الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

ماذا تريد المعارضة من القوات المسلحة؟


لقد استوقفني بيان المعارضة الأخير، والذي سبق احتفالات الجيش بمناسبة الذكرى 51 لتأسيسه، وهي الاحتفالات التي سأخصص لها ـ إن شاء الله ـ مقالا خاصا بها، سأتحدث فيه عن القوات المسلحة، وعن دورها المفترض في ظل نظام كنظامنا السياسي. كما استوقفني كذلك غياب المعارضة عن تلك الاحتفالات، وهو الغياب الذي أثبت من جديد بأن المعارضة بلا خيال سياسي، وبأنها تعاني حقا من أزمة خانقة في الأفكار، وبأنها تعاني فوق ذلك كله من تناقض واضح، وارتباك فظيع، في خطابها السياسي.

فالقراءة الأولى لبيان المعارضة، الذي سبق الاحتفالات المخلدة للذكرى 51 لتأسيس الجيش، تقول بأن المعارضة أرادت من بيانها أن تطلب من الجيش الموريتاني، أن يكون جيشا جمهوريا، وأن يبتعد عن السياسية. أما القراءة الثانية للبيان فتكشف أن المعارضة إنما أرادت ببيانها أن تتسول للجيش، لكي يقوم نيابة عنها، بما فشلت هي في القيام به، وذلك بإسقاط النظام الحالي بواسطة انقلاب عسكري.

فهل أرادت المعارضة ببيانها أن تطلب من الجيش أن يبتعد عن السياسة وبأن يكون جيشا جمهوريا ؟ أم أرادت أن تغرقه أكثر في مستنقع السياسة، والذي لم يخرج منه حتى الآن، وذلك لكي يكون جيشا معارضا للنظام الحاكم، يمارس مهام المعارضة السياسية، بدلا من أن يكون جيشا جمهوريا؟

لقد عكس بيان المعارضة ارتباكا فظيعا في خطابها السياسي، ولكن المشكلة لم تكن في البيان فقط، بل كانت في الموقف الذي أعقب البيان.

لقد كان بإمكان المعارضة أن تتخذ موقفا آخر من تلك الاحتفالات، وكان بإمكانها أن ترقى إلى مستوى نضج ووعي بعض قواعدها الشعبية، والتي حضرت لتلك الاحتفالات وشاركت فيها بحماس، لا يقل عن حماسها في معارضة النظام القائم. فلم يكن غريبا أن يسمع المتجول وسط الجموع الشعبية التي حضرت للاحتفال من ينتقد النظام بحماس، لا يقل عن حماسه الذي أظهره وهو يتابع الاستعراض العسكري.

وعموما فإن صور العلم الوطني هي التي طغت على الاحتفالات في ذلك اليوم، بدلا من الصور الشخصية للرئيس، أو لزعماء المعارضة، وهو ما يعكس نضج ووعي الجماهير التي شاركت في الاحتفالات، سواء منها من كان يساند النظام القائم، أو من كان يعارضه.

ولقد أثبتت الجماهير في ذلك اليوم بأنها أكثر نضجا من نخبها السياسية موالية كانت، أو معارضة.

لقد كان بإمكان المعارضة أن تتخذ موقفا يرقى لمستوى تطلعات قواعدها، ولكن ضعف الخيال السياسي للمعارضة، حال بينها وبين اتخاذ ذلك الموقف. فكان بإمكانها أن تحضر لتلك الاحتفالات، بصفة مستقلة، وأن تشارك الجيش في أفراحه، لخلق ثقة بينها وبينه. وكان بإمكانها أن تقوم بذلك من خلال منصة خاصة بها تشيدها لذلك الغرض، بعيدا عن المنصة الرسمية، أو من خلال الوقوف مع المواطنين تحت الشمس في حال رفض السلطات لتشييد منصة خاصة بالمعارضة. فمثل ذلك الموقف كان سيحرج النظام أكثر، وكان سيساهم في خلق ثقة أكبر بين الجيش و المعارضة. أما غياب المعارضة عن الاحتفالات فلم يحرج النظام، وبالتأكيد فهو لن يشجع الجيش على الانفتاح على المعارضة التي رفضت أن تشاركه في يوم أفراحه.

إن على المعارضة أن تعلم بأن أساليب نضالها في التسعينات، لم تعد صالحة للعقد الثاني من الألفية الثالثة، لذلك فهي بحاجة ماسة لضخ أفكار جديدة، ودماء جديدة، وأساليب نضالية جديدة تنقذها من الموت السريري الذي تعاني منه.

الأحد، 27 نوفمبر 2011

فاصلة خارج النص*


(1)

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
خمسون عاما مرت على استقلال بلادنا..
خمسون عاما وثمانية رؤساء تعاقبوا..
صفقنا لهم بسذاجة..
زغردنا لهم بسذاجة..
هتفنا لهم بسذاجة..
ساندناهم بسذاجة..
قلنا لهم في شرق البلاد عندما زارونا بأننا بألف خير..
قلنا لهم في غربها بأننا بألف خير..
قلنا لهم في شمالها بأننا بألف خير..
قلنا لهم في جنوبها بأننا بألف خير..

وقلنا لهم في وسطها بأننا بألف ألف خير..

(2)
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..

مدنها وقراها يختفي جوعاها عندما يزورها الرئيس ..
تختفي أحزانها ..
تنفرج همومها..
ترتفع ضحكات أهلها..
يزلزل التصفيق أرضها..
تضرب خيامها ..

تبسط سجادها..

تفرش زرابيها ..
هكذا كان حال مدننا وقرانا وقبائلنا يوم زارها المنقلب الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها المصحح الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها المنقذ الأول ..
هكذا كان حالها يوم زارها المخلص الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها الفقير الأول..
هكذا كان حالها في الذكرى العشرين..
هكذا كان حالها في الذكرى الخمسين..
وفي بلادنا نتنفس بتوجيهات من الرئيس..
نضحك بتوجيهات من الرئيس..
ننام بتوجيهات من الرئيس..
نستيقظ بتوجيهات من الرئيس..
نحيا بتوجيهات من الرئيس..
ونموت بتعليمات من سيادة الرئيس..

(3)
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين . .

وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا شعبها كالنمل يعمل ليل نهار..
منظماتها تعمل ليل نهار..
أحزابها تناضل ليل نهار..
صحفها تتحدث ليل نهار..
جهود جبارة في كل وزارة..
جهود معتبرة في كل إدارة..
وفي بلادنا حديد كثير..
فيها نحاس كثير..
فيها ذهب كثير..
فيها نفط كثير..
فيها سمك كثير..

ورغم ذلك فحكومة بلادنا تتسول منذ خمسين سنة..
ودولتنا العجيبة لا زالت في الذكرى الخمسين عاجزة أن تطعم حفنة من البشر..
عاجزة أن تعلم حفنة من البشر..
عاجزة أن توظف حفنة من البشر..
عاجزة أن تعالج حفنة من البشر..

(4)
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
في بلادنا خضنا عشرات الحروب..
حاربنا الأمية فانتشرت الأمية..
حاربنا الفقر فزاد الفقر..
حاربنا السمنة ونحن نشكوا من سوء التغذية..
حاربنا القمامة فانتصرت علينا القمامة..
حاربنا الإرهاب فخلقنا الإرهاب..
حاربنا الفساد برموز الفساد..
ألف رصاصة مطاطية أطلقناها..
ألف قنبلة صوتية قذفناها ..
ألف خطبة حنجرية دوت في حروبنا العجيبة..
حروبنا العجيبة تزيد من قوة أعدائنا..
فليت رؤساءنا أعلنوا هدنة أبدية مع القمامة..
ليتهم تصالحوا مع الفقر..
ليتهم وقعوا معاهدة مع الفساد..
ليتهم وفروا الغذاء لتشجيع السمنة..

(5)
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا كالبحر.. دررها في القاع..
وجِيَّف أسماكها تطفو على السطح..
تنظم الندوات..
تدير المهرجانات..
تتقاسم التعيينات..
توزع الصفقات..
وتنجح دائما في الانتخابات..
بلادنا صغراؤها أصبحوا كبارا..
وكبراؤها تقزموا فصاروا صغارا..
بلادنا العجيبة لن يصلح حالها إلا إذا أصبح عاليها سافلها..
وسافلها عاليها..
تعدادنا في بلاد العجائب ثلاثة مليون مسلم ..
يُصَلون في كل يوم خمس مرات..
يسرقون بين الصلاة والصلاة..
يكذبون بين الصلاة والصلاة..
ينافقون بين الصلاة والصلاة..
يُزَوِرون بين الصلاة والصلاة..
ويظلمون بين الصلاة والصلاة..

(6)
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
للقبيلة في بلادنا أبناء وأبناء..
للأعراق فيها أحباء وأحباء..
للايدولوجيا كثير من الولاء..
للدول الشقيقة والمجاورة حلفاء وعملاء..
ونحن جميعا لوطننا أعداء..
ولاؤنا مشتت بين القبائل والأشقاء..
بلادنا بلا أبناء..
بلا أحباء..
بلا أصدقاء..
بلادنا يسكنها ثلاثة مليون مهاجر كلهم لها أعداء..
في بلادنا ألف ألف سياسي..
وليس فيها سياسي مواطن..
في بلادنا ألف ألف شاعر..
وليس فيها شاعر مواطن..
في بلادنا ألف ألف مثقف..
وليس فيها مثقف مواطن..
في بلادنا ألف ألف تاجر..
وليس فيها تاجر مواطن..
في بلادنا ألف ألف لص..
وليس فيها لص مواطن..
ونحن في بلادنا أنصار للوحدة العربية..
أنصار للوحدة الإسلامية..
أنصار للوحدة الإفريقية..
أنصار للوحدة الكورية..
في بلادنا نحن أنصار لكل وحدة إلا للوحدة الوطنية..
في بلادنا ناصريون..
فيها بعثيون..
فيها إسلاميون..
فيها كادحون..
فيها متطرفون ..
فيها انفصاليون..
فيها غوغائيون..
وليس في بلادنا وطنيون..
في بلادنا مغاربة..
فيها صحراويون..
فيها سنغاليون..
فيها جزائريون..
فيها ليبيون..
فيها صينيون..
فيها أفغان و شيشانيون..
في بلادنا كل أمم الأرض..
ولكن ليس في بلادنا موريتانيون..
في بلادنا ثلاثة مليون مهاجر كلهم لها أعداء..

(7)

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا دستورها عجيب..
مادته السادسة تحير كل لبيب..
لم تعط للغة المستعمر أي نصيب..
ورغم ذلك فإدارتنا تتواصل بلغة المستعمر..
تتخاطب بلغة المستعمر..
مسابقات التوظيف بلغة المستعمر..
فواتير الكهرباء بلغة المستعمر..
فواتير الماء بلغة المستعمر..
وصفات الأطباء بلغة المستعمر..
خمسون عاما وبلادنا العجيبة لا زالت تمجد لغة المستعمر..
لا زالت ترفض أن تتخلى عن لغة المستعمر..
ليت أطباءنا تشبهوا بأخلاق أطباء المستعمر..
ليتهم كانوا رحماء كأطباء المستعمر..
ليتهم كانوا بإنسانية أطباء المستعمر..
ليت قضاتنا كانوا بعدالة قضاة المستعمر..
ليت كل موظفينا كانوا كموظفي المستعمر..
لو كان كل موظفي دولتنا العجيبة من بلاد المستعمر..
لكانوا أقرب للمواطن..
أرحم بالمواطن..
مشكلتنا في البلاد العجيبة أن موظفينا ليسوا كموظفي المستعمر..
ومع ذلك فهم يدافعون عن لغة المستعمر..

(8)
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا نصف شعبها بطونه جائعة..
والنصف الآخر قلوبه جائعة..
نصف شعبها جاهل..
والنصف الآخر يتصرف كالجاهل..
نصف شعبها فقير..
والنصف الآخر ينافس الفقراء في أرزاقهم..
نصف شعبها مفسد..
والنصف الآخر مشروع مفسد..

(9)
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا العجيبة تطردنا كل يوم..
تظلمنا كل يوم..
تُحرجنا كل يوم..
تذلنا كل يوم..
تهيننا كل يوم..
تقتلنا كل يوم..
ولكن في بلادنا شيء عجيب يشدنا إليها كل يوم..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كتبت هذه الفاصلة بمناسبة خمسينية الاستقلال، وأنشرها اليوم بعد تعديلات طفيفة.