الخميس، 7 مارس 2024

الإعلان عن انطلاق برنامج خطوة لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية


∎ إيمانا منا بأن الثروات التي تسير فوق الأرض (المواهب)، ليست أقل قيمة من الثروات الموجودة في باطن الأرض (المعادن)، وأن الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق للتنقيب عن الثروات في باطن الأرض يجب أن ينفق ما يماثلها للتنقيب عن الثروات التي تسير فوق الأرض؛

∎ قناعة منا بضرورة التحرك العاجل لمواجهة المخاطر التي يواجهها شبابنا، والتي تتمثل في البطالة، وتفشي الجريمة، والهجرة، وتنامي روح اليأس والإحباط؛

∎ تحملا منا للمسؤولية التي يجب أن يلعبها المجتمع المدني في مواجهة هذه التحديات والمخاطر؛

∎ سعيا منا للمشاركة ميدانيا في الجهود المبذولة من طرف الحكومة لمواجهة هذه التحديات والمخاطر، فإننا في جمعية خطوة للتنمية الذاتية لنعلن على بركة الله إطلاق أول برنامج تدريبي في موريتانيا لاكتشاف المواهب الشبابية وتنميتها ورعايتها، ونأمل أن يستفيد من برنامجنا التدريبي هذا 1000 شاب خلال العام 2024، ويتمثل هذا البرنامج التدريبي في: 

1 ـ تقديم دورة أساسية في مجال اكتشاف الموهبة واستغلالها، وسيستفيد من هذه الدورة كل المشاركين في البرنامج. سيتلقى المشاركون في دورة الموهبة اختبارا وعلى أساس نتائجه يتم فرز من سيواصل منهم في البرنامج التدريبي للاستفادة من الدورات الأخرى ذات الصلة؛

2 ـ تقديم دورات مكملة في مجال : التفكير الإبداعي ـ الاتصال الفعال ـ التخطيط الشخصي ـ إدارة الوقت ـ مهارات العمل الجماعي؛

3 ـ تقديم دورات في مجال التخصص، وذلك بعد أن يتم تقسيم المشاركين في البرنامج إلى مجموعات متجانسة حسب الاتجاهات والميول والمواهب المشتركة لدى كل مجموعة، لتتلقى بعد ذلك كل مجموعة، وعلى حدة، دورة متخصصة في المجال الذي يمتلك فيه أعضاء تلك المجموعة موهبة مشتركة؛

4 ـ تقديم دورات تأطير ودعم للموهوبين الذين تأهلوا للمشاركة في مسابقات وتصفيات إقليمية أو دولية؛

5 ـ تقديم الاستشارات مع المتابعة المستمرة للموهوبين المتميزين.

وتأمل جمعية خطوة للتنمية الذاتية أن تنظم نهاية هذا العام أول مؤتمر لها لصالح المواهب الشابة التي استفادت من برنامجها، وستُعلن خلال هذا المؤتمر عن جوائزها السنوية للموهوبين المتميزين.

نواكشوط بتاريخ : 26 شعبان 1445 الموافق 07 مارس 2024

جمعية خطوة للتنمية الذاتية


الثلاثاء، 27 فبراير 2024

الرئيس مسعود ومبادرة لفت الانتباه!


ارتكب الرئيس مسعود خطأ كبيرا في مبادرته هذه، فالمطالبة بزيادة سنة على المأمورية يشكل دعوة صريحة للاعتداء على مادة محصنة من الدستور الموريتاني. ثم إن مطالبة الرئيس مسعود وهو معارض لرئيس الجمهورية بعدم الترشح لمأمورية ثانية يمنحها له القانون يعتبر مجرد كلام للإثارة أو للفت الانتباه أو لإشعار الرأي العام بأن التحالف مازال موجودا، وأن رئيسه مازال قادرا على إطلاق المبادرات ..لا أقل ولا أكثر.

سبقت بعض أطراف المعارضة الرئيس مسعود لهذا الطلب، أي المطالبة بعدم ترشح الرئيس، وذلك بحجة أنه لم ينجز شيئا خلال مأموريته الأولى.

إذا كان الرئيس لم ينجز شيئا أليس من مصلحة المعارضة أن يترشح مرة ثانية حتى يصوت الشعب ضده؟

مرة أخرى تكرر المعارضة أخطاءها القديمة الجديدة، فبدلا من الانشغال بالتحضير الجيد للانتخابات الرئاسية القادمة، وبدلا من محاولة البحث عن أنجع السبل للتخفيف من تشرذمها وتمزقها، أو  البحث عن مرشح موحد أو برنامج انتخابي موحد،  ها هي المعارضة تنشغل بمطالبة الرئيس بعدم الترشح، وكأنها إن طالبته بذلك سيستجيب لها.

 هذه هي أول مرة ومنذ عقود  لا تستطيع المعارضة أن تشكل منسقية أو جبهة أو منتدى يجمعها ولو صوريا. أخطأت المعارضة كذلك برفضها للحوار الذي دعا إليه الميثاق الجمهوري، وذلك بحجة أن من يقف خلف هذا الميثاق ( التكتل وقوى التقدم ) لا يمثل المعارضة.

وجه الخطأ هنا سأبينه من خلال ثلاث نقاط:

1- لم يعد حزبا التكتل وقوى التقدم بعد نتائج الانتخابات الماضية يشكلان منافسة لبقية أحزاب المعارضة، ولذا فقبول مبادرتهما لن يؤثر سلبا على بقية أحزاب المعارضة. يمكن أن نتفهم أن يرفض حزب معارض مبادرة تقدم بها حزب معارض آخر قد ينافسه مستقبلا، ولكن في هذه الحالة لا يمكن تفهم رفض أحزاب المعارضة لمبادرة التكتل وقوى التقدم خاصة وأن أحزاب الأغلبية رفضتها هي أيضا، وأن حزب الإنصاف قبلها على مضض؛

2- في بعض الأحيان قد لا يكون المهم طبيعة من يقف وراء المبادرة، بل المهم هو محتوى تلك المبادرة، ومن قرأ بنود الميثاق الجمهوري سيدرك أنه كان في مصلحة المعارضة الموريتانية من قبل أن يكون في مصلحة الأغلبية أو النظام الحاكم؛

3- برفض الميثاق الجمهوري ستضطر المعارضة لدخول الانتخابات الرئاسية القادمة دون أي حوار ودون أي تعديل في لجنة الانتخابات ودون أي تحسين في العملية الانتخابية، وهي العملية الانتخابية التي كانت المعارضة قد انتقدتها بشدة خلال الانتخابات التشريعية الماضية؛

4 - تمر المعارضة اليوم بأصعب أوقاتها وأضعف حالتها منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، ولهذا الضعف العديد من الأسباب التي لا يتسع المقام لبسطها؛

5- أهدي للمعارضة المقال الأول من سلسلة من المقالات كنتُ قد كتبتها عاما قبل الانتخابات الرئاسية الماضية، وتجدون رابط هذا المقال في أول تعليق.

الجمعة، 23 فبراير 2024

ومرَّ اليوم العالمي للغة الأم دون احتفاء!


في مثل هذا اليوم من العام الماضي افتتح فخامة رئيس الجمهورية النسخة السابعة من المهرجان السنونكي الدولي، وتحدث في خطاب الافتتاح بكلمات ترحيبية باللغة السنونكية، وهو ترحيب لاقى إعجابا كبيرا من المشاركين في المؤتمر، وقد جاء في خطاب الرئيس: " إن الثقافة السنونكية هنا في موريتانيا على أرضها وموطنها، فهنا تألقت وانتشر إشعاعها".

وفي نفس المؤتمر ظهرت حرم رئيس الجمهورية في حفل الاختتام، وهي ترتدي الزي التقليدي السنونكي، ولقي أيضا ذلك التصرف إعجابا كبيرا من المشاركين في المؤتمر.

 الجميل في كل هذا أن ترحيب فخامة الرئيس باللغة السنونكية، وارتداء حرم رئيس الجمهورية للزي التقليدي السنونكي تزامنا مع اليوم العالمي للغة الأم، فمنذ العام 2000 والعالم يحتفي كل عام في يوم 21 من فبراير باللغة الأم.

إن الاحتفاء بهذا اليوم قد يكون مناسبة لأن نتذكر نائب بوكى الراحل سي صمبا، والذي كان أول نائب موريتاني يقدم مداخلة بالبولارية في الجمعية الوطنية، وكان ذلك يوم ثلاثاء صادف الخامس من يونيو من العام 2012.

في تلك الفترة لم تكن هناك ترجمة للمداخلات باللغات الوطنية، وهو الشيء الذي كان يحتج به بعض النواب للتحدث باللغة الفرنسية بدلا من لغاتهم الأم. 

أصر النائب الراحل سي صمبا على أن يقدم مداخلته في ذلك اليوم بالبولارية، وهو ما أحدث ضجة كبيرة داخل البرلمان، والغريب أن رئيس الجلسة طلب من النائب أن يتحدث بلغة أجنبية (الفرنسية) بدلا من لغة جعلها الدستور الموريتاني لغة وطنية في مادته السادسة!!!

في عهد الرئيس السابق للبرلمان الشيخ ولد بايه، وفي محاولة لتصحيح هذا الخلل، أجْرِيَّ تعديل على المادة 61 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وهي المادة المتعلقة بالترجمة الفورية، ومكن هذا التعديل من ترجمة مداخلات كل النواب، وبأي لغة وطنية تحدثوا بها إلى كل اللغات الوطنية، على أن تبث قناة البرلمانية كل المداخلات بكل لغاتنا الوطنية التي يعترف بها الدستور، وهو الشيء الذي أتاح لجميع الموريتانيين أن يسمعوا ما يجري في البرلمان من نقاشات بلغاتهم الأم. في المقابل تم وقف الترجمة الفورية من وإلى اللغة الفرنسية، وهو ما يعني أن أي نائب يقدم مداخلة باللغة الفرنسية في البرلمان الموريتاني من بعد تعديل المادة 61 لن يفهم مداخلته إلا النسبة القليلة جدا من الموريتانيين التي تفهم اللغة الفرنسية.

شكلت هذه الخطوة محاولة جادة لجعل برلماننا يشبه برلمانات العالم حيث يُمنع الحديث باللغات الأجنبية في برلمانات العالم، ففي البرلمان التونسي والمغربي والجزائري يمنع الحديث باللغة الفرنسية، وذلك على الرغم من أن نسبة المتحدثين باللغة الفرنسية في هذه البلدان أعلى كثيرا من نسبة المتحدثين بها في بلدنا.

وعلى الرغم من تعديل المادة 61، وعلى الرغم من توفير الترجمة بين لغاتنا الوطنية ووقف الترجمة الفورية من وإلى اللغة الفرنسية، رغم كل ذلك فما زال بعض النواب يصرون على أن يقدموا مداخلاتهم بلغة أجنبية داخل البرلمان، وفي  ذلك مخالفة للدستور الموريتاني، وخروج على التقاليد والأعراف البرلمانية، واستهزاء بالناخبين الذين صوتوا لذلك النائب، والذين لن يفهم أغلبهم تلك المداخلة، خاصة وأنها لن تترجم، ولو كانت بإحدى لغاتنا الوطنية لترجمت إلى بقية لغاتنا الوطنية، ولفهمها كل الموريتانيين.

إن إصرار بعض النواب على تقديم مداخلاتهم بلغة أجنبية بدلا من لغاتهم الأم، وذلك بعد توفير الترجمة بين كل لغاتنا الوطنية يطرح أكثر من سؤال :

 فلماذا يستمر بعض النواب في تقديم مداخلاتهم بلغة أجنبية لا تفهمها إلا نسبة قليلة جدا من الموريتانيين، وذلك بدلا من تقديمها بإحدى اللغات الوطنية مع ضمان ترجمتها لكل اللغات الوطنية الأخرى ليفهمها كل الموريتانيين؟

هل صحيح ما نشرته بعض وسائل الإعلام الوطنية بعد الضجة التي أحدثها تعديل المادة 61، عن لقاء جرى بين السفير الفرنسي في نواكشوط وبعض النواب أوصاهم خلاله على أن يتمسكوا باللغة الفرنسية وأن يتحدثوا بها في مداخلاتهم بدلا من لغاتهم الأم؟

لماذا لا يتذكر بعض النواب لغاتهم الأم إلا عند الحديث عن تفعيل ترسيم اللغة العربية، وهل هم يعتبرون اللغات الوطنية مجرد ورقة لا تستخدم إلا ضد تفعيل ترسيم اللغة العربية؟

ألا يعني إعطاء اللغة الفرنسية مساحة لا تستحقها في الإدارة والتعليم، محاولة للوقوف ضد تفعيل ترسيم اللغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، فكل مساحة تسطو عليها اللغة الفرنسية ستكون ـ وبكل تأكيد ـ على حساب ترسيم اللغة العربية أو على حساب تطوير لغاتنا الوطنية؟

لماذا لا يتم استخدام إحدى لغاتنا الوطنية في الخطابات الرسمية مع توفير الترجمة، وذلك عندما يتعذر على الموظف العمومي أن يتحدث باللغة العربية، وذلك بدلا من اللجوء إلى لغة أجنبية؟

كيف سنطور لغاتنا الوطنية وبعض الذين تعتبر هذه اللغات لغتهم الأم يرفضون التحدث بها في أي مناسبة تتاح لذلك، ويفضلون التحدث بدلا منها بلغة أجنبية؟

لنقلها بلسان فصيح وصريح : لا تعارض ولا صراع ولا تنافس بين لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية، وإنما هناك صراع بين لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية من جهة واللغة الفرنسية من جهة أخرى، ذلك أن اللغة الفرنسية تحاول أن تسطو على مكانة لا تحق لها في التعليم وفي الإدارة، وذلك على حساب تفعيل ترسيم لغتنا الرسمية، وكذلك على حساب تطوير لغاتنا الوطنية، ولن يكون بإمكاننا أن نُفَعل ترسيم اللغة العربية بشكل كامل، وأن نطور لغاتنا الوطنية بشكل حقيقي إلا إذا عملنا على أن لا نسمح للغة الفرنسية أن تأخذ مساحة في التعليم أو في الإدارة لا تستحقها.

فلتأخذ اللغة الفرنسية المساحة التي تستحق أن تأخذها كأي لغة أجنبية أولى في أي بلد من بلدان العالم، وذلك على الرغم من أن مصلحتنا العليا تقتضي أن نجعلها لغة أجنبية ثانية، وأن نجعل اللغة الإنجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى. لا بأس، فلتأخذ اللغة الفرنسية المكانة التي تستحق بصفتها لغة أجنبية أولى، ولتتوقف عند ذلك الحد، وهي عندما تتجاوز هذا الحد، فإن ذلك سيكون حتما على حساب ترسيم اللغة العربية وعلى حساب تطوير لغاتنا الوطنية.  

رحم الله نائب بوكى الأسبق سي صمبا، وليت بعض نوابنا يتعلمون منه الاعتزاز بلغاتهم الأم بدلا من الاعتزاز بلغة أجنبية بدأ الأفارقة من حولنا يبحثون عن لغة بديلة لها.

حفظ الله موريتانيا..


الاثنين، 19 فبراير 2024

عن مشروع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة


تابعتُ كغيري من المهتمين بالشأن العام النقاش الدائر حاليا حول مشروع الإعلان عن شراكة متوقعة بين بلادنا والاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، وفي إطار هذا المشروع فمن المنتظر أن تُنظم مفوضة الشؤون الداخلية للاتحاد زيارة إلى بلادنا يوم 7 مارس 2024 رفقة وزير الداخلية الإسباني ووزيرة الدولة البلجيكية لشؤون اللجوء والهجرة، ومن الراجح أن يتم خلال هذه الزيارة ـ حسب خارطة الطريق ـ  التوقيع على اتفاقية شراكة في مجال الهجرة.  

إن الحديث عن شراكة مع الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة يثير الكثير من المخاوف لدى الرأي العام الوطني، وتحتاج هذه المخاوف لجهد كبير من الحكومة لتبديدها، وسنستعرض في هذا المقال أبرز النقاط التي تثير تلك المخاوف.

1 ـ  أن ملف الهجرة يعدُّ من الملفات الشائكة جدا والمعقدة جدا، ولذا فنقاش هذا النوع من الملفات يحتاج إلى مفاوضين محترفين يضعون المصلحة العليا للبلد فوق أي اعتبار، ومن خلال تجارب سابقة، فيمكن القول إن المفاوض الموريتاني قد يضع المصالح الخاصة والآنية فوق المصلحة العليا للبلد، ولنا في الاتفاقية مع "وود سايد" في عهد ولد الطايع، والاتفاقية مع "بولي هوندوغ" في عهد الرئيس السابق، خير مثالين على الخسائر التي قد تتكبدها بلادنا بسبب اتفاقيات من هذا النوع يبرمها مفاوضون غير محترفين يضعون المصلحة العليا للبلد في الرتبة الثانية؛

2 ـ أن الدول المعنية بملف الهجرة خارج الاتحاد الأوروبي تنقسم إلى قسمين : قسم يرفض توقيع اتفاقية من هذا النوع، وقسم وقع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، ولكنه يتحدث في كثير من الأحيان عن عدم التزام الاتحاد ببنود الاتفاقية؛

3 ـ تركيز الاتحاد الأوروبي على حقوق الإنسان في أي اتفاقية من هذا النوع، والاتحاد الأوروبي عندما يتحدث عن "حقوق الإنسان" بمفهومه هو يكون من حقنا أن نقلق، ولعلكم تتذكرون مستوى الضغط الذي مارسته هيئات محسوبة على الاتحاد الأوروبي من أجل إطلاق سراح "كاتب المقال المسيء"، والذي يعتبر وفق القيم والمعايير الأوروبية مجرد مدون عبر عن رأيه، وله الحق ـ كل الحق ـ في ذلك. ولعلكم تدركون كذلك أن قيامة هذا الاتحاد تقوم عندما يمس من "حقوق" الشواذ وممارسي الفاحشة وكل أشكال الرذائل.

إن المهاجرين يأتوننا من بلاد شتى، فمنهم من يدين بغير دين الإسلام، ومنهم الملحد، ومنهم الشاذ، فأن يُمنح كل هؤلاء "حقوقهم الإنسانية" كما يراها الغرب، بموجب اتفاقية للهجرة، فإن ذلك سيعني ترويج الشذوذ والفحشاء والمنكر في بلادنا؛

4 ـ تأتي هذه الاتفاقية المتوقعة في وقت تشهد فيه بلادنا هجرة غير مسبوقة للشباب الموريتاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا ما استمرت هجرة الشباب الموريتاني مع تدفق مهاجري الدول الأخرى إلى داخل البلاد وتوطينهم ولو مؤقتا، وذلك في ظل عدد سكان قليل أصلا، فإن مثل ذلك سيؤدي في المحصلة النهائية إلى إخلال كبير بالتركيبة الديموغرافية للبلد؛

5 ـ من المعروف أن الموريتانيين الذين يهاجرون إلى بلدان أخرى نادرا ما يتدخلون في الشؤون الداخلية للبلدان التي يقيمون فيها، وذلك على العكس من بعض المهاجرين الذين يأتون إلى موريتانيا من دول الجوار، وكثيرا ما أصدرت وزارة الداخلية الموريتانية بيانات تؤكد فيها مشاركة أجانب في أعمال شغب داخل موريتانيا تحت غطاء سياسي، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك بيان لوزارة الداخلية  أصدرته عقب احتجاجات 2011 ضد الإحصاء وأكدت من خلاله اعتقال أجانب شاركوا في المظاهرات وأعمال الشغب، وكذلك بيانها بعد الانتخابات الرئاسة 2019، والتي أعتقل فيها 100 أجنبي حسب وزارة الداخلية، وأخيرا بيانها المتعلق بالاحتجاجات التي أعقبت وفاة "عمر جوب".

إن توطين الأجانب ولو بشكل مؤقت، مع توفير الحماية القانونية لهم من طرف الاتحاد الأوروبي قد يتسبب مستقبلا في مشاركة المزيد من الأجانب في المزيد من الاحتجاجات التي قد تشهدها بلادنا من حين لآخر، وارتكابهم بالتالي للمزيد من أعمال الشغب، وربما يصل الأمر في نهاية المطاف إلى أن يحتج الأجانب أنفسهم طلبا للمزيد من الحقوق التي تكفلها لهم المواثيق والاتفاقيات الدولية؛

6 ـ  تعاني المدن الكبرى في بلادنا من انتشار الجرائم وتنوعها، وقد وصل الأمر إلى مستويات مثيرة للقلق، ومن المؤكد أن استقبال المهاجرين وتوطينهم ـ ولو بشكل مؤقت ـ سيزيد من تفشي الجريمة وتطورها، وربما وصولها إلى مستويات تهدد كيان البلد واستقراره؛

7 ـ  من المعروف كذلك أن الشباب الموريتاني يتقاعس عن الكثير من الأعمال ويتركها للأجانب، وهو ما قد يزيد من حضور اليد العاملة الأجنبية، وربما تصل نسبة حضورها إلى أرقام مقلقة بعد إبرام اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي حول الهجرة.

فعلى سبيل المثال فقد أصدرت إدارة الأمن الوطني يوم الجمعة الموافق 11 يناير 2022  "تعليمات صارمة" بخصوص تطبيق النصوص التنظيمية المتعلقة بحظر ممارسة النقل العمومي للأشخاص والبضائع على الأجانب، ولم تطبق هذه التعليمات الصارمة ولو ليوم واحد، وفي يوم الجمعة 19 يناير 2024 أصدرت إدارة الأمن الوطني قرارا ثانيا بحظر ممارسة النقل على الأجانب لتتراجع عنه بعد يومين من خلال إيجاز صحفي أكدت فيه السماح للأجانب بممارسة النقل، مثلهم في ذلك مثل المواطنين، إن كانوا يملكون رخصة سياقة خضراء.

إننا نجد الآن صعوبة كبيرة في منع الأجانب من ممارسة بعض الأعمال التي يفترض فيها أن تبقى حكرا للمواطنين، كما هو الحال في دول أخرى، فكيف سيكون حالنا مستقبلا بعد أن يتم تقييدنا باتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي حول حقوق الأجانب والمقيمين؟؛

8 ـ في ظل الحديث عن قرب تصدير الغاز وظهور ثروات أخرى في البلد، وفي ظل تدهور الأوضاع في بعض البلدان المجاورة، فإن بلادنا ستستقطب المزيد من المهاجرين، وهو ما سيجعل الأمور تزداد تعقيدا في ظل وجود اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بإيوائهم؛ 

9 ـ إن المهاجرين إلى أوروبا يعتقدون أنهم ذاهبون إلى جنة الدنيا، وهم عندما يحرمون من الوصول إلى الجنة التي يحلمون بها من طرف جهة ثالثة سيزداد سخطهم على تلك الجهة الثالثة التي حرمتهم من الوصول إلى جنتهم، ولذا فهم سيطمحون إلى مقابل كبير يتناسب مع حجم الخسارة التي تكبدوها بعد حرمانهم من الجنة التي كانوا يحلمون بها، وعندما لا يجدون ذلك المقابل سيعبرون عن سخطهم بكل الأساليب، وربما يمارسون الشغب للتعبير عن ذلك السخط. ثم إنه علينا أن لا ننسى أنه توجد جاليات موريتانية في العديد من البلدان التي يهاجر بعض مواطنيها إلى بلادنا، وسخط هؤلاء قد يؤدي إلى ردود أفعال عنيفة ضد جالياتنا هناك؛ 

10 ـ ظهرت في الفترة الأخيرة في منصات التواصل الاجتماعي بعض الدعوات المتطرفة التي أطلقها بعض النشطاء الأفارقة، والتي يدَّعِي أصحابها أن سكان شمال إفريقيا هم مجرد وافدين، وأن عليهم العودة إلى الأماكن التي قدموا منها. صحيح أن هذه الدعوات متطرفة وقليل من يتبناها الآن، ولكنها قد تتنامى مستقبلا، وقد تتجه الأنظار إلى موريتانيا بعد تناميها، وذلك لأسباب عديدة لا أجد ضرورة لذكرها هنا، ولذا فإن استقبال وإيواء المزيد من المهاجرين ـ ولو بشكل مؤقت ـ قد يغذي مثل ذلك الطرح المتطرف؛

11 ـ صحيح أن الأوروبيين قد يعدون بأموال كبيرة مقابل توقيع اتفاقية حول الهجرة، ولكن السؤال المطروح : أليست هناك وسائل أخرى أقل مخاطر للحصول على أموال ضخمة بكلفة أقل؟ ألا يكفي مثلا أن نحارب الفساد بجدية للحصول على أموال ضخمة قد لا تقل في حجمها عن الأموال التي يعد بها الاتحاد الأوروبي مقابل توقيع اتفاقيات معه حول الهجرة؛

12 ـ ومما يزيد الأمور تعقيدا هو أن المجتمع المدني "الحقوقي" في موريتانيا، والذي يُفترض فيه أن يقف ضد أي اتفاقية من هذا النوع، هو مجتمع مدني يتحرك تبعا للمزاج الأوروبي، ولذا فقد تحرك بقوة دفاعا عن "كاتب المقال المسيء"، وتحرك كذلك في قضايا مشابهة، ولكنه يغيب اليوم ـ وبشكل شبه كامل ـ عن نصرة غزة، وذلك لكون هذا الملف ليس من الملفات التي يهتم بها الغرب.

إننا لا نتوقع أي تحرك للمجتمع المدني الموريتاني للمطالبة بتقديم توضيحات من طرف الحكومة بخصوص مشروع هذه الاتفاقية، والتي تثير المخاوف لدى الكثير من الموريتانيين.

ختاما

هذه هي أبرز النقاط التي تثير القلق لدى الكثير من الموريتانيين، وعلى الحكومة أن تقدم توضيحات حولها لطمأنة المواطنين، وذلك من قبل المجازفة بتوقيع أي اتفاقية من هذا النوع.

حفظ الله موريتانيا..


بيان من عدة هيئات


شهدت الجلسة الافتتاحية للدورة العادية السابعة والثلاثين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي المنعقدة في أديس أبابا يوم السبت 17 فبراير 2024، حفل تنصيب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسا للاتحاد الأفريقي للعام 2024، وقد جرى حفل التنصيب في ظل إجماع إفريقي كبير، كان نتيجة لعمل دبلوماسي هادئ وعميق، عرفته بلادنا خلال السنوات الأربع الماضية. 

إننا في منسقية الهيئات العاملة من أجل التمكين للغة العربية، وبمناسبة هذا النجاح الدبلوماسي الكبير لبلادنا لنؤكد على ما يلي:

1 ـ تهنئتنا لفخامة رئيس الجمهورية وللشعب الموريتاني، بمناسبة هذا التنصيب، سائلين المولى عز وجل أن يوفق فخامة الرئيس في هذه المهمة الجسيمة التي أوكلت إليه في ظرف حساس، وأن يبارك في جهوده المشهودة التي يبذلها لصالح القارة الإفريقية؛

2 ـ إيماننا بقوة حضور القضية الفلسطينية لدى فخامة رئيس الجمهورية، وأنه لن يدخر جهدا خلال فترة رئاسته للاتحاد الأفريقي للضغط من أجل وقف حرب الإبادة التي تتعرض لها فلسطين، وأنه سيعمل على استعادة الدور الذي لعبته موريتانيا في الحشد والتضامن الإفريقي مع فلسطين في عهد تولي الرئيس الراحل المختار ولد داداه لرئاسة منظمة الوحدة الإفريقية؛

3 ـ تثميننا لإلقاء فخامة رئيس الجمهورية لخطابه في افتتاح الدورة السابعة والثلاثين باللغة العربية، اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، والتي تعدُّ بالمناسبة لغة إفريقيا الأولى مقارنة باللغات الأخرى المستخدمة في القارة، هذا بالإضافة إلى كونها من بين اللغات الأربع الأكثر انتشارا في العالم؛ 

3 ـ دعوتنا لفخامة رئيس الجمهورية أن يجعل من فترة رئاسته للاتحاد الافريقي فترة لتعزيز مكانة اللغة العربية في إفريقيا وفي هيئات الاتحاد وكل الهيئات الدولية ذات الصلة؛

4 ـ تذكيرنا بالنداء الذي وجهناه إلى القادة العرب بمناسبة الدورة العادية الثانية والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، المنعقدة في المملكة العربية السعودية يوم الجمعة الموافق 19 مايو 2023، وهو النداء الذي طالبنا فيه بتأسيس منظمة دولية تُعنى باللغة العربية، تنخرط فيها كل الدول الناطقة كليا أو جزئيا باللغة العربية، على غرار منظمة لفرانكفونية.

إننا نأمل من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي يَحظى بمكانة دبلوماسية كبيرة على المستويين العربي والإفريقي، أن يتبنى هذا النداء، خاصة وأن بلادنا ستكون هي المستفيد الأول من تأسيس منظمة دولية من هذا القبيل، وذلك نظرا لموقعها الجغرافي، ولدورها التاريخي في نشر اللغة العربية، والعلوم الإسلامية في إفريقيا. 

نواكشوط بتاريخ : 8 شعبان 1445 الموافق 18 فبراير 2024

الهيئات الموقعة على البيان:

1 ـ الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية 

2 ـ مجلس اللسان العربي

3 ـ اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين

4 ـ المرصد الموريتاني للغة العربية

5 ـ المركز الموريتاني للغة العربية

6 ـ هيئة جيرنو أحمد مختار ساقو

7 ـ اتحاد الأكاديميين والمثقفين الموريتانيين

8 ـ شبكة الصحفيات الموريتانيات

9 ـ جمعية الركب الشنقيطية للثقافة والتنمية

10 - المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة

11- بيت الشعر.

الأحد، 11 فبراير 2024

قاطع لتربح في الدنيا والآخرة!


لم تتأخر موريتانيا الرسمية والشعبية في الوقوف مع فلسطين وتقديم الدعم السياسي والإعلامي منذ بدء معركة طوفان الأقصى وحتى اليوم، ولم تتأخر كذلك في جمع التبرعات لأهلنا في غزة، ولكن نقطة الضعف الوحيدة المسجلة كانت في مجال المقاطعة الاقتصادية والتجارية، ففي هذا المجال لم يظهر أي عمل منظم في بلادنا، ومن هنا تبرز أهمية الملتقى الأول الذي نظمه الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني تحت شعار : "المقاطعة مقاومة". وبمناسبة هذا الملتقى، فهذه بعض الأفكار التي قد تكون مفيدة لنجاح المقاطعة.

(1)

إن المقاطعة تعد واحدة من أهم أساليب المقاومة ومن أكثرها إيلاما للعدو إن هي اتسعت واستمرت، وهي تتميز عن كل أساليب المقاومة الأخرى في كون ممارستها لا تكلف المقاطع بذل جهد أو إنفاق مال، بل على العكس من ذلك فإن من يستخدم سلاح المقاطعة سيربح على المستوى الشخصي فضلا عما يقدم للمقاومة من دعم في غاية الأهمية.

- إن من يستخدم سلاح المقاطعة سيربح مالا كان سينفقه للحصول على سلع وخدمات غير ضرورية، وهذا يعني أن من يقاطع سيرشد استهلاكه، وسيربح بالتالي مالا..

- إن من يستخدم سلاح المقاطعة لن يكسب مالا فقط، بل سيكسب حسنات كثيرة إن هو استحضر النية..

- إن من يستخدم سلاح المقاطعة سيستفيد صحيا، فالكثير من السلع القادمة من العدو وحلفائه، والتي ننفق عليها أموالا طائلة، هي في الغالب سلع استهلاكية تؤثر سلبا على الصحة إذا ما أفرطنا في استهلاكها..

- إن من يستخدم سلاح المقاطعة يدرب نفسه على الاستقلالية والخروج من عبودية الاستهلاك، فكثير منا أصبح اليوم عبدا لبعض السلع الاستهلاكية، وهو بحاجة ماسة لأن يتحرر من تلك العبودية.

من هنا يظهر أن من يستخدم سلاح المقاومة سيربح في الدنيا والآخرة.

(2)

من الناحية العملية فإني أرى أن المقاطعة يجب أن تمر بثلاث مراحل أساسية، وذلك لضمان نجاحها:

المرحلة الأولى : العمل على رصد السلع والخدمات المستهلكة في موريتانيا، والتي ينتجها العدو أو إحدى الدول الداعمة له، وإعداد لائحة بتلك السلع والخدمات؛

المرحلة الثانية : تشكيل لجنة اتصال يقودها علماء كبار تلتقي برجال الأعمال الذين يستوردون سلعا ينتجها العدو أو إحدى الدول الداعمة له، ومطالبتهم بالبحث عن بدائل لها، مع إعطائهم مهلة ثلاثة أشهر للبحث عن بدائل؛

المرحلة الثالثة : بعد انتهاء المهلة يبدأ إطلاق حملات المقاطعة الشعبية للسلع والخدمات التي تم رصدها، وبذلك نخرج من الإشكال الذي أثير في الجلسة الأولى حول جواز مقاطعة السلع التي تم استيرادها فعلا، والتي لا يمكن إرجاعها للمصدر، وذلك بعد أن استوردها تجار مسلمون لم يُشعروا مسبقا بمقاطعة تلك السلع.

(3)

إن المقاطعة لا تتعلق فقط بالسلع والخدمات بل إنها يجب أن تمتد لتشمل مقاطعة "القيم الغربية" التي أسقطها طوفان الأقصى، أو على الأقل كشف ازدواجية تلك القيم.

إنه علينا كمجتمع مدني أن نقاطع أيضا "المواعظ الحقوقية" التي تقدمها بعض الهيئات الدولية العاملة في بلادنا، أو تقدمها بعض المنظمات التابعة لبعض الدول الغربية، وخاصة منها تلك كانت تجاهر بمواقفها الداعمة للإبادة التي يرتكبها العدو ضد الشعب الفلسطيني.

إن الغرب (حكومات ومنظمات دولية) لم يعد يحق له اليوم أن يتحدث بصفته ممثلا للضمير العالمي، ولا بصفته وصيا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك بعد أن فضحه طوفان الأقصى.

لقد كشف طوفان الأقصى بأن العالم بلا ضمير، وإن كان له ضمير فيجب أن تمثله جنوب إفريقيا ومن يقف معها من دول وشعوب العالم في معركتها القانونية النبيلة ضد الكيان الأكثر إجراما في تاريخ البشرية الحديث.

(4)

إن المقاطعة، وسواء كانت مقاطعة سلع أو خدمات أو كانت مقاطعة "قيم إنسانية مغشوشة"، لا تعني فقط رفض تلك السلع والخدمات والقيم، بل إنها تعني أيضا خلق بدائل لها. 

وفي هذا الإطار، وفي مجال مقاطعة القيم الغربية الزائفة، فإنه من اللازم العمل على كشف الازدواجية الغربية، ويمكن أن يبدأ ذلك بالإعلان عن يوم عالمي لكشف ازدواجية الغرب يتم تخليده كل عام من طرف كل من يرفض هذه الازدواجية في العالم، ويمكن للمنظمات الفاعلة في جنوب إفريقيا أن تقود حراكا من هذا القبيل.

(5)

يبقى علينا أن نستحضر دائما أن المقاطعة لن تأتي بنتائج مهمة إلا إذا اتسعت واستمرت، ولذا فهي تحتاج إلى نفس طويل، وإلى تضافر جهود الجميع.

هذه بعض الأفكار السريعة التي سجلتها بعد الجلسة الأولى من ملتقى "المقاطعة مقاومة"، وذلك في انتظار ما سنسمع من المحاضرين في الجلسة الثانية.

حفظ الله فلسطين..

الجمعة، 9 فبراير 2024

كيف نتفاعل مع الملفات المعقدة؟ (3/1)


أثار ملف الفساد الذي نشرت عنه منظمة الشفافية الشاملة ردود فعل متباينة صاحبها جدلا كبيرا، ومما زاد من حدة الجدل هو أن هذا الملف يتعلق بشركة تتبع لزين العابدين رئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين، والذي هو في منافسة قوية مع رجل الأعمال محمد بوعماتو، والذي يُقال عنه أن له صلة ما بمنظمة الشفافية الشاملة، وأن المنظمة فتحت هذا الملف للإضرار برجل الأعمال زين العابدين.

هذا الإنحراف في النقاش كثيرا ما يحدث، وكثيرا ما يضر بمحاربة الفساد، ومن هنا تبرز أهمية وضع آليات للتعامل مع هذا النوع من الملفات المعقدة، والذي كثيرا ما ينحرف النقاش حوله إلى مواضيع أخرى تخدم الفساد وتحميه، وتفشل بالتالي كل محاولة يمكن أن تقوم بها أي جهة لكشف عملية فساد.

إنه من الضروري أن تكون لدينا معايير واضحة ومحددة نعتمد عليها للتعامل مع هذا النوع من الملفات، ومن تلك المعايير :

1- إن أول سؤال يجب علينا أن نجيب عليه هو : هل ما تم كشفه يتعلق بفساد حقيقي أم لا؟

هذا السؤال المفتاح علينا أن نجيب عليه من قبل أن نتخذ أي موقف، وبغض النظر عن حسن نية من كشف الملف أو سوء نيته ..لنبعد الهدف والقصد من كشف هذا الملف مؤقتا، ولنركز على محتوى الملف، فهل هناك فساد أم لا، فإن كان هناك فساد وقفنا بقوة مع من كشفه، وبغض النظر عن حسن نيته أو سوئها، فذلك هو ما تقتضيه المصلحة العليا للبلد، وإن كان ما في الملف مجرد تلفيق دون أدلة وقفنا مع الضحية، حتى وإن كنا ندرك أن لديه ملفات فساد أخرى.

تلخيصا لهذه الفقرة فإن ما يهمنا هو جوهر الملف وبغض النظر عن أي شيء آخر، فإن كان الملف يتعلق بفساد واضح طالبنا بمعاقبة المفسد مهما كان، وإن كان الملف يتعلق بتلفيق وتصفية حسابات غير مدعومة بأدلة طالبنا برد الاعتبار للضحية ومعاقبة الملفق ( نقطة نهاية).

2- لنفترض أن هذا الملف يتعلق بفساد حقيقي، ولكن من فتحه لم يفتحه لمصلحة وطنية، وإنما فتحه لتصفية حسابات مع خصم سياسي أو مع منافس في مجال الأعمال، أو لأي سبب آخر...حتى وإن تأكدنا من وجود استهداف للضحية فلا مشكلة ما دام الفساد تم إثباته بالأدلة..بل بالعكس علينا نحن ضحايا الفساد أن نشجع هذا النوع من تصفية الحسابات بين رجال الأعمال ما دام سيكشف لنا ملفات فساد جديدة لم تكن لدينا القدرة ولا الإمكانيات ولا الوسائل لكشفها.

3- إن تأكد للضحية أن كشف هذا الملف في هذا التوقيت بالذات يدخل في إطار تصفية حسابات مع رجل أعمال منافس، فالحل بسيط جدا، فعلى الضحية أن ينفق بعض أمواله ويستخدم بعض أتباعه لكشف بعض فساد خصمه ومنافسه، وهو إن كشف ملف فساد يتعلق بإحدى شركات خصمه، فإننا سنقف معه دون تردد حتى ولو أيقنا أنه لم يقم بذلك بحثا عن مصلحة عامة، وإنما قام به في إطار تصفية الحسابات مع منافس.

أن يكشف بعض رجال الأعمال فساد بعضهم الآخر فهذا أمر جيد وعلى ضحايا الفساد أن يرحبوا به ويشجعوه، خاصة وأن كشف الفساد وبالأدلة الدامغة يحتاج إلى جهد ووسائل قد لا تتوفر إلا لدى رجال الأعمال. 

يتواصل .....

عندما تكتمل هذه الحلقات سيكون هناك بث مباشر بمضمونها إن شاء الله.

الأحد، 4 فبراير 2024

نوابٌ بلا أثر ولا تأثير!


من الملاحظ أن هناك ضعفا كبيرا في أداء البرلمان الموريتاني، ناتج عن تدني تأثير النواب داخل البرلمان وخارجه، ويتساوى في ذلك نواب الأغلبية والمعارضة، ولذلك الضعف أسبابه العديدة سنتوقف مع بعضها بشكل سريع من خلال فقرتين في هذا المقال، واحدة منهما خاصة بنواب المعارضة، والثانية خاصة بنواب الأغلبية
.

أولا / نواب المعارضة 

يقع خلط كبير لدى الكثير من نواب المعارضة بين الهدف المراد تحقيقه من داخل البرلمان، والوسيلة التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك الهدف.

فمن المعلوم أن من بين مهام النائب، معارضا كان أو مواليا، مراقبة العمل الحكومي، وهذه الرقابة هي من أجل منع وقوع تقصير في الأداء الحكومي، وتصحيح ذلك التقصير إن هو وقع، ودائما ما يقع.

لتحقيق هذا الهدف فإن النائب المعارض يركز على إظهار الخلل في الأداء الحكومي، ويفترض أن غرضه من ذلك تصحيح ذلك الخلل. بعض نواب المعارضة لم يعد يهمه أن يُصحح الخلل، بقدر ما يهمه أن ينتقد أداء الحكومة، وأن يظهر أمام الناخب بأنه لم يقصر في نقدها، بل وفي جلدها، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى استخدام كلام هابط ومنحط، كما حدث مؤخرا خلال الدورة البرلمانية الأخيرة.

أصبح النقد لدى بعض نواب المعارضة هدفا في حد ذاته وليس وسيلة من أجل تحقيق هدف.

طبعا قد يرتاح المواطن لنقد الحكومة وجلدها من طرف نواب المعارضة، ولكن في النهاية فإن الأخطاء لم تُصحح، وأداء الحكومة لم يتحسن، وبالتالي فإن المواطن لم يستفد شيئا من ذلك النقد القاسي.

إن دور نواب المعارضة يجب أن لا يقتصر على نقد الحكومة وجلدها، وإن اقتصر دورهم على ذلك، فإن مدوني المعارضة يمكن أن يؤدوا ذلك الدور على أحسن وجه، بل وأحسن مما يقوم به نواب المعارضة، ولذا فكل القضايا التي تمت إثارتها خلال السنوات الأخيرة كان الفضل في إثارتها يرجع لمدوني المعارضة لا إلى نوابها.

ثانيا/ نواب الأغلبية

وعلى العكس من ذلك فإن النائب الموالي يتحول في أغلب الأحيان إلى مدافع عن تقصير الحكومة، ومنتقد لنواب المعارضة إن هم انتقدوا أداءها.. كثير من نواب الأغلبية نسي أن الشعب هو من انتخبه لرقابة العمل الحكومي، وأصبح يتصرف وكأن الحكومة هي من انتخبته للتغطية على أخطائها وتقصيرها حتى لا يعلم الشعب بتقصيرها، وكأنه قادر على إخفاء ذلك التقصير عن المواطن.

ليس بالإمكان إخفاء التقصير في العمل الحكومي عن المواطن، وحتى إن تجاهله نواب الأغلبية فسيتحدث عنه نواب المعارضة وبحدة، وسيصل ذلك الحديث إلى كل مواطن في بيته عبر قناة البرلمانية، فيكسب النائب المعارض مزيدا من المصداقية، ويفقد النائب في الأغلبية مصداقيته لدى المواطن، الشيء الذي يجعله غير قادر على تسويق المنجز، بل إن حديث النائب الموالي عن الإنجازات قد يسيئ إليها، نظرا لتراجع مصداقيته لدى المواطن بسبب عدم تحدثه خلال مأموريته ـ ولو لمرة واحدة ـ عن النواقص في الأداء الحكومي، وهي بلا شك نواقص موجودة. 

ثم إن النائب الموالي عندما يلتقي بالوزراء أو كبار الموظفين في مكاتبهم، فإنه غالبا ما يتجاهل هموم ناخبيه، وهموم المواطن بشكل عام، ويستغل تلك اللقاءات في تحقيق المزيد من المكاسب الخاصة به، وذلك من خلال توظيف الأقارب أو الحصول على صفقات عمومية، ولذا فقد كثر الحديث عن حصول نواب في الأغلبية على صفقات عمومية بطرق غير شفافة. 

في اعتقادي الشخصي أنه لو كان كلام النواب نقدا أو تثمينا يكفي لحل مشاكل البلاد لحلت مشاكل موريتانيا منذ زمن طويل، فمن المعروف أنه منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لم تقصر المعارضة في نقد الأنظمة المتعاقبة وجلدها، ولم تقصر الأغلبية كذلك في تثمين ما أنجز وما لم ينجز، وفي التطبيل لتلك الأنظمة المتعاقبة.

إننا في هذه البلاد نمتلك فائضا من الكلام، ولم نعد بحاجة إلى المزيد من الكلام، تثمينا كان أو نقدا. إننا في هذه البلاد بحاجة إلى نخبة سياسية قادرة على إنتاج الأفكار، وتقديم المقترحات، وإطلاق المبادرات الإصلاحية ذات النفع العام، وبدون نخبة من هذا النوع في فسطاطي الموالاة والمعارضة فسيبقى حالنا على حاله مهما أنتجنا من كلام ناقد للنظام أو مثمن لإنجازاته.

يبقى أن أقول ختاما إن هناك نوابا في المعارضة والأغلبية لا ينطبق عليهم ما جاء في هذا المقال، ولكنهم يبقون استثناء، وهو إستثناء يؤكد صحة القاعدة. 

حفظ الله موريتانيا..


الأحد، 28 يناير 2024

عن تمدد الوقت في لعيون )تدوينة(


هنا في مدينة لعيون تشعر بشيء يسمونه الوقت..طبعا عدد ساعات اليوم في نواكشوط لا ينقص عن عدد ساعاته في لعيون، وعدد دقائق الساعة هنا لا يختلف عن عدد دقائق الساعة هناك..

ومع ذلك فالوقت هنا في لعيون ليس كالوقت هناك في نواكشوط!

في مدينة لعيون يمكنك أن تؤدي صلاة الفجر في المسجد (6:10)، ثم تنتظر الإشراق ( صلاته تبدأ من 7:21)، ثم تعود للمنزل وتنام قليلا، وبعد ذلك تتناول الفطور، تفعل كل ذلك وتنتظر عقارب الساعة لتصل إلى التاسعة صباحا فلا تصل إليها إلا بعد طول انتظار.

ويمر الوقت بعد التاسعة صباحا ببطء شديد فلا يصل إلى الساعة الحادية عشر إلا بعد طول عناء ومشقة كبيرة.

أما الواحدة ظهرا في الداخل فقد يُخيل إليك أن بينك وبينها دهرا...

المساء هنا في مدينة لعيون ليس مجرد ساعة أو ساعتين تمضيان بسرعة رهيبة كما يحدث في نواكشوط...

هنا تصلي الظهر ثم تقضي وقتا طويلا لتسمع أذان العصر، وبين صلاة العصر والمغرب في مدينة لعيون قد يعادل من حيث الإحساس بالوقت ما بين صلاة الظهر والعشاء في مدينة نواكشوط!!!

هنا في الداخل تجد متسعا من الوقت لأذكار المساء ولكل الأوراد الصباحية أو المسائية مهما كان طولها، وفي نواكشوط قد تجد صعوبة كبيرة في إكمال مائة تسبيحة صباحا أو مساء.

هنا في مدينة لعيون يمكنك أن تصلي العشاء في المسجد، وتتناول العشاء في المنزل، وتمارس رياضة المشي لساعة كاملة في شوارع فسيحة لا تخاف أن تدهسك سيارة، تفعل كل ذلك ثم تتمكن بعد ذلك كله من أن  تنام قبل العاشرة والنصف ليلا ...أعرف أن أهل نواكشوط لن يصدقوا ذلك، ولكن هذا ما يحدث فعلا هنا في مدينة لعيون. 

بطبيعة الحال هذا لا تتميز به مدينة لعيون عن غيرها من مدن الداخل، فكل مدن الداخل تشعر فيها بقيمة الوقت. فقط في  العاصمة نواكشوط يتقلص الوقت وينكمش إنكماشا إلى الحد الذي قد يجعلك تتخيل أن النهار أصبح ساعة، والساعة أصبحت دقيقة، والدقيقة ثانية وهكذا.

فمن أراد منكم - يا سادة يا كرام - أن يعيش يومه كاملا غير منقوص بدقيقة واحدة، فليترك العاصمة نواكشوط فورا، وليذهب إلى إحدى مدن الداخل، أما من حالفه الحظ في أن يذهب إلى قرية صغيرة نائية، ويقضي فيها أياما معدودات، فسيتمدد له الوقت تمددا يفوق التخيل، فاليوم في قرية صغيرة نائية قد يصبح سنة، والسنة قد تتحول إلى قرن كامل.    

بكلمة واحدة : من أراد منكم أن يعيش وقته كاملا غير منقوص فليذهب إلى الداخل.

في نواكشوط تقضي اليوم كله وأنت تلهث خلف الوقت لتلحق به، وفي الداخل يقضي الوقت اليوم بكامله وهو يسير خلفك ليصل إليك.

السبت، 27 يناير 2024

دورة في الموهبة


 نظمت بلدية لعيون يوم الخميس 25 يناير 2024 في قاعة اجتماعاتها  دورة في مجال اكتشاف الموهبة واستغلالها لصالح عدد من نشطاء الأندية الثقافية والرياضية الناشطة في المدينة.

وفي كلمة افتتاح الدورة تقدم عمدة بلدية لعيون السيد سيدي محمد البكاي الملقب (حمنه) بجزيل الشكر للمدرب محمد الأمين ولد الفاضل الذي تطوع بتقديم هذه الدورة المفيدة، كما ثمن جهوده التطوعية التي ما فتئ يقدمها لصالح المدينة، وخاصة ما يتعلق منها بالأنشطة الموجهة لصالح ثانوية لعيون العريقة، والتي يقوم بها في إطار "نادي قدامى ثانوية لعيون".

العمدة شكر في كلمته المشاركين في الدورة على حضورهم، ووعدهم بالمزيد من الدورات مع نفس المدرب.

من جانبه عبر المدرب محمد الأمين الفاضل في افتتاحه للدورة عن استعداده لتقديم دورات أخرى وبشكل تطوعي خلال فترة إقامته في المدينة، مؤكدا أن ذلك هو ما تفرضه المسؤولية الاجتماعية اتجاه المدينة التي تربى فيها، والثانوية التي تعلم فيها.

وفي ختام الدورة تم توزيع إفادات على المشاركين، وقد تقدم المشاركون في نهاية الدورة بجزيل الشكر للمدرب والعمدة، وطالبوا بتنظيم المزيد من الدورات المماثلة نظرا لمدى احتياجهم لمثل هذه الدورات التي تساعد في تنمية وتطوير الذات.

الثلاثاء، 23 يناير 2024

يومٌ كرويٌ سيكون له ما بعده!


من مدينة لعيون أتابع حجم الترقب الكبير الذي ينتظر به شبابنا والكثير من كهولنا مباراة الحسم التي ستجمع اليوم منتخبنا الوطني بالمنتخب الجزائري الشقيق، وهي مباراة ستكون نتيجتها حاسمة في تحديد مصيرنا الكروي في كأس أفريقيا للأمم (2023) المنظمة حاليا في ساحل العاج.

هذه المباراة ستكون مباراة حاسمة، ليس فقط كروياً، بل ستكون حاسمة أيضا تدوينيا، فخلال الأيام الماضية انقسم المدونون المهتمون بالشأن الكروي إلى فسطاطين متمايزين، حصروا النقاش حول أداء "المرابطون" في شخص رئيس الاتحادية الموريتانية لكرة القدم، ولا أدري لماذا يُحصر النقاش في شخصه، ويتم تجاوز المدرب واللاعبين لمن يريد أن يحكم بشكل موضوعي على أداء منتخبنا الوطني؟

المهم أن المدونين المهتمين بالشأن الكروي انقسموا إلى فسطاطين، فسطاط يصنف رئيس الاتحادية الحالي على أنه رئيس الاتحادية الأكثر تميزا، وأنه لا فشل في سجله الكروي، وفسطاط آخر يرى أنه الرئيس الأكثر فشلا، وأن لا إنجاز في سجله الكروي...هكذا نحنُ دائما في نقاشاتنا: إما أبيض ناصع البياض، أو أسود قاتم السواد، ولا مجال لأي لون آخر.

بكل تأكيد، فإن هذا النقاش غير موضوعي، وذلك لكونه يربط نجاح المنتخب الوطني وفشله بشخص رئيس الاتحادية، مع تجاهل كل العوامل الأخرى التي قد تؤثر إيجابا أو سلبا في أداء المنتخب الوطني، فإن نجح المنتخب الوطني كان ذلك بفضل رئيس الاتحادية لوحده، وإن فشل المنتخب حُمِّلت فاتورة الخسارة كلها لرئيس الاتحادية.

ما سيحدث في مباراة اليوم سيسير بنا في نفس الاتجاه...

فإن تمكن المنتخب الوطني من الفوز والتأهل، وتجاوز هذه المرحلة الصعبة جدا التي يوجد فيها الآن، فإن ذلك سيعتبره الفسطاط الداعم لرئيس الاتحادية إنجازا كبيرا لرئيس الاتحادية، وسيجعل منه بطاقة حمراء يرفعها في وجوه منتقدي رئيس الاتحادية، وسيخفت بكل تأكيد صوت منتقدي رئيس الاتحادية خلال الأيام القادمة.

وإن خسر المنتخب الوطني لا قدر الله، فإن تلك الخسارة سيجعل منها منتقدو رئيس الاتحادية حجة لا يمكن التشكيك فيها على فشل رئيس الاتحادية في الماضي والحاضر والمستقبل، وعلى عدم أهليته للاحتفاظ برئاسة الاتحادية.

من المؤكد أن دور رئيس الاتحادية في حسن أداء أو في سوء أداء المنتخب الوطني هو دور حاسم ومهم، ولكن ليس من الموضوعي أن يتم تجاهل كل العوامل المؤثرة الأخرى، والتي لا شك أنها تؤثر إيجابا وسلبا على أداء منتخبنا الوطني.

الطريف في الأمر أن المدافعين عن رئيس الاتحادية يتجاهلون كل العوامل المؤثرة في أداء المنتخب الوطني عندما يحقق فوزا، وينسبون ذلك الفوز بكامله لرئيس الاتحادية لوحده، وفي المقابل، فإنهم يستحضرون كل العوامل الأخرى المؤثرة عندما يخسر المنتخب الوطني، وذلك حتى يبعدوا رئيس الاتحادية عن أي خسارة. وعلى العكس من هؤلاء فإن منتقدي رئيس الاتحادية يستبعدون كل العوامل المؤثرة عندما تكون هناك خسارة، وذلك ليربطوا الخسارة بشخص رئيس الاتحادية دون غيره، ويستحضرون كل تلك العوامل المؤثرة عندما يتحقق فوز، وذلك لكي يبعدوا رئيس الاتحادية عن أي فوز كروي يتحقق.

لا خلاف على أن الضحية دائما في هذا النوع من النقاشات هي الموضوعية، وأن الغائب دائما هو النقاش المفيد الذي يشيد بما تحقق كرويا، ويكشف مكامن الخلل في الأداء، ويعطي لكل ذي حق نصيبه كاملا غير منقوص من أي فوز يتحقق أو أي خسارة تقع، فمثل هذا النقاش هو النقاش المفيد، والذي قد يُساعد في تحسن أدائنا الكروي.

المقلق في الأمر أن نتيجة مباراة اليوم ستكون في صالح تكريس عدم الموضوعية في نقاش المهتمين بالشأن الكروي، فإن فاز منتخبنا الوطني، وهذا ما نرجو، فإن أنصار رئيس الاتحادية سيرفعونه مكانا عليا، وإن خسر منتخبنا الوطني ـ لا قدر الله ـ فأن خصوم رئيس الاتحادية سيشنون عليه هجوما قويا وسيحملونه كل المسؤولية فيما حصل.

وتبقى كلمة

إن عدم الموضوعية هذا ليس مرتبطا بالنقاش الكروي فقط، بل إن كل نقاشاتنا السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية والحقوقية تغيب عنها الموضوعية، ويتحكم فيها المزاج والمصالح وأشياء أخرى لا صلة لها إطلاقا بالموضوعية. 

حفظ الله موريتانيا..


السبت، 13 يناير 2024

شكرا جنوب إفريقيا


تستحق جنوب إفريقيا أن تصلها رسالة شكر بالبريد السريع والمضمون، وبمختلف الصيغ والأشكال من كل شخص حر في هذا العالم، وذلك لأنها تحركت في التوقيت المناسب وبالشكل المناسب من أجل وقف هذه الإبادة غير المسبوقة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بمباركة ودعم من "العالم المتحضر"، وبتفرج يمكن أن يصنف هو أيضا على أنه مباركة لهذه الإبادة، أقول وبتفرج من العرب والمسلمين، ولا أستثني من القوم أحدا إلا جماعة الحوثيين التي تُحاول ـ ولوحدها ـ أن ترد على حصار أهلنا في غزة بفرض حصار بحري على الكيان الغاصب.

نعم تستحق جنوب إفريقيا أن تصلها رسالة شكر بالبريد السريع والمضمون، وبمختلف الصيغ والأشكال، من كل إنسان حر في هذا العالم، وتستحق أن تصلها تلك الرسالة بشكل خاص من كل عربي ومسلم في هذا العالم، وخاصة من بعد أن تبخرت الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وغابت الأنظمة العربية والإسلامية، وتُركت غزة لوحدها تواجه الكيان الأكثر إجراما وعنصرية في التاريخ الحديث.

نعم غابت الأنظمة العربية والإسلامية، وغابت كذلك الشعوب العربية والإسلامية، وذلك لأن تحركها لم يكن على مستوى حجم حرب الإبادة التي ترتكب في حق أهلنا في فلسطين. غاب العرب والمسلمون عن بكرة أبيهم، وتُركت فلسطين لوحدها تواجه الكيان الأكثر إجراما وعنصرية، وهو الكيان الذي يتلقى كل أشكال الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي من الأنظمة الغربية. 

غاب الكل، فحضرت جنوب إفريقيا، ولحضور جنوب إفريقيا قيمته ودلالته الرمزية الكبيرة، فهذا البلد كان ـ وإلى وقت قريب ـ ضحية لنظام عنصري، وبالتالي فهو الأكثر إحساسا بمعاناة الشعب الفلسطيني، ثم إن هذا البلد هو بلد المناضل الكبير "نيلسون مانديلا"، ولذا فلم يكن غريبا أن يُسارع هذا البلد إلى التحرك من أجل وقف الإبادة الأكثر بشاعة والأكثر فظاعة في العقود الأخيرة.

اليوم تثبتُ جنوب إفريقيا أنها هي وحدها التي تستحق أن تتحدث باسم "الضمير الإنساني" و "الضمير العالمي" و "المجتمع الدولي" إلى آخر ذلك من المصطلحات والعبارات التي فقدت مصداقيتها منذ فترة طويلة، بل وأصبحت سيئة السمعة، وذلك بسبب تكرار استخدامها من طرف النظام الأمريكي، وكل الأنظمة في الغرب، والتي عراها طوفان الأقصى وأظهر كل سوءاتها دفعة واحدة، وبأحدث تقنيات العرض.

نعم تستحق جنوب إفريقيا أن تصلها رسالة شكر من كل إنسان حر، وعلى المستوى الشخصي فإني سأكون من بين أولئك الذين سيشاركون في وقفة العرفان بالجميل التي ستُنظم أمام سفارة جنوب إفريقيا في نواكشوط ضحى يوم الاثنين الموافق 15 يناير 2024.

شكرا جنوب إفريقيا.. 


الجمعة، 12 يناير 2024

كلمة الأمين العام للحملة

 


نص كلمتي اليوم خلال النقطة الصحفية التي نظمتها الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية حول دعوى قضائية بإلغاء مناقصة أعلن عنها بلغة أجنبية.

ستكون لي عودة - إن شاء الله -  لهذه النقطة الصحفية المهمة  والأولى عنها..

نص الكلمة :

يُشكل تعريب إجراءات الصفقات العمومية مسألةً بالغةَ الأهمية بالنسبة لنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، ولذا فقد وَجهنا بعد أقل من شهر من الإعلان الرسمي عن انطلاق الحملة، وتحديدا في يوم 12 أكتوبر 2021، رسائل إلى رئيس مجلس سلطة تنظيم الصفقات العمومية، ورئيس اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية، وقد طالبنا في تلك الرسائل بالمسارعة في تعريب إجراءات الصفقات العمومية، وفي يوم 10 يناير 2022 قمنا من جديد بإعادة إرسال تلك الرسائل إلى نفس الجهات المذكورة آنفا.

وفي فاتح مارس من العام 2023 نظمنا ندوة تحت عنوان: "تعريب الصفقات العمومية: واجب دستوري ومطلب تنموي"، وذلك للفت الانتباه من جديد إلى مطلبنا المتعلق بتعريب إجراءات الصفقات العمومية، وفي يوم 13 سبتمبر 2023 ذكَّرنا من جديد بنفس المطلب المتعلق بتعريب إجراءات الصفقات العمومية في الرسالة التي وجهناها إلى معالي الوزير الأول، والتي دعونا فيها إلى تقريب خدمات الإدارة من المواطن من خلال تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني.

وإيمانا منا في الحملة بأهمية تنويع الأساليب واستخدام كل الوسائل المتاحة لتحقيق مطلبنا المشروع المتعلق بتعريب إجراءات الصفقات العمومية فقد قررنا أن نطرق باب القضاء من خلال توفير الدعم القانوني لمؤسسة "خطوة للاستشارة والتسويق الإعلامي" بخصوص طعنها بالإلغاء الذي تقدمت به أمام الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا في يوم 25 يوليو 2023 ضد إعلان مناقصة للصندوق الوطني للتأمين الصحي، اشترط فيها الصندوق أن تكون العروض المقدمة له باللغة الفرنسية فقط، وسيحدثكم المنسق المكلف بالشؤون القانونية في الحملة  في هذه النقطة الصحفية بمسار هذه الدعوى، وكل التفاصيل المتعلقة بها.

إننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية نولي اهتماما خاصا بتعريب إجراءات الصفقات العمومية، وذلك لعدة أسباب لعل من أهمها:

أولا/ أنه لا يمكننا أن نتحدث عن سيادة القانون وبناء دولة المؤسسات في وقت ترفض فيه الوزارات ومؤسسات القطاع العام وبشكل علني، وبما في ذلك الوزارات السيادية استقبال أي عروض للمشاركة في أي مناقصة، ما دامت تلك العروض مكتوبة باللغة الرسمية للبلد؛

ثانيا/ أن قطاع الصفقات العمومية تنفق فيه 40% من ميزانية الدولة، ولذا فأرزاق الكثير من الموريتانيين ترتبط بهذا القطاع، وإذا ما استمر التمسك باللغة الفرنسية كلغة عمل وحيدة في هذا القطاع، فإن ذلك سيجعل الكثير من الموريتانيين يولون اهتماما خاصا بلغة أجنبية على حساب لغتهم الرسمية ولغاتهم الوطنية، فالناس في زماننا هذا تهتم بأرزاقها أكثر من أي شيء آخر؛ 

ثالثا/ أنه لا محاربة للفساد دون رقابة شعبية للمال العام، ولا يمكن أن تكون هناك رقابة شعبية على المال العمومي في وقت يتم فيه نشر كل ما يتعلق بالصفقات العمومية التي تنفق فيها نسبة 40% من الميزانية بلغة أجنبية لا تفهمها إلا نسبة أقل من 10% من الموريتانيين؛

رابعا/ أنه لا يمكن أن نتحدث عن تساوي الفرص في العمل بين حملة الشهادات، وذلك في وقت يستمر فيه حرمان حملة الشهادات بالعربية من العمل في أي مجال له صلة بالصفقات العمومية، فالعمل في هذا القطاع الحيوي سيبقى ـ وكما كان ـ حكرا لأصحاب الشهادات باللغة الفرنسية، ما دامت لغة هذا القطاع هي اللغة الفرنسية فقط.

لهذه الأسباب، ولأسباب أخرى لا يتسع المقام لتعدادها وبسطها، فقد ارتأينا في الحملة الشعبية أن نولي اهتماما خاصا بالمطلب المتعلق بتعريب إجراءات الصفقات العمومية، وفي هذا الإطار تتنزل هذه النقطة الصحفية، والتي تعتبر أول نقطة صحفية تنظمها الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية منذ تأسيسها وحتى اليوم.

#العريية_تجمعنا

#معا_لتفعيل_المادة6

الاثنين، 8 يناير 2024

خذ الفرشاة وأكمل اللوحة!


يحكى فيما يحكى أن رساما محترفا رسم لوحة فأعجبته كثيرا، فأراد أن يتحدى بها الجميع، فما كان منه إلا أن علقها على جدار في شارع عام، ووضع بجنبها قلما أحمر، وكتب فوقها: إذا لاحظت خللا في اللوحة فضع فوقه نقطة حمراء.

في المساء عاد الرسام إلى لوحته، فوجدها وقد أصبحت حمراء بكاملها، بسبب كثرة ما وُضِع عليها من نقاط حمراء، فتسبب له ذلك في إحباط شديد، وفكر في هجران الرسم، ولكنه من قبل أن يهجر الرسم قرر أن يخبر معلمه الحكيم بالأمر.

لم يكن من المعلم الحكيم إلا أن طلب من تلميذه الرسام أن يعيد رسم نفس اللوحة، وبنفس المواصفات والمقاسات، ودون أبسط تعديل، وأن يعلقها في نفس المكان، ووعده بأن النتيجة ستكون مختلفة هذه المرة.

نفذ الرسام أوامر معلمه، فأعاد رسم اللوحة دون أي تعديل، وعلقها في نفس المكان، ولكنه هذه المرة، وطبقا لأوامر معلمه، وضع بجانبها فرشاة، وكتب فوقها: إذا لاحظت خللا ولو بسيطا في اللوحة، فالرجاء أخذ الفرشاة وتصحيح الخلل.

في المساء عاد الرسام إلى لوحته، فوجدها على حالها، ثم تركها لأيام، ولكن لا أحد أخذ الفرشاة ليجري تعديلا ولو بسيطا على اللوحة.

تؤكد هذه القصة أنه لا شيء أبسط من النقد، ولا شيء أصعب من الإصلاح، فعندما يتعلق الأمر بالنقد تكون الزحمة كبيرة على القلم الأحمر، وعندما يتعلق الأمر بالإصلاح، فحينها ستغيب الزحمة، وسيكون من النادر جدا أن تجد الفرشاة من يمسكها لإصلاح الخلل.

دعونا ـ من الآن فصاعدا ـ نجرب أخذ الفرشاة ـ كلما كان ذلك ممكنا ـ لإكمال النواقص الموجودة في لوحة الوطن، وهي بلا شك نواقص كثيرة، وفي الأوقات التي لا يُمكن لنا فيها أخذ الفرشاة، فلا بأس بأخذ القلم الأحمر لا لتشويه اللوحة وتلطيخها بما يزيد من نواقصها وعيوبها، وإنما للفت انتباه الجهات المعنية إلى أماكن الخلل في اللوحة، وحثهم على إصلاحها.

وإذا ما تركنا الحديث بلغة المشتغلين بالرسم، وتحدثنا بلغة المشتغلين بالشأن العام، فإنه يمكننا أن نقول بأن الاهتمام بالشأن العام ينقسم إلى ثلاثة مستويات، أو ثلاث درجات، وبين الدرجة والدرجة مسافة شاسعة جدا.

المستوى الأول (الدرجة الأولى): هي أن تنزل إلى الميدان وتحاول أن تصلح ما يمكن إصلاحه من خلل، وبما تملك من وسائل بسيطة، وهذه هي أعلى درجات الاهتمام بالشأن العام، وهي من أصعبها، ومن أكثرها ندرة لدى نخبنا؛

المستوى الثاني (الدرجة الثانية): إنتاج الأفكار وتقديم المقترحات والحلول لمن بيده الأمر، أي لمن يمتلك فرشاة، ويستطيع بالتالي ـ إن وجد المقترحات ـ أن يصحح بعض النواقص ومظاهر الخلل في اللوحة؛

المستوى الثالث (أو الدرجة الثالثة): وهذه هي أدنى درجات الاهتمام بالشأن العام، وأقلها قيمة، وهي التي تتزاحم عليها نخب البلد، ولا يعني هذا أنها بلا قيمة. نعم لها قيمتها، حتى وإن كانت أقل بكثير من قيمة المستويين الأول والثاني، وستبقى قيمتها مرهونة باستخدام القلم الأحمر بالطريقة الصحيحة.

لا يحتاج أصحاب الدرجة الثالثة لأخذ الفرشاة لأنهم لا يمتلكون القدرة على تصحيح الخلل في اللوحة، ولا يمتلكون كذلك القدرة على إنتاج الأفكار وتقديم المقترحات، وأكثر ما يُتوقع منهم هو أن يأخذوا القلم الأحمر للإشارة إلى مكان الخلل للتنبيه إليه، ودون أي تشويه للوحة.

المؤسف حقا أن هذه الطائفة تنشغل في كثير من الأحيان بتلطيخ اللوحة باللون الأحمر، أي أنها تلجأ في نقدها إلى الإساءة والكلام البذيء، وذلك بدلا من الانشغال بالتنبيه إلى نقاط الخلل من خلال النقد القوي والبناء، والذي يهدف صاحبه إلى تبيان مواطن الخلل لأولي الأمر، وحثهم على تصحيحها، ودون أن يُفسد نقده الهادف ذاك بالسب والشتم والإساءة.

حفظ الله موريتانيا..

يوم تشاوري بمناسبة اختتام شهر العربية

 


نظمت الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية لقاءً تشاوريا جمع كل الهيئات المنخرطة في منسقية سدنة اللغة العربية ( 16 هيئة ومنظمة)، ويأتي هذا اللقاء في إطار اختتام الأنشطة المخلدة لليوم العالمي للغة العربية، والتي امتدت في هذا العام لشهر كامل.

اللقاء التشاوري الذي تواصل لساعات بدأ بكلمة ترحيبية لرئيس الحملة الشعبية معالي الوزير السابق صو آبو دمبا ثمن فيها تنسيق وتعاون الهيئات خلال شهر العربية، وبعد الكلمة الترحيبية لرئيس الحملة بدأ نقاش محاور اللقاء التشاوري، والتي شملت :

1- استعراض الأنشطة التي نُظمت من طرف الهيئات المنخرطة في المنسقية  خلال شهر العربية؛

2 - تبادل الأفكار حول إمكانية توسيع تعاون الهيئات وتمديده لفترة أطول؛

3 - قراءة العريضة المطلبية للحملة على المشاركين، ومناقشة إمكانية تحويلها إلى عريضة مطلبية للمنسقية بكاملها وبكل هيئاتها.

وقد أجمع المشاركون خلال محاور النقاش على تثمين تنسيق جهود الهيئات في كل الأنشطة المتعلقة بشهر اللغة العربية، وطالبوا بالاستمرار في هذا التنسيق والعمل على تحسينه وتقويته مستقبلا، مع التوصية بضرورة تمديد فترة التنسيق بين الهيئات لتشمل العام بكامله.

أما بخصوص العريضة المطلبية فقد اتفق المشاركون على تبنيها، وكلفوا الأمين العام للحملة الشعبية السيد محمد الأمين ولد الفاضل، ومدير  معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ونشر العلوم الإسلامية السيد الكوري عبد البركة بإعداد صياغة نهائية للعريضة، ووضع خطة عمل سنوية لتفعيلها، وتقديم تلك الخطة للهيئات المشكلة للمنسقية للمصادقة عليها، والبدء في تنفيذها.

نواكشوط بتاريخ : 6 يناير 2024

الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية.

الاثنين، 25 ديسمبر 2023

عن جائزتي وزير التعليم للخط والخطابة..


1 -إن استحداث جوائز في الخط والخطابة، أو في أي مجال آخر لصالح التلاميذ هو خطوة مهمة تستحق الإشادة والتثمين؛

2 - إن الخطأ الذي وقعت فيه وزارة  التهذيب  الوطني  وإصلاح النظام التعليمي هو أنها عَمِلَت على تجذير ثقافة خاطئة ما زلنا في هذه البلاد ندفع كلفتها، ومفادها أنه يجب المواساة التامة بين اللغة العربية ( اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية) واللغات الأجنبية المستخدمة في موريتانيا، ولذا فلا تستطيع الوزارة أن تعلن عن جائزة لصالح اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية دون أن تعلن عن جائزة مساوية لها للغة الفرنسية، وفي هذه المرة أضافت اللغة الانجليزية لتمييع ارتباط التلاميذ باللغات أكثر؛

3- يمكن لوزارة التعليم في فرنسا أن تستحدث جائزة للتلاميذ في اللغة الفرنسية دون أن تكون ملزمة بأضافة جائزة موازية في العربية أو الانجليزية مثلا، ويمكن لبريطانيا أن تستحدث جائزة في اللغة الانجليزية دون استحداث جوائز موازية في العربية والفرنسية؛

4 - يبقى فن الخط من فنون اللغة العربية والثقافة الإسلامية التي نتميز بها عن بقية اللغات والثقافات الأخرى، وإلى حد ما يمكن أن يكون الأمر صحيحا بالنسبة للخطابة، ولذا فقد كان من المفترض أن تنفرد اللغة العربية بهذه الجائزة في أول عام لها على الأقل، خاصة وأنها تزامنت مع تخليد اليوم العالمي للغة العربية، كما تزامنت أيضا مع الأنشطة الختامية لنواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية في العام 2023؛

5- قررت الوزارة أن تتدرج في منح هذه الجائزة، واكتفت في موسمها الأول أن تخصصها للتلاميذ في نواكشوط على أن تشمل مستقبلا بقية الولايات ..لماذا لم تتبع الوزارة هذا التدرج مع اللغات فتخصص المواسم الأولى للغة العربية على أن تنفتح في مواسم قادمة على اللغات الأجنبية ( الفرنسية والانجليزية)، وبذلك تكون قد أعطت للغة العربية المكانة والتميز الذي تستحقه بصفتها لغة رسمية للبلاد، مع تكريس سياسة الانفتاح على اللغات الأجنبية.

#العربية_تجمعنا

#شهر_العربية

#معا_لتفعيل_المادة6

الأحد، 24 ديسمبر 2023

قطعاً هناك خللٌ ما ..


أن تولد مسلماً في بلد لغته الرسمية هي العربية، وأن يمتد بك العمر إلى الخمسين أو الستين عاما، وتتعلم خلال عمرك هذا لغة أو لغتين أو أكثر من لغات العالم ودون أن تتعلم اللغة العربية، فهذا يعني أن هناك خللاً ما يجب تصحيحه.

فكيف لمسلم ذي فطرة سليمة أن يقبل بأن يتعلم لغة أخرى مهما كانت، وذلك من قبل أن يتعلم اللغة العربية، والتي هي اللغة الوحيدة من بين كل لغات العالم التي ستمكنه من تدبر كتاب ربه، ومن أداء شعائره الدينية على أحسن وجه؟

كيف لمسلم أن يقبل بتعلم لغة أخرى من قبل تعلم اللغة العربية التي اختارها الله لأن ينزل بها آخر كتبه، وأن يجعلها وعاءً للسنة النبوية الشريفة؟

يتأكد السؤال إذا كان ذلك المسلم يعيش في بلد لغته الرسمية هي اللغة العربية كما هو الحال في موريتانيا.

سمعتُ ذات مرة عمدة سابق يقول بأنه تعلم اللغة الفرنسية والانجليزية والاسبانية والألمانية في موريتانيا، ودون أن يتعلم اللغة العربية!!!!!

إن اللغة العربية يجب أن تكون بمنزله "اللغة الأم" لكل مسلم أنعم الله عليه بأن هداه إلى الإسلام، وهي لغة الأمة الإسلامية جمعاء وذلك لأنها هي اللغة التي نزل بها القرآن.

بكلمة واحدة : إن اللغة العربية ليست لغة قوم، وإنما هي لغة أمة إسلامية جمعاء، وعلى كل مسلم أن يتعلمها بنفس الحماس الذي يتعلم به لغته الأم. أما من كانت اللغة العربية هي لغته الأم، وهي لغته بلده الرسمية، فتعلم لغة أخرى من قبلها يعدُّ حماقة ما بعدها حماقة.

إن كل مسلم ذي فطرة سليمة سيحب اللغة العربية، وسيعتز بها، وسيعمل من أجل التمكين لها، ويكفيه أن الله جل جلاله قال في محكم كتابه:

((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) الآية 2 سورة يوسف.

((وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)) الآية 37 سورة الرعد.

((وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)) الآية 103 سورة النحل.

((وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا)) الآية 113 سورة طه

(( ِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)) الآية 195 سورة الشعراء.

((قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍۢ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) الآية 28 سورة الزمر.

((كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) الآية 3 سورة فصلت

((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) الآية 3 سورة الزخرف

((وَهَٰذَا كِتَٰبٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا)) الآية 12 سورة الأحقاف.

صدق الله العظيم.

#العربية_تجمعنا

#شهر_العربية

#معا_لتفعيل_المادة6

الاثنين، 18 ديسمبر 2023

جئتك يا كويت معزياً


جئتك يا كويت معزيا، جئتك وقد عرفتك صاحبة المواقف الرائدة والمبدئية اتجاه فلسطين، والتي تعيش اليوم جريمة حرب إبادة تعدُّ هي الأبشع والأشنع والأفظع في العقود الأخيرة. لقد عرفتك ـ يا كويت ـ بمواقفك الثابتة الداعمة للشعب الفلسطيني، والتي لم تتزحزح أبدا، فلم يراود أي حكومة من حكوماتك في أي يوم من الأيام أن ترتكب جُرم التطبيع، وما تخلف مجلس أمتك في أي يوم من الأيام عن اتخاذ مواقف جريئة داعمة للشعب الفلسطيني. وما قصر شعبك وبكل قواه الحية في تقديم الدعم ـ وبمختلف أشكاله ـ للشعب الفلسطيني.

جئتك يا كويت معزيا، وما كان لي أن أبدأ الحديث عنكِ في هذا الظرف العصيب إلا بفاتحة فلسطين، وبمواقفك الداعمة لها. 

جئتك يا كويت معزيا، وقد عرفتك بعيدة كل البعد عن سياسة خلق المحاور وتغذية الصراع التي أنهكت جسد هذه الأمة، فكانت علاقاتك حسنة مع الجميع. عرفتك يا كويت لا تتدخلين في الصراعات العبثية التي عصفت بأمتنا، لا تتدخلين فيها إلا إذا كانت لديك وساطة بين الأشقاء تدفعين بها، أو مبادرة تجمع ولا تفرق تطلقينها.

نعم عرفتك يا كويت بلد المساعي الحميدة، الذي لا يتاجر بمواقفه، بل على العكس من ذلك، فهو كثيرا ما يزهد في تسويق تلك المواقف إعلاميا ودبلوماسيا.

جئتك يا كويت معزيا، وقد عرفتك بلدا منشغلا بالثقافة، فمجلة العربي هي التي حببت إليَّ المطالعة في الصغر، وهي التي جعلتني أطمح من بعد ذلك لأن أكون كاتبا، وهي فوق ذلك كله منحت بلدي من خلال أحد محرريها وفي أحد استطلاعاتها الذائعة الصيت لقبا جميلا، لا تقدر قيمته بأي ثمن، إنه لقب بلاد المليون شاعر، والذي لا تزال بلادنا تُعرف به، حتى يوم الناس هذا.

جئتك يا كويت معزيا وقد عرفتك بلدا يقدم الدعم بسخاء لكل من يحتاج الدعم من الأشقاء، ويقدمه كذلك لغير الأشقاء، ولذا فلم يكن غريبا أن يرتبط اسمك وأسماء قادتك بكل ما له صلة بالعمل الإنساني.

جئتك يا كويت معزيا، وإذا كنتُ قد جئتك ذات زيارة لأقول لك إني من الذين يفرحون لفرحك، فقد جئتك اليوم في زيارة أخرى لأقول لك إني من الذين يحزنون لحزنك.

جئتك يا كويت معزيا، وذلك بعد أن شرفني فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بعضوية الوفد الرئاسي الذي أدى واجب التعزية، وذلك حرصا منه على أن يُمَثل المجتمع المدني في هذا الوفد. 

أسأل الله تعالى أن يتغمد الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يحفظ صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وأن يوفقه لكل ما فيه الخير للكويت ولقضايا العرب والمسلمين، وعلى رأس ذلك القضية الفلسطينية.

حفظ الله الكويت ...

قصر بيان : 18 دجمبر 2023


الثلاثاء، 12 ديسمبر 2023

عريضة مطلبية


 مهم، بل مهم جدا..

هذه عريضة مطلبية مستوحاة من رسائل الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية التي وجهتها خلال العامين الماضيين إلى الإدارات والجهات الحكومية المعنية:

1- العمل على تقريب خدمات الإدارة من المواطن من خلال التعريب الشامل للخطابات الرسمية وللمراسلات والوثائق الإدارية؛

2- خلق هوية بصرية تتناغم مع نص المادة السادسة من الدستور الموريتاني، وذلك من خلال تعريب لوحات ترقيم السيارات الحكومية، وكذلك تعريب اللافتات الإشهارية على كل أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية؛

3- إشعار الهيئات والمنظمات الدولية والسفارات العاملة في موريتانيا بأن اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية هي اللغة العربية، وحث تلك الهيئات والمنظمات والسفارات على العمل بمقتضى ذلك؛

4 - إلزام القطاع الخاص وكل الشركات الأجنبية العاملة في موريتانيا باحترام حقوق المستهلك الموريتاني ومخاطبته بلغته الرسمية التي يفهمها أو  يفترض فيه أنه يفهمها؛

5- استخدام إحدى لغاتنا الوطنية بدلا من اللغة الفرنسية في كل الأنشطة الرسمية التي يتعذر فيها استخدام اللغة العربية، مع ضرورة توفير الترجمة بين اللغة الرسمية واللغات الوطنية؛

6 - توفير الترجمة إلى اللغات الوطنية في المؤسسات الخدمية التي توجد في أحياء أو مدن يكثر فيها استخدام إحدى لغاتنا الوطنية؛

7- توفير الدعم للمنظمات والهيئات التي تعمل لصالح اللغة الرسمية واللغات الوطنية، وأن لا يقل ذلك الدعم عن الدعم الذي يُمنح كل عام من طرف مؤسسات وطنية للهيئات والمنظمات لفرانكفونية العاملة في موريتانيا. 

إذا كنتَ مستعدا للتوقيع على هذه العريضة المطلبية فعلق باسمك وصفتك أو مهنتك، أو أرسل ذلك في رسالة خاصة.

الصورة من رسالة وجهتها الحملة في وقت سابق إلى معالي الوزير الأول.

#شهر_العربية

#معا_لتفعيل_المادة6

الاثنين، 11 ديسمبر 2023

لماذا لا نعلن عن يوم عالمي لإسقاط المعايير المزدوجة؟


كعادته كل عام خلد العالم الذكرى السنوية لاعتماد الأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خلدها هذا العام، في يوم 10 ديسمبر 2023، على أشلاء المزيد من شهداء واحدة من أفظع وأبشع مجازر الإبادة في تاريخنا الحديث.

إنه لمن المستفز حقا أن يحتفي العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان في مثل هذا اليوم، وهو يتفرج ـ لحظة بعد لحظة ـ على واحدة من أفظع وأشنع جرائم الإبادة التي ترتكب في تاريخنا الحديث.

قبل 75 عاما من الآن، وتحديدا في يوم 10 ديسمبر من العام 1948، وفي ظل أجواء النكبة التي تعرضت لها فلسطين في ذلك العام، والتي كان يقف وراءها "رعاة" الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تم اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي اليوم الموالي، أي في يوم 11 ديسمبر 1948 أصدرت الأمم المتحدة قرارها رقم 194 القاضي بحفظ حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هُجِّروا منها في تلك الفترة.

لم ينفذ حتى الآن هذا القرار الأممي رغم مرور 75 عاما على إصداره، ولم يعد اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم التي هُجروا منها في العام 1948، بل على العكس من ذلك فها هم اليوم يتعرضون لجريمة إبادة أخرى، وإلى محاولة تهجير أخرى على مرأى ومسمع من "رعاة" الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل وبدعم عسكري ودبلوماسي واقتصادي سخي من بعض "رعاة" ذلك الإعلان!! 

ولعل من المصادفات اللافتة أن يتزامن اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع نكبة الشعب الفلسطيني، وأن تتزامن ذكرى تخليده الخامسة والسبعين مع يوم جديد من أيام حرب الإبادة الجديدة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر من العام 2023.

إنه لمن المستفز حقا، أن يخلد العالم اليوم العالمي لحقوق الإنسان بعد يومين من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض (الفيتو) لمنع تمرير مشروع قرار يقضي بوقف إطلاق النار في فلسطين.

لقد أثبتت أمريكا والتي كثيرا ما تتحدث باسم "الضمير العالمي" و "المجتمع الدولي"، وذلك بعد أن نصبت نفسها وصية على "القانون الدولي"، لقد أثبتت أمريكا أنها لم تعد مؤهلة لا أخلاقيا، ولا سياسيا، ولا دبلوماسيا للاحتفاظ بحق النقض، وذلك بعد تكرار استخدامها لهذا الحق لإفشال أي محاولة لوقف جرائم إسرائيل المستمرة ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 75 عاما.

لقد آن الأوان لأن نتوقف نهائيا عن تخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وعلى الشعوب العربية والإسلامية في العالم أن تُبدل هذا اليوم بيوم عالمي لإسقاط ازدواجية المعايير ، وهي الازدواجية التي تجعل من الإنسان العربي و المسلم إنسانا من الدرجة الثانية أو الثالثة، لا حقوق له في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لقد آن الأوان لأن نجعل من يوم 10 ديسمبر من كل عام يوما عالميا لإسقاط ازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين، نخلده كل عام، وندعو كل أحرار العالم أن يخلدوه معنا، ونستمر في ذلك إلى أن يقتنع "العالم المتحضر" بأن الإنسان العربي والمسلم هو أيضا إنسان، وله حق التمتع بالحقوق المسطرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

حفظ الله فلسطين..


الجمعة، 8 ديسمبر 2023

عن العائد الاقتصادي للمحظرة الموريتانية!


تعدُّ مصادقة لجنة التراث العالمي على تسجيل المحظرة الموريتانية في قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو مكسبا كبيرا لبلادنا، وبهذه المناسبة السارة، فإنه قد يكون من المهم أن نتحدث عن موضوع في غاية الأهمية، لم يجد من يتحدث عنه من قبل، وسنحاول في هذا الحديث أن ننظر إلى المحظرة من زاوية غير تقليدية، أي من زاوية اقتصادية بحتة، فالمحظرة يمكن أن تشكل بالفعل موردا اقتصاديا مهما للبلد، يدر عوائد مالية معتبرة ضمن ما يسمى بالاقتصاد الثقافي، خاصة وأن بلادنا تملك ميزة تنافسية كبيرة في هذا المجال.

لقد عُرفت بلادنا في الماضي (بلاد شنقيط) باللغة العربية والعلوم الشرعية، وكسبت بذلك سمعة حسنة في العالمين العربي والإسلامي، وهي لا تزال تُحظى بتلك السمعة الحسنة، فلماذا لا نستثمر في هذه السمعة الحسنة ونحولها إلى مورد اقتصادي من خلال استغلال الميزة التنافسية التي نمتلكها في هذا المجال، وبذلك نكون قد خدمنا العلوم الشرعية واللغة العربية من جهة، وحققنا مكاسب مالية لبلادنا من جهة أخرى، أي أننا جمعنا بين خيري الدنيا والآخرة من خلال الاستثمار في المحظرة.  

وحتى لا يبقى هذا الكلام مجرد كلام نظري، فإليكم بعض الأفكار والمقترحات المحددة.

1 ـ  يمكن لبلادنا أن تؤسس مركزا دوليا للتدقيق اللغوي عن بعد تكتتب فيه عددا كبيرا من أساتذة اللغة وخبرائها في بلادنا، وهم موجودون بأعداد كبيرة ولله الحمد، على أن يتولى هذا المركز التدقيق اللغوي لصالح دور النشر والمؤسسات الإعلامية، ولكل ما يكتب وينشر باللغة العربية، وخدمة التدقيق اللغوي أصبحت مطلوبة في الكثير من البلدان العربية والإسلامية.

بالفعل، هناك حاجة كبيرة لتأسيس مركز للتدقيق اللغوي في موريتانيا، يقدم خدمة التدقيق عن بعد، وعلى المستوى الشخصي فقد تلقيتُ في أوقات سابقة طلبات من جهات خارجية تبحث عن مدققين لغويين في موريتانيا؛

2 ـ تأسيس جامعة أو أكاديمية أو معهد دولي يحمل اسم المحظرة الموريتانية يتخصص في تدريس علوم اللغة والعلوم الشرعية بشكل مباشر وعن بعد، ويستخدم التقنيات الحديثة لذلك، ويُفتح التسجيل فيه أمام آلاف بل عشرات الآلاف إن لم أقل مئات الآلاف من المسلمين في العالم، الذين يرغبون في تعلم الإسلام عن طريق مراكز وجامعات مؤتمنة. 

هناك عدد كبير من غير المسلمين يدخل في دين الإسلام يوميا، وبعض هؤلاء قد يقوده البحث عن تعلم الإسلام إلى الوقوع في حبائل منظمات إرهابية أو جماعات بلباس صوفي حرفت الدين وأدخلت فيه طقوسا تعبدية لا صلة له بها.

من المؤكد أن تأسيس جامعة أو معهد موريتاني يُعَلم وينشر دين الإسلام بشكل مباشر أو عن بعد، سيستقطب الكثير من طلاب العلم، خاصة من المسلمين الذين يوجدون في دول غير مسلمة، ويجدون صعوبة كبيرة في تعلم العلوم الشرعية واللغة العربية.

لقد نشر أجدادنا العلوم الشرعية واللغة العربية خارج موريتانيا بوسائل تقليدية كانت صالحة في فترة من الزمن، فلماذا لا نواصل نحن اليوم ذلك الجهد مستفيدين مما تتيحه التقنيات الحديثة في هذا المجال، ومستفيدين كذلك من السمعة الحسنة التي تركها لنا آباؤنا وأجدادنا في هذا المجال؟

3 ـ  في يوم 29 أكتوبر 2022 وجهنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية  نداء إلى القادة العرب خلال قمة الجزائر، وطالبنا من خلال هذا النداء بتأسيس منظمة دولية تعنى باللغة العربية تنتسب لها  بالإضافة إلى الدول العربية كل الدول الإسلامية التي تستخدم فيها اللغة العربية بصفتها لغة ثانية أو ثالثة.

وقد حاولنا في الحملة أن ننظم مؤتمرا في موريتانيا في إطار أنشطة نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية نستضيف فيه جمعيات وهيئات مهتمة باللغة العربية من مختلف البلدان الإسلامية، على أن يصدر هذا المؤتمر توصية تطالب بتأسيس منظمة دولية تعنى باللغة العربية. 

لقد حاولنا ذلك خدمة للغة العربية وخدمة لموريتانيا، فنحن نعتقد أن موريتانيا ستكون من بين الدول الأكثر استفادة من تأسيس منظمة من هذا القبيل، وذلك نظرا لموقعها الجغرافي، وكذلك نظرا لتمكن أبنائها من اللغة العربية، وكل ذلك سيجعل من اختيار موريتانيا مقرا لهذه المنظمة أمرا واردا، خاصة وأن بلادنا تحتفظ في هذا العهد بعلاقات طيبة مع كل البلدان العربية والإسلامية.

لم نتمكن للأسف من تنظيم هذا المؤتمر، لغياب الداعمين، ولعدم تجاوب وزارتي الثقافة والخارجية مع هذا المقترح، ومع ذلك فستبقى فكرة عقد مثل هذا المؤتمر مفيدة للبلاد، وحتى في حالة عدم انعقاده فيمكن للحكومة الموريتانية أن تتبنى فكرة تأسيس منظمة دولية تعنى باللغة العربية، وأن تطرحها في المحافل العربية والإسلامية، ومن المؤكد أن ذلك سيزيد من احتمال اختيار موريتانيا مقرا لهذه المنظمة في حالة الاتفاق على تأسيسها.

على موريتانيا أن تهتم رسميا وشعبيا باللغة العربية، والتي سنخلد يومها العالمي بعد أيام قليلة، ويجب أن لا يقتصر ذلك الاهتمام على كون هذه اللغة هي اللغة الرسمية للبلد، رغم أهمية ذلك، وإنما يجب أن يمتد أيضا إلى أمور أخرى منها أن بلادنا يمكنها أن تحقق مكاسب ثقافية ودبلوماسية واقتصادية مهمة من خلال الاهتمام بالعلوم الشرعية واللغة العربية، عن طريق تطوير المحظرة الموريتانية وجعلها قادرة على تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية للمسلمين خارج موريتانيا، وذلك من خلال استخدام التقنيات الحديثة، والتركيز على التعليم عن بعد.

حفظ الله موريتانيا..