حول إطلاق سراح الرئيس السابق مع وضعه تحت المراقبة المباشرة، فهناك من رأى بأن عملية إطلاق سراحه تأتي كمقدمة ل "تسوية ما" ستنكشف تفاصيلها مستقبلا، وهناك من يرى بأن كل ما جري حتى الآن هو مجرد عمل مسرحي للإلهاء، وبأنه لا جدية في هذا الملف.

من الذين أغضبهم إطلاق سراح الرئيس السابق طائفة من الموريتانيين بعضها كان يبالغ في التطبيل للرئيس السابق، وبعضها الآخر كان يحسب على معارضته المتطرفة. أصحاب هذا الموقف لا يريدون تطبيق القانون ومحاربة الفساد بشكل جدي، وإنما يريدون نوعا من الانتقام والتشفي، ولذلك فقد أغضبهم إطلاق سراح الرئيس السابق بعد انتهاء مدة حراسته النظرية.

يريد هؤلاء من الرئيس الحالي أن يتصرف كما كان يتصرف الرئيس السابق مع خصومه، أي أن لا يلقي أهمية للإجراءات والآجال القانونية، وأن يبقي الرئيس السابق قيد الاعتقال خارج القانون، فذلك هو ما يرضيهم، وذلك هو ما يريدون.  

إن ممارسة الأساليب الانتقامية في هذا الملف قد ترضي طائفة من موالاة الرئيس السابق كانت تبالغ في مدحه، وأصبحت اليوم تبالغ في نقده، وقد ترضي طائفة أخرى من معارضيه، وهي طائفة طغى على معارضتها البعد الشخصي. نعم إن ممارسة الأساليب الانتقامية قد ترضي هؤلاء وأولئك، ولكنها لن ترضي من يريد حربا جدية على الفساد تقوم على احترام القانون والفصل بين السلطات.

إن من يريد حربا جدية على الفساد تقوم على احترام القانون يجب عليه أن يثمن كل خطوة يحترم فيها القانون في مسار هذا الملف المعقد والشائك، ومن الخطوات التي تم فيها احترم القانون إطلاق سراح الرئيس السابق خلال الدقائق الأولى التي أعقبت انتهاء مدة الحراسة النظرية.

هناك طائفة ثانية تعتبر بأن كل ما يجري في هذا الملف هو مجرد عمل سرحي، والطريف عند أصحاب نظرية "العمل المسرحي" أنهم في كل مرة يقولون لقد انكشفت اللعبة وانتهت المسرحية، ولكنهم مع كل إعلان عن نهاية المسرحية يعودون من جديد لمتابعتها، وذلك على الرغم من اعترافاتهم المسبق بانتهاء فصولها.

لقد قالوا بأن المسرحية انتهت يوم قال أحد أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية بأن الرئيس السابق ليس مستهدفا..

وقالوا بأن المسرحية انتهت يوم رفض الرئيس السابق الاستجابة لدعوة لجنة التحقيق البرلمانية للمثول أمامها..

وقالوا بأن المسرحية انتهت عندما أجلت الجمعية الوطنية نقاش القانون النظامي لمحكمة العدل السامية..

وقالوا بأن المسرحية انتهت عندما تم إطلاق سراح الرئيس السابق بعد انتهاء مدة الحراسة النظرية.

الطريف في الأمر أن هؤلاء سيعودون غدا لمتابعة فصول مسرحية أقسموا أكثر من مرة بأنها قد انتهت! هم لم يتابعوا المشاهد القوية من هذه المسرحية (تشكيل لجنة تحقيق برلمانية؛ إقالة وزراء؛ التحقيق مع رئيس سابق ...إلخ)، كل هذه المشاهد القوية لم يتابعوها ولم يعلقوا إيجابا عليها، وإنما اكتفوا بانتظار تلك المشاهد التي يمكن تأويلها تأويلا مغلوطا، انتظروها وتلقفوها ليقدموها كدليل لا يقبل التشكيك على انتهاء مسرحية التحقيق مع الرئيس السابق وبعض وزرائه.

هناك طائفة ثالثة تختلف عن الطائفتين السابقتين ترى بأن في إطلاق سراح الرئيس السابق "بداية ما" لتسوية الملف. إن كل المؤشرات المتاحة حاليا تؤكد بأنه:

 - لم يعد بالإمكان عقد أي تسوية من أي نوع بين الرئيسين الحالي والسابق.

 - الفترة الزمنية التي كانت متاحة نظريا لعقد أي تسوية من أي نوع انتهت منذ أشهر، ومن قبل أن يتم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية.

 - الرئيس السابق لم يعد يملك أي ورقة ضغط من أي نوع لفرض أي تسوية.

-  الرئيس الحالي يقدر - أكثر من غيره - حجم الكلفة التي سيدفعها نظامه إن هو أقبل على تسوية من أي نوع لغلق هذا الملف.

التسوية التي يمكن أن تحدث مستقبلا هي تلك التسوية التي تمكن من استعادة بعض الأموال المنهوبة، وغير ذلك من التسويات لا أراه متوقعا.

خلاصة القول :

-  من كان يتوقع في هذا الملف أسلوبا انتقاميا يتم فيه تجاوز القانون ، كما كان يحدث في الماضي فسيخيب أمله كثيرا.. يكفي لتأكيد ذلك أن الدولة انتدبت 60 محاميا للدفاع عن مصالحها، والتي تريد أن تستعيدها بالقانون، وبالقانون فقط.

-  من كان يتوقع بأننا أمام عمل مسرحي غير جاد فسيفاجأ كثيرا.

هناك محطات سيصاب فيه الناقمون على الرئيس السابق بخيبات أمل كثيرة، وهناك محطات أخرى سيفاجأ فيها من يقول بنظرية المسرحية بنوع من الجدية لم يكن يتوقعه أبدا.

ليست هناك أي تسوية في الأفق، والملف يسير بطريقة قد لا تعجب هؤلاء ولا أولئك، ولكنها بإذن الله ستعجب كل من يريد حربا جدية على الفساد تعتمد على احترام القانون وفصل السلطات.

حفظ الله موريتانيا... 

السبت، 22 أغسطس 2020

عن الحديث المستفز لدافيد راجو

 

يبدو أن دافيد راجو ـ ولن أصفه هنا لا بالمحام ولا بالسيد ـ لا يعرف كيف يضبط حديثه، ولذا فقد جاء مؤتمره الصحفي الذي عقده داخل منزل الرئيس السابق مليئا بعبارات مستفزة، لم يكن من المتوقع أن تصدر من رجل قانون يتحدث في بلد غير بلده.

فبأي حق يسيء هذا ال"دافيد راجو" لقضائنا، فيصف ما جرى حتى الآن بأنه "مهزلة قضائية"؟

قال دافيد راجو في مؤتمره الصحفي بأن توقيف الرئيس السابق يشكل خرقا سافرا للدستور الموريتاني، وبأن الرئيس السابق يتمتع بالحصانة.

كان على دافيد راجو أن يتقدم بحجج قانونية للرد على الخبير القانوني محمد محمود ولد محمد صالح، الذي فصل في الأمر، وقد قال في ندوة استضافته فيها حملة "معا لمحاربة الفساد" بأن الأفعال المندرجة في الصلاحيات الدستورية للرؤساء لا يمكن أن يسألوا عنها عندما يغادرون السلطة إلا في حالة الخيانة العظمى وأمام محكمة العدل السامية . أما الأفعال التي لا علاقة لها بالصلاحيات الدستورية لرؤساء الجمهورية، فهذه يمكن أن يسأل عنها أي رئيس سابق أمام القضاء العادي.

وما تم توقيف الرئيس السابق بسببه يدخل في هذا الصنف الأخير، في حين أن كل ما يتعلق بالصنف الآول كملف "جزيرة التيدرة" فقد تم تأجيله إلى ما بعد تشكيل محكمة العدل السامية.

 قال دافيد راجو بأنه سيحتج أمام السلطات الموريتانية والفرنسية ..بخصوص السلطات الفرنسية فإن السؤال هنا هو : هل الحكومة الفرنسية هي التي بعثت دافيد راجو ليدافع باسمها عن الرئيس الموريتاني السابق؟ فإذا كان الأمر كذلك فمن حق دافيد راجو أن يبلغ السلطات الفرنسية بأية عراقيل يلقاها خلال تأديته لهذه المهمة التي كلفته بها الحكومة الفرنسية. أما إذا كان قد جاء هنا في إطار عقد خاص للدفاع عن زبون يحمل صفة رئيس سابق، ففي هذه الحالة فسيكون السؤال المطروح : ما دخل الحكومة الفرنسية في هذا الموضوع؟

لم تتوقف أخطاء دافيد راجو عند هذا الحد بل طلب من رئيس الجمهورية بأن يتدخل في ملف قضائي، وأن يأمر ـ وبشكل فوري ـ  بإطلاق سراح الرئيس السابق.

هل يستطيع دافيد راجو بأن يطلب من الرئيس الفرنسي أن يتدخل في ملف قضائي؟ ولماذا يتجاوز دافيد راجو كل حدود اللباقة والضيافة فيتحدث عنا ومن داخل بلدنا بهذه اللغة الاستفزازية والتي لا تخلو من نبرة استعلاء واستعمار؟

ليعلم دافيد راجو بأنه مجرد محام فرنسي مغمور متعاقد مع رئيس سابق، ولا يجوز له ـ بأي حال من الأحوال ـ  أن يتحدث عن قضائنا بلغة مستفزة كتلك التي تحدث بها في مؤتمره الصحفي الذي نظمه داخل منزل الرئيس السابق.  

 

حفظ الله موريتانيا... 

الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

أي واجهة شعبية نريد؟


إن نجاح أي حرب على الفساد يحتاج إلى توفر شرطين أساسيين، أولهما إرادة سياسية جادة، وثانيهما هبة شعبية داعمة.

من وجهة نظر شخصية فإني على قناعة بأن هناك إرادة سياسية جادة لمحاربة الفساد، ولكنها إرادة تعتمد على أسلوب التدرج من أجل كسب هذه الحرب، ففتح كل ملفات الفساد في وقت واحد في بلد تفشى فيه الفساد سيؤدي حتما إلى خسارة هذه الحرب وإلى انتكاسة كبرى لا يمكن التحكم في مآلاتها.

إن الأسلوب الأمثل لمحاربة الفساد في هذه البلاد يجب أن يعتمد على التدرج، ويجب أن يدخل في إطار إستراتيجية شاملة للإصلاح المتدرج والآمن، أما الأساليب الثورية في محاربة الفساد، والتي قد تلقى قبولا في نفوس بعض المتحمسين، فلا مجال لها هنا، وذلك لما قد تؤدي إليه من مخاطر لا قدرة لبلدنا على تحملها.

لن أطيل الحديث عن الشرط الأول المتعلق بتوفر إرادة سياسية جادة، ولكني في المقابل سأفصل أكثر في الشرط الثاني المتعلق بالهبة الشعبية أو الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد.

إن الواجهة الشعبية التي بدأت تطفو على السطح منذ تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية هي واجهة منتهية الصلاحية في أغلب مكوناتها، ولذا فنحن بحاجة إلى إعادة تشكيل هذه الواجهة إذا ما أردنا بحق أن نكسب الحرب على الفساد.

إن الواجهة الشعبية التي سنتحدث عنها يجب أن تتشكل من ثلاث عناصر أو مكونات وهي : الأغلبية؛ المعارضة؛ والشباب.

أولا / الأغلبية

من المؤسف جدا أن من يحمل اليوم لواء الحرب على الفساد في فسطاط الأغلبية يتمثل في الأساس في نائب سابق ورئيس سابق للحزب الحاكم وعقيد متعاقد، وكل هؤلاء عرفناهم يبالغون إلى حد الابتذال في مدح الرئيس السابق. فأين هي الأغلبية ذات المصداقية ؟ من المؤكد بأنه يوجد في الأغلبية الكثير من الأشخاص النظيفين الذين يستحقون ـ وبجدارة ـ أن يحتلوا الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد داخل فسطاط الأغلبية.

أذكر بأني في معركة "المرجعية" أشرتُ إلى بعض الأصدقاء في الأغلبية بأن يتحركوا بشكل فوري وسريع ليحتلوا الواجهة في هذه المعركة، ولكن ما يؤسف له هو أن الأشخاص الأكثر نظافة هم في العادة الأشخاص الأقل مبادرة والأقل حيوية على العكس من الأشخاص الأكثر احتراقا، فهؤلاء هم الأكثر حيوية ونشاطا، وهم الأكثر قدرة على إطلاق المبادرات والأخذ بزمامها.

هناك مجموعة كبيرة من نواب الحزب الحاكم رفضت بشكل حاسم أن توقع على مبادرة النواب الداعمة للتمديد للرئيس السابق..هذه المجموعة كان عليها أن تتصدر الواجهة السياسية في فسطاط الأغلبية من بعد تنصيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وكان عليها أن تتصدر الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد داخل فسطاط الأغلبية الحاكمة، ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن. لن أختم هذه الفقرة من قبل  أن أذكر ببعض المبادرات الشبابية النظيفة التي دعمت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في الانتخابات الرئاسية الماضية، فأين هي الآن؟ ولماذا لم تفرض هذه المبادرات الشبابية ظهورها كواجهة شعبية داعمة للحرب على الفساد؟

ثانيا / المعارضة

الحرب على الفساد كانت شعار المعارضة الموريتانية منذ عقود، وتشكيل لجان تحقيق برلمانية كان مطلبها منذ سنوات، ولذا فأي حرب على الفساد تُخاض على هذه الأرض هي حرب المعارضة من قبل أن تكون حرب أي جهة سياسية أخرى، ولذا فقد أحسنت بعض أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان عندما قبلت بالانضمام إلى تنسيقية سياسية واسعة يوجد فيها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وبعض الأحزاب الأخرى في الأغلبية الحاكمة.

إن الحرب على الفساد هي حرب الجميع، ويجب أن يشارك فيها الجميع، وما كان للمعارضة أن تتأخر عن حرب هي حربها من قبل أن تكون حرب أي جهة أخرى. صحيح أن أي حزب معارض يرفض التنسيق في هذا الوقت مع النظام سيحقق مكاسب حزبية ضيقة وآنية، ولكنه في المقابل سيضيع مكاسب وطنية هامة كان يمكن أن تتحقق بتوحيد الجهود بين النظام الحاكم والمعارضة في مثل هذه الظرفية التي التقت فيها مصلحة النظام ومصلحة المعارضة في ملف الحرب على الفساد.

صحيح أن كسب هذه الحرب سيحسب تكتيكيا للنظام الحاكم حاليا، وذلك لكونها كانت في فترة حكمه، ولكن من الناحية الإستراتيجية فإن المعارضة ستكون هي أكبر مستفيد، وذلك لأنها كانت  في الماضي هي أكبر متضرر من الفساد. ثم إن سن محاسبة الأنظمة الحاكمة من بعد انتهاء فترة حكمها سيكون المتضرر منه مستقبلا هو الأنظمة الحاكمة لا المعارضة.

إن الحرب على الفساد هي حرب المعارضة من قبل أن تكون حرب النظام، ولذا فقد أحسنت بعض أحزاب المعارضة عندما قبلت بالتهدئة والتنسيق مع النظام، ولكن على المعارضة أن تظهر أكثر في الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد، وعليها أن تتبنى خطابا قويا مفاده أن هذه الحرب هي حربها من قبل أن تكون حرب النظام.

ثالثا / الشباب

إن الخط الأمامي لأي حرب على الفساد يجب أن يحتله الشباب لأنه هو المتضرر الأول من الفساد، وعلى الشباب أن لا يقبل بأن يخوض النظام والمعارضة هذه الحرب بالوكالة عنه، وعليه أن يكون في الصف الأول في خط المواجهة.

ومما يؤسف له أن الكثير من الشباب قد لعب دورا سلبيا في الفترة الماضية، حيث ركز في تدويناته على التشويش على لجنة التحقيق البرلمانية، وعلى التشكيك في جدية النظام في حربه على الفساد، وكاد ذلك أن يربك عمل اللجنة، وأن يؤثر بالتالي على جهود النظام  المبذولة في محاربة الفساد.

تبقى هناك بشارة نرجو لها أن تكون بداية جدية لفرض وجود شبابي في الواجهة الشعبية الداعمة للحرب على الفساد، وأقصد بهذه البشارة البيان الأخير الذي أصدرته بعض الحركات الشبابية، والذي وعدت فيه بالعمل من أجل خلق إطار يجمعها وينسق جهودها في هذا المجال.

خلاصة القول

إننا بحاجة إلى واجهة شعبية تجمع بين الموالاة النظيفة والمعارضة الراشدة والشباب الناضج من أجل حماية الحرب على الفساد من أي انحراف قد يقع. وإننا لن نكسب هذه الحرب إلا إذا توفرت إرادة سياسية جادة وهبة شعبية داعمة لتلك الإرادة السياسية الجادة.

 

      

حفظ الله موريتانيا... 

الاثنين، 10 أغسطس 2020

نقاط سريعة عن التشكيلة الجديدة للحكومة

بعثت التشكيلة الحكومية الجديدة بعدة رسائل بعضها إيجابي وبعضها سلبي.

الرسائل الإيجابية:

1 ـ أنها حكومة جديدة جاءت بعد إقالة الحكومة السابقة، وكانت الإقالة بسبب نتائج تقرير اللجنة البرلمانية، وهذا يكفيها، وهو أمر بالغ الأهمية. وقد أكد الوزير الأمين العام للرئاسة خلال الإعلان عن التشكيلة الجديدة على أن " المبدأ الموجه لتشكيل هذه الحكومة الجديدة ذو ارتباط وثيق بتحقيق اللجنة البرلمانية"، كما أكد على أن رئيس الجمهورية بصفته حامي الدستور "لم ولن يتدخل في عمل السلطتين التشريعية والقضائية، وسيأخذ على الدوام، بعين الاعتبار، ما يصدر عنهما".

2 ـ أن الإعلان عنها تم بطريقة غير تقليدية، وبأسلوب محترم يليق بالحدث، وقد ظهر أن هناك قدرة كبيرة في مواجهة التسريب وحجب كل المعلومات المتعلقة بالتشكيلة الجديدة  إلى أن يتم الإعلان عنها رسميا. من المهم جدا أن يكون  توقيت الاطلاع على تشكيلة الحكومة الجديدة موحدا على كل أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ومن المهم كذلك أن يكون الاطلاع عليها من خلال مؤتمر صحفي يبث بشكل مباشر من داخل القصر الرئاسي.

3 ـ أنه تمت إقالة كل الوزراء المشمولين في ملف تقرير اللجنة، مع ملاحظة وجود تزامن ـ لا يخلو من دلالة ـ بين الإعلان عن الحكومة وتوجيه بعض الاستدعاءات من طرف القضاء إلى بعض المشمولين في تقرير اللجنة البرلمانية.

4 ـ أنها احتفظت ببعض الوزراء من الحكومة السابقة كان أداؤهم مقبولا، وأضافت أسماء جديدة البعض منها يحسب من أهل الخبرة والكفاءة كما هو الحال بالنسبة للوزيرين الجديدين : وزير الشؤون الاقتصادية وترقية المجالات الاستثمارية ووزير البترول والمعادن والطاقة.

5 ـ أنها كافأت ضمنيا لجنة التحقيق البرلمانية، وذلك من خلال تعيين الناطق باسم اللجنة وزيرا في التشكيلة الجديدة.

6 ـ أنها ستعطي صورة مميزة خلال اجتماعات مجلس الوزراء، حيث سيظهر ـ وربما لأول مرة ـ على يمين الرئيس وزير أول من شريحة، وسيظهر على يساره وزير أمين عام للرئاسة من مكونة وطنية أخرى. يعني أنه ستكون هناك صورة وطنية مميزة مع كل إطلالة لمجلس الوزراء.

الرسائل السلبية

1 ـ الاحتفاظ ببعض الوزراء الذين كان أداؤهم دون المستوى، وبآخرين تعرضوا لحملة انتقاد واسعة، ومن الوزراء الذين تعرضوا لحملة انتقاد واسعة، وكان الرأي العام يتوقع إقالتهم يمكن أن نذكر وزير التعليم العالي الذي لا يرضى عنه الطلاب، ووزيرة المياه السابقة وزيرة التجارة حاليا، والتي يثير بقاؤها وزيرة في عدة حكومات متعاقبة انتقادا واسعا من طرف المهتمين بالشأن العام، خاصة وأن أداء الوزيرة لم يكن متميزا، ومما يزيد الأمر تعقيدا أنه لا رئيس حزب، ولا قيادي من الرتبة الأولى في أي حزب تم تعيينه في هذه الحكومة أو في الحكومة السابقة، وبذلك يبقى حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم هو الحزب الوحيد الممثل في الحكومة بأعلى تمثيل.

2 ـ غياب أي تمثيل في الحكومة لمكونات من المعارضة التحقت وفي وقت مبكر بحملة المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني.

3 ـ أن هذه التشكيلة الحكومية الجديدة شكلت استمرارا لعمليات الفك والدمج داخل قطاع التعليم، فهذا القطاع كان قد تعرض خلال الخمسة عشرة سنة الأخيرة للعديد من عمليات الفك والدمج مما جعله بالإضافة إلى مشاكله البنيوية المعروفة يعاني من مشكلة أخرى تتمثل في عمليات الدمج والتفكيك المستمرة، والتي لاشك أنها ستربك أي عملية إصلاح داخل هذا القطاع الهام.

مع التشكيلة الحكومية الجديدة تم دمج قطاعي التعليم الأساسي والثانوي في وزارة واحدة، وذلك بعد أن تم تفكيكهما في التشكيلة السابقة. أتمنى من كل قلبي أن تكون هذه هي آخر عملية فك أو دمج تسجل داخل قطاع التعليم.    

حفظ الله موريتانيا... 

الأحد، 2 أغسطس 2020

عام التناوب الآمن على السلطة

قد لا يدرك الكثير من متابعي الشأن العام أهمية تحقيق تناوب آمن على السلطة في بلد كبلدنا، والذي يوجد في منطقة تعاني بعض دولها من عدم استقرار سياسي وأمني يشتد خطورة وتعقيدا مع كل عملية انتقال للسلطة من رئيس إلى آخر. ولعدم إدراك الكثيرين لأهمية التناوب الآمن على السلطة، فقد غاب الحديث عنه في أغلب الكتابات والنقاشات التي تحدثت سلبا أو إيجابا عن حصيلة السنة الأولى من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

ونظرا لغياب الحديث عن التناوب الآمن في جل الكتابات والنقاشات التي نتابعها في أيامنا هذه، فقد ارتأيت أن أخصص هذا المقال المطول للحديث عن التناوب الآمن الذي شهدته بلادنا خلال السنة الماضية، ولن أتوقف بطبيعة الحال عند لحظة حدوث ذلك التناوب كما يفعل الكثيرون، بل إني سأتحدث وبإسهاب عن فترة "التمهيد الآمن للتناوب"، وهي الفترة التي سبقت اللحظة الفعلية لحدوث التناوب، كما أني سأتحدث أيضا، وبإسهاب عن فترة تأمين أو تثبيت أو حماية عملية التناوب السلمي على السلطة، وفي اعتقادي الشخصي فإن فترة حماية هذا التناوب قد امتدت لعام كامل.

أولا / فترة التمهيد الآمن للتناوب

لم تكن عملية التمهيد الآمن للتناوب السلمي على السلطة عملية سهلة، ذلك أن الرئيس السابق لم يكن يريد الخروج من السلطة، بل إنه فكر بجد في بعض فترات حكمه بمأمورية ثالثة.

هذه المرحلة التمهيدية تطلبت توفر شرطين أساسيين:

أولهما : إقناع الرئيس السابق بضرورة التخلي عن التفكير في المأمورية الثالثة، أو إجباره على ذلك، وقد تحقق هذا الشرط وبشكل نهائي مع البيان الرئاسي الموقف لمبادرة النواب الساعية للتمديد، وهو البيان الذي صدر في منتصف يناير من العام 2019.

ثانيهما: ترك الأمل لدى الرئيس السابق بأنه حتى وإن ترك السلطة فإن تأثيره سيبقى حاضرا في تسيير شؤون البلاد.

الإيهام بإمكانية تحقق هذا الشرط الأخير هو الذي حمى من القيام بإجراءات مربكة لمسار التناوب على السلطة، وهو الذي جعل الرئيس السابق يتصرف في أشهره الأخيرة من الحكم وكأنه باق في السلطة، ولو أنه كان قد اقتنع بعكس ذلك لتصرف بطريقة أخرى قد تدخل البلاد في منزلق خطير ، وقد كان يملك من القوة والنفوذ في تلك الفترة ما يكفي لإدخال البلاد في ذلك المنزلق الخطير.

 لم تكن عملية إقناع أو إجبار الرئيس السابق بالاكتفاء بمأموريتين اثنتين فقط عملية سهلة، وكان لابد من إيهامه بأنه سيبقى في السلطة من خلال بوابة الحزب، حتى يقبل بالخروج منها دون أن يجر البلاد إلى منزلقات خطيرة.

كان الرئيس السابق على قناعة تامة بأنه باق في السلطة حتى من بعد خروجه منها، ولذا فلم يتصرف في أشهره الأخيرة تصرف المودع المغادر، وإنما تَصَرف تَصُرف من هو على قناعة تامة بأنه باق في السلطة، ولو أنه تَصَرف تَصُرف المودع المغادر لعمل في أشهره الأخيرة على :

1ـ تهدئة الأوضاع وخلق جو تصالحي مع الجميع، وخاصة مع المعارضة

2ـ إنهاء بعض الخصومات الشخصية، وخاصة منها تلك المتعلقة بخصومات مع بعض رجال الأعمال

3ـ الأخذ بالشفافية في تسيير المال العام خلال الأشهر الأخيرة على الأقل، مع محاولة تصحيح ما يمكن تصحيحه من اختلالات سابقة في هذا المجال.

على العكس من ذلك، فسنجد بأن الرئيس السابق قد حرص في أشهره الأخيرة على أن يعمق من حجم خلافاته مع المعارضة، وأن يُعَقد ملف رجال الأعمال أكثر، وأن يزيد من حجم الخروقات في تسييره للمال العام.

كان الرئيس السابق على قناعة تامة بأنه باق في السلطة، وذلك من خلال بوابة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الذي انعقد مؤتمره الثاني بعد يوم واحد من إعلان ترشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وقد أصر الرئيس السابق أن يبقى الحزب بدون هيئات منتخبة أو معينة، وتم اختيار لجنة تسيير مؤقتة تتولى تسيير الحزب في انتظار خروجه من السلطة وتهيئة الظروف المناسبة لتوليه رئاسة الحزب.

كما تم الحديث في تلك الفترة عن مقترح فُصِّل على مقاس الرئيس السابق من بعد خروجه من السلطة وترؤسه للحزب، وكان هذا المقترح سيقدم لمؤتمر الحزب القادم، ويتمثل في تشكيل مجلس رئاسي برئاسة رئيس الحزب وبعضوية رئيس البرلمان والوزير الأول والأمينين التنفيذيين للشؤون السياسة والعمليات الانتخابية.

يعني هذا المجلس الرئاسي أن الرئيس السابق للجمهورية رئيس الحزب لاحقا سيبقى فاعلا في السلطة من خلال هذا المجلس الرئاسي الذي يترأسه، والذي يضم رئيس البرلمان (صديقه السابق)، والوزير الأول القادم، وقد راج بأن الرئيس السابق كان يفكر في وزير أول مقرب منه، وكان يسعى لفرضه من خلال جر المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني إلى  شوط ثان، وهو ما كانت ستنتج عنه تحالفات انتخابية بشروط. ولعلكم تذكرون التسريبات التي حاولت أن تسيء إلى المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي يمكن توقع مصدرها، ولعلكم تذكرون أيضا كيف تم التلاعب بموارد حملته الانتخابية.

بعد الفشل في جر المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني إلى شوط ثان تم اللجوء إلى المرشح بيرام صاحب الرتبة الثانية في الانتخابات، وهكذا فوجئ الرأي العام بمحاولة لإبرام اتفاق في الوقت بدل الضائع بين النظام المنصرف والمرشح الفائز بالرتبة الثانية، ولقد بذل رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير الحزب جهدا كبيرا من أجل أبرام ذلك الاتفاق، ولكن تدخلا في اللحظات الأخيرة يشبه تماما التدخل الذي أوقف مبادرة النواب المطالبة بالتمديد أفشل ذلك الاتفاق من قبل توقيعه.

وبالعودة إلى مبادرة النواب المطالبة بالتمديد فستجدون بأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وزير الدفاع حينها، والذي عمل ـ بالفعل ـ على إجهاض هذه المبادرة، لم يظهر علنا أي معارضة لها، بل ـ على العكس من ذلك ـ فقد ظهرت أسماء بعض النواب المحسوبين عليه ضمن لائحة النواب المطالبة بالتمديد.

إن القراءة التحليلية المعمقة لما جرى خلال الأشهر التي سبقت انتخابات 2019 الرئاسية ستجعلنا نخرج بخلاصة مفادها أن هناك عملا كبيرا قد قيم به، وكان من نتائجه :

1 ـ إقناع أو إجبار الرئيس السابق على التخلي عن فكرة المأمورية الثالثة (لا أدري أي الكلمتين أنسب: الإقناع أو الإجبار).

2 ـ ترك الرئيس السابق يتخيل ما شاء له أن يتخيل من نفوذ وتحكم في السلطة من بعد خروجه منها، ولو أن الرئيس السابق تخيل ـ ولو للحظة واحدة ـ  بأنه سيبعد عن السلطة وشؤون الحكم من بعد خروجه من الرئاسة لما قبل أصلا بالخروج منها، وكان لديه في تلك الفترة ما يمكنه من فرض بقائه في السلطة ولو إلى حين، وكان بإمكانه ـ على الأقل ـ أن يجعل لخروجه من السلطة كلفة كبيرة وثقيلة جدا، قد تدخل موريتانيا في منزلقات خطيرة.

بكلمة واحدة لقد شهدت الأشهر الأخيرة من حكم الرئيس السابق عملا احترافيا هاما، مهد ـ وبشكل جيد ـ لعملية التناوب الآمن التي سنعيشها فيما بعد.

ثانيا/ فترة تثبيت أو حماية التناوب الآمن على السلطة

لم تعد قدرة الرئيس السابق على إرباك المشهد من بعد خروجه من السلطة يوم التنصيب، مثلما كانت عليه من قبل التنصيب، ولكن ذلك لا يعني بأنه لم يعد قادرا على إرباك المشهد، على الأقل خلال الأسابيع والأشهر الأولى التي أعقبت خروجه من السلطة.

كان لابد من التعامل معه في الأشهر الأولى بحذر شديد، ولذا فقد ضمت الحكومة عددا من الوزراء المقربين منه، كما أنها ضمت ـ في المقابل ـ  شخصيات قد يعتبر تعيينهم غير ودي، كما هو الحال بالنسبة للوزير الأول ووزير الدفاع ومدير الديوان.

خلال الأشهر الأولى التي أعقبت التنصيب تمت إثارة قضية مرجعية حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وكان الرئيس السابق يعول على بوابة الحزب للبقاء في السلطة، ولذا فقد عاد مسرعا عندما بدأ الحديث عن المرجعية. لا أدري إن كان الرئيس السابق قد تم استدراجه للعودة، أو أنه هو من اتخذ قرار العودة بعد شعوره بأن البساط قد بدأ يسحب من تحت رجليه، وبأنه لابد من المخاطرة والعودة إلى البلاد للدفاع عن الحزب الذي كان يخطط لاستخدامه في التأثير على السلطة من بعد خروجه منها.

انتهت معركة المرجعية بخسارة سياسية كبيرة للرئيس السابق، فقد خرج من تلك المعركة وحيدا، هذا إذا ما استثنينا بعض الدعم الذي لا يقدم ولا يؤخر جاء من الرئيس السابق للجنة تسيير الحزب ونائبه في تلك اللجنة.

تم تفادي توسيع دائرة الصراع في تلك الفترة، وتم تجنب سقوط ضحايا آخرين في معركة الحزب، وذلك خوفا من أن ينضموا إلى جبهة الرئيس السابق فيشكلوا بذلك كتلة سياسية تعارض النظام الجديد من داخل رحم الأغلبية. كانت المعركة في تلك الفترة تهدف إلى عزل الرئيس السابق عن محيطه السياسي، وحرمانه ـ بالتالي ـ من أي دعم سياسي داخل الأغلبية، هكذا بدت لي الأمور من وجهة نظر تحليلية بحتة، وكل ما تحدثتُ عنه في هذا المقام لا يعتمد على معلومات، وإنما يعتمد فقط على قراءة تحليلية للأحداث، قد تصيب وقد تخطئ، ولكنها في كل الأحوال ستبقى متماسكة من الناحية المنطقية البحتة.

غاب الرئيس السابق عن الاحتفالات المخلدة للذكرى التاسعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني، وتم الحديث عن إحباط "محاولة ما " كان الرئيس السابق يخطط لها بالتنسيق مع بعض العناصر من الحرس الرئاسي، وبهذه المحاولة يكون الرئيس السابق قد وضع نفسه تحت رقابية أمنية مشددة، ذلك هو ما يقوله منطق الأمور.

اتسمت فترة حماية وتأمين التناوب السلمي على السلطة، والتي امتدت حسب وجهة نظري الخاصة لعام كامل، اتسمت هذه الفترة بعدة مظاهر لعل من أهمها:

1 ـ التهدئة والانفتاح على المعارضة

2 ـ العمل على عزل الرئيس السابق سياسيا، وفصله بشكل كامل عن الأغلبية

3 ـ تحويل الصراع من صراع سياسي داخل الأغلبية إلى صراع أوسع تشارك فيه المعارضة وكل الشعب الموريتاني.

لم يعد الصراع صراعا سياسيا، وذلك بعد أن تم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، ووفرت لها الظروف المناسبة لإعداد تقريرها، وتمت المصادقة على هذا التقرير من طرف البرلمان الذي أحاله إلى وزير العدل.

هكذا سارت الأمور في أول عام من مأمورية الرئيس محمد الشيخ ولد الغزواني، وهكذا ومع  أول ذكرى للتنصيب، سيجد الرئيس السابق نفسه رفقة بعض معاونيه أمام القضاء، وأمام تهم وشبهات تتعلق بالفساد، وبذلك ستبدأ قصة أخرى.

يبقى أن أشير في خاتمة هذه الفقرة إلى أن هناك عوامل عديدة ـ بعضها شخصي ـ  ساعدت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في أن يؤمن عملية التناوب على السلطة، وأن يحميها  من أي هزات متوقعة. ويُخيَّل إلي بأنه لو نجح مرشح آخر وخلف الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي كان يفكر بجد في البقاء في السلطة حتى من بعد خروجه منها، لما استطاع ذلك المرشح الفائز أن يؤمن عملية التناوب وأن يحميها من الهزات المتوقعة.

إن من أهم العوامل والصفات الشخصية التي ساعدت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في تأمين عملية التناوب:

1 ـ أنه رجل المؤسسة العسكرية الذي تثق به، ولذا فلم يجد الرئيس السابق أي ثغرة داخل هذه المؤسسة تمكنه من تهديد عملية التناوب، أو حتى التأثير عليها.

2 ـ أنه رجل مخابرات وسبق أن تولى إدارة الأمن في المرحلة الانتقالية الأولى

3 ـ أنه يعرف جيدا الرئيس السابق من خلال صحبة استمرت لعقود من الزمن

4 ـ أنه تمكن من تجنب الدخول في أي صدامات أو صراعات سياسية رغم وجوده في كل الأنظمة التي حكمت البلاد خلال الخمسة عشرة سنة الأخيرة، الشيء الذي جعله قادرا على فتح صفحة جديدة مع المعارضة من بعد وصوله إلى الحكم

5 ـ تمتعه بعلاقات خارجية قوية مع الدول ذات التأثير في المنطقة.

ثالثا / ماذا بعد عام التناوب الآمن على السلطة؟

إني من الذين يرون بأن تأمين التناوب على السلطة هو أمر في غاية الأهمية، وهو يحتاج إلى وقت، ولذا فتخصيص عام تخلله وباء كورونا لتأمين هذا التناوب لم يكن تضييعا للوقت، ولكن بعد انقضاء هذا العام، فإنه من حقنا أن نطرح السؤال : وماذا بعد عام التناوب الآمن على السلطة؟

الجواب الفوري على هذا السؤال هو أنه قد آن الأوان للبدء في إصلاح آمن، فما بعد التناوب الآمن إلا الإصلاح الآمن، ولا إصلاح من غير حرب جدية على الفساد، ولا بأس بالتدرج في هذه الحرب لتأمينها هي أيضا، ولكن هناك خطوات عاجلة قد أصبح من الضروري اتخاذها من بعد صدور تقرير اللجنة البرلمانية :

1 ـ إبعاد كل الأسماء التي تدور حولها شبهات في هذا التقرير عن الواجهة الحكومية والسياسية للنظام

2 ـ التوقف عن تعيين أو ترقية أي موظف تدور حوله شبهة فساد

3 ـ الاستعداد لفتح ملفات فساد أخرى إذا ما توفرت الظروف المناسبة لذلك

4 ـ تغليظ العقوبة وتشديدها على كل من يمارس فسادا بعد صدور تقرير اللجنة البرلمانية.

ختاما / إن كسب الحرب على الفساد سيعني أننا نسير بخطوات ثابتة في اتجاه الإصلاح، وإن خسارة هذه الحرب لا قدر الله، سيعني بأنه لا أمل في الإصلاح، ومن هنا تكسب الحرب على الفساد أهمية قصوى في تحديد اتجاه بوصلة الإصلاح.

حفظ الله موريتانيا...