الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

ملاحظات على مقال سعادة السفير


لم يختلف المقال الأخير لسعادة السفير الموريتاني في قطر عن مقالاته السابقة، لا من حيث سلاسة الأسلوب، ولا من حيث وضوح الفكرة، ولا من حيث القدرة على التنقيب واستكشاف الأدلة، حتى ولو كان ذلك في أرض جدباء قاحلة.
والحقيقة أن السفير الذي يشغل حاليا وظيفة رسمية سامية، قد انفرد بنمط خاص من الكتابة يميزه عن اتجاهين من كتابات الموظفين السامين. وقد يكون من المهم في بداية هذا المقال أن نحدد تلك الاتجاهات الثلاثة:
الاتجاه الأول : يمثله الكاتب الكبير "محمد الأمين ولد الكتاب"، والذي اختار ـ عن قصد ـ أن تقتصر كتاباته على القضايا الثقافية التي ليست لها كلفة، لا على الوظيفة، ولا على العلاقات الشخصية بالأطراف السياسية المتصارعة. وربما يقول قائل هنا بأن الوظيفة الحالية للكاتب الكبير تفرض عليه أن يكتب في القضايا الثقافية. كما أن حاجة الساحة الثقافية الماسة لكتاباته المتميزة في هذا المجال قد تشفع له، وتبرر التفرغ ـ على الأقل في الوقت الحالي ـ للقضايا الثقافية.
ورغم رجاحة تلك الحجة، إلا أن ذلك لن يمنعنا أن نذكر بأن هذا الكاتب الكبير له اهتمامات أخرى، خاصة في مجال الديمقراطية والتنمية. وأنه كان بإمكانه ـ لو أراد ذلك ـ أن يكشف لنا بعضا من أسباب هذا الفشل السياسي والتنموي الذي تتخبط فيه البلاد منذ نصف قرن ، كان بإمكانه أن يفعل ذلك ، لو كان مستعدا لأن يدفع الكلفة اللازمة لقول ذلك.
الاتجاه الثاني : أن تُحَول الوظيفة الرسمية كاتبا كبيرا إلى منافس لمهرجي الإعلام الرسمي، والذين ليس لهم من شغل إلا تمجيد السلطان وشيطنة خصومه.
وهذا الاتجاه يمثله كاتب الكبير، وموظف لامع يشغل حاليا منصب وزير للصحة. لقد اختار الوزير أن يكون موظفا من الدرجة الثالثة، في الإعلام الرسمي. واختار أن ينتقد المعارضة ـ وله الحق في انتقادها ـ بأسلوب لا يناسب مقامه، وهو أسلوب أصبح يتورع عنه بعض مهرجي الإعلام الرسمي. كما اختار أن يمتدح السلطان بأسلوب أصبح ـ كذلك ـ يتورع عنه مهرجي الإعلام الرسمي.
فأن يكتب وزير فتلك سنة حسنة، خاصة في بلدنا الذي يكاد ينعدم فيه الموظف الكاتب. وأن يدافع وزير عن حكومته، أو ينتقد خصومه فذلك حق طبيعي لا جدال فيه. أما أن يكتب كاتب كبير بحجم وزير الصحة، بالأسلوب الذي أصبح يكتب به منذ توليه الوزارة، فتلك مصيبة تستحق أن نعزي فيها جمهورا من القراء، لم يكن فيهم من يتوقع أن يتحول كاتب كبير وسياسي بارز، إلى موظف من الدرجة الثالثة في بيوت الشعوذة الرسمية، والتي تعرف اصطلاحا بمؤسسات الإعلام الرسمي.
الاتجاه الثالث: ويمثله السفير الذي استطاع أن يكتب عن مواضيع سياسية شائكة كالهوية والحوار، بأسلوب يُمتع القارئ ويحترم عقله، وينصف الخصوم السياسيين، ويرضي في نفس الوقت الرئيس وأنصاره.
لقد قال لي مرة القيادي البارز في حزب التكتل السيد " صداف ولد الشيخ الحسين " المعروف بشجاعته، وبجرأته في التعبير عن رأيه، والتي تظهر من خلال بيانه الأخير الذي رد فيه ـ عندما سكت الجميع ـ على "هفوة قاضي". لقد قال لي على هامش أول اتصال هاتفي يجمعنا، علق خلاله على مقال للسفير منشور آنذاك تحت عنوان" نحن والمصائب الثلاثة ومتطلبات المرحلة" "لقد كان مقالا رائعا لولا الفقرة الأخيرة التي كان على السفير أن يتركها لمناسبة أخرى". لقد كانت الفقرة الأخيرة من ذلك المقال موجهة لقارئ خاص هو الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
والفقرة الأخيرة تتكرر دائما في مقالات سعادة السفير، وإن كان يتغير موقعها من مقال إلى مقال. فتارة تأتي في بداية المقال، وتارة في وسطه أو آخره، وفي أحيان أخرى تأتي مبعثرة وغير منتظمة، كما هو الحال في المقال الأخير.
وتلك الفقرة التي أصبحت سمة بارزة في مقالات السفير لها ما يبررها. فالسفير هو الموظف السامي الوحيد الذي يمتلك الجرأة والشجاعة لأن يكتب في القضايا الشائكة، وهو في مقالاته يحاول دائما أن يرضي أطرافا ثلاثة، لها أمزجة متنافرة في أغلب الأحيان:
الطرف الأول : القارئ العادي : ولقد استطاع السفير وفي كل مقالاته، أن يحترم عقل هذا القارئ ، وأن يخاطبه بخطاب "عاقل"، يختلف كثيرا عن الخطاب الرسمي الساذج.
الطرف الثاني: المعارضة والخصوم السياسيون: فرغم أن السفير لا يبحث عن رضا المعارضة، إلا أنه مع ذلك يحاول دائما ـ عكس غيره ـ أن ينصفها، ولو قليلا، في كل ما يكتب.
الطرف الثالث: وهو قارئ خاص، لابد أن تخصص له فقرة خاصة، في كل مقال. وهي الفقرة التي تحدث عنها قيادي التكتل.
وعموما فالسفير يكتب عادة للعقلاء، وله مقالات عنونها ب: للعقلاء فقط. فهو يكتب للقارئ العاقل، وللمعارض العاقل، وهو عندما يغازل الرئيس فإنه يغازله بطريقة عاقلة، تختلف كثيرا عن المغازلة غير "المحتشمة"، التي يتبارى فيها "عشاق " الرئيس والمعجبون به من أغلبيته، أو من الطامعين في أن يكونوا من أغلبيته.
لقد تعرفت على سعادة السفير منذ مدة عن طريق الهاتف، عندما اتصل بي من قطر للتعليق على أحد مقالاتي المنشورة. ولقد كانت تلك المكالمة بداية لسلسلة من المكالمات تعرفت خلالها على خصال أخرى في شخصية السفير، لن أتحدث عنها الآن، لأنها ليست هي موضوع هذا المقال.
المهم أن تلك المكالمات كانت تتم على حساب رصيد هاتف السفير، سواء منها تلك التي كانت بمبادرة منه، أو تلك التي كانت بمبادرة مني. و أتذكر أني قلت له مرة، في واحدة من تلك المكالمات الطويلة:
ـ لقد قرأت مقالكم الجديد رغم أني لست من العقلاء الذين تحق لهم قراءته.
واليوم أقول لسعادة السفير بأني سأعلق على مقاله " عندما يكون الولاء للوطن" رغم أني لست من العقلاء الذين هم أهل لقراءته، مما يعني ـ بالضرورة ـ بأني لست أهلا للتعليق عليه.
وكل ما في الأمر هو أني خَبَرْت تواضع السفير، ورحابة صدره التي أغرتني بأن أكتب هذه الملاحظات، والتي لا تتعدى كونها مجرد ملاحظات لقارئ عادي على مقال استثنائي:
1 ـ لقد كان من الأسلم لسعادة السفير أن لا يكتب ردا على مقال " وزراء ولد الطايع بالأمس سفراء ولد عبد العزيز اليوم". فصاحب المقال لم يتحدث عن فساد وزراء ولد الطايع، وإنما حاول ـ وببساطة شديدة ـ أن يذكر الرئيس بأن الوزراء الذين كان يصفهم بالأمس بالفساد، قد عينهم اليوم سفراء.
فإلصاق تهمة الفساد بوزراء ولد الطايع لم تأت من كاتب المقال المذكور، وإنما جاءت من عند الرئيس نفسه. لذلك فرئيس الجمهورية كان أولى بأن يكتب له السفير ردا، بدلا من كاتب مقال " حكومة المنفى .." .
2 ـ من المؤكد أن صاحب المقال الذي أغضب السفير، وأثار أعصابه التي عهدناها هادئة لم يكتب ما يستحق" ثورة" السفير. فمن الواضح أن كاتب المقال يحترم كثيرا سعادة السفير. ومن المؤكد أن موقع " أمجاد " الذي نشر المقال يقدر كثيرا سعادة السفير. فهذا الموقع هو الذي كان ينفرد بنشر مقالات السفير، وهو الذي كان يثبتها مدة طويلة على صفحته الرئيسية، حتى يتيح قراءتها لأكثر عدد ممكن من الزوار.
ومن المؤكد كذلك أن سعادة السفير لم يغب عنه أن صاحب المقال قد جعل اسمه في آخر اللائحة، دون أن يكون في تسلسل المقال وصياغته ما يبرر ذلك، وكأني بصاحب المقال قد تمنى أن يسقط اسم السفير من لائحة وزراء الأمس سفراء اليوم، ولم يمنعه من ذلك إلا الأمانة والموضوعية.
3ـ لقد أثار السفير قضية هامة جدا تتعلق بعلاقة الأنظمة بالرجال، ومتى نحمل الرجال أو نعفيهم من أخطاء النظام الذي كانوا يشغلون فيه مناصب سامية؟
ومع أن هذا السؤال يستحق أن يفرد له مقال كامل، إلا أني مع ذلك أقول اختصارا بأن أي وزير من النظام السابق كان يبشر بذلك النظام، ويروج له، وكان يجعل الولاء له أهم من الولاء للوطن، فهو شريك لذلك النظام، وعليه أن يقاسمه الأيام "المرة" كما قاسمه الأيام "الحلوة" . وأعتقد أن الأمر يتأكد عندما يتعلق الأمر برؤساء حكومات في ذلك النظام، أو بأمناء عامين للحزب الجمهوري. وعموما فهذا الموضوع سنفصل فيه ـ إن شاء الله ـ عندما نتحدث مستقبلاعن أنواع المفسدين في النظام السابق، وعن طبقاتهم وتصنيفاتهم.
ولقد قدم السفير أمثلة من العالم كحجج، لعل من أبرزها احتفاظ " أوبوما" بوزير من حكومة " بوش". الشيء الذي أقوله هنا هو أن الوزير المذكور كان يتصرف بوصفه وزيرا لأمريكا، لا وزيرا لبوش. وهو بالتأكيد لم يكن يترك مصالح أمريكا لكي يتفرغ لمصالح الرئيس . ولم يكن يضيع وقته لفتح فصول وهمية لمحو الأمية، أو دور لكتب الطبخ والخياطة. وهو لم يكن ينشر ثقافة الفساد، ولم يكن يخفي عن الرئيس بوش مآسي أمريكا الأعماق عندما يزورها، من خلال استجلاب الخيام والسجاد وأكلة المال العام من الأصدقاء، ليحجب بهم عن الرئيس مآسي ومعاناة الأمريكيين الفقراء.
4 ـ تحدث السفير عن التواصل بين الأجيال واتهم صاحب مقال "حكومة المنفى" بأنه يريد الرئيس الحالي أن يحارب ويقاطع جيلا كاملا دون تبصر أو تريث..
لا أحد يدعو الرئيس لأن يحارب جيلا كاملا، ولا أعتقد بأن هناك عاقلا سيطلب من الرئيس أن يقطع كل صلاته بالأجيال الماضية، ولا أن لا يستفيد من تجاربهم وخبراتهم المتراكمة. وفي المقابل فإنه لا يجوز لوزراء الأمس أن يستنكروا على "ضحايا الفساد" مطالبتهم للرئيس الحالي بأن لا يجعل من تعيين وزراء الأمس قاعدة، بل عليه أن يجعل منه استثناء يقتصر على حالات محدودة، ومحدودة جدا يحتاج إليها الوطن وبشكل ملح. فهناك كفاءات وطنية حُرمت من التوظيف بالأمس، وهي لا زالت محرومة اليوم في موريتانيا الجديدة، وهي أولى ـ قطعا ـ بالتعيين من وزراء الأمس.
5 ـ لقد تحدث السفير عن تعامل الإسلام مع الرجال وهم قادمون من الجاهلية. وقدم سعادته عدة أمثلة لعل من أبرزها المثال المتعلق بالصحابي الجليل خالد بن الوليد. وهنا أذكر سعادة السفير بهذه الحادثة : فقد كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كغيره من الصحابة السابقين الأولين له منزلة عظيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد قال له خالد: أتستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها!، فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم : " مهلا يا خالد، دع عنك أصحابي فوالله لو كان لك أحد ذهبا، ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحة " [ أورده ابن القيم في زاد المعاد ] .
تصبحون على مقال جديد لسعادة السفير ...

الكلام المباح


لقد كشفت المعركة الأخيرة التي دارت بين قواتنا المسلحة والقاعدة الغطاء عن حقائق مؤلمة جدا. وهي حقائق لم يعد بالإمكان تجاهلها، خاصة في هذه الأيام التي تسبق الاحتفالات المخلدة لخمسينية الاستقلال والتي يجب علينا أن نجعل منها ظرفا زمنيا لمحاسبة أنفسنا حسابا عسيرا، إذا ما كنا نريد ـ حقا ـ أن تكون الاحتفالية القادمة بداية لانطلاقة جديدة تخرجنا من هذا الواقع البائس الذي نتخبط فيه منذ نصف قرن.
الحلقة الأضعف:
لقد أثبتت المعركة الأخيرة بأننا الحلقة الأضعف ـ من بين كل دول المنطقة ـ من حيث الحس الوطني، ومن حيث الولاء للوطن. فالموريتاني لا يزال هو ذلك الإنسان الضائع والمشتت بين عدة ولاءات. وهو لا يزال ذلك الإنسان الذي يجعل ولاءه القبلي، و الجهوى، والعرقي، والقومي، وحتى الإيديولوجي فوق ولائه الوطني.
ومما يؤسف له حقا أنه في الوقت الذي يرتفع فيه الحس الوطني لبعض دول الجوار إلى مستويات عليا غير صحية، فإنه ينخفض لدينا إلى مستويات دنيا غير صحية.
فإذا كانت الجزائر ـ مثلا ـ قد عاشت حالة استنفار شارك فيها المثقفون والأكاديميون والإعلاميون والبسطاء من عامة الشعب الجزائري لمناصرة منتخبهم الوطني في مباريات رياضية مع مصر، فإن موريتانيا قد عاشت لا مبالاة غير مسبوقة شارك فيها رسميوها ومثقفوها وإعلاميوها و بسطاؤها لخذلان جيشها في معركته الأخيرة التي خاضها مع بعض عناصر القاعدة في الشمال المالي, بل إن بعض هؤلاء المثقفين والإعلاميين والسياسيين لم يستطع أن يخفي شماتته حتى من قبل أن يتوقف إطلاق النار.
لقد بات جليا بأننا بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب ولاءاتنا بطريقة متوازنة وسليمة، ووفق منطق سليم يجعل الولاء للوطن يسبق أي ولاء آخر. فلم يعد من المقبول أن ننظم المسيرات التضامنية مع الشهداء الفلسطينيين والعراقيين والأتراك ونفشل في تنظيم مسيرة تضامنية واحدة مع شهدائنا الذي سقطوا في ساحة الشرف وهم يحاربون دفاعا عن الوطن. حتى التعازي فقد تأخرت كل الأحزاب في تقديمها باستثناء الحزب الحاكم الذي لم يقدمها أصلا، رغم أنه كان سباقا في إصدار بيان يعبر فيه عن دعمه للقواتنا المسلحة، أو على الأصح يعبر فيه عن دعمه لرئيس الجمهورية. ولو كان بيان الحزب الحاكم جاء لدعم قواتنا المسلحة لأستنكر موقف الإعلام الرسمي السلبي . ومن غرائب رئيس الحزب التي لا تنتهي أنه هدد الصحافة الأجنبية بسحب التراخيص، ولم يتحدث عن تقصير الإعلام الرسمي.
فلم يعد من اللائق أن ننسب إلينا شهداء فلسطين و العراق وأفغانستان، ولا نستطيع أن ننسب إلينا شهداء جيشنا. فالكثير منا لا زال يصر على أن يسميهم بقتلى الجيش الموريتاني، أما القلة التي تحتسبهم عند الله شهداء، فإنها تسميهم بشهداء الجيش الموريتاني.
فمن العصي على الفهم حقا أن ترق قلوبنا وتتألم لإخواننا العرب والمسلمين خارج حدودنا، ولا ترق تلك القلوب وتتألم لإخواننا العرب والمسلمين الذين يتقاسمون مع الوطن.
ورغم أننا قد تعودنا على أن ننظم ـ وبإجماع ـ مسيرات تضامنية مع الأشقاء خارج الحدود، فقد فشلنا في أن ننظم مسيرات مشابهة تضامنا مع أشقائنا المنكوبين داخل الوطن ( الطينطان مثلا ). ومن المفارقات أن نخبنا النشطة في مجال تنظيم المسيرات والوقفات التضامنية مع الأشقاء، هي من أكسل النخب في العالم عندما يتعلق الأمر بتنظيم المسيرات التي تهتم بقضايا المواطنين ( ارتفاع الأسعار، الفيضانات..). فالحمالون الذين كان من المفترض أن يثيروا الشفقة نظرا لظروفهم الصعبة، لم يجدوا من يساندهم في تحركاتهم الماضية. كما أن أهم احتجاجات عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة ( ثورة الجياع) قد تمت بشكل عفوي، و في ظل غياب تام وكامل للأحزاب وللنخب التي عودتنا دائما على خذلان الضحايا والمظلومين والمنكوبين والمستضعفين داخل البلاد.
وهذه ـ بالتأكيد ـ ليست دعوة للقطرية معاذ الله، وليست دعوة للتخلي عن أهلنا في فلسطين أو في أي قطر عربي أو إسلامي أو إفريقي آخر. وإنما هي دعوة لنخبنا لأن تهتم بالموريتانيين العرب والأفارقة المسلمين الذين يسكنون الديار الموريتانية، بنفس مستوى اهتمامها بغيرهم من العرب أو الأفارقة المسلمين الذين يسكنون ديارا عربية أو إفريقية أو إسلامية أخرى.
وهناك حادثة كنت شاهدا عليها ربما تختزن كل الكلام المباح الذي قد لا أوفق في التعبير عنه في هذا المقال. ففي وقفة تضامنية مع قافلة الحرية 1 أمام ممثلية الأمم المتحدة، تواجد بعض الشباب الذين كانوا يرتدون أعلاما فلسطينية، وتركية، وموريتانية. أحد المشاركين في الوقفة وهو كهل " وقور" التفت إلى شاب يرفع العلم الموريتاني وطلب منه أن يرفع العلم الفلسطيني أو التركي بدلا من قطعة القماش تلك التي يرفعها!!!!!!!!!!!!!!
أزمة الإعلام
لقد أثبتت المعركة الأخيرة بأن إعلامنا "الوطني" يعيش أزمة عميقة. فمن المثير للاشمئزاز أن لا نشاهد على شاشة التلفزيون إلا الأغاني في الوقت الذي كان فيه بعض جنودنا يخوضون معارك شرسة مع عدو شرس في الشمال المالي.
ولقد كشفت تلك المعركة بأن التلفزيون لا يملك شيئا يقدمه للمشاهدين في لحظات حدوث الكوارث التي تستدعي توقيف بث الأغاني. فعندما يوقف التلفزيون بث الأغاني فإنه لا يجد بديلا يقدمه، اللهم إذا استثنينا مشاهد من البادية الموريتانية والتي تبقى أهم ما يقدمه التلفزيون من البرامج في الوقت الحالي لأنها لا تحتاج لتعليق.
لقد طلب الرئيس أكثر من مرة من التلفزيون أن يهتم بمشاكل وهموم المواطنين. فهل الحرب مع القاعدة ليست من هموم المواطنين التي على التلفزيون أن يهتم بها؟ ومن يتحمل المسئولية فيما حدث فهل هو الرئيس الذي عين المدير؟ أم هو المدير الذي لم يطبق تعليمات الرئيس في تقريب التلفزيون من هموم المواطنين؟ أم المسؤولية يتحملها الصحفيون العاملون في هذه المؤسسة والذين يتحمسون ويبدعون في برامج التأييد والمساندة للنظام، ويفشلون دائما في تقديم برامج تهتم بقضايا الوطن والمواطن؟ أم أن هؤلاء لا يسمح لهم بتقديم ما يهم المواطن؟ وإذا كان لا يسمح لهم بذلك فلماذا لا يصدعون بذلك ؟ ولماذا لا يستقيلون مادام لا يتاح لهم تنفيذ الأوامر السامية لرئيس الجمهورية ؟
المؤكد أن الإعلام الرسمي وبالأخص التلفزيون قد ارتكب جريمة شنعاء في حق الجيش، والشعب، والدولة. وهي جريمة يجب أن لا تمر بدون حساب.
والصحافة المستقلة لم تسلم ـ هي أيضا ـ من ارتكاب بعض الأخطاء التي يجب التوقف عندها. وسيتم تقديم مؤسسة "السراج" كنموذج لأنها كانت رائدة في التغطية السلبية للمعارك الأخيرة. فلم تترك "السراج" خلال أيام المعركة أي إشاعة لصالح القاعدة إلا ونشرتها كخبر. في حين أنها كانت تتجاهل كل الإشاعات التي كان يمكن اعتبارها في صالح قواتنا المسلحة. و"السراج" التي عودت قراءها على نشر كل ما تسطره الصحافة الجزائرية ـ أولا بأول ـ من مقالات وتحاليل وأخبار تتهم موريتانيا بخوض حرب بالوكالة، وبالتحالف مع الشيطان، وبالعمالة لفرنسا، قد فاتها هذه المرة أن تنشر ما تحدثت به "الوطن" الجزائرية، عن وجود أكبر قاعدة تنصت عسكرية أمريكية سرية في المنطقة، تضم 400 عسكري أمريكي في مدينة " تنمراست" في جنوب الجزائر.
وسأقدم هنا مثالين من الأخطاء التي ارتكبتها "السراج" خلال تغطيتها لمعركة الجمعة في الشمال المالي:
المثال الأول : في آخر عدد أي العدد الصادر يوم الخميس 23 ـ 09 ـ 2010 كتبت "السراج" في عنوانها الأبرز في صفحتها الأولى: " القاعدة تقدم الحصيلة". والملاحظ أن هذه الصياغة قد توحي للقارئ بأن ما قدمته القاعدة في بيانها هو الحصيلة الحقيقة للمعركة.
ورغم أن الصحيفة قدمت كل الحصيلة التي ذكرتها القاعدة في صفحتها الأولي، وبخط كبير وواضح، إلا أنها مع ذلك لم تخصص جملة واحدة من ذلك النص الطويل الذي كتبته في صفحتها الأولى، لتكذيب الجيش الموريتاني لذلك البيان. فالمهنية والحياد كانت تفترض أن تتم الإشارة إلى رد الجيش الموريتاني على بيان القاعدة، حتى ولو تعاملنا مع الجيش في تغطيتنا للمعركة على أنه جيش دولة أجنبية. وعندما تقلب صفحات العدد الداخلية فستجد أن "السراج " خصصت كل صفحتها الثالثة ـ وهي الصفحة السياسية للجريدة ـ لبيان القاعدة. في حين أنها اكتفت بتخصيص فقرة قصيرة جدا، بعنوان باهت جدا، في مكان قصي من الصفحة الثالثة لرد الجيش الموريتاني. وهي فقرة يصعب على القارئ أن يواصل قراءة البيان حتى يصل إليها.
المثال الثاني: أقدمه من موقع السراج الالكتروني. لقد كان أول خبر طالعته في الموقع بحلته الجديدة خبرا تحت عنوان:" ارتفاع ضحايا الجيش الموريتاني إلى 11 قتيلا"، وفي تفاصيل هذا الخبر لم أعرف كيف وصل عدد " الضحايا" أو "القتلى" إلى 11. فالخبر في تفاصيله قد تحدث عن 6 أعلنت عنهم وزارة الدفاع، وعن اثنين توفيا بعد ذلك متأثرين بجروحهم. المهم أن الخبر قدم لنا " فتحا" جديدا في الرياضيات حيث أصبحت 6 + 2 = 11.
ويظهر عدم الموضوعية أيضا في الاستطلاع الذي تنظمه " السراج " حاليا، والذي تحاول فيه أن تجيب على السؤال: " كيف ترى الحرب على القاعدة" ؟ لن أتساءل هنا عن السبب وراء اختيار الحرف على في السؤال بدلا من الحرف مع. بل سأتساءل عن السبب في اختيار ثلاث إجابات منها إجابتان ضد الحرب: حرب بالوكالة، خطوة غير محسوبة. وإجابة واحدة مع الحرب: رد لعدوان.
وإن كان لابد من الانحياز فقد كان أولى بمؤسسة " السراج " وغيرها من الصحف المستقلة أن تنحاز للجيش الموريتاني أثناء المعركة، حتى ولو كانت تعارض الحرب. ولقد كان على "السراج" أن تنتظر حتى يتوقف القتال للتعبير ـ وبكل حرية ـ عن رأيها المعارض للحرب. أما أثناء إطلاق النار فليس من الحكمة أن نروج لرواية العدو عن المعركة، أكثر من ترويجنا لرواية جيشنا. خاصة أننا لا نملك دليلا يجعلنا نرجح رواية العدو على حساب رواية الجيش، فكل من الروايتين يحتمل الخطأ والصواب على حد سواء. ومن "الأخلاق السياسية " أنه في وقت الكوارث لا يجوز أن نحاسب المسؤول عنها قبل أن ننقذ المنكوبين.فالمحاسبة أثناء الكارثة ليست إلا نوعا من التشفي. نفس الشيء بالنسبة للمعارك، خاصة منها تلك التي نعلم بأنها لن تحول بيننا وبين ما نريد قوله إلا لمدة يومين أو ثلاثة كما هو الحال في معركة " حاس سيدي".
الحقائق الأربع:
لقد أثبتت معركة الجمعة بأنه لا يزال هناك تباين كبير في الآراء حول الحرب على الإرهاب، لذلك فإنه من الضروري أن يستمر النقاش حول هذا الموضوع.
وفي اعتقادي الشخصي أنه على النظام الحالي أن يركز على النقاط التالية:
1 ـ أن يواصل الحوار مع المحسوبين على هذا التنظيم، وأن يستمر في العفو عن كل من يعلن تراجعه من السجناء.
2ـ لابد من التشاور مع القوى السياسية، وإطلاعها على مستجدات الأمور. فالحرب ـ أي حرب ـ يتحمل الجميع كلفتها، لذلك فإنه من الضروري التشاور مع الجميع وإطلاعه على كل المستجدات أولا بأول. وهذا لا يعني إفشاء المعلومات العسكرية، أو الإخبار بالعمليات قبل تنفيذها، فتلك معلومات عسكرية و استخباراتية ليس من حق السياسيين أن يطالبوا بالإطلاع عليها.
3 ـ لا بد من العمل الجاد من أجل بناء جبهة داخلية قوية ومتماسكة، وهو ما يحتاج من السلطات الحاكمة أن تقوم بخطوات ملموسة وجادة في هذا المجال. أما الأساليب المتبعة حاليا فلن تؤدي لنتيجة، لأنها تقتصر على تصريحات حادة من رئيس الحزب الحاكم ـ كلما كانت هناك عملية عسكرية ـ يطالب فيها المعارضة بأن تكون وطنية وأن تقف مع الجيش الوطني في هذه المرحلة التاريخية الحرجة.
4 ـ لقد طالب البعض بضرورة مصادقة البرلمان على الحرب ضد القاعدة وهو مطلب كان بإمكان الرئيس الحالي أن يحققه لخصومه. فالبرلمان الحالي لن يمانع في حرب ضد "الصين" إذا ما طُلِب منه ذلك. على كل حال تلك مسألة قانونية يرجع القول الفصل فيها إلى الدستور.
حجج واهية:
ولقد قدم المعارضون للعمليات العسكرية في الشمال المالي بعض الحجج، لعل من أكثرها وجاهة حجتين يمكن الرد عليهما على النحو التالي:
أولها : مطالبة البعض من الجيش الموريتاني أن لا يحارب القاعدة في الشمال المالي، وأن " يرابط" في أراضيه، وأن ينتظر العدو داخل الأراضي الموريتانية.
وهذا المطلب يفرض علينا أن نطرح الأسئلة التالية: كيف سيحارب الجيش القاعدة في الأراضي الموريتانية ؟ هل سينتظر قدوم " قنبلة بشرية " وانفجارها في مكان ما ليطلق عليها الرصاص بعد ذلك؟ وهل الجيش الموريتاني لديه القدرة على أن يحرس كل متر من الحدود الشاسعة، وأن يمنع عبور من يعتقد بأنه لا ينتظر لدخول الجنة إلا أن ينفجر في بقعة ما من الأراضي الموريتانية الشاسعة؟ إن عمليات جيشنا في الأراضي المالية ستحقق ـ إن تواصلت ـ هدفا في غاية الأهمية، وهو أن نحدد نحن مسار، ومكان المعركة، وذلك من أجل أن تقتصر كلفتها البشرية على قواتنا المسلحة.
فالحرب اليوم تكاد أن تقتصر على معارك ومناوشات في الشمال المالي بين قواتنا المسلحة والإرهابيين. وهذه هي أهم المكاسب التي يمكن أن نحققها في الوقت الحالي، حتى ولو أدى ذلك لسقوط المزيد من الشهداء في صفوف قواتنا المسلحة.
إن الربح والخسارة في هذه الحرب ـ على الأقل في بدايتها ـ لا يمكن أن يحسب بعدد من استشهد من قواتنا المسلحة، أو بعدد القتلى من تنظيم القاعدة. إن الانتصار في هذه الحرب سيتحقق لو استطاع جيشنا أن يفرض على الإرهابيين ساحة جديدة للحرب خارج الأراضي الموريتانية. المشكلة هنا أن الأصوات المعارضة للحرب على القاعدة تعمل ـ بقصد أو بغير قصد ـ لإحداث شرخ في العلاقات المالية الموريتانية ستكون من نتائجه أن تعود أراضينا إلى ميدان وساحة لهذه الحرب.
ثاني الحجج التي يحتج بها المعارضون: أننا الحلقة الأضعف وأنه علينا أن لا نحارب القاعدة، إلا إذا كان هناك تنسيق إقليمي لمحاربتها.فماذا لو ظلت مالي ترفض أن تحارب القاعدة؟ وماذا لو ظلت الجزائر ترفض ـ لسبب أو لآخر ـ أن تنسق معنا ميدانيا في هذه الحرب؟ وهل يُشرع لنا ذلك أن نستسلم للقاعدة كما استسلمت مالي، وأن نجود عليها بجزء من صحارينا الشاسعة، كما جادت عليها مالي بجزء من صحاريها؟
حديث بعضنا عن " الحلقة الأضعف " في المنطقة يذكر بحديث آخر، عن دولة ضعيفة أخرى مثلنا، كانت تواجه عدوا أكثر قوة وبطشا وشراسة ووحشية، ومع ذلك استطاعت أن تنتصر على ذلك العدو. لقد كان الكثير من اللبنانيين المهزومين يقول بأن قوة لبنان تكمن في ضعفه، وأن عليه أن لا يواجه العدو الإسرائيلي الذي هزم الجيوش العربية مجتمعة.
لقد انتصر لبنان ليس بدموع " الرجال" المهزومين الذين بكوا يومها لكي يظهروا للعدو وللعالم مزيدا من الضعف اللبناني. وإنما انتصر بمقاومة رجال قرروا أن يدافعوا عن أنفسهم ووطنهم بكل ما هو متاح لديهم.
تصبحون في وطن آمن تحسون فيه أنكم مواطنون حقا...

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

سامحونا...



سامحونا إن لم نودعكم يوم رحيلكم إلى أرض المعركة...
سامحونا فقد كنا نستمع لأزوان في تلفزيوننا " الوطني"...
وسامحوننا إذا لم نتابع بطولاتكم وتضحياتكم في أرض المعركة...
سامحونا فقد كنا نستمتع بمواصلة الاستماع إلى "أزوان" ومتابعة وثائقيات " ترانستل" ...
وسامحونا إذا انشغلنا عنكم يوم استشهادكم بالاستماع إلى " أزوان" الصباح، و"أوزان" الزوال، و "أزوان" المساء...
فما نحن إلا نحن ... وما تلفزيوننا إلا تلفزيوننا..وما نخبنا إلا نخبنا..
سامحونا إن تحدث تلفزيوننا عن بطولات " لخمير الحمر" ولم يتحدث عن بطولاتكم ...
وسامحونا إن نقل لمشاهديه كل معارك العالم ولم ينقل لنا معارككم المجيدة...
وسامحونا إذا لم نستقبلكم بالدموع وبالزغاريد..
سامحونا فقد حاربتم خلسة، واستشهدتم خلسة، وعدتم خلسة، ودفنتم خلسة في باطن الأرض التي ضحيتم بأرواحكم من أجلها..
وسامحونا لأننا لم نجعل من عودتكم إلى أرض " الوطن " حدثا عظيما ...
واعذرونا إن حرمنا أطفالكم من أن يرفعوا رؤوسهم يوم عودتكم شهداء إلى أرض "الوطن"...
وسامحونا إن شعر أطفالكم بأنهم ليسوا كأطفال الشهداء في أي بقعة من هذا العالم...
سامحونا فأنتم لم تستشهدوا من أجل القبيلة حتى نخلد ذكراكم..
وسامحونا فأنتم لم تموتوا دفاعا عن الايدولوجيا حتى نتغنى عليكم..
سامحونا فقد ضحيتم في سبيل الوطن... ونحن يهمنا كل شيء إلا الوطن...
سامحونا إذا خذلتكم صحافتنا المستقلة... وسامحونا إذا ما روجت ـ وأنتم تقاتلون ببسالة ـ لمصدر عسكري مجهول له مآرب كثيرة فيما يقول...
سامحونا إذا ما تحدثنا عن المعركة وكأنها تدور في بلد آخر...

وسامحونا إن بخلنا عليكم بنون وألف..
سامحونا إذا تحدثنا عن الجيش الموريتاني ولم تتحدث عن جيشنا...
وسامحونا إذا قلنا عنكم قتلى الجيش الموريتاني وشهداء الجيش الموريتاني..
سامحونا إذا لم نستطع أن نقول جيشنا ولا أن نقول شهداءنا..
سامحونا فنحن نستطيع أن ننتسب لكل شيء ... إلا لوطن يجمعنا ..
سامحونا إذا لم نسميكم بأعز الناس، وأشرف الناس، وأنبل الناس...
سامحونا فأنتم لم تستشهدوا في سبيل لبنان.. سامحونا فقد استشهدتم من أجل موريتانيا..
وسامحونا فتلزيوننا " الوطني" ليس كالمنار .. وصحافته ليست كصحافة المنار..
وسامحوننا فليس فينا " نصر الله " ليخاطبكم بأشرف الناس، وأعز الناس، وأطهر الناس..
وسامحونا فقصائد شعرائنا محجوزة لشهداء فلسطين، والعراق، والصومال، وافغانستان، والشيشان..
فسامحوننا إن لم نستقبل استشهادكم بقصيدة..
وسامحوننا إن لم نخلد ذكراكم بقصيدة..
وسامحوننا إذا بخلت عليكم معارضتنا " الوطنية " الناصحة والناطحة ببيان...
وسامحونا إذا ما انشغلت بتدارس الموقف، و تباطأت بإصدار بيانات ورقية، عندما أسرعتم أنتم بالتضحية بأرواحكم...
سامحونا فأنتم لستم شهداء غزة، ولا مارون الراس، ولا الفلوجة، ولا قندهار حتى نسارع ـ وبإجماع ـ للوقوف معكم...
سامحونا...
أرجوكم سامحونا..
فقد خذلناكم يوم حاربتم من أجلنا..
وخذلناكم يوم استشهدتم من أجلنا..
وخذلناكم يوم عدتم إلينا أجسادا هامدة..
سامحونا...
أرجوكم سامحونا..
سامحونا فمن يدري..؟ فربما يخرج من أصلابنا من يقدر لكم تضحياتكم.. تصبحون على وطن يقدر التضحيات...

الاثنين، 13 سبتمبر 2010

خمسون عاما.... وماذا بعد؟



خمسون عاما مرت ـ تقريبا ـ على ميلاد الحالة الموريتانية، تلك الحالة التي شكل ميلادها ونموها وتطورها نموذجا فريدا عصيا على الفهم...
خمسون عاما مرت وموريتانيا لا زالت ترفض ـ وبإصرار عجيب ـ أن تهبط ولو بدرجة واحدة عن مكانتها "المعتبرة" التي احتلتها على صعيد سلم الفشل العالمي، تلك المكانة التي جعلتها تتربع على إمارة التخلف، و الجهل، والفقر، والفساد، والجوع، والمرض، والانقلابات..
فهي لا زالت ـ حسب المؤشرات الدولية ـ من الدول الأكثر تخلفا في العالم، و الأكثر أمية، والأكثر فقرا، والأكثر جوعا، والأكثر انقلابات، والأكثر فشلا.. وهي لا زالت كذلك من الدول الأقل نموا، و الأقل تنافسية، والأقل شفافية، والأقل أمنا، والأقل استقرارا..
خمسون عاما ونحن نسير بلا بوصلة.. فماذا بعد ؟
في الابتدائي كان يقول لنا المعلم بأن شواطئنا من أغنى الشواطئ في العالم بالسمك. وكنا نحن نردد ـ وببراءة الطفولة ـ تلك الجملة، رغم أننا لم نتذوق طعم السمك ونحن صغار، ولم "نتذوق" طعم عائداته بعد أن أصبحنا كبارا. لقد كانت هناك قلة قليلة من بني جلدتنا ابتلعت الشواطئ بكل أسماكها وحيتانها، فحرمتنا من أكل السمك صغارا، وحرمتنا من عائداته كبارا.
وفي الابتدائي كان يقول لنا المعلم: إن بلدكم يمتلك أطول قطار في العالم. وكنا نحن نفتخرـ وبسذاجة الطفولة ـ بأننا نمتلك أطول قطار في العالم. وعندما كبرنا اكتشفنا بأن طول القطار كان نقمة ولم يكن نعمة، فطوله ساعد في استنزاف حديدنا لصالح القلة القليلة التي لا تشبع أبدا، حتى ولو ابتلعت مع ما في المحيط من سمك وحيتان حمولات أطول قطار في العالم من الحديد ولعقود متواصلة.
وفي الابتدائي كان يقول لنا المعلم بأنه في بلدنا يوجد نحاس كثير، وتوجد ثروة حيوانية هائلة، وتوجد مساحات شاسعة صالحة للزراعة. وكنا نحن نردد ـ وبغباء الطفولة ـ ما كان يقوله المعلم. وعندما كبرنا تمنينا لو أن معلمنا لم يقل لنا بأن في بلدنا سمك كثير، ولا حديد كثير، ولا نحاس كثير، ولا مساحات شاسعة. فربما لو لم يقل لنا ذلك لما حلمنا بعيش كريم، ولكنا أكثر استعداد للبؤس، والجوع، والفقر، والضياع، والجهل، والإحباط الذي نتخبط فيه الآن.
وغدا ربما يقول معلمون آخرون لأجيال أخرى، بأن موريتانيا من أغنى البلدان بالنفط، والذهب، واليورانيوم تلك المعادن التي تشير بعض المؤشرات إلى وجودها بكثرة.
وبعد خمسين عاما أخرى، ربما تُصدم تلك الأجيال ـ كما صُدِمت أجيالنا ـ عندما تكتشف بأن الذهب واليورانيوم والنفط بكل مشتقاته، كل تلك الثروات تم ابتلاعها بنفس الطريقة العجيبة التي ابتلع بها السمك والحديد والنحاس...
خمسون عاما سُرِقت فيها أحلام أجيال وأجيال... فماذا بعد؟
في الابتدائي كان يقول لنا المعلم : إن أرضكم أرض المنارة والرباط ، أرض المرابطين أرض شنقيط، أرض العلم والعلماء ، أرض الإشعاع الثقافي، أرض الرجال، وأرض الأخلاق الفاضلة، والقيم السامية.
وعندما كبرنا أصبحنا نخجل من أن نقول للآخرين بأننا شناقطة، بعد أن أصبح الشنقيطي رمزا للتحايل، والخداع، والسرقة، والشعوذة في كل قارات العالم وبلا استثناء..
وبعد اكتمال الخمسين عاما اكتشفنا بأن بلاد شنقيط أصبحت عاجزة عن تقديم الجائزة الرسمية الوحيدة التي كانت تقدم في بلاد شنقيط (جائزة شنقيط ). واكتشفنا أن عاصمة بلاد الإشعاع الثقافي قد فشلت في أن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية. كما اكتشفنا أن بلاد العلم والعلماء لا توجد فيها مكتبة عامة، حتى دور كتب الطبخ والخياطة وقصص عبير التي كانت منتشرة في البلاد، قد تم إغلاقها جميعا، وتم دفن ما فيها من كتب في مقبرة جماعية بمخازن الحالة المدنية.
خمسون عاما من " الضياع الوطني" نهبنا فيها كل رصيد الشنااقطة من السمعة الحسنة... فماذا بعد؟
لقد فشلنا حتى في إرسال أحد عشر شابا لتمثيلنا في تصفيات كروية، أصبحت كل الدول المجاورة ـ ونحن دائما نحب أن نقارن أنفسنا بدول الجوار ـ تتطلع للفوز ببطولتها، وتخجل من أن يقتصر دورها على المشاركة. أما نحن فأقصى ما نحلم به رياضيا هو أن نتمكن من المشاركة في تلك التصفيات.
خمسون عاما مضت... وخمسون حلما لم تتحقق.
في الابتدائي قال لنا المعلم أشياء كثيرة، وزرع في أنفسنا أحلاما كثيرة، قال لنا بأن عاصمتنا فتية، وبأن دولتنا فتية. وكعادتنا كنا نردد ـ ببساطة الطفولة ـ ما كان يقوله المعلم.
وعندما كبرنا اكتشفنا بأن بلدنا عانى من شيخوخة مبكرة مزمنة، وأن عاصمتنا شاخت وهي لا تزال فتية، وأصبحت مدينة أثرية، قبل أن تكمل عقدها الخامس. فشوارعنا الفتية تقعرت وهي فتية، ومؤسساتنا العامة انهارت أو صفيت وهي فتية، والمباني الرسمية القليلة أصبحت مباني أثرية رغم أنها فتية. وأطفال عاصمتنا شاخوا وهم أطفال، وشبابها شابوا وهم شباب، فهم لا يحتاجون ـ كغيرهم من الشباب ـ لملاعب رياضية، ولا لحدائق نزهة، ولا لمسارح....ولا..ولا..
خمسون عاما من "الفشل الوطني العام" في كل الأصعدة... فمن المسؤول؟
بالتأكيد يستطيع كل واحد منا أن يجيب على هذا السؤال بطريقة تقليدية، فالنظام الحالي يستطيع أن يقول بأن الأنظمة السابقة كانت هي السبب. ويستطيع كل نظام سابق أن يحمل النظام اللاحق له مسؤولية الفشل لأنه انقلب على "مسار التنمية" الذي كانت تنتهجه البلاد. وبإمكان الشعب أن يحمل المسؤولية لنخبه، وبإمكان النخب أن تحمل المسؤولية للشعب.فالكل بإمكانه أن ينتقد الكل.
هناك نكتة تقول بأن أحد الرؤساء العرب لما سُئِل عن السبب في فشله في تنمية بلده، أجاب بأن السبب يعود لكونه يقود شعبا عربيا.
والحقيقة أن في هذا الجواب الساخر شيء من الحقيقة قد لا يكون "الزعيم العربي" هو الذي قصده. فسلبية الشعوب العربية، واستعدادها للخضوع، والخنوع، وتقبلها لسياسات فاشلة، بل وتجاوبها المنقطع النظير مع تلك السياسات ساعد كثيرا في تخلف البلدان العربية.
فنحن جميعا في هذا البلد نخبا وعامة، حكاما ومحكومين نتحمل جزءا من هذه الحصيلة الكئيبة، ومن هذا الفشل الرسمي والشعبي الذي نعيشه اليوم. وإذا كان الحكام والنخب قد ارتكبوا " كبائر" عليهم أن يتوبوا منها، وأن يكفروا عنها بتضحيات جسيمة. فإننا نحن عامة الشعب قد ارتكبنا " صغائر" علينا كذلك أن نتوب منها، وأن نكفر عنها بتضحيات "صغيرة".
ولأنني في هذا المقال لا تهمني"كبائر الكبراء"، بقدر ما تهمني "صغائر الصغار" فسأقتصر هنا على تقديم بعض "الأفكار الصغيرة" التي أناشد كل القراء الإيجابيين أن يشاركوا في تنفيذها، وذلك حتى لا نظل تنفرج ببلادة، ونتعامل بسلبية مع هموم بلدنا الكثيرة.
وهذه الأفكار جاءت كإجابات عملية على السؤال التالي : ما الذي يمكن أن يقدمه مواطن عادي مثلي ومثلكم، لكي يساهم إيجابيا في نجاح الاحتفال بخمسينية الاستقلال الوطني؟
لقد جرت العادة لدى كل رؤساء هذا البلد أن يحيطوا أنفسهم برجال من الأسفنج، يمتلكون قدرة عجيبة على التشكل وفق مزاج ورغبات كل من يترأس. ولقد نتج عن ذلك أن طفا " الغثاء الثقافي" على المشهد الثقافي. وعلا "الزبد السياسي والإداري والإعلامي" على السطح السياسي والإعلامي والإداري. أما ما ينفع الناس ثقافيا أو إعلاميا أو إداريا أو سياسيا فقد ظل مدفونا في باطن الأرض، أو لُفِظ ـ في أحسن الأحوال ـ للتسكع في الخارج بحثا عن لقمة العيش. ولقد فات أولئك الرؤساء بأن القائد الناجح هو الذي يحيط نفسه بقادة ناجحين، لا برجال من الأسفنج.
وجرت العادة ـ وهذه مصيبة كبيرة من مصائبنا الكبيرة ـ عند الاحتفال بذكرى كل استقلال، أن تقتصر التكريمات والتوشيحات على بعض الزبد والغثاء مما لا ينفع الناس. و كان يتم التركيز دائما على الزبد والغثاء الأكثر غثائية، والأكثر قدرة لأن يطفو على الجميع.
وتفاديا لتكرار تلك المصيبة في الاحتفالية الكبيرة بمناسبة الذكرى القادمة لعيد الاستقلال، جاء السؤال: ما الذي يمكن أن يقدمه مواطن عادي مثلي ومثلكم، لكي يساهم إيجابيا في نجاح الاحتفال بخمسينية الاستقلال الوطني؟
هناك أشياء كثيرة لا تحتاج لموارد ولا لوسائل غير متاحة، يمكننا أن نقدمها:
1 ـ يمكننا أن نعد لائحة من مائة شخصية أغلبها من الشباب قدمت خدمة لهذا البلد، تستحق عليها التكريم. ويمكننا أن نختار تلك اللائحة بشكل شفاف، وبمشاركة كل من يرغب في ذلك. كما يمكننا أن نقدم تلك اللائحة ـ وبشكل جماعي ـ في والوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة إلى السلطات المعنية.
2 ـ يمكننا كذلك أن نعد لائحة ثانية من مائة شخصية تشغل الآن وظائف سامية، رغم أنها كانت تشغل وظائف سامية في نظام "ولد الطايع" الذي تم الانقلاب عليه، بحجة أنه أفسد البلاد والعباد. الغرض منه هذه اللائحة هو حرمان أفرادها من التكريم في الاحتفالات القادمة، و تذكير السلطات الحالية بأن كل رجال التغيير في ظل الاستقرار والذين تركهم "ولد الطايع" ليلة الثالث من أغسطس وهو راض عنهم، قد أصبحوا هم رجال الصفوف الأمامية في معركة التغيير البناء.
3 ـ يمكننا أن نجمع ونقدم بعض الأفكار الإبداعية والمتنوعة للمساعدة في نجاح الاحتفالات القادمة.
و المؤكد أنه بإمكاننا أن ننجح في تنفيذ هذه الفكرة على أحسن وجه إذا ما توفرت لدينا الإرادة الكافية، وإذا ما التزمنا بالشفافية والموضوعية في اختيار الشخصيات، وإذا ما أحسنا استخدام الآليات التي سيتم إتباعها، والتي سيتم الإعلان عنها في وقت لاحق إن شاء الله.
تصبحون على تضحيات "صغيرة" من أجل خمسينية موريتانيا ...








الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

من أجل نهضة أمة (2)

كيف ننهض بالعمل الخيري؟ 
 ضمن سلسلة حلول قرآنية لقضايا تنموية معاصرة، ستتحدث ورقة اليوم عن العمل الخيري من خلال وقفات مع سورة القصص، وذلك بعد أن تم تخصيص الورقة السابقة، للحديث عن عوائق التنمية في عالمنا الإسلامي من خلال وقفات مع سورة النمل. والحقيقة أن هناك دوافع ملحة فرضت اختيار هذا الموضوع من بين مواضيع تنموية أخرى ومن بين تلك الدوافع يمكن أن أذكر:
 1ـ الحديث عن العمل الخيري في شهر القرآن، وفي شهر الإنفاق، من خلال تدبر بعض الآيات القرآنية هو حديث ممتع جدا ومغر جدا. 
2 ـ من المفارقات المؤلمة جدا، أن الأمة التي أحدث دينها ثورة في مفهوم العمل الخيري، من خلال توسيع مجالات الصدقة والإنفاق، لتتسع لكل ذي كبد رطب، ومن خلال تنويع تلك المجالات، لتشمل كل ما يدخل السرور في النفس البشرية، سواء كان ذلك بشق تمرة، أو بابتسامة عابرة، أو بكلمة طيبة، أو حتى بنية صادقة. هي اليوم أمة تتعلم العمل الخيري من غيرها من الأمم، وهي بذلك تستورد أفعال الخير من الأمم الأخرى، بدلا من أن تكون هي من يصدر تلك الأفعال الخيرية للفقراء ولذوي الاحتياج من الأمم الأخرى.
 3 ـ لقد أصبح المسلم يعيش حياة متخلفة، ويموت "موتة متخلفة "، بفعل الجوع، والمرض، والعطش، والكوارث، والحروب، وقتل البعض للبعض. وقد أصبح عالمنا الإسلامي مجرد خريطة كبرى لمقابر جماعية، يحفرها عدو خارجي يزداد غطرسة وظلما، وأنظمة حاكمة تزداد فشلا واستبدادا، وجماعات متطرفة تزداد قسوة، لدرجة جعلت من الحزام الناسف الذي لا يقتل إلا الأبرياء ، حرفة "إسلامية" خالصة، أو بلغة العصر، ماركة "إسلامية" مسجلة. ومع مشاهد الموت اليومي للمسلمين، التي تنقلها الفضائيات إلى كل بيت مسلم، يظل الغائب الأكبر عن تلك المشاهد الأليمة، هو العمل الخيري الإسلامي. بينما يبقى الحاضر الأكبر هو المنظمات الخيرية الغربية، التي تأتي بأفواج من الشباب وبشيء غير يسير من المال ، لأغراض مشبوهة في بعض الأحيان ، وإنسانية في أحيان أخرى، لتخفف من معاناة المسلم الضحية ، التي تسبب فيها أخوه المسلم الحاكم، أو أخوه المسلم الإرهابي، أو العدو الظالم. يغيب أبناء البلد المسلم الميسور، عن إخوتهم في البلد المسلم المنكوب. و يغيب الميسورون عن المفجوعين في البلد الواحد، بل وفي المدينة الواحدة ، وحتى في الحي الواحد. تاركين بذلك الساحة خالية للمنظمات الغربية، وللمتطوعين المسيحيين أو اليهود لكي يظهروا وكأنهم أكثر رحمة، وأكثر رأفة بالمسلم من أخيه المسلم. لذلك فنحن اليوم بحاجة ماسة إلى وقفات قرآنية، لكي نستعيد من خلالها شيئا من "ألقنا"وإبداعنا الخيري، الذي جعلنا ذات يوم مُشرق، ننثر القمح على سفوح الجبال، لكي نطعم أسراب الطيور المهاجرة. 
الوقفة الأولى: لقد تمثلت أول لقطة خيرية في هذه السورة، في إيواء وكفالة زوجة فرعون لطفل رضيع، حملته الأمواج إلى قصر فرعون. طفل سيسمى فيما بعد موسى عليه السلام، أي لقيط الماء أو ابن الماء حسب اللغة المصرية القديمة. ومن تلك اللقطة يمكن الخروج بإشارتين اثنتين في غاية الأهمية: 
الإشارة الأولى : وتكمن في أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في العمل الخيري. فقد كانت المرأة هي أول من قدم عملا خيريا في هذه السورة، ويزداد دور المرأة أهمية، إذا ما كان العمل الخيري يتعلق بتربية وإيواء وكفالة ورعاية الأطفال، خاصة منهم اليتامى و أطفال الشوارع. فمن المفزع أن أغلب أطفال الشوارع، قد يتحولون إلى قنابل إرهابية أو إجرامية موقوتة، للانتقام من المجتمعات التي بخلت عليهم بقليل من المال لإيوائهم أو لتعليمهم. وبخلت عليهم فوق ذلك بلمسة حنان، كثيرا ما تقدمها لهم بعض المتطوعات الغربيات القادمات من أماكن بعيدة.
 الإشارة الثانية : أهمية القيام بالمتاح والممكن من العمل الخيري، حتى ولو تعلق الأمر بالعمل على إنقاذ ضحية واحدة، من بين آلاف الضحايا. لقد كان فرعون يقتل الأطفال بالجملة، ولم تكن زوجته قادرة على إنقاذ أي واحد من أولئك الأطفال، ولكنها عندما وجدت نفسها أمام حالة من تلك الحالات، يمكن إنقاذها، لم تتردد ولم تتأخر في تقديم العون لها. وفي ذلك درس مهم لكل من يترك العمل الخيري، لاعتقاده بأن قدراته وإمكانياته لن يكون لها أي تأثير. فهو يعتقد خطأً عدم جدوائية الاهتمام بحالة واحدة أو بحالات محدودة جدا، في بلدان كبلداننا الإسلامية ، التي يوجد بها حسب تقرير حديث لليونسيف 600 مليون طفل يعاني من الفقر، والمرض، والحرمان من التعليم. ويموت فيها سنويا 4.3 مليون طفل دون الخامسة، بسبب سوء التغذية، أو بسبب أمراض يمكن الوقاية منها. كما تُحرم فيها نسبة 60% من الالتحاق بالمدارس الابتدائية، في 17 دولة إسلامية . في حين سجلت 11دولة إسلامية ، أعلى معدلات وفيات أطفال بالعالم. البعض منا يتعامل بشكل سلبي، مع هذه الأرقام المخيفة، عندما يقلل من أهمية إنقاذ طفل واحد، من بين 4.3 مليون طفل يموتون سنويا، متجاهلا بذلك أنه لو حاول كل واحد منا أن ينقذ طفلا، بما هو متاح لديه، لأنقذنا وبدون مشقة، ملايين الأطفال الأربعة. وهو يتجاهل كذلك، أن من أحيا طفلا واحدا، فكأنما أحيا الأطفال جميعا. وربما يتمكن الطفل الوحيد الذي ننقذه، بتوفير لقاح مثلا، من أن ينقذ هو بدوره ـ عندما يكبرـ مئات الأطفال. لقد ساهمت آسية في إنقاذ كل أطفال بني إسرائيل، لأنها أنقذت الطفل الذي سينقذ بعد ذلك بعقود من الزمن كل بني إسرائيل، من ظلم الطاغية فرعون. وهي لم تتعامل ـ وهذا ما علينا أن نتعلمه منها ـ بشكل سلبي مع الرضيع الذي ألقاه إليها اليم، بحجة أنه لا فائدة من المخاطرة لإنقاذ طفل واحد، في الوقت الذي يذبح فيه الأطفال وبشكل متكرر أمام عينيها. الوقفة الثانية : رغم أن السورة الكريمة قدمت لنا صورا متنوعة من العمل الخيري، شاركت فيها كل الشرائح العمرية ( امرأة تكفل طفلا ، شاب يغيث مستضعفا ويسقي لنساء ، رجل من أقصى المدينة يكشف مؤامرة ويقدم النصيحة والاستشارة ، شيخ يُضيف غريبا ويوفر له عملا وزوجة) . فرغم أن مشاركة الكل في العمل الخيري بغض النظر عن الجنس أو العمر، هي مسألة بالغة الأهمية، وهو ما بينته السورة الكريمة، إلا أن الدور الذي يجب أن يلعبه الشباب في هذا المجال، يجب أن يكون دورا رائدا. ولقد ألمحت السورة الكريمة لذلك، من خلال عرض عملين خيريين، قدمهما الشاب موسى عليه السلام. قدمهما وهو يمر بوضعيتين في غاية التناقض، فالعمل الخيري الأول قدمه وهو أمير مدلل. أما الثاني، فقد قدمه وهو مطارد، خائف، جائع، غريب. لقد تحدث القرآن عن قصة موسى بتفصيل، لم يتحدث به عن قصة نبي آخر. ولقد قدم لنا القرآن جوانب هامة من حياة موسى عليه السلام، فكانت كل مرحلة عمرية تقدم لنا جانبا محددا، من حياة هذا النبي الذي اصطنعه الله لنفسه. فموسى الذي زاد على السبعين عاما على الأشهر، قد تميزت فترة شبابه بالعمل الخيري . و ما قدمه موسى من عمل خيري في هذه السورة الكريمة، قدمه وهو شاب لا يتجاوز الثلاثين من عمره، وذلك بعد أن خصص كل شبابه للعمل للخيري، هذا إذا ما استثنينا الزواج والعمل. فأين أنتم يا شباب العالم الإسلامي من العمل الخيري ؟ وأين أنتم من شباب موسى عليه السلام ؟ بل وأين أنتم في العمل الخيري من الشباب المسيحي أو اليهودي أو حتى الشباب الذين لا دين له ؟ ففي الولايات المتحدة الأمريكية التي تصنف العمل الخيري بأنه هو القطاع التنموي الثالث، تطوع في العام 1994 ما يزيد على 90 مليونا أغلبهم شباب، وهو ما يقترب من ثلث السكان، وبمعدل 4.2 ساعة أسبوعيا. وقد كان مجموع ساعات التطوع 20 بليون ساعة، أي ما يوازي عمل 9 ملايين موظف بدوام كامل، وهو ما تقدر قيمته ب 176 بليون دولار أمريكي. أما في كندا، فإن91% من الكنديين الذين تزيد أعمارهم على 15 سنة يقدمون تبرعات نقدية أو عينية. وتوجد في كندا 175000 جمعية أهلية، منها 78000 مسجلة. أما في فرنسا، فقد بلغت الجمعيات الخيرية 600000 جمعية في العام 2003، في حين أن عدد الجمعيات زاد على مليون ونصف المليون في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي أمريكا مثلا تمتلك " بونا يتدرويز " لوحدها 1400 فرع، وهو ما يزيد على عدد كل المؤسسات الإسلامية في العالم. أما في إسرائيل، فتوجد 35000 منظمة غير ربحية، وهو ما يفوق عدد الجمعيات في العالم العربي بأسره. ولقد استطاع يهودي أمريكي، اسمه "سورس" أن يؤسس مؤسسة " المجتمع المفتوح " والتي يوجد لها 33 فرعا ومركزا في دول العالم الثالث، منها 28 مركزا في العالم الإسلامي! ومن المفارقات الأليمة، أن ما تنفقه سنويا واحدة من أهم منظمات الشباب الإسلامي ( الندوة العالمية للشباب الإسلامي ) في شرق العالم الإسلامي، وفي غربه، لا يمثل إلا 5% مما تنفقه مؤسسة "المجتمع المفتوح" في دول البلقان لوحدها. يهودي آخرـ واليهود معروفون عادة بالبخل ـ تبرع للاستيطان في عام واحد، بما يفوق ما تبرعت به منظمة المؤتمر الإسلامي للمسجد الأقصى، خلال الأربعين سنة الأخيرة! وذلك في الوقت الذي تجمع فيه المنظمات اليهودية الراعية لصندوق "الهيكل بالقدس"، تبرعات منتظمة من 50 مليون أمريكي، بهدف هدم المسجد الأقصى، وإنشاء الهيكل المزعوم. وقد ساهم القطاع التطوعي ـ القطاع شبه الغائب في عالمنا الإسلامي ـ في دعم الاقتصاد الصهيوني في العام 2006 بما قيمته 14 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 13.3 % من الناتج المحلي الإجمالي . الوقفة الثالثة : من الإشارات المهمة التي قدمتها هذه السورة العظيمة، والتي على جميع المشتغلين بالعمل الخيري أن يتذكروها، خاصة في بداية مشوارهم الخيري، هي أن موسى عليه السلام كافأه الشخص الذي أغاثه بأن أفشى سره، مما جعل موسى عليه السلام يضطر للخروج من مصر، خائفا على نفسه من ظلم فرعون. لقد خرج موسى من موطنه بسبب عمل خيري، ومع ذلك فكان أول ما قدم في موطنه الجديد هو عمل خيري آخر، رافضا بذلك أن يترك وشاية الإسرائيلي تُوقِفُ مشواره الخيري. فالعمل الخيري باب من أهم أبواب العمل الصالح، لذلك على الذي يحاول أن يدخل من ذلك الباب أن يتوقع اختبارا وابتلاء كبيرا، بقدر أهمية العمل الخيري نفسه. لكن ذلك الابتلاء ـ وهذه من نعم الله ـ سرعان ما يتوقف، إذا ما أصر فاعل الخير على الانضمام " لنادي أفضل الناس "، من خلال مواصلة فعل الخير، والإصرار عليه رغم الابتلاء. ففي دقائق معدودة، حصل موسى عليه السلام على الأمن النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي. وظهرت النتائج الدنيوية العاجلة للعمل الخيري الذي قدمه في مدين، وذلك بعد أن تجاوز مرحلة الابتلاء، من خلال الإصرار على فعل مزيد من الخير، رغم النتائج "الكارثية " لعمله الخيري الذي قدم في مصر. الوقفة الرابعة: لقد كان موسى مهموما، جائعا، غريبا، وخائفا يوم قدومه إلى مدين. ورغم أن همومه في ذلك اليوم كانت لا تقاس بهموم غيره، إلا أنه مع ذلك لم يتوقف عن البحث عن المهمومين والضعفاء لكي يعينهم، وكأنه بذلك كان يريد أن يعقد صفقة مع رب العالمين، وهي صفقة لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال صفقة خاسرة ، لا في الدنيا، ولا في الآخرة. فماذا لو عقدنا نحن صفقات مشابهة، وتركنا همومنا الشخصية لرب العالمين، لكي نشتغل بهموم غيرنا من المستضعفين ، حتى ولو كانت تلك الهموم أقل إلحاحا من همومنا الشخصية ؟ لقد أصبح الكثير من المسلمين يعتقد أن العمل الخيري بصفة عامة، والإنفاق بصفة خاصة هي عبادة خاصة بالأغنياء دون الفقراء، وهنا لا بد من تسجيل الملاحظات التالية : الملاحظة الأولى : لقد كان موسى عليه السلام هو الأكثر فقرا، والأكثر احتياجا، من بين كل تلك الجموع التي تواجدت عند بئر مدين في ذلك اليوم الذي دخلها فيه موسى عليه السلام وهو خائف يترقب. ولقد كان موسى رغم ذلك هو الوحيد الذي بادر في ذلك اليوم إلى تقديم عمل خيري. وهو بذلك لا يختلف عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي عاش في مكة فقيرا، ومع ذلك فقد قالت له أمنا خديجة رضي الله عنها بعد نزول الوحي : ( كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ). وما قالته خديجة رضي الله عنها، يؤكد أن النبي صلي الله عليه وسلم ومن قبل أن يوحى إليه ، كان مشغولا ـ رغم فقره ـ بالعمل الخيري و بمد يد العون للغير. أما بعد نزول الوحي فحدث ولا حرج. ولم يقتصر الإنفاق في أوقات الشدة والفقر على الأنبياء فقط. فقد قدم الصحابة دروسا رائعة في مجال الإيثار: مجاهدون في سبيل الله وفي رمقهم الأخير يتدافعون شربة ماء ، كل منهم يريد الآخر أن يشرب أولا ، حتى استشهدوا الثلاثة. فقير آخر من الصحابة يبادر بالتصدق قبل أغنياء الصحابة، وآخر يستدعي الضيوف إلى بيته رغم أنه لم يكن يملك من الطعام إلا ما يسد به رمق أبنائه. أما أمنا زينب بنت جحش رضي الله عنها، فكانت تعمل بيديها الشريفتين لكي تَكْسِبَ مالا تتصدق به على الفقراء . فلم يكن غريبا إذاً أن يُنافس فقراء الصحابة أغنياء الصحابة في الإنفاق، لأنهم كانوا يعلمون أن أعظم الصدقات أجرا، هي تلك التي يتصدق بها المتصدق وهو يخشى الفقر. ولأن البعض قد يقول بأن تلك القصص الرائعة، في مجال الإنفاق التي قدمها الصحابة رضوان الله عليهم، لم يعد بالإمكان تقديمها في عصرنا الحاضر. لأولئك أقدم مثالا أحب دائما أن أتحدث عنه، وهو ليس بالمثال اليتيم ولا بالمثال القديم جدا: ذكر "أورخان محمد علي" في كتابه "روائع من التاريخ العثماني" قصة أغرب اسم جامع في العالم. وهو جامع صغير في منطقة "فاتح" في اسطنبول اسمه باللغة التركية : "صانكي يدم" أي: "كأنني أكلت" أو "افترض أنني أكلت". ووراء هذا الاسم الغريب، قصة غريبة طريفة، وفيها عبرة كبيرة. يقول "أورخان" : كان يعيش في منطقة "فاتح" شخص ورع، اسمه "خير الدين كججي أفندي" ، وكان صاحبنا هذا عندما يمشي في السوق ، وتتوق نفسه لشراء فاكهة، أو لحم، أو حلوى، يقول في نفسه : صانكي يدم.. كأنني أكلت.. ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له. ومضت الأشهر والسنوات، وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل، ويكتفي بما يسد رمقه فقط . وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفر القيام ببناء مسجد صغير في محلته. ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد، أطلقوا على الجامع اسم : جامع صانكي يدم، أي كأنني أكلت، أو أفترض أني أكلت وهذا الجامع لا يزال موجودا حتى الآن. الملاحظة الثانية : إن الكثير من أوجه العمل الخيري قد لا تحتاج أصلا إلى المال، مما يفتح المجال واسعا للفقراء. فمن بين أولئك الذين دخلوا الجنة بسبب عمل خيري ، كان هناك من قدم عملا لا يحتاج لمال، فكنس مسجد، أو إزالة جذع شجرة عن طريق المسلمين، أو وسقي كلب ، هي من الأعمال التي لا تحتاج لإنفاق مال. وفي عصرنا هذا توجد أعمال كثيرة لا تحتاج لمال كثير، أو لا تحتاج لمال أصلا، يمكن من خلالها أن ندخل السرور في قلوب المسلمين، وأن نكون بفعلها ممن يمشي في حوائج الناس. وذلك لكي نكون خيرا ممن يعتكف عشر سنوات، أو لكي نكون كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم الليل الصائم النهار . الملاحظة الثالثة : لقد كان قارون الذي ذُكِرَت قصته في هذه السورة العظيمة ، من أغني بني إسرائيل ، بل ومن أغني أغنياء البشرية. ومع ذلك فقد ظل يرفض أن يُنفق شيئا يسيرا من ماله الكثير على فقراء بني إسرائيل. لقد ظل ذلك "الملياردير" يرفض أن يُحْسِن كما أحسن الله إليه، حتى خسف الله به وبداره الأرض. وذِكْرُ قصة قارون في سورة القصص لوحدها من بين كل قصص القرآن، تلك السورة التي تحدثت عن المستضعفين وعن العمل الخيري ـ ليؤكد لنا بأن العمل الخيري ليس عملا خاصا بالأغنياء عن الفقراء، وإنما هو عمل عظيم يوفق الله له بعض عباده من الفقراء أو من الأغنياء، ويَحْرم منه البعض الآخر من الفقراء ومن الأغنياء على حد سواء. الملاحظة الرابعة : لقد أثبت بعض الفقراء في عصرنا هذا ، أن العمل الخيري ليس عملا ترفيا خاصا بالأغنياء ، وهناك مؤسسات خيرية ناجحة تؤكد تلك الحقيقة . وكمثال على ذلك يمكن أن نقدم تجربة البنجالي محمد يونس، الحاصل على نوبل في العام 2006 ، والذي هو واحد من المسلمين القلائل الذين أبدعوا في هذا المجال. ورغم أن الرجل قد اكتسب شهرة عالمية واسعة، إلا أنه مع ذلك لا زال مجهولا عند أكثر المسلمين. لم يكن محمد يونس رجل أعمال بل كان أستاذا جامعيا. ترك التدريس في وقت مبكر، ليتفرغ لمساعدة الفقراء، الذين كانوا يموتون جوعا، بفعل المجاعة التي عرفتها بنجلادش في السبعينات. أخذ د. محمد يونس يقترض لأنه لا يملك المال، وذلك لكي يقدم قروضا متناهية في الصغر لبعض فقراء بلده. وفي الوقت نفسه كان يبحث عن تمويل لأفكاره التي اعتبرها الجميع أفكارا مجنونة، وغريبة، وسخيفة، ومضحكة في نفس الوقت، لأنها كانت تشكل خروجا على النص . وكانت تشكل ثورة على المفاهيم السائدة في ذلك الوقت : فكيف يمكن تأسيس بنك خاص بالفقراء ؟ وكيف يمكن لمؤسسة مالية تريد أن تستمر أن تقدم قروضا للفقراء بلا ضمان ؟ وكيف يمكن تأسيس اقتصاد للفقراء في عالم لا يعرف إلا اقتصاد الأغنياء الذي يزيد الأغنياء غنى ويقتل الفقراء جوعا وفقرا وعطشا ومرضا وجهلا ؟ لقد أسس محمد يونس بنك غرامين (بنك القرية ) وكانت البداية ب27 دولارا فقط. وبنك غرامين اليوم يقدم قروضا تزيد على 5.7 مليار دولار. وهو موجود فيما يزيد على 40 دولة. وقد استفاد منه حتى الآن ما يزيد على 7 ملايين فقير. كما يمكن هنا أن نقدم مثالا آخر يتعلق بعبد الرحمن السميط ( أسألوا الله له الشفاء) ،ذلك الطبيب الكويتي الذي لم يكن غنيا، والذي أحب العمل الخيري في أصعب صوره . لقد أسس السميط جمعية العون المباشر، ونافس الجمعيات الغربية في إفريقيا ، وتمكن خلال ثلاثين عاما رغم الأمراض الكثيرة التي أصابته ورغم المخاطر العديدة التي كادت أن تقضي على حياته، أن يُدخل في الإسلام ما يزيد على ستة ملايين. وأن يشيد 2750 بئرا ارتوازية في إفريقيا، ويبني 1200 مسجدا مع كفالة 9500 يتيم، وأن يدفع رسوم الدراسة عن 95000 طالب فقير، و يوزع 51000000 نسخة من المصحف. فضلا عن بناء 102 مركز إسلامي متكامل، و200 مركز لتدريب وتشغيل النساء ... إلخ كلمة أخيرة : علينا أن نتعلم العمل الخيري من سيرة موسى عليه السلام الذي عاش في أمة مستضعفة، كما هو حال أمتنا الإسلامية في هذا العصر. فموسى الذي قال عنه الله تعالى (( ولتصنع على عيني )) كان لكل حدث في حياته مغزى. فالله كان يُعده لإنقاذ أمة مستضعفة، ذليلة، عانت من ظلم كبير، كما هو حال أمتنا الإسلامية اليوم. لذلك فعلى شبابنا ممن يتألم لحال الأمة، أن يتعلم من الشاب موسى عليه السلام، والذي كان يعتبر بأن فعل الخير لا ظرفية له، ولا حدود له ، ولا وطن له. فلقد كان موسى عليه السلام يفعل الخير، أينما حل، وأينما ارتحل. يفعله وهو أمير مدلل، كما يفعله وهو فقير جائع. يفعله كلما وجد محتاجا لذلك، سواء كان رجلا أو امرأة، وسواء كان من وطنه أو من وطن آخر. علينا أن نكون " خيريين بلا حدود " كما كان موسى عليه السلام، خيريا بلا حدود. وكما كان جميع الأنبياء والمرسلين، عليهم جميعا أفضل صلاة وأزكى سلام.

الإرهاب بالوكالة



كَثُر الحديث عن الحرب بالوكالة بعد العملية التي نفذها الجيش الموريتاني في الأراضي المالية بدعم فرنسي. ولقد كانت أغلب المقالات والتحليلات التي نشرت بعد تلك العملية النوعية، تكاد تجزم بأنها كانت مجرد عملية لإشباع رغبة فرنسية جامحة، من أجل تحرير الرهينة الفرنسي المحتجز حينها لدى تنظيم القاعدة.
ولقد حاولت تلك المقالات والتحليلات أن تقول ـ بأساليب وبلغات شتى ـ بأن الجيش الموريتاني أشعل حربا بالوكالة عن فرنسا، ضد تنظيم قوي وشرس لا قدرة له على مواجهته. ودعم أولئك نظريتهم تلك بجملة من الحجج، التي سيحاول هذا المقال أن يرد عليها حجة حجة.
ولقد تأخر هذا الرد كثيرا لأن هناك مواضيع أخرى كان يجب أن يُكتب عنها: الفيضانات، حملة الشجرة.. وذلك قبل العودة للكتابة من جديد عن عملية الخميس 22 يوليو، والتي كنت قد وعدت سابقا أن أكتب عنها مقالا آخر بعد مقال " شكرا للجيش".
ورغم أني لست محاميا عن النظام الحالي، ولن أكون كذلك، إلا أني مع ذلك لا أجد حرجا في أن أعلن ـ وبأعلى صوتي ـ مناصرتي للجيش في حربه ضد الإرهاب. وأن أدافع عن تلك المناصرة خاصة بعد أن تخلف كتاب الأغلبية ـ إن كان للأغلبية كتاب ـ عن محاولة الرد على أولئك الذين يمارسون إرهابا بالوكالة، بدعوى أن النظام يخوض حربا بالوكالة.
ولقد كانت الحجة الأولى التي اعتمدت عليها تلك التحليلات هي أن الرئيس الحالي يأتمر بأوامر فرنسية، وأنه لن يبخل بأي شيء ـ حتى ولو كان على حساب السيادة ـ من أجل رد الجميل لفرنسا ساركوزي، التي أعانته كثيرا في انقلاب السادس من أغسطس.
ولتفنيد هذه الحجة يجب علينا أن نناقش ثلاثة مجالات سيادية أساسية وهي التي ـ حسب اعتقادي ـ تشكل أدق " ترمومتر" يمكن أن يقيس لنا مستوى التنازل السيادي لصالح العلاقات مع فرنسا.
1 ـ مجال اللغة: إن فرض اللغة الفرنسية على المستعمرات السابقة يعتبر من أهم مجالات التدخل الفرنسي في سيادة تلك الدول. وفي هذا المجال يمكن القول ـ ورغم أن اللغة العربية لا زالت تعاني ميدانيا من ظلم كبير ـ بأن الرئيس الحالي تحدث عن مكانة اللغة الفرنسية في "لقاء الشعب" بطريقة غير مسبوقة، لم يتحدث بها رئيس موريتاني من قبله.
كما أنه في ذلك اللقاء أعطى نظريا للغة العربية مكانة لا يتجرأ كثير من ساسة البلد أن يعطوها لها. ولقد استطاع الرئيس في تلك الليلة أن يقول بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية والدستورية للبلد، دون أن يضطر كما يفعل الكثيرون لأن يقلل من تلك المكانة، بحجبها بغطاء من الاستدراكات والاشتراطات والتعقيبات والمجاملات الساذجة.
اللافت للانتباه هنا أن الكتاب الذين ثاروا لسيادة البلد بعد العملية التي نفذها الجيش الموريتاني ضد القاعدة، هم أنفسهم الذين يصمتون صمتا رهيبا، عندما تهان لغة القرآن ولغة الدستور، والتي تعتبر بحق من أهم رموز السيادة.
2 ـ من مجالات التدخل الفرنسي في سيادة المستعمرات السابقة، هي أن فرنسا تحاول دائما أن تجعل مستعمراتها السابقة تبعا لها في سياسيتها الخارجية، وأن تفرض على تلك المستعمرات أن تدور في محورها، وأن تصادق أصدقاءها، وأن تعادي أعداءها.
وفي هذا المجال يمكن القول بأن النظام الحالي لم يكن تبعا لسياسة فرنسا الخارجية، لأنه يصادق الكثير من ألد أعداء فرنسا. ويكفيه لتبرئته من تلك التهمة، أنه قطع العلاقات مع إسرائيل، التي تدللها فرنسا، ويدللها الغرب بصفة عامة.
3 ـ تعمل فرنسا جاهدة لأن تكون لها قواعدها العسكرية في مستعمراتها السابقة، وهو ما يمس كثيرا من سيادة تلك الدول. وفي بلدنا لا توجد قواعد فرنسية حسب تصريحات الرئيس، وهي تصريحات سنظل نصدقها ما لم يثبت لنا بالدليل القاطع ما يناقضها.
يضاف إلى ذلك كله أن النظام الحالي ظل يرفض وبشدة طلبا فرنسيا ملحا للإفراج عن بعض سجناء القاعدة، مقابل تحرير الرهينة الفرنسي الذي تم قتله بعد العملية العسكرية التي تم تنفيذها في الأراضي المالية.
لذلك فإن حجة الاستجابة الفورية للأوامر الفرنسية، لا تكفي لفهم وتحديد الغايات والأهداف من عملية 22 يوليو 2010م.
الحجة الثانية: تحدث أولئك الكتاب ـ الذين يمارسون الإرهاب بالوكالة ـ عن أهداف العملية، وقالوا بأنها لم تكن تهدف إلا لتحرير الرهينة الفرنسي المحتجز لدى الإرهابيين.
وحسب هؤلاء فلفرنسا الحق في أن تخوض حربا، وأن تفرض على الآخرين أن يخوضوا معها تلك الحرب، من أجل تحرير رهينة فرنسي، أو من أجل الانتقام لفرنسيين اثنين، أو ثلاثة، قتلهم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
ولا يحق ـ حسب هؤلاء ـ لموريتانيا التي قتل التنظيم وذبح العشرات من أبنائها، وروع مواطنيها، واختطف الأجانب من داخل حوزتها الترابية، لا يحق لها، أن تخوض حربا ضد ذلك التنظيم.
والخطير في هذا الكلام أنه ينظر بشيء من الدونية للإنسان الموريتاني، ولو أن تلك النظرة جاءت من الآخر، أو حتى من السلطات الحاكمة لكان بالإمكان التغافل عنها. أما أن تأتي من كتاب كان من المفترض بهم أن يجعلوا من إهدار دم أي موريتاني جريمة كبرى لا تغتفر، يجب الانتقام لها حتى ولو كانت كلفة ذلك الانتقام تتطلب سقوط المزيد من الشهداء.
فتوجيه ضربة عسكرية لتحرير مواطن فرنسي، أو للانتقام لفرنسي آخر قُتِل، هو أمر مفهوم جدا لدى أولئك الكتاب. أما توجيه تلك الضربة انتقاما لمقتل عشرات الجنود الموريتانيين الذين ذُبحوا وقُتلوا ومُثِّل بهم فهو أمر غير مفهوم.
فعلى كتابنا أن يعلموا جيدا بأن الحرب ضد ما يسمى ب"قاعدة المغرب الإسلامي" هي حربنا قبل أن تكون حرب فرنسا أو حرب غيرها.
وعلى كتابنا أن يعلموا بأننا في حاجة ملحة لأن نجعل القاعدة تفهم بأننا سننتقم لكل موريتاني بريء تقتله، حتى ولو كلفنا الانتقام له سكب المزيد من الدماء الموريتانية الزكية، فهكذا ـ وببساطة شديدة ـ نفهم الكرامة، وهكذا نفهم السيادة. وما كان الضعف ونقص الوسائل ـ في يوم من الأيام ـ مبررا لعدم الرد على العدو. وما كانت شراسة العدو ـ في يوم من الأيام ـ مبررا للاستسلام له.
فهذا التنظيم ـ وأنا أقصد فقط ما يسمى بقاعدة المغرب الإسلامي ـ قتل منا أضعاف ما قتل من الفرنسيين، وروعنا أكثر مما روع الفرنسيين، واستباح أرضنا وجعلها مسرحا لعملياته في الوقت الذي لم يطلق فيه رصاصة أو أن ينفذ عملية على الأراضي الفرنسية.
لذلك فهذه الحرب حربنا، ولن ننتظر حتى يخوضها الغير بالوكالة عنا. ونحن لن نقبل من الجيش ـ كما يدعو البعض لذلك ـ أن يتنازل عن دوره في توفير الأمن، حتى ولو كنا نعلم أنه ينقصه الكثير من الوسائل لأداء مهمته على أحسن وجه.
الحجة الثالثة : طالب البعض بمزيد من الاستكانة والتذلل للإرهابيين. وحذر البعض الآخر من تنفيذ أي عملية ضد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي باعتبار أن كل عملية ستشرع لعمليات مزلزلة ضد بلدنا، والذي يحلو للبعض أن يذكرنا دائما بأنه يمثل الحلقة الأضعف.
وللرد على هذه الحجة سأقدم أربعة ملاحظات وهي:
1 ـ لو كان التذلل والخضوع والاستكانة ينجي من ضربات القاعدة، لكنت ـ رغم بغضي للاستكانة والذل لغير الله تعالى ـ ممن يدعوا لعدم الرد على العمليات الغادرة التي نفذها هذا التنظيم ضد قواتنا المسلحة. ولكن المشكلة هي أن هذا التنظيم لا يرحم ولا يتراجع عن إراقة الدماء البريئة كلما وجد فرصة لذلك. وعلينا أن نتذكر دائما أن إحدى الدول المجاورة التي استكانت كثيرا لهذا التنظيم لم تسلم من ضرباته الموجعة والمؤلمة.
2 ـ هناك فرق كبير وكبير جدا، بين أن نستقبل ضربة موجعة من عدو يتوقع بأننا سنرد عليه، وبين أن نستقبل تلك الضربة من عدو لا يتوقع أننا سنرد عليه.
3 ـ لقد أثبت جيشنا في الأشهر الماضية ورغم وسائله المحدودة، بأنه قادر على أن يواجه تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي . ولقد استطاع أن ينفذ عمليات ناجحة ( عملية المزرب ، أسر عمر الصحراوي ، عملية الخميس 22 يوليو).
4 ـ لم يعد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بتلك القوة التي يتصورها البعض. فقد أفقدته عملياته الطائشة والمجنونة وتحالفه مع اللصوص ومهربي المخدرات الكثير من الأنصار الذين كانوا يعتقدون ـ خطأً ـ بأنه تنظيم جهادي يحارب الكفار.
الحجة الرابعة: لقد قارن البعض بين ما يقوم به جيشنا للدفاع عن أمننا، وبين حروب أمريكا الظالمة في العراق وفي أفغانستان. ولم يستغرب أصحاب هذه الحجة أن يقف العقلاء في هذا البلد ضد تنفيذ عمليات ضد القاعدة، كما وقف العقلاء في أمريكا وبريطانيا ضد احتلال العراق!!!
والمستغرب حقا هو أن لا يناصر العقلاء في هذا البلد جيشهم في حربه المشروعة ضد من استباح أرضنا، وقتل جنودنا بدم بارد، ومثل بهم في شهر رمضان المبارك.
والمستغرب أكثر أن لا يكون العقلاء في هذا البلد كالعقلاء في كل بلاد العالم، والذين لا يتخلفون عن مناصرة جيوشهم عندما تكون في حالة دفاع مشروع عن أمن وسيادة بلدانهم.
الحجة الخامسة: اعتبر البعض بأن عملية الخميس ستشرع للقاعدة تنفيذ المزيد من العمليات، وستمنحها المزيد من التعاطف الشعبي، وستعطيها فرصة لاكتتاب إرهابيين جدد.
فربما يكون ذلك الكلام صحيحا، إذا ما نظرنا لتلك الكتابات التي أعقبت عملية الخميس، والتي حاولت أن تظهر الجيش الموريتاني وكأنه جيشا ظالما، وأن عناصر القاعدة الذين قتلوا في الأراضي المالية ـ التي استباحها الجيش الموريتاني حسب أولئك الكتاب ـ كانوا ضحايا لعملية ظالمة، نُفذت في إطار حرب بالوكالة يخوضها الجيش الموريتاني نيابة عن فرنسا.
المؤكد أن القاعدة لا تحتاج لمن يشرع لها عملياتها، ولا تنتظر عادة أن تنفذ ضدها عملية حتى ترد بعملية. واعتقد جازما بأننا لو نصبنا أحد أمراء "قاعدة المغرب الإسلامي" أميرا على هذه البلاد، لخرج عليه بقية أمراء التنظيم واستباحوا دمه، وأعلنوا كفره، وأفتوا بضرورة الجهاد ضده.
الحجة السادسة : لقد بذل بعض كتابنا جهودا "جبارة" لجمع الحجج من مشارق الأرض ومغاربها، لدعم نظريتهم التي تقول بأن النظام الموريتاني أعلن حربا بالوكالة ضد قاعدة المغرب الإسلامي. ولم يضيع الباحثون عن حجة، كلمة لفظها عاقل أو غبي في هذا العالم، واعتبر فيها أننا نخوض حربا بالوكالة إلا جاؤوا بها، وكَبَّروها وضخَّموها، وجعلوا منها حجة لا يمكن دحضها.
فقد أصبحنا " شياطين" وحلفاء للشياطين لأن هناك شخصا ما، في جريدة ما، تصدر في مكان ما، وصفنا بذلك الوصف.
فأي عُقدٍ نعيش؟ وأي شعور بالنقص وبالدونية ننظر بها إلى ذواتنا؟
والمؤلم حقا، هو أننا لو اجتمعنا في صعيد واحد، بملاييننا الثلاثة، وكتبنا بقلم رجل واحد، في جرائدنا ومجلاتنا التي تصدر أو التي لا تصدر، بأن تلك الدولة التي تصدر فيه تلك الجريدة، قد "صنعت" الكثير من شياطين الإرهاب لما اهتم كاتب أو صحيفة أو جريدة من جرائد تلك الدولة بما كتبته الملايين الثلاثة.
الحجة السابعة : طالب أولئك الكتاب بالاقتصار على الحرب الناعمة ضد الإرهاب وتغافلوا عن ضرورة الجمع بين الحربين، كما تجاهلوا ما قامت به السلطات الحالية والذي تمثل في تنظيمها ـ ولأول مرة في تاريخ البلد ـ حوارا بين العلماء وبعض المحسوبين على هذا التنظيم.
ورغم أن ذلك الحوار لم تستثمر ـ وللأسف الشديد ـ نتائجه حتى الآن، إلا أنه مع ذلك كان بادرة طيبة تستحق أن يشاد بها في إطار الشق الناعم من الحرب على الإرهاب. كما أن أولئك الكتاب تجاهلوا ـ في إطار الشق الناعم للحرب على الإرهاب ـ أن الرئيس الحالي قطع العلاقات مع إسرائيل، وأنه كان هو أول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية فكر في طباعة مصحف، وقرر تشييد جامع كبير على نفقة الدولة ، وافتتح إذاعة للقرآن الكريم، واكتتب خمسمائة إمام مسجد.
ختاما..
إن ما نحتاج إليه حقا من كتابنا ليس التشكيك في الحرب على الإرهاب، وإنما نحتاج منهم أن يقولوا للسلطة بأن الحرب على الإرهاب التي أعلنتها، والتي تستحق الدعم من كل الموريتانيين، تحتاج من أجل حسمها لحوار سياسي عميق بين الأغلبية والمعارضة يكون حاضنا لها، وتحتاج كذلك لسياسات اجتماعية عادلة، ولبرامج ثورية في مجال محاربة الفقر، ولخطط عملية لاستقطاب الشباب في أنشطة ثقافية ورياضية وتنموية كبرى.تصبحون على إجماع وطني ضد الإرهاب...

من أجل نهضة أمة (1)


بسم الله الرحمن الرحيم
ستحاول هذه السلسلة من الأوراق ـ والتي نُشِر بعضها سابقا بصيغ قديمة ـ أن تتحدث عن بعض القضايا الشائكة التي تعتبر من أهم عوائق التنمية في العالم الإسلامي.
ورغم أن تلك القضايا التنموية الشائكة أثارت نقاشات وكتابات بلا أول ولا آخر، إلا أن الجديد الذي ستحاول هذه الأوراق أن تضيفه إلى تلك النقاشات والكتابات هو التحدث عن تلك القضايا من خلال تدبر بعض سور القرآن العظيم الزاخر باللآلئ والجواهر النفيسة.
وستكون البداية مع موضوع التخلف من خلال تدبر سورة النمل. تلك السورة التي تشير إلى حقيقة كثيرا ما تغيب عنا، وهي أن هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم، والذي ننبهر بما وصل إليه من تقدم وتطور بعد ظهور دول تمتلك قوة عظيمة، هو نفسه العالم الذي شهد منذ آلاف السنين ملكا عظيما، لم ولن تعرف له البشرية مثيلا، حيث انقادت فيه الريح والشياطين والحيوان والإنسان لسلطان ملك واحد هو سليمان عليه السلام.
ونحن اليوم إذ نفتخر بأننا نعيش في عصر ثورة الاتصال، حيث أصبحت صورة الحدث تأتينا في بيوتنا من مكان الحدث نفسه ساخنة ومباشرة، خلال ثواني معدودة حتى ولو بعد عنا آلاف الكيلومترات. فعلينا أن لا ننسي أن هناك من كان يأتيه الحدث لا صورته في مدة تطول لو حسبت بالثواني . فعرش بلقيس لا صورته جيء به إلي سليمان عليه السلام في أقل من طرفة عين .
لذلك وبعد هذه المقارنة السريعة فإنه يحق لنا القول بأنه إذا كان من الحكمة أن نتعلم ونستفيد من تجارب بعض هذه الدول القوية التي تقود عالم اليوم، فإنه من الحكمة أيضا – بل هو الحكمة بعينها – أن نتعلم ونستفيد من " مملكة آل داوود العظيمة " ما يعيننا علي بناء دولة إسلامية قوية ومعاصرة، وذلك من خلال العودة إلي هذه السورة الكريمة التي قدمت لنا تلك المملكة العظيمة .
ومن الأهمية بمكان أن أقول – وهو ما سأشير له من خلال لقطات خاطفة – بأن كل النماذج المعاصرة والتي استطاعت أن تبني قوة عظيمة سواء كانت اقتصادية، أو عسكرية، أو علمية، إنما تمكنت من ذلك من خلال الاستفادة – حتى ولو تم ذلك بغير وعي – من أربعة أسس لبناء دولة قوية قدمتها هذه السورة الكريمة سأعرضها بعجالة في هذه الورقة من خلال أربع وقفات :
الوقفة الأولي :- العلم أولا :- إن من يتدبر هذه السورة الكريمة سيجدها كغيرها من سور هذا الكتاب العظيم قدمت دعوة صريحة وقوية للتعلم، فلا يمكن الحديث عن أعظم ملك في البشرية دون التحدث عن العلم . وتاريخ البشرية يشهد بأنه لم يستطع شعب جاهل أن يؤسس دولة قوية.
لذلك نجد أنه في كل هذه السورة الكريمة لم ترد كلمة الجهل – وبكل مشتقاتها- إلا مرة واحدة، جاءت ليصف بها الحق تعالي قوم لوط الذين عُرفوا بأخس الأعمال وأنكرها. في حين أن كلمة العلم بمشتقاتها تكررت في هذه السورة ثلاث عشرة مرة .
ولقد كان من أسماء الله الحسني التي وردت في مقدمة هذه السورة، وتحديدا في الآية السادسة : حكيم عليم .
والحكيم العليم عندما أراد أن يذكر ما أنعم به علي آل داوود – وهو الذي أنعم عليهم بنعم كثيرة وعظيمة – لم يذكر إلا نعمة العلم : ﴿ولقد ءاتينا داوود وسليمان علما ﴾ فالعلم هو الذي يجعل المستحيل ممكنا، فسليمان عليه السلام عندما طلب أن يؤتي إليه بعرش بلقيس، قُدمت له عروض كان أقواها وأسرعها من حيث التنفيذ العرض الذي قدمه من وصف بالعلم في الآية الأربعين من هذه السورة الكريمة : ﴿قال الذي عنده علم من الكتاب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ﴾.
لذلك فأنا لست بحاجة في هذه العجالة لأن أطيل الحديث عن العلم والتعلم. كما أني أعتقد بأني لست بحاجة لأن أؤكد هنا بأنه لا يمكن الحديث عن تنمية، ولا عن دولة إسلامية قوية، مادامت الأمية تنتشر في عالمنا الإسلامي، حيث زادت نسبتها علي50٪ في بعض دول أمة النبي صلي الله عليه وسلم، والذي كان أول ما أنزل إليه من القرآن العظيم :﴿اقرأ باسم ربك﴾.
الوقفة الثانية :- لابد من مشاركة الجميع :- في هذه المملكة العظيمة والسورة الكريمة ذكر الله تعالي مخلوقين صغيرين ضعيفين، أحدهما كان سببا في نجاة أمة من الناس من هلاك أخروي مبين. وثانيهما كان سببا في إنقاذ أمة من الحشرات من هلاك دنيوي محقق.
"سبق صحفي" جاء به هدهد: ﴿ أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين﴾ و"صفارة إنذار" أطلقتها نملة : ﴿قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾ مع أنه كان من الأولي، وفق المنطق البشري السليم، أن يأتي بهذا " السبق الصحفي " و أن تطلق "صفارة الإنذار" تلك بعض المخلوقات الأخرى القوية في هذه المملكة العظيمة، كالجان والريح مثلا.
لقد أطلقت صفارة الإنذار تلك، نملة نكرة، قد تكون من العساكر، وقد تكون من الوصيفات أو الشغالات.،لا يهم. فالمهم أن الحكيم العليم لم يعرفها بل تركها نكرة وهو ما يمكن أن نستخلص منه أن إنقاذ أمة ، أية أمة، لا يقتصر فقط على نخبها وقادتها وزعمائها، بل قد يأتي من نكرة من الناس، تماما كما أنقذت نكرة من النمل أمتها.
وفي ذلك "السبق" وفي تلك "الصفارة " إشارة واضحة وجلية بأنه لابد أن يشارك الكل صغارا وكبارا، ضعفاء و أقوياء، في نماء وبناء الدولة القوية.
وهنا لابد من الإشارة إلي أننا – وفي أغلب بلدان العالم الإسلامي – نعاني من ظاهرة تناقض تماما تلك الصور الإيجابية التي قدمها لنا الهدهد والنملة.
فأغلب حكومات العالم الإسلامي لا تزال عاجزة عن إشراك ودمج نسب هامة من شعوبها في معركة التنمية، فلا يمكن الحديث عن تنمية في بلد لم يزل نصفه، أو ثلثه، أو ربعه، عالة عليه.
فلابد من إدماج الشرائح المستضعفة والمقصية في مسيرة التنمية وذلك من خلال تعليم الأميين، وخلق مصادر للدخل في الأوساط الأكثر فقرا، وذلك حتى تتمكن هذه الفئة الهامة من المشاركة في بناء الدولة بدلا من أن تبقي عبأ عليها.
والاهتمام بهذه الفئة ودمجها يبقي واحدا من أهم أسرار نجاح التجربة الماليزية، والتي تبقي هي بدورها نموذجا فريدا في عالمنا الإسلامي.
ومع أن الحكومات مطلوب منها – وهذا مطلب ملح جدا – أن تخلق بيئة مناسبة لإحداث تغيير في الأوساط الفقيرة، إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن قرار التغيير لا يمكن أن يتخذه في النهاية إلا الفقراء المستضعفون أنفسهم .
ولهؤلاء المستضعفين أقدم مثالين واضحين من عالمنا اليوم لما يمكن أن يفعله "الصغار" لصالح بلدانهم، وذلك بعد أن قدمت مثالين من سورة النمل لما أنجزه "الصغار" في مملكة سليمان عليه السلام .
المثال الأول اخترته من الهند، ومن أيام الاستعمار البريطاني، ويتعلق بأقدم أصغر جهاز مخابرات عرفه العالم. هذا الجهاز أسسته طفلة صغيرة، كانت تقود مجموعة من الأطفال الذين يتظاهرون باللعب قرب مواقع الجيش البريطاني، وهم في حقيقتهم يجمعون معلومات قيمة عن هذا الجيش ويقدمونها للمقاومة الهندية دون أن يشعر الإنجليز بذلك.
ولقد عُرفت الطفلة التي أسست هذا الجهاز الصغير فيما بعد "بانديرا غاندي" .
أما المثال الثاني فأقدمه من أمريكا التي بهرت العالم بانتخابها لساكن أسود لبيتها الأبيض.
فتضحيات الأمريكيين البسطاء هي التي أوصلت رئيسا أسودا إلى البيت الأبيض. ومن بين أولئك البسطاء، سيدة سوداء اسمها " روزا باركاس" رفضت أن تترك مكانها في القطار، كما كان يفعل السود دائما عند حضور البيض . ولقد صرخت يومها تلك السيدة بعبارتها المشهورة : " لن أترك مكاني، لقد سئمت كل هذا "
الوقفة الثالثة :- العمل ثم العمل ثم العمل :- لم يكن "المؤسس الأول" لهذه المملكة العظيمة يأكل إلا من طعام يده ¹ .
فأي دعوة للعمل أبلغ وأشد صراحة من هذه الدعوة التي تركها لنا داوود عليه السلام، ذلك النبي الذي خصه الله تعالي بأن جعل الحديد لينا بين يديه كعجينة الطحين. وقد مكنت تلك المعجزة النبي داوود عليه السلام من تأسيس ما يمكن أن يُطلق عليه بلغة العصر، أول مصنع للصناعات الحربية.
وقد يكون من الضروري هنا، أن أقدم قصة أعتقد أنها تختزن أشياء كثيرة من أسرار نهضة اليابان التي بهرت كل دول العالم .
لقد كان هناك ياباني حلمه الوحيد أن يصنع أول محرك ياباني صغير. ولقد حقق ذلك الياباني حلمه بعد سنوات. وعندما أدار ولأول مرة هذا المحرك أمام الإمبراطور، علق حينها الإمبراطور قائلا : " صوت هذا المحرك هو أفضل موسيقى سمعتها في حياتي ".
ففي أول سطر من النهضة اليابانية، كان هناك مواطن إيجابي، وسلطة إيجابية. وكانت هناك صناعة، واحفظوها جيدا كانت هناك صناعة، كما كان في "مملكة آل داوود " صناعة .
أما نحن في العالم الإسلامي فأغلب حكوماتنا سلبية، وأغلب مواطنينا سلبي، ولا توجد في بلداننا صناعة، لذلك فلا يمكن أن نتحدث عن نهضة جادة، لأن السماء لا تمطر ذهبا كما قال الفاروق رضي الله عنه، وهي كذلك لا تمطر نهضة، ولا تنمية.
وهذه الورقة لا تطالب بصناعات حربية – وإن كان يشرع لها ذلك – وإنما تطالب بأن نصنع قليلا مما نستهلك. فأمتنا تأكل مما يزرعه الآخر، وتلبس مما ينسجه، وتنام علي ما يصنع. وقد قيل من يصنع لك يصنعك.
لقد ترك لنا داوود عليه السلام دروسا كثيرة سأكتفي بذكر درسين: أولهما لفقراء الأمة، وثانيهما لأغنيائها. ولابد من العمل بهما لتحقيق تنمية في بلدان هذه الأمة.
لفقراء الأمة – وما أكثرهم – أقول لا تهجروا العمل، ولا تتكبروا عليه. فقد كان داوود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده.
ولأغنياء الأمة أقول: لا تنغمسوا في حياة الترف، والبذخ، وجياع أمتكم كثر. وأعلموا أن داوود عليه السلام –وهو من أنعم الله عليه بنعم كثيرة – كان يصوم يوما، ويفطر يوما ².
الوقفة الرابعة :- في عالمنا اليوم والذي كثرت فيه الأزمات والحروب والكوارث تقدم لنا هذه السورة الكريمة نموذجين في غاية الروعة للتعامل مع الأزمات.
وما قدمته هذه السورة في هذا المجال هو ما يدندن حوله أهل الاختصاص في عالمنا اليوم.
النموذج الأول جاء من "مملكة سبأ" والتي استدعت ملكتها أهل الرأي للمشاركة في جلسة " تشاورية " أو " تفكيرية " لدراسة أفضل السبل للتعامل مع ذلك التهديد الخطير الذي ظهر فجأة من خلال رسالة شديدة اللهجة جاء بها هدهد.
الملكة شاورت، وحاورت ، وقدمت سيناريو لما يمكن أن يحدث :﴿قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ﴾. هذا الأسلوب المتميز مكن الملكة من أن تدير أزمة خطيرة، بطريقة مثلي، جنبت شعبها خسارة دنيوية وأخروية فادحة.
أما النموذج الثاني فقد جاء من "واد النمل" وهو نموذج يختلف تماما عن النموذج الأول.
ففي " واد النمل" كانت الكارثة وشيكة جدا، وكان الموقف حرجا جدا، ولم يكن هناك متسع من الوقت للتشاور والتحاور.
فلو أن النملة التي شعرت بقرب الخطر أخذت تتشاور وتتحاور مع بقية النمل لهلكت وأهلكت معها النمل، لذلك كان من الحكمة أن تصدر قرارا عاجلا، دون أن تتشاور مع البقية : ﴿يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾.
و لقد برأت النملة سليمان وجنوده عندما قالت : (وهم لا يشعرون)، وكأنها بذلك لا تريد أن تفتح مجالا للنقاش في غير وقته، وهو نقاش قد لا ينتهي إلا بعد أن يكون النمل قد هلك.
فلو لم تكن تلك النملة حاسمة في تبرئتها لسليمان عليه السلام لاشتغل النمل بالحديث عن الخطر و عن دوافعه. وربما تحدث النمل عن " المؤامرة " التي خطط لها جند سليمان عليه السلام ضد وادي النمل البريء المسالم, وربما هلك النمل ـ وهو يتبارى في الكلام ـ كما يحدث اليوم في مجتمعاتنا الإسلامية، والتي تواجه ـ عادة ـ التهديدات والأخطار بالمفرقعات الصوتية، وبالقنابل الخطابية، وفي الوقت الذي تستسلم فيه لفكرة المؤامرة التي تستحيل مواجهتها.
وبالمناسبة فالنمل كالإنسان، كثير الجدل، وفيه الكثير من الصفات السلبية الموجودة في البشر، كالفساد، والإرهاب، والتحايل والاقتتال.
فمملكة سليمان تم خرابها ـ بعد عام من موت سليمان عليه السلام ـ على يد نملة من النمل الأبيض (الأرضة ) المعروف بفساده وإفساده. يقول الله تعالى في سورة سبأ : (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).
فلولا تلك النملة التي أكلت العصا من الداخل، لما سقط سليمان عليه السلام، ولما علمت الجن والشياطين بموته.
وكخلاصة لهذه الوقفة فيمكن القول بأن الأزمات والكوارث إما أن يكون خطرها لا يزال بعيدا نسبيا، لدرجة تسمح بالتشاور والتحاور، فهنا تكون " الأيام التشاورية والتحاورية " هي أفضل السبل لاتخاذ القرار المناسب كما فعلت الملكة " بلقيس ".
وإما أن يكون الخطر قد أصبح وشيكا فهنا يجب إطلاق صفارات الإنذار واتخاذ القرار العاجل كما فعلت النملة.
ولأننا في العالم الاسلامي – وهذه واحدة من مصائبنا الكثيرة – لا نشعر بالأزمة أو الكارثة إلا بعد أن يكون خطرها قد أصبح وشيكا، مما يعطي لأصحاب القرار المبرر لاتخاذ قرارات عاجلة، دون تشاور أو تحاور كما فعلت النملة.
ولأننا كذلك، فقد كان من الضروري أن نشير إلى أن النملة قد اتخذت قرارها العاجل، لأنها كانت تعلم أن هناك نظام وقاية وحماية أعد سلفا. وهو نظام متكامل وفعال ضد الكوارث الطبيعية والتهديدات الخارجية. والنملة عندما طلبت من النمل أن يدخل في مساكنه كانت تعلم أن هناك مساكن كافية وقادرة لأن تكون ملاجئ واقية ضد الأخطار والكوارث المفاجئة.
أما في أغلب بلدان عالمنا الإسلامي فليست هناك بنية تحتية يمكن اللجوء إليها في ساعة الخطر.
كما أنه لا توجد أنظمة وقاية أو حماية ضد التهديدات الخارجية ولقد أثبت تعاملنا مع الكوارث والأزمات هذه الحقيقة.
فعلي حكوماتنا وشعوبنا أن يتعلموا من النمل دروسا أخري غير الانفراد باتخاذ القرار في أوقات الكوارث والأزمات.
ولو أن حكوماتنا وشعوبنا تعلموا من النمل القدرة على " التخطيط"، و " التضحية "، و"روح العمل الجماعي "، و " القدرة العالية علي التنظيم "، و" الإصرار والمثابرة مع القدرة علي الاستمرار" لكان حال عالمنا الإسلامي يختلف تماما عن حاله اليوم.
ويكفي أن نعرف بأن النمل يمتلك قدرة عجيبة في تحديد الجهد اللازم لإنجاز أي عمل، فهو لا يبذر الطاقات من أجل انجاز عمل تافه. كما أنه لا يبخل بتلك الطاقات عندما يكون أمام عمل عظيم يستحق أن تبذل من أجل الجهود.
ففي تجربة مثيرة لأحد دارسي النمل، تمت تغطية قطعتين من مادتين مختلفتين بالسكر، وكان وزن إحدى القطعتين يضاعف وزن الثانية ثلاث مرات. في حين أن الحجم كان متساويا.
لقد جاءت النملة التي اكتشفت القطعتين بتسع نملات لحمل القطعة الخفيفة، وبسبع وعشرين نملة لحمل القطعة الثقيلة!!!
فليتنا تعلمنا من النمل هذه الخاصية، فكم من أمور تافهة استنفرت لها الدول الإسلامية وبُذِّرت من أجلها الطاقات والجهود؟ وكم من أعمال عظيمة بُخِل عليها بتلك الطاقات والجهود؟
وبالمختصر المفيد، علينا نحن المسلمين – إذا كنا نريد دولة قوية - أن نتعلم من النمل الذي خصه الله بالذكر في هذه السورة الكريمة من كل سور القرآن العظيم، وهي السورة التي تحدثت عن أعظم وأقوي دولة عرفتها البشرية.
وقد لا يكون من المناسب أن أختم هذه الورقة دون أن أعود إلي مقارنة عجيبة وعميقة تركها لنا سليمان عليه السلام، وهو الأولي من غيره بأن يقوم بتلك المقارنة.
لقد قارن هذا الملك النبي بين أعظم ملك دنيوي، وأبسط عمل أخروي: لتسبيحة واحدة في صحيفة المسلم خير مما أوتي آل داوود.
ولقد صدق سليمان عليه السلام فقد زال ملكه العظيم، وبقيت تسبيحاته في صحيفته فسبحان الله العظيم . سبحان الله العظيم .سبحان الله العظيم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{كان داوود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده}
رواه البخاري
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{إن أحب الصيام إلي الله صيام داوود وأحب الصلاة إلي الله صلاة داوود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما}.
متفق عليه