الاثنين، 30 يونيو 2025

بيان


طالعنا في حملة "معا للحد من حوادث السير" بيانا صادرا عن وزارة التجهيز والنقل، سُجِّل بالصوت والصورة في مقطع مرئي، نشرته إذاعة موريتانيا على صفحتها في الفيسبوك يوم 31 مايو 2025، ويقضي هذا البيان بتخصيص المسارات المحجوزة من جسر الصداقة إلى جسر تآزر، ومن جسر الصداقة إلى وقفة توجنين، لحافلات النقل العمومي التي تحمل شعار النقل السريع، وتحريم هذه المسارات على كل أنواع السيارات والمركبات الأخرى، مع فرض غرامة 50 ألف أوقية قديمة على كل مركبة تخالف مقتضيات هذا البيان.

لقد اعتقدنا في البداية أن سيارات الإسعاف ليست معنية بهذا البيان، وأن عدم استثنائها في البيان إنما هو خطأ غير مقصود، ولكن ما شاهدناه بعد ذلك من توقيف متكرر لسيارات إسعاف بعضها يحمل مرضى، أكد لنا أن عدم استثناء الوزارة لسيارات الإسعاف في بيانها كان مقصودا، وأنها تُحرم على سيارات الإسعاف كغيرها من السيارات الأخرى المسارات المحجوزة لحافلات النقل السريع.

إننا في حملة معا للحد من حوادث السير إذْ نعبر عن استغرابنا الشديد لتوقيف سيارات إسعاف لمرورها عبر المسارات المحجوزة، لندعو إلى إصدار بيان أو اتخاذ إجراءات سريعة للسماح لسيارات الإسعاف بالمرور عبر المسارات المحجوزة، فالأمل كان معقودا على أن مشروع "حركية نواكشوط" سيسمح لسيارات الإسعاف بالوصول في وقت أسرع إلى المستشفيات إنقاذا لحياة المرضى، فإذا بهذا البرنامج يعرقلُ وصول سيارات الإسعاف، خاصة وأن أصحاب السيارات العادية لم يعد بإمكانهم اليوم في الشوارع المتعددة المسارات أن ينحرفوا قليلا على جوانب الطريق ليفسحوا الطريق لسيارات الإسعاف.    

إن الاستمرار في تحريم المسارات المحجوزة على سيارات الإسعاف سيضع حياة الكثير من المرضى في خطر، خاصة وأن العديد من شوارع العاصمة يشهد زحمة كبيرة في أوقات الذروة، ثم إن الاستمرار في منع سيارات الإسعاف من المرور عبر المسارات المحجوزة سيشوش على إنجاز في غاية الأهمية، كان فخامة رئيس الجمهورية قد تعهد لنا به في الحملة عندما سلمناه عريضتنا المطلبية في نهاية العام 2019، ويتعلق هذا الإنجاز المهم بتوفير عشرات سيارات الإسعاف، وإطلاق برنامج العون الطبي الاستعجالي الذي يشيد به اليوم المعارض قبل الموالي.

فلماذا تشوش وزارة التجهيز والنقل على هذا الإنجاز المهم ببيانها الغريب؟ ولماذا تخاطر هذه الوزارة بحياة المرضى الذين قد يحتاجون لسيارات إسعاف توصلهم في أسرع وقت ممكن إلى المستشفيات للتدخل السريع إنقاذا لحياتهم؟.

نواكشوط: 30 يونيو 2025

 حملة معا للحد من حوادث السير .

الأحد، 29 يونيو 2025

نداء جوك للسلامة المرورية


توفي يوم السبت 28 يونيو 2025 سائق شاحنة تتبع لشركة صينية تعمل لصالح مؤسسة أشغال صيانة الطرق ETER في منطقة أشكيك قرب منعرج جوك، وكان الحادث مؤلما وبشعا لدرجة لا يمكن وصفها.

وقبل ذلك بثلاثة أشهر، وتحديدا في يوم الأربعاء الموافق 26  مارس 2025 توفي ثلاثة عمال من مؤسسة أشغال صيانة الطرق في حادث سير  أليم عند نفس المنعرج، وأصيب في نفس الحادث خمسة من عمال الشركة بجروح متفاوتة في الخطورة.

وصل عدد ضحايا شركة أشغال صيانة الطرق وشركة تعمل معها إلى 4 عمال، توفوا عند هذا المنعرج بسبب حوادث سير، وأصيب آخرون من عمال الشركة لم نتمكن من متابعة حالاتهم، ولا نعرف إن كانوا قد توفوا بعد ذلك، أم أنهم شفوا بعد إصابتهم في الحادث.

هذا العدد الكبير  من الضحايا يتعلق فقط بضحايا شركة صيانة الطرق لوحدها، عند نفس المنعرج، وخلال فترة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.

هذه أرقام تؤكد خطورة هذا المنعرج، وهو الشيء الذي جعلنا في حملة معا للحد من حوادث السير نطلق نداء السلامة الطرقية من نفس المنعرج في يوم الثلاثاء الموافق 07 نوفمبر 2023، وذلك بعد زيارة ميدانية للمنعرج على هامش قافلة توعوية نظمناها على طريق الأمل في تلك الفترة. 

تضمن نداء جوك للسلامة المرورية سبعة مطالب، وهي:

1ـ إجبار جميع المركبات على اقتناء المثلث التحذيري العاكس للضوء، وخاصة الشاحنات، وإلزام نقاط التفتيش على الطرق بالتوقيف الفوري لأي شاحنة لا يوجد لدى سائقها هذا المثلث، ومنعها من مواصلة الرحلة؛

2 ـ تشكيل دوريات متنقلة من الدرك لرصد الشاحنات المتوقفة على الطرق، والتي لا تضع إشارات تحذيرية، واتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد سائقيها؛

3- إرسال عناصر من الدرك بشكل فوري إلى المواقع الأكثر خطورة عندما تتعطل فيها شاحنة، وذلك لتأمين سالكي الطريق عندما تكون الإشارات التحذيرية غير كافية لتأمينهم؛ 

4 ـ إنزال أقسى العقوبات بأي سائق شاحنة يتسبب في حادث سير بتوقفه على الطريق دون وضع إشارة تحذيرية، وعدم التساهل معه تحت أي ظرف؛

5ـ العمل مستقبلا على تسوية جوانب الطرق في المقاطع الأكثر خطورة، وجعلها مناسبة للتوقف، ففي ببعض هذه المقاطع قد لا يجد سائق السيارة المتعطلة مكانا يوقف فيه سيارته المتعطلة؛

6 - الصرامة في التعامل مع الحمولة الزائدة، فهي المسبب الأول في انقلاب الشاحنات على الطرق؛

7 ـ توفير آليات قادرة على التعامل مع الشاحنات الكبيرة في حالة انقلابها وغلقها للطريق، على أن تكون هناك نقطة تدخل ثابتة مجهزة بتلك الآليات عند منعرج "جوك"، والذي كثيرا ما تنقلب عنده شاحنات فتسد الطريق.



الثلاثاء، 24 يونيو 2025

بأي منطق لا يتعلم الموريتاني العربية؟


إن الذين يشجعون بعض مكوناتنا الوطنية على تعلم لغة أجنبية بدلا من اللغة العربية (لغة القرآن، ولغة الدستور في موريتانيا) بحجج واهية، يرتكبون جريمة كبرى في حق أولئك، حتى ولو تظاهروا بعكس ذلك.

صادفتُ اليوم هذا المقطع للرئيس السنغالي السابق، وهو يحاول بصعوبة، وبعد أن تقدم به العمر،  أن يقرأ آية من القرآن، فتعجبتُ، كيف لمواطن موريتاني مسلم أن لا يبدأ بتعلم اللغة العربية قبل أي لغة أخرى، فهو بتعلم هذه اللغة ستسهل عليه تلاوة القرآن، وقراءة الأحاديث النبوية الشريفة، وتعلم أحكام دينه، وذلك مما لا يعدله أي شيء آخر عند كل مسلم ذي فطرة سليمة.

ثم إن هذه اللغة هي لغة بلده الرسمية، وهي من هذا الجانب تستحق كذلك أن تكون أول لغة يحرص الموريتاني على تعلمها.

لا أدري كيف لموريتاني مسلم يجد الفرصة لتعلم اللغة العربية فلا يتعلمها، ولا أدري بأي منطق يقبل أن يتعلم قبلها لغة أجنبية أخرى، مهما كانت تلك اللغة؟

كل التقدير للرئيس السنغالي السابق على هذا الجهد الكبير الذي يبذل بعد ان تقدم به العمر لحفظ بعض السور من القرآن الكريم.

شاهد المقطع👇



الجمعة، 20 يونيو 2025

هل ستستجيب دول الخليج لطلب سموتريتش؟


 تخوض إيران أربع معارك في وقت واحد، ومع ذلك فهي تخوض كل معركة من تلك المعارك  بثقة وشجاعة... 

المعركة الأولى:  لامتصاص عنصر المفاجأة، وللتعافي من الضربة الأولى، والتي كانت بالفعل ضربة موجعة جدا. نعم تلقت إيران ضربة موجعة ومفاجئة، وشاركت أمريكا في عملية الخداع، ففقدت في تلك الضربة القوية والمفاجئة في توقيتها كبار قادتها العسكريين، ومع ذلك استطاعت إيران أن تتجاوز الصدمة بعد ساعات قليلة فقط، فكان ردها سريعا؛

المعركة الثانية:  معركة ضد الاختراق الكبير وضد جيش من الجواسيس والعملاء، ولم تكن هذه المعركة التي ما تزال مستمرة معركة سهلة، إنها معركة شرسة ضد جواسيس لا يكتفون فقط بتقديم معلومات عسكرية وأمنية في غاية الدقة والأهمية للعدو، بل إنهم زيادة على ذلك لديهم مخازن من الأسلحة ومنصات لإطلاق الصواريخ ينفذون من خلالها عمليات نوعية من داخل إيران؛

المعركة الثالثة : أن إيران لا تحارب دولة الكيان لوحدها، بل تحارب معها الغرب كله الذي يدعمها عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا، بل إن بعض الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا دخلت الحرب بشكل مباشر، حتى وإن لم تعلن عن ذلك.   

أضف إلى ذلك أن بعض الدول العربية تدعم العدو بشكل غير مباشر، بل إنها بعضها يدعمه بشكل مباشر، ولعلكم تتابعون عمليات الاعتراض اليومية لصوايخ إيران الموجهة إلى العدو، والتي تقوم بها إحدى الدول العربية بحجة أنها تدافع عن سيادتها!!!! 

المعركة الرابعة: تخوض إيران معركة ضد الخذلان الجماهيري والشعبي في بلاد العرب والمسلمين، فاليوم يوم جمعة، ولم نسمع - حتى الآن- عن مسيرات ولا مهرجانات شعبية متضامنة أو داعمة لإيران في حربها ضد الكيان، وذلك على الرغم من مرور أسبوع على الحرب.

 لذا فلم يكن غريبا في ظل هذا الخذلان الشعبي والرسمي لإيران أن يطلب سموتريتش من دول الخليج أن تتحمل تكاليف الحرب ضد إيران.

الخميس، 19 يونيو 2025

ألم يحن الوقت لضبط الفتوى وتحسين أداء لجنة الأهلة؟


من الأمور التي تشوش علينا نحن عوام المسلمين في هذه البلاد، وتربكنا كل عام، هو هذا الخلاف الذي يتجدد دائما بين علمائنا وفقهائنا الأجلاء، حول صيام يوم عرفة إذا ما اختلفت رؤيتنا لهلال شهر ذي الحجة مع رؤية المملكة العربية السعودية، ومن الأمور المشوشة كذلك علينا نحن عوام المسلمين التشكيك المتكرر في بيانات لجنة الأهلة بعد صدورها من طرف أئمة ودعاة بحجة أن هناك رؤية سابقة تجاهلها بيان لجنة الأهلة.

الراجح أن هذا الخلاف حول صوم يوم عرفة، وذلك التشكيك في بيانات لجنة الأهلة، لن يتوقفا مستقبلا، إذا لم تضبط الفتوى، وإذا لم يُحَسَّن من أداء لجنة مراقبة الأهلة.

ألم يحن الوقت لضبط الفتوى؟

من المفارقات اللافتة أن الغائب الأبرز في الأوقات التي تتعدد فيها الفتاوى وتتنوع، هو الهيئة الوحيدة المخولة دستوريا للإفتاء في موريتانيا، أي المجلس الأعلى للفتوى والمظالم. صحيحٌ أن صفحة المجلس على الفيسبوك، نشرت هذا العام توضيحا بشأن صيام يوم عرفة، صادرا عن المجلس قبل فترة، حسب ما كُتِبَ في مقدمته، ولكن الصحيح أيضا أن هذا التوضيح كان هو الأقل تداولا في الإعلام وبين الناس، خلال الأيام الماضية. وإذا كان المجلس قد أصدر هذه المرة  توضيحا حول قضية أثارت ـ وما تزال تثير ـ نقاشا بلا أول ولا آخر، فإن الغالب على المجلس هو الغياب عن مثل هذه النقاشات الفقهية، وعدم الإدلاء بفتواه حول قضايا يكثر فيها الخلاف وتتعدد حولها الفتاوى، وهو إن أصدر فتوى عجز عن تسويقها وإيصالها لعموم الناس، وقد يتفوق عليه في هذا المجال شيوخ وفقهاء يتمكنون من إيصال فتاويهم إلى جمهور كبير مع أنهم لا يمتلكون مؤسسات ولا ميزانيات لإيصال فتاويهم إلى الناس.

من الواضح أن هناك خللا بيِّنا في ضبط الفتوى، وكذلك في إيصال فتاوى مجلس الفتوى والمظالم إلى عموم الناس، ولعل المثال الأبرز الذي يمكن تقديمه عن عجز المجلس في ضبط الفتوى، هو هذا الخلاف الذي تابعناه منذ أسابيع حول صوم يوم عرفة.

تقول المادة 94 من الدستور الموريتاني في فقرتها الثالثة: "يكلف المجلس الأعلى للفتوى والمظالم بإصدار الفتاوى، أي الآراء الفقهية، طبقا لتعاليم المذهب المالكي." 

ولتفعيل هذا التكليف الدستوري، ووقفا لتجدد الخلاف حول يوم عرفة كل عام، فإنه على المجلس الأعلى للفتوى والمظالم أن يجمع كل العلماء والمشايخ والفقهاء الذين عُرِفوا بالاختلاف في فتاويهم  حول تحديد يوم عرفة الذي علينا صيامه في هذه البلاد إن اختلفت رؤيتنا للهلال عن رؤية السعودية، أن يجمعهم، ودون أن يستثني منهم أحدا، لمناقشة آرائهم الفقهية المتباينة حول يوم عرفة، فيستعرض أصحاب كل رأي فقهي أدلتهم وحججهم، على أن يعتمد المجلس في ختام ذلك النقاش الرأي الفقهي الذي ظهر أنه هو الأرجح والأقوى أدلة، فيُعمم ذلك الرأي الفقهي ويلزم الجميع بالعمل به، ولا أظن أن أي فقيه من فقهائنا سيتعصب لرأيه الفقهي إذا ما ظهر له أن هناك رأيا أرجح  وأقوى أدلة، خاصة وأنه يعلم أن تمسكه برأيه الفقهي في هذه الحالة  سيؤدي إلى المزيد  من إرباك عامة المسلمين، وتعميق الخلاف بينهم، وهو ما سيستغله ـ وبكل تأكيد ـ أعداء الدين الذين لن يفوتوا فرصة أي اختلاف بين العلماء إلا واستغلوها للإساءة إلى الدين والعلماء.

إننا نرجو من علمائنا ومشايخنا وفقهائنا الأجلاء أن يوقفوا هذه البلبلة التي تحدث كل عام في ممارسة بعض الشعائر الدينية، وندعوهم إلى عدم منح المزيد من الفرص لمن يريد من بيننا أن يشوه هذا الدين العظيم ويسيء إلى علمائنا الأجلاء من خلال استغلال خلافهم في قضايا ما كانوا ليختلفوا فيها، كصوم يوم عرفة، لو أنهم اجتمعوا وناقشوا آراءهم الفقهية دون تعصب، واعتمدوا منها ما رأوا أنه هو الأقرب إلى الصواب.

ألم يحن الوقت لتحسين أداء لجنة رقابة الأهلة؟

في كل عام يتجدد الخلاف حول رؤية الأهلة التي ترتبط بها بعض العبادات والشعائر الدينية، ولذا فقد وجب إعادة النظر في تشكيل لجنة الأهلة، وفي أساليب عملها، حتى تكون قادرة على وقف هذا الجدل الذي يتجدد دائما مع أول يوم من أيام شهر رمضان، ومع يوم عرفة، وكذلك مع يومي عيدي الفطر والأضحى.

في سنوات خلت كانت لجنة الأهلة تعلن في بعض الأحيان عن أول يوم من رمضان في ضحى النهار بعد أن يكون الناس قد تناولوا فطورهم في الصباح، وربما أعلنته في الزوال، بعد أن يتأكد لها في وقت متأخر رؤية الهلال، وكانت في حالات أخرى تدعو الناس للإفطار بعد أن قضوا ساعات وهم صيامٌ في آخر يوم من أيام رمضان، ومما لا خلاف فيه أن ذلك كان يربك الناس كثيرا، ويظهر نوعا من الفوضوية التي لا تليق بلجنة من القضاة والعلماء تم تكليفها رسميا بمهمة جسيمة ترتبط بها عبادات وشعائر دينية مهمة في حياة المسلم.

ولوقف هذه الفوضوية، حددت اللجنة وقتا معلوما تستقبل فيه الاتصالات، ولا تستقبلها بعد انقضائه، ولا بعد أن تصدر بياناتها التي يبدو أنها لم تعد قابلة للتعديل، ومع أن تحديد وقت معلوم لاستقبال المتصلين قد حسن من أداء اللجنة، إلا أنه في المقابل أظهر مشاكل من نوع آخر، تتمثل في الأساس في أن البعض منا قد لا يبلغ اللجنة برؤيته للهلال إن رآه في الوقت المحدد لاستقبال الاتصالات، وينتظر حتى تنفض اللجنة من اجتماعها وتصدر بيانها فيتحدث في الوقت الضائع عن رؤيته للهلال، فيتلقف البعض من مشايخنا وفقهائنا تلك الرؤية، فيعتمدها وينشرها بين الناس محدثا بذلك بلبلة وتشويشا على عوام المسلمين، وربما يتحمس البعض في تسويق تلك الرؤية بسبب خلافه مع لجنة الأهلة أو بسبب عدم رضاه عن السلطة الحاكمة.

هنا لابد من القول بأنه لا مصلحة للجنة الأهلة، ولا للسلطة الحاكمة، في تعجيل رؤية الهلال أو تأخيرها، لا مصلحة لها إطلاقا في ذلك، ومن المؤكد أن تحديد اللجنة لوقت معلوم تستقبل فيه الاتصالات، وإصدارها لبيانات غير قابلة للتعديل بعد إغلاق المجال للاتصال، من المؤكد أن ذلك هو الأسلوب الأمثل الذي يليق ببلد مسلم تحكمه سلطة مركزية، يفترض في سكانه ـ كل سكانه ـ أن يصوموا في يوم واحد، ويفطروا في يوم واحد، ويؤدوا صلاة عيد الأضحى في يوم واحد.

نعم هذا هو الأسلوب الأمثل، ولكن هذا الأسلوب يجب أن تصاحبه جملة من الإجراءات المكملة، وذلك تفاديا لتكرار الأخطاء التي سُجلت في السنوات الأخيرة، ولعل من أهم تلك الإجراءات:

1 ـ إطلاق حملة واسعة لمدة أسبوع كامل قبل أي تحر للهلال، لتوعية الناس بأهمية المسارعة في الاتصال باللجنة لإبلاغها برؤية الهلال، وأن لا يؤخر ذلك الإبلاغ عن الموعد المحدد لتلقي الإبلاغات.

يمكن أن توحد خطبة الجمعة في الأسبوع الذي سيُتحرى فيه الهلال لتبيان أهمية الإسراع في إبلاغ اللجنة برؤية الهلال إن حصلت رؤيته؛

2 ـ حث الناس على المسارعة بالتبليغ بالرؤية إن حصلت يجب أن يصاحبه تحذيرهم من إفشائها بين الناس إذا لم يتم التبليغ اللجنة بها في الوقت المحدد لذلك، فعلى من لم يبلغ اللجنة برؤيته للهلال في الوقت المناسب لسبب أو لآخر، أن يعمل بتلك الرؤية ولكن دون أن يفشيها بين الناس بعد أن تكون اللجنة قد أصدرت بيانا لا يأخذ بتلك الرؤية، فذلك مما يشوش على الناس ويربكهم، ويبعث على الخلاف بينهم؛

3 ـ التعزيز من حضور ممثلي اللجنة في الولايات الداخلية، ومنحهم ما يكفي من وسائل لأداء عملهم على أحسن وجه.  

تنبيه : أعتذر عن تأخير نشر المقال المكتمل منذ فترة، وذلك بسبب الانشغال بمتابعة التطورات الأخيرة. 

حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 18 يونيو 2025

موسم جديد لاكتشاف المواهب الشبابية


 الإعلان عن انطلاق برنامج خطوة لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية

∎ إيمانا منا بأن الثروات التي تسير فوق الأرض (المواهب)، ليست أقل قيمة من الثروات الموجودة في باطن الأرض (المعادن)، وأن الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق للتنقيب عن الثروات في باطن الأرض يجب أن ينفق ما يماثلها للتنقيب عن الثروات التي تسير فوق الأرض؛

∎ قناعة منا بضرورة التحرك العاجل لمواجهة المخاطر التي يواجهها شبابنا، والتي تتمثل في البطالة، وتفشي الجريمة، والهجرة، وتنامي روح اليأس والإحباط؛

∎ تحملا منا للمسؤولية التي يجب أن يلعبها المجتمع المدني في مواجهة هذه التحديات والمخاطر؛

∎ سعيا منا للمشاركة ميدانيا في الجهود المبذولة من طرف الحكومة لمواجهة هذه التحديات والمخاطر، فإننا في جمعية خطوة للتنمية الذاتية لنعلن على بركة الله إطلاق أول برنامج تدريبي في موريتانيا لاكتشاف المواهب الشبابية وتنميتها ورعايتها، ونأمل أن يستفيد من برنامجنا التدريبي هذا 1000 شاب خلال العام 2024، ويتمثل هذا البرنامج التدريبي في: 

1 ـ تقديم دورة أساسية في مجال اكتشاف الموهبة واستغلالها، وسيستفيد من هذه الدورة كل المشاركين في البرنامج. سيتلقى المشاركون في دورة الموهبة اختبارا وعلى أساس نتائجه يتم فرز من سيواصل منهم في البرنامج التدريبي للاستفادة من الدورات الأخرى ذات الصلة؛

2 ـ تقديم دورات مكملة في مجال : التفكير الإبداعي ـ الاتصال الفعال ـ التخطيط الشخصي ـ إدارة الوقت ـ مهارات العمل الجماعي؛

3 ـ تقديم دورات في مجال التخصص، وذلك بعد أن يتم تقسيم المشاركين في البرنامج إلى مجموعات متجانسة حسب الاتجاهات والميول والمواهب المشتركة لدى كل مجموعة، لتتلقى بعد ذلك كل مجموعة، وعلى حدة، دورة متخصصة في المجال الذي يمتلك فيه أعضاء تلك المجموعة موهبة مشتركة؛

4 ـ تقديم دورات تأطير ودعم للموهوبين الذين تأهلوا للمشاركة في مسابقات وتصفيات إقليمية أو دولية؛

5 ـ تقديم الاستشارات مع المتابعة المستمرة للموهوبين المتميزين.

وتأمل جمعية خطوة للتنمية الذاتية أن تنظم نهاية هذا العام أول مؤتمر لها لصالح المواهب الشابة التي استفادت من برنامجها، وستُعلن خلال هذا المؤتمر عن جوائزها السنوية للموهوبين المتميزين.

نواكشوط بتاريخ : 26 شعبان 1445 الموافق 07 مارس 2024

جمعية خطوة للتنمية الذاتية.

----

كان هذا هو الإعلان عن أول موسم للبرنامج التدريبي الأول من نوعه، وللأسف فقد توقفنا عند النقطة الأولى أي تقديم دورات في اكتشاف الموهبة واستغلالها لصالح مئات الشباب في نواكشوط ولعيون وأكجوجت وشنيقيط....

نرجو في هذا الموسم أن نكمل كل التزاماتنا التي تعهدنا بها عند الانطلاق والإعلان عن البرنامج، وسنفتح المجال أمام الشراكات والتعاون في هذا الموسم.



الثلاثاء، 17 يونيو 2025

لماذا لا نفكر في تأسيس حلف إسلامي عالمي؟


في ظل ظرفية دولية بالغة الخطورة والتعقيد، يطبعها اللايقين، وتتسم بما يلي:

1 ـ شلل الأمم المتحدة، وعجزها بكل هيئاتها ومؤسساتها عن وقف حرب الإبادة الأكثر وحشية في التاريخ الحديث، والتي تتعرض لها غزة منذ أكثر من عام ونصف؛

2 ـ الموت السريري للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وعجزهما البيِّن عن حل قضايا العرب والمسلمين العالقة، وعلى رأس تلك القضايا إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتحرير المسجد الأقصى من بطش الكيان الصهيوني المدعوم عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا من طرف الغرب المسيحي؛

3 ـ عدم استفادة الدول الإسلامية من النظام العالمي القائم على قطبين قبل انهياره، وعدم استفادتها بعد ذلك من نظام القطب الواحد الذي تقوده حاليا أمريكا، بل وعلى العكس من ذلك، فقد تضرر العالم الإسلامي كثيرا من النظام العالمي القائم على قطبين، وتضرر أكثر في ظل النظام العالمي القائم على قطب واحد، وكل المؤشرات تقول بأن الضرر سيبلغ ذروته في ظل رئاسة ترامب لأمريكا؛

نظرا لكل ذلك، فقد بات من الملح جدا التفكير في تأسيس حلف إسلامي عسكري واقتصادي قوي، يُشكل قطبا إسلاميا عالميا يحمي مصالح المسلمين في عالم يسير في اتجاه نظام متعدد الأقطاب، بعد فشل نظام القطب الواحد، ونظام القطبين قبل ذلك.

من المؤكد أن الدول الإسلامية تمتلك كل المقومات لتشكل قطبا عالميا قويا قادرا على الدفاع عن مصالح المسلمين في العالم، فمن الناحية العسكرية، هناك باكستان التي تمتلك سلاحا نوويا، وهناك إيران التي أثبتت مؤخرا أنها قادرة على مواجهة الكيان المغتصب بمفردها، ومن الناحية الاقتصادية فهناك العديد من الدول الإسلامية التي تمتلك اقتصادا قويا، وموارد مالية هائلة.

نعم لقد بات من الملح جدا التفكير في تأسيس حلف إسلامي قوي تنخرط فيه الدول الإسلامية، ويمكن استثمار المواقف الداعمة لإيران التي اتخذتها مؤخرا السعودية وباكستان ودول إسلامية أخرى، انطلاقة لمشروع تأسيس هذا القطب، والذي يمكن أن تتشكل نواته الأولى من السعودية وباكستان وإيران وتركيا ومصر، لتشمل بعد ذلك بقية الدول الإسلامية، فبحلف كهذا يمكن أن نحرر فلسطين، وبحلف كهذا يمكن أن نحل المشاكل التي قد تحدث بين بعض الدول الإسلامية دون الحاجة لتدخل قوى عظمى، ولتشكيل نواة هذا الحلف فلا بد للدول المؤسسة من أن تتخذ بعض الخطوات والإجراءات التمهيدية:

1 ـ أن تعتذر الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن تدخلاتها السابقة في بعض الدول العربية، وأن تلتزم التزاما صريحا وقويا  بالتخلي نهائيا عن أي وصاية على الشيعة خارج حدودها، وأن لا تعمل مستقبلا ـ تحت أي ظرف ـ على تحريك الشيعة في بعض البلدان العربية والإسلامية لتحقيق المزيد من المصالح والنفوذ خارج حدودها؛

2 ـ أن تُوقِف المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج منح الأموال الضخمة لترامب، فليس من الحكمة وضع كل البيض في سلة واحدة، وخاصة إذا كان صاحب تلك السلة هو ترامب المتقلب المزاج،  على أن توجه تلك الأموال للتعزيز من مكانة الحلف الإسلامي المنتظر، أو توجه لدعم بعض الدول الإسلامية المحتاجة؛

3 ـ أن تقطع مصر وتركيا ـ وبشكل فوري ـ علاقاتهما الدبلوماسية مع العدو الصهيوني.

هذه مجرد فكرة خام أعرضها عليكم للنقاش والتطوير، وهي فكرة تهدف بعد صياغتها النهائية إلى إقناع القادة في العالم الإسلامي بضرورة تأسيس قطب إسلامي، في ظل نظام عالمي يتشكل حاليا، سيكون متعدد الأقطاب ، فلماذا لا يكون للمسلمين قطبهم الذي يدافع عن مصالحهم وقيمهم الإسلامية؟

في انتظار مقترحاتكم لتطوير هذه الفكرة الخام

حفظ الله الأمة الإسلامية...


الاثنين، 16 يونيو 2025

صالون المدونين يناقش المواجهة بين إيران والعدو


خصص صالون المدونين حلقته النقاشية ليوم الأحد 15 يونيو 2025  للحرب الدائرة حاليا بين إيران والكيان الصهيوني، وكان عنوان الحلقة: "العدو يُهاجمُ بِقُوة، وإيران ترد بقوة.. ماذا بعد؟".

الجلسة النقاشية بدأت بمداخلة للعسكري السابق أحمد أمبارك رئيس مركز ديلول للدراسات الاستراتيجية، والذي خَلص في مداخلته إلى أن الحرب لن تستمر طويلا، وأن لا أحد من الطرفين سيتمكن من تحقيق أهدافه، وأنهما سيضطران في النهاية للتفاوض، مؤكدا على أن الفلسطينيين سيكونون هم أول المستفيدين من هذه الحرب.

بعد ذلك تحدث أستاذ العلوم السياسية بجامعة نواكشوط الدكتور أحمد ولد أنداري، والذي استعرض في مداخلته نقاط القوة والضعف لدى الطرفين، مبينا أن أمريكا مقيدة في هذه الحرب بثابتين أساسيين في سياستها في الشرق الأوسط، وهما ضمان أمن الكيان الصهيوني، وضمان تدفق النفط والذي يمكن لإيران أن تؤثر عليه من خلال إغلاق مضيق هرمز، وقد خلص في مداخلته إلى أن الحرب إذا طالت فستكون في صالح إيران، وإذا قصرت فسيكون ذلك لصالح العدو الصهيوني.

أما العقيد المتقاعد البخاري محمد مؤمل رئيس مركز أم التونسي للدراسات الاستراتيجية فقد اعتبر في مداخلته بأن ما يجري حاليا ليس حربا بين إيران والعدو الصهيوني، وإنما يدخل في إطار صراع مستمر تقوده أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية للسيطرة على العالم، والذي تحول  في العقود الأخيرة من عالم يقوده قطبان إلى عالم يقوده قطب واحد، وقد خلص العقيد المتقاعد في مداخلته إلى أن الحرب الدائرة حاليا قد تكون بداية لتشكل عالم متعدد الأقطاب.

بدوره أستاذ العلوم السياسية بجامعة نواكشوط الدكتور الناني ولد المامي تحدث في مداخلته عن وجود مصالح مشتركة بين إيران والكيان الصهيوني، وتتمثل تلك المصالح المشتركة في القضاء على العرب، ولما تم لهما ذلك بدأ الصراع بينهما، مؤكدا في مداخلته على أن الحرب الدائرة حاليا لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، حتى وإن رُفعتْ كشعار.

نشير في الأخير إلى أن الجلسة النقاشية ترأسها الدكتور محمد سالم جدو، والذي خصص كلمته الافتتاحية للحديث عن أهمية الموضوع الذي اختاره الصالون ليكون موضوع حلقته هذه، وشهدت الحلقة حضور عدد من الأساتذة الجامعيين والخبراء الذين أثروا النقاش بمداخلاتهم المتنوعة، وقد اتفقوا جميعا على أهمية دعم إيران في حربها الحالية مع العدو الصهيوني، مؤكدين في مداخلاتهم المختلفة أن دعمها في هذه الحرب سيكون في صالح القضية الفلسطينية، وفي صالح العرب والمسلمين.

الاثنين، 9 يونيو 2025

حديث سابق لأوانه عن العام 2029!


 تابعتُ النقاش الدائر حاليا، حول غياب الوزير الأول وحكومته عن صلاة العيد في الجامع القديم (ابن عباس)، والحقيقة أن هذا النقاش لا يتعلق في جوهره بغياب أو حضور الوزير الأول لصلاة العيد، بقدر ما يخفي في حقيقة أمره فشلا سياسيا لدى المعارضة، وفشلا إعلاميا لدى الأغلبية، ولولا هذا الفشل المزدوج في الفسطاطين  لما دار هذا النقاش أصلا.

غاب الوزير الأول عن صلاة العيد في الجامع القديم فأثار غيابه نقاشا واسعا، ومن المؤكد أنه لو حضر لصلاة العيد لأثار حضوره نقاشا أوسع، ولذا فالمسألة لا تتعلق أصلا بحضور الوزير الأول أو غيابه، وإنما تتعلق في جوهرها بفشل سياسي لدى المعارضة لا يريد مدونوها أن يتحدثوا عنه، وفشل إعلامي لدى الأغلبية جعل مدونوها يقعون دائما في أي فخ ينصبه لهم مدونو المعارضة.

سيتحدث هذا المقال وبشكل سريع عن الفشل السياسي للمعارضة، وعن الفشل الإعلامي للأغلبية، أي عن الفشل المزدوج الذي تسبب في إثارة النقاش الدائر حول صلاة العيد، والذي لا شك أنه سيتسبب مستقبلا في نقاشات أخرى مماثلة، قد لا تنتظر مناسبة مقنعة لكي تنفجر من جديد.

عن الفشل السياسي للمعارضة

الحديث عن الفشل السياسي للمعارضة  حديث يطول، سأترك التفصيل فيه لكتابي الثاني من سلسلة كتب الإصلاح في موريتانيا، والذي سيتضمن وصفة طبية لعلاج الحالة المرضية التي تعاني منها المعارضة منذ عقود، ولكن قبل ذلك، سأكتفي في هذا المقام بالتذكير بأننا في "نداء 4 دجمبر" طرحنا على قادة المعارضة فكرة المرشح التوافقي، وأني في العام 2017 اشتغلتُ كثيرا على ملف رئاسيات 2019، فنشرتُ في تلك الفترة سلسلة من المقالات تحت عنوان: "حتى لا نضيع فرصة 2019"، وكان من أهم ما خَرجتْ به تلك السلسلة من المقالات أن المعارضة لن تشكل منافسا جديا للنظام في تلك الانتخابات، إلا إذا أخذت بجملة من الإجراءات التحضيرية، يمكن إجمالها إذا ما أعيد تفصيلها على مقاس رئاسيات 2029، في النقاط التالية:
1ـ أن تبدأ مبكرا في التحضير الفعلي لانتخابات 2029، وأي تحضير لا يبدأ عمليا من العام 2026 على أبعد تقدير، لن يدخل في خانة التحضير المبكر؛

2ـ يمكن لذلك التحضير أن يبدأ بتشكيل لجنة عليا تضم كل التشكيلات الوازنة  في المعارضة لصياغة البرنامج الانتخابي للمرشح التوافقي لها في رئاسيات 2029، وقد يُكتفى في هذا الإطار بإعلان مبادئ عامة أو عناوين كبرى لذلك البرنامج؛

3ـ أن يوكل لتلك اللجنة مهمة تحديد الصفات أو المواصفات التي يجب أن تتوفر في المرشح التوافقي للمعارضة؛

4 ـ بعد تحديد الصفات أو المواصفات المطلوبة في الترشح تبدأ اللجنة المشكلة من طرف المعارضة في استقبال ملفات المعارضين الراغبين في الترشح، وذلك لتختار من بينهم من تتوفر فيه أغلب صفات المرشح التوافقي المحددة سلفا ليكون هو المرشح التوافقي للمعارضة، أو على الأقل مرشحها الرئيسي الذي تلتف حوله أغلب الأحزاب والتشكيلات السياسية المعارضة، على أن تتقاسم بقية التشكيلات المعارضة الوازنة، والتي لم تحظ بتسمية المرشح التوافقي منها، رئاسة البرلمان والوزارة الأولى وغير ذلك من المناصب السامية التي تتغير مع تغير النظام، هذا إذا لم يُشترط في المرشح التوافقي أن يكون شخصية مستقلة من خارج أحزاب المعارضة؛

5 ـ لا بأس بوجود مرشحين ثانويين محسوبين على المعارضة، ويمكن لمن لم يقبل ملفه أن يترشح، ولكن بصفته مرشحا ثانويا يعتمد على قدراته وإمكانياته الشخصية لا على أحزاب المعارضة في تحصيل الأصوات.
في اعتقادي الشخصي أن المعارضة الموريتانية إذا لم تُكمل هذه الإجراءات التحضيرية، وتبدأ في حملتها الانتخابية قبل نهاية العام 2026، فسيعني ذلك أنها لم تضبط ساعتها بشكل جيد على موعد استحقاقات 2029، وأنها لم توجه بوصلتها في الاتجاه  الصحيح نحو تلك الاستحقاقات، وأنها خاسرة لا محالة في تلك الانتخابات كما خسرت من قبل في انتخابات: 2024، 2019، 2014، 2009، 2007..إلخ.

بالطبع ستبرر المعارضة فشلها في تلك الاستحقاقات، وكما جرت بذلك العادة، بالقول بتزوير الانتخابات، ثم ستعترف لاحقا وعمليا بالنتائج دون إعلان ذلك، قبل أن تشارك في استحقاقات 2034 دون أي تحضير، لتتكرر قصة فشلها من جديد. تعيد المعارضة في كل استحقاقات نفس أساليبها القديمة، وربما بطريقة أكثر سوءا من المرات السابقة، ومع ذلك تتوقع نتائج مختلفة!

الملاحظ أن المعارضة الموريتانية تعاني اليوم من انقسام  لم تعرفه في كل فتراتها السابقة، وأنها تمر بفترة تخبط وغياب للرؤية لم تعرفهما من قبل، وهو ما يعني أن الفشل الذي ينتظرها في استحقاقات 2029 قد يكون فشلا غير مسبوق. والمفارقة أن كُتاب المعارضة ومدونيها بدلا من أن يوجهوها وينيروا لها الطريق للعبور إلى العام 2029 انشغلوا بما يصفونه بصراع الأجنحة داخل النظام، وبالبحث عن مرشح النظام في رئاسيات 2029، وقد تمكنوا ـ وهذه تُحسب لهم ـ أن يجروا كتاب النظام ومدونيه إلى هذا النقاش العقيم الذي يضر النظام، ولا ينفع المعارضة.

وعلى النقيض من ذلك، فإذا كان المطلوب من المعارضة هو التحضير المبكر للانتخابات الرئاسية في العام 2029، فإن المطلوب من الأغلبية هو عكس ذلك تماما، أي تأجيل الحديث عن استحقاقات 2029 إلى آخر سنة من المأمورية.

ولأن كتاب النظام ومدونيه يعانون من فشل إعلامي كبير، ولأنهم بلا خطة إعلامية، فإنهم يقعون دائما في أي فخ إعلامي ينصب لهم ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ  من طرف كتاب ومدوني المعارضة، فمن المعروف أن من لا يمتلك خطة، إعلامية كانت أو غير إعلامية، سيكون في النهاية جزءا من خطط الآخرين، ولذا فإن جل الكتاب والمدونين المحسوبين على النظام، انشغلوا في أيام العيد بالحديث عن غياب الحكومة عن صلاة العيد، وعن صراع الأجنحة داخلها، بل وعن المرشح أو المرشحين المفترضين للنظام في استحقاقات 2029.

إن حديثا كهذا لا يخدم النظام، ولا يخدم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فالسياسة ـ وكما قلتُ سابقا ـ تقوم أساسا على خلق الآمل لدى المواطن، ومن يتحدث الآن عن المرشح المفترض للنظام في العام 2029 ، إنما يُريد أن يقول سياسيا بأنه لا إنجازات تحققت يمكن أن نتحدث عنها، ولا إنجازات  تُنتظر، ولذا فإنه علينا أن ننشغل من الآن فصاعدا بالبحث عن مرشح الرئيس وخليفته القادم.

إن انخراط  كتاب ومدوني الأغلبية في نقاش كهذا، لا يخدم ـ بكل تأكيد ـ النظام، وأي حديث عن استحقاقات 2029 في فسطاط الأغلبية يجب أن يؤجل ـ وفي أعجل تقديرـ إلى آخر عام من المأمورية الحالية.

لا خلاف على أن 2029 لن تكون مثل 2019 على مستوى الأغلبية الحاكمة، فالفوارق كبيرة بين السنتين، ففي العام 2019 كان مرشح النظام الحاكم حينها شبه معروف للجميع، وكان محل إجماع داخل الأغلبية، بل كان هناك من المعارضة من هو على استعداد لدعمه إن ترشح، وهو ما تأكد بالفعل بعد ذلك عندما أعلن عن ترشحه,

كان هناك بالفعل شبه إجماع داخل الأغلبية في عهد الرئيس السابق، يؤازره مزاج طيف كبير في المعارضة، على المرشح المفترض للنظام في العام 2019، ومن المؤكد أن ذلك الإجماع على من هو جدير بأن يكون مرشح النظام في العام 2019، قد لا يكون قائما في الوقت الحالي، ذلك أن الشخصية الثانية في النظام الحالي، لم تبرز بنفس الوضوح، الذي برزت به في العام 2019.

كل ذلك صحيح، وهذا هو ما جعل الكثير من كتاب ومدوني النظام يقع في أي فخ يُنْصَب له في هذا المجال من طرف أي معارض، يُقدِّمُ هذا الاسم أو ذاك بصفته هو المرشح المحتمل للنظام في العام 2029.

من هنا أصبح بعض المعارضين يستغل أي حركة للوزير الأول أو لغيره من أركان النظام، لفتح نقاش مفتعل حول مرشح النظام في العام 2029، فلو أن الوزير الأول حضر صلاة العيد في مسجد ابن عباس مصحوبا بالوزراء لقيل إن ذلك يدخل في إطار سعيه ليكون مرشح النظام في العام 2029، وإن هو تغيب عنها كما حصل،  لقيل ـ كما قيل بالفعل ـ إن ذلك التغيب دليل على إبعاده من دائرة الترشح في العام 2029.

إن حضور الوزير الأول لصلاة العيد في الجامع القديم لا يزيد من حظوظ ترشيحه لرئاسيات 2029، وإن غيابه عنها لا ينقص من تلك الحظوظ، فالترشيح من طرف النظام لا يخضع لمثل هذه المعايير التي يضعها بعض المدونين لفتح نقاش حول الموضوع، لا يقدم ولا يؤخر، كما حصل في أيام العيد.

وبما أنني تحدثتُ في هذا المقال عن معايير الترشيح داخل المعارضة ( المرشح التوافقي)، فلا  بأس بالحديث قليلا عن معايير الترشيح لدى النظام، لأبين أنها تختلف تماما عن المعايير التي يضعها بعض المدونين الذين يثيرون هذا الموضوع  من حين لآخر، والذين قد يعتبرون حضور صلاة العيد أو الغياب عنها، معيارا من معايير الترشيح لرئاسيات 2029. إن المعايير التي سيحدد على أساسها مرشح النظام في العام 2029، وكما تظهر لي في الوقت الحالي، يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1 ـ أن يكون المرشح المتوقع قد كسب ثقة رئيس الجمهورية في الماضي، وأن يعزز تلك الثقة في هذه المأمورية، فرئيس الجمهورية هو من سيحدد مرشح النظام في العام 2029، ولذا فكل عمل يقوم به أي شخص من الدائرة الضيقة في النظام  لتعزيز تلك الثقة فهو سيقربه أكثر من الترشيح، وكل عمل يشوش أو يهز تلك الثقة فسيبعد صاحبه ـ وبشكل تلقائي ـ عن الترشيح؛

2 ـ شرعية الإنجاز وتأدية المهام على أحسن وجه، فمن يؤدي مهامه الحالية من أركان النظام على أحسن وجه، فسيكون  احتمال ترشيحه هو الأقوى، والعكس صحيح؛

3 ـ كسب ثقة المواطن، أي الناخب، فأي شخص في الدائرة الضيقة من النظام يتمكن من تعزيز ثقة المواطن به، من خلال تأديته لعمله على أحسن وجه، ستكون حظوظه في الترشيح أكبر، فالرئيس سيختار من نظامه من سيكون تسويقه للمواطن (أي الناخب) أسهل؛

4 ـ صحيح أن الإجماع الذي كان يتمتع به مرشح النظام في العام 2019 داخل الأغلبية الحاكمة، وحتى خارجها، يستحيل أن يتكرر في العام 2029، ولكن مع ذلك فإن من يستطيع أن يخلق حوله إجماعا أكبر داخل أغلبية النظام وخارجها فستكون حظوظ ترشيح الرئيس له أكبر من حظوظ من يعمل على تفكيك الأغلبية من الداخل من خلال سياسة صراع الأحلاف.

في اعتقادي الشخصي أن من تحققت فيه هذه المعايير الأربع، أو تحقق فيه أغلبها، سيكون هو الأوفر حظا لأن يختاره الرئيس ليكون مرشح النظام في العام 2029.

وفي اعتقادي الشخصي أن كل من يرتكب من أركان النظام في الوقت الحالي خطأ التحدث عن استحقاقات 2029، أو يقوم بأي خطوة معلنة أو في الخفاء سعيا للترشح في العام 2029، أو يؤسس نواة حلف داخل الأغلبية لدعم ترشيحه، إن كل من يفعل أي شيء من ذلك، سيكون خارج دائرة الترشيح نهائيا، لأن أي خطوة من ذلك القبيل ستشكل إساءة للرئيس، وستهز من ثقته فيمن قام بها، وستبعد بالتالي من قام بها من لائحة خيارات الترشيح المحتملة.

حفظ الله موريتانيا..

الجمعة، 6 يونيو 2025

حتى لا تتحول فرحة العيد إلى أحزان!


جرت العادة أن تزداد كثافة حركة السير في مواسم معينة، والأكيد أنها ستزداد خلال هذه الأيام، وذلك بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك.

 هناك مواسم تكثر فيها الحوادث، وتبقى مواسم الأعياد هي الأخطر، وذلك للأسباب التالية:

أولها : أن عطلة العيد هي مجرد أيام قليلة (ثلاثة إلى أربعة أيام)، وضيق هذا الوقت مع إصرار الكثير من الموريتانيين على الذهاب إلى الأهل والعودة إلى مكان العمل خلال فترة وجيزة قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإفراط في السرعة، ومن المعروف أن الإفراط في السرعة يعدُّ هو السبب الأول في حوادث السير؛

ثانيها: بالإضافة إلى السرعة، فإن فترة الأعياد قد تشهد الكثير من السهر والتعب والإرهاق، وهو الشيء الذي قد يجعل بعض السائقين يقود سيارته وهو في حالة تعب وإرهاق، وخطورة ذلك معروفة؛

ثالثها : أنه في فترة الأعياد تزداد نسبة السيارات التي يقودها القصر والمراهقون بشكل كبير، وهذه السيارات التي يقودها قصر أو مراهقون قد تكون مؤجرة، وقد تكون مملوكة للأهل والأقارب.

يعني كل ذلك أن الأيام القادمة ستكون أياما حرجة على مستوى السلامة الطرقية نسأل الله السلامة الجميع، ولذا فهذه جملة من النصائح موجهة من طرف حملة معا للحد من حوادث السير إلى عدة جهات، نرجو أن يتم الأخذ بها حماية للأنفس والممتلكات.

أولا / نصائح موجهة إلى السائق

1ـ خفف السرعة (السرعة هي السبب الأول في حوادث السير)؛

2 ـ  ضع حزام الأمان ( بعض السائقين يتحايل على نقاط التفتيش فيضع الحزام عند نقطة التفتيش وينزعه بعد تجاوزها..إنه بهذا الفعل الغريب يتحايل على نفسه لا على عناصر نقطة التفتيش، فعندما يقع حادث ـ لا قدر الله ـ فإن الذي سيتضرر من عدم وضع الحزام هو السائق لا عناصر نقطة التفتيش)؛

3ـ  احذر مفاجآت الطريق : الحفر ؛ ألسنة الرمال؛ الحيوانات السائبة ...إلخ؛

4ـ  لا تستخدم الهاتف أثناء القيادة؛ وتوقف فورا عن القيادة عند الشعور بالتعب أو النعاس؛

 5 ـ التزم بكل قوانين السير.

ثانيا / نصائح موجهة إلى الراكب

1 ـ لا تشغل السائق بالأحاديث الجانبية؛

2 ـ لا تطلب من السائق أن يزيد من السرعة، ولا من الحمولة، فكثيرا ما نلاحظ أن بعض الركاب بدلا من أن يطلب من السائق التقيد بإجراءات السلامة المرورية، فإنه يشغله بالأحاديث الجانبية، ويحثه ـ في الوقت نفسه ـ على زيادة السرعة، وزيادة الحمولة حتى لا يبقى شيئا من حقائب ذلك الراكب وأمتعته.

3 ـ  لا تترك السائق يخاطر بحياتك، وهناك قصص كثيرة تؤكد أهمية الوقوف ضد تهور السائقين، ومنها أن سيدتين طلبتا من سائق حافلة ركاب صغيرة ذات سفر على طريق الأمل  أن يخفف من السرعة، فرفض، فما كان منهما إلا أن قررتا ترك الحافلة والبحث عن وسيلة نقل أخرى.. واصل سائق الحافلة طريقه وبنفس السرعة، وعلى مسافة غير بعيدة تعرضت الحافلة لحادث سير تسبب في وفاة عدد من ركابها، وإصابة آخرين بإصابات متفاوتة الخطورة.

هذا الوعي، وهذا الأسلوب المتحضر أنقذ حياة السيدتين، وهو أسلوب نطلب من كل راكب أن يتبعه إذا لم يتقيد السائق بإجراءات السلامة المرورية.

ثالثا/  نصائح إلى الآباء وإلى مؤجري السيارات

بالنسبة للآباء فنصيحتنا لهم هي أن يتوقفوا فورا عن منح السيارات لأبنائهم الصغار، وخاصة في فترة الأعياد. أما بالنسبة لمؤجري السيارات للمراهقين فندعوهم إلى أن يتقوا الله في شبابنا، وأن يتوقفوا عن تأجير السيارات للقصر والمراهقين، فتأجيرهم للسيارات للمراهقين والقصر قد تسبب في إزهاق الكثير من الأرواح.  

رابعا/  نصائح إلى نقاط التفتيش من درك وشرطة وأمن طرق

إن الصرامة في فرض إجراءات السلامة مطلوبة في كل الأوقات، ولكنها مطلوبة أكثر في مثل هذه الأيام التي تتزامن  مع عطلة العيد.

إن الصرامة مطلوبة بشدة في هذه الأيام في نقاط التفتيش، وداخل المدن خاصة في العاصمة نواكشوط. ففي هذه الأيام يجب أن تكون هناك صرامة شديدة لمنع القصر من قيادة السيارات، ووقف السباقات الليلة التي ينظمها بعض المراهقين، ووقف كل أشكال "اتكاسكادي".

خامسا/ نصائح  إلى مؤسسة أشغال صيانة الطرق

إن صيانة الطرق مطلوبة في كل الأوقات، والتقصير في هذا المجال واضح وبيِّن، ولكن هذا التقصير يجب أن يتوقف على الأقل خلال هذه الأيام التي تكثر فيها حركة السير على شبكتنا الطرقية. على مؤسسة أشغال صيانة الطرق أن تعلن عن حالة استنفار في كل الفترات والمواسم التي تزداد فيها حركة السير كثافة، كما هو الحال في أيامنا هذه.

وتبقى الوصية الأهم، وهي وصية موجهة إلى كل سالكي الطرق : لا تنسوا دعاء السفر، وأكثروا من الصدقة عند أي سفر.

حفظ الله موريتانيا..


الخميس، 5 يونيو 2025

ذكريات أليمة على مقطع مميت!


في الطريق إلى موقع حادث الكلم 110، مررتُ رفقة عدد من شباب الحملة بنقاط سوداء عدة على هذا المقطع المئوي الأول من طريق الأمل، ذكرتني كل نقطة منها بحوادث سير مميتة، ففي هذه النقطة السوداء بالذات حدثت فاجعة أليمة كنّا في الحملة شهودا عليها، وفي هذه النقطة السوداء الثانية حدثت فاجعة أليمة أخرى وثقناها بالصوت والصورة، وهنا عند الوصول إلى المكان الذي اصطدمت فيه ـ أو عليه ـ شاحنتان وحافلة، فتوفي ثلاثة أشخاص، يكاد حصى المكان يصرخ في وجهي قائلا: هنا بالضبط، وقبل عقدين من تأسيس حملتكم التوعوية، توفي شخصان ستنظمون لهما فيما بعد نشاطا تأبينيا لتخليد ذكرى رحيلهما.

 عندما تسافر على طريق الأمل، وتبدأ في استعادة ذكرياتك على هذا الطريق الحيوي، فإن ذكرى الفاجعة قد تنسيك ذكرى فاجعة أخرى ماكنتَ تعتقد أنك ستنساها أبدا، وعلى هذا الطريق يمكن أن يقع الحادث على الحادث، كما يقع الحافر على الحافر، وعلى أي مقطع منه، وفي أية لحظة، يمكن أن تتبعثر الحروف المشكلة لاسم الطريق بشكل مفاجئ، فيتحول الأمل إلى الألم في نفوس الضحايا وذويهم، ولأن شريط ذكريات الفواجع طويل جدا بطول هذا الطريق الحيوي الذي يمتد لأكثر من ألف كلم، ولأنه يستحيل على مثلي ممن يتابع باستمرار حرب الشوارع الدائرة على هذا الطريق الحيوي، أن يجمع كل ذكرياته الأليمة، في مقال حزين واحد، فقد ارتأيت أن أكتفي بسرد بعض الذكريات الأليمة دون غيرها، مكتفيا في هذا المقام الحزين بمقطع قصير من طريق الأمل، لا يتجاوز 40 كلم، أي 20 كلم قبل المائة كيلومتر الأولى من هذا الطريق، و20 كلم بعدها. سأكتفي بسرد بعض ذكرياتي الأليمة على مقطع لا يتجاوز 40 كلم، ولا أظن القارئ سيصدق بأن كل هذا العدد من الموتى، وكل هذا الكم الكبير من الأحزان والآلام والدماء يمكن أن يمتصه مقطع واحد من طريق الأمل، لا يتجاوز طوله 40 كلم فقط.

حمار يتسبب في حادث سير أليم ثم يختفي!

في حدود الساعة العاشرة من مساء السبت (ليلة الأحد 01 يونيو 2025)، وعلى بعد 110 كلم من نواكشوط على طريق الأمل، حاول سائق حافلة متجهة إلى نواكشوط ـ وحسب ما جمعنا من شهادات ـ أن يتفادى حمارا على الطريق، فاصطدم بشاحنة قادمة من نواكشوط، لم يُصَب الحمار، ولم يُشاهد أهل القرية بعد وقوع الحادث حمارا في موقع الفاجعة حسب ما أكدوا لنا، ولكنهم شاهدوا ـ كما شاهدنا من بعدهم ـ حادث سير أليم وفظيع، ناتج عن اصطدام حافلة متجهة إلى نواكشوط  بشاحنة قادمة، ثم بعد ذلك بقليل، وحتى يكتمل المشهد الكارثي، ستصطدم شاحنة ثانية قادمة أيضا من نواكشوط بحطام الحافلة والشاحنة، ربما بسبب سرعة الحافلة الثانية حسب بعض الروايات، وربما بسبب بعض الأضواء الكاشفة التي حجبت عن سائقها رؤية الحافلة والشاحنة اللتين تعرضتا لحادث قبل قليل، حسب رواية ثانية.

المهم، أننا في المحصلة النهائية، كنا أمام حادث سير فظيع، وفاجعة أليمة، وكان لابد أن تكون هناك فاجعة أليمة، عندما تصطدم شاحنتان محملتان ببضائع، بحافلة تحمل ثلاثة أشخاص وبعض المواشي (انظر الصورة رقم1).



يقول شاهد عيان، وهو أول من وصل من القرية إلى موقع الحادث، بأنه عندما سمع صوت تصادم قويا نتيجة للحادث الأول، اتجه فورا إلى عين المكان، ولكنه، وقبل أن يصل إلى مكان الحادث، سمع صوت التصادم الثاني الناتج عن اصطدام الشاحنة الثانية بالشاحنة الأولى والحافلة، ويقول هذا الشاهد إنه لما وصل إلى مكان الحادث، نسي وجود شاحنة ثانية، واعتقد لأول وهلة، أن الحادث وقع بين حافلة وشاحنة واحدة فقط.

لقد كان الشاهد معذورا في ذلك، فبعد وصولنا نحن لمكان الحادث في ضحى اليوم الموالي اعتقدنا في بادئ الأمر أن الحادث ناتج عن تصادم شاحنة وحافلة، ولم نكن نعتقد أن الأمر يتعلق بشاحنتين، نظرا لقوة التصادم بين الشاحنتين، وهو ما نتج عنه تلاحم شديد بينهما، لدرجة قد يعتقد من يراهما دون تأمل في التفاصيل بأنهما شاحنة واحدة.

لم يتسبب هذا الحادث رغم بشاعته في الموت الفوري للركاب الثلاثة الذين تكدست عليهم الحافلة، بسبب سقوط إحدى الشاحنتين عليها، بل ظلت الأصوات تأتي من داخل الحافلة مستغيثة، ولكن لم يكن هناك من يستطيع أن يستجيب لنداءات الاستغاثة تلك، نظرا لغياب وسائل وتجهيزات قادرة على رفع الشاحنة، وقطع حديد الحافلة المتكدس على الضحايا لإخراجهم، وهنا تظهر من جديد الحاجة الماسة لوجود فرق إنقاذ مجهزة بأحدث وسائل الإنقاذ على المقاطع الأكثر خطورة، لإخراج الضحايا العالقين في السيارات في الوقت المناسب، إن احتاجوا إلى ذلك، فمن المعروف في مثل هذه الحالات، أن الحياة والموت، قد لا تفصل بينهما أكثر من دقيقة واحدة، فالتأخر لدقيقة واحدة قد يتسبب في وفاة مصاب، وكسب دقيقة واحدة في توفير إسعاف المصابين، قد ينقذ بمشيئة الله نفسا بشرية من موت محقق.

وللفت الانتباه إلى أهمية اقتناء هذه التجهيزات، فقد سلمنا في الحملة، وبدعم من بعض الموريتانيين في الخارج، مجموعة من تجهيزات الإنقاذ، تم شراؤها من طرف بعض أفراد جالياتنا في الخارج، من خلال المشاركة في مزاد علني نظمه مركز للحماية المدني في إحدى المدن الفرنسية.

سلمنا تلك التجهيزات لمندوبية الحماية المدنية، والتي كان يفترض حسب مذكرة التفاهم التي وقعنا معهم أن تطلعنا مستقبلا على استخدام تلك الأجهزة في عمليات الإنقاذ، ولكن ذلك لم يحدث، وكان عهدنا بالمندوبية في يوم الاثنين 19 دجمبر 2022 عندما سلمناها تلك التجهيزات (انظر عملية التسليم في الصورة رقم 2).



بث مباشر من موقع حادث سير أليم

في حدود الساعة الثامنة من صبيحة يوم الجمعة الموافق 19 يناير 2024، وغير بعيد من قرية الغشوات، اصطدمت حافلة صغيرة بشاحنة، وحسب المصادر الأولية، فإن الحادث كان بسبب نوم أحد السائقين والسرعة المفرطة للسائق الآخر.

الحادث تسبب في وفاة 5 أشخاص بشكل فوري، وإصابة آخرين، وكنتُ من أوائل الذين وصلوا إلى موقع الحادث، وقد أجريت من موقعه بثا مباشرا، ولكن دون أن أظهر صورا من الضحايا، ودون أن اقترب كذلك من موقع الحادث، وهو ما انعكس على جودة هذه الصورة المأخوذة من البث المباشر (انظر الصورة رقم 3).



آخر لحظات في حياة داعية

على بعد سبعة كيلومترات من مكان فاجعة الكلم 110، وفي يوم الثلاثاء (ليلة الأربعاء) الموافق 17 أكتوبر 2023 اصطدمت سيارة تويوتا هيليكس بشاحنة كانت متعطلة عند الكلم 102، لم تضع أي إشارة تحذيرية، وتسبب هذا الحادث الأليم في وفاة الداعية المعروف إنجيه ولد زروق، وأحد أبنائه، وثلاثة من تلاميذه وأقاربه.

الحادث وقع قرب سيارة الإسعاف المرابطة عند الكلم 100، وقد وصل المسعفون بعد ثلاث دقائق أو أربع من وقوع الحادث، ولكنهم وجدوا ركاب السيارة الخمسة قد توفوا بشكل فوري بسبب قوة التصادم، الناتج عن وجود شاحنة متعطلة على الطريق لا تضع إشارات تحذيرية،  وربما تكون السرعة المفرطة للسيارة الأخرى قد زادت من قوة ذلك التصادم. (في الصورة 4 تظهر الشاحنة التي تسببت في الحادث، وفي الصورة 5 تظهر السيارة التي كان فيها الضحايا).








هل نحن أمام هجوم صاروخي؟

في صبيحة يوم الأربعاء 17 مارس 2021، وعند الكلم 82، حدثت فاجعة أليمة أدت إلى وفاة 13 شخصا في حادث سير واحد، وكانت الفاجعة هذه المرة نتيجة لتصادم سيارتي نقل من نوع رينو.

الحادث وقع على مقطع من الطريق حديث الترميم، شديد الاستواء، لا منعرج فيه ولا منحدر ولا حفر، مما يعني أن الحادث  كان بسبب أخطاء بشرية، كان من أهمها السرعة المفرطة والنعاس (أنظر الصورة رقم 6).


عندما وصلنا إلى مكان الحادث خُيِّل إلينا أن السيارتين قد تعرضتا لقصف صاروخي، فالمشهد كان فظيعا، فماكينة إحدى السيارات وجدناها قد انفصلت عن السيارة، وتدحرجت بعيدا، وبشكل سريع حسب ما تركت من آثار على الأرض.

وقد كان هذا الحادث الأليم من بين الحوادث الأثقل حصيلة التي زرناها في الحملة، فقد تسبب في وفاة 13 شخصا على الأقل، ومن شاهد آثار هذا الحادث لن يتفاجأ من تلك الحصيلة الثقيلة (لمشاهدة آثار الحادث أنظر الصورة 7 ).



رحيل أسرة شابة في حادث سير أليم

في ضحى يوم الجمعة الموافق 06 يوليو 2018، كان المهندس الشاب براهام أحمد خليفة يقود سيارته، وكانت برفقته زوجته الشابة شيخة بنت أحمد معلوم، وابنتهما الرضيعة، وعند الوصول إلى الكلم 95 حدثت الفاجعة، بسقوط شاحنة كبيرة على سيارتهما الصغيرة.

كان المهندس وزوجته يضعان حزام الأمان، وكانت زوجته في ثياب محتشمة لم يظهر منها إلا كفيها، وكانت تلوح بيدها طالبة النجدة، حسب شهادات الأهالي في قرية الغشوات، وقد احتاجت عملية إزاحة الشاحنة وإخراج الضحايا من السيارة الصغيرة أكثر من أربع ساعات، وهو ما يؤكد مرة أخرى ضرورة وجود فرق إنقاذ مجهزة بمعدات ثقيلة عند المقاطع الأكثر خطورة للتدخل السريع والفعال في مثل هذا النوع من الحوادث.

لقد قيل حينها أن سبب الحادث كان حفرة، حاول صاحب الشاحنة تفاديها، فكانت الكارثة، وقد قمنا في الحملة بردم تلك الحفرة للفت انتباه السلطات إلى تهالك الطريق، وبالفعل فقد كان مقطعُ (نواكشوط  ـ بوتلميت) مليئا بالحفر في تلك الفترة (في الصورة 8 يظهر بعض نشطاء الحملة يرممون الحفرة التي تسببت في الحادث، وفي الصورة 9 يظهر ما تبقى من سيارة المهندس).


من هنا بدأتُ أفكر في عمل ما للحد من حوادث السير

بعد المشاركة في نشاط لمبادرة "كنتُ طالبا في ثانوية لعيون" نظمناه في ثانوية لعيون، وفي طريق العودة إلى العاصمة نواكشوط، وعلى بعد 120 كلم منها، وفي حدود الساعة الثامنة وعشرين دقيقة من صبيحة يوم الخميس الموافق 23 أكتوبر 2014 وقع حادث سير أليم بسبب تصادم شاحنة صهريج مليئة بالبنزين وسيارة من نوع رينو، وكان من نتائج هذا الحادث أن توفي على الفور الشابان اللذان كانا في السيارة الصغيرة، بينما أصيب سائق الشاحنة ورفيقه بجروح طفيفة..

كنتُ من أوائل من وصلوا إلى مكان وقوع الحادث، فوجدت الشابين قد توفيا على الفور، وقد قال لي سائق الشاحنة بأن سائق السيارة الصغيرة كان نائما، وأن الحادث كان بسبب نومه، وأنه حاول وبكل الوسائل الممكنة أن يتفادى الاصطدام بالسيارة الصغيرة، ولكنه لم يتمكن من ذلك نتيجة لنوم سائقها.

ربما يكون المشهد المؤلم لضحايا هذا الحادث، ولضحايا حوادث سير أخرى ستقع فيما بعد، قد جعلاني أفكر في القيام بأي جهد من شأنه أن يَحُدَّ من حوادث السير على طرقنا، وسأجد فيما بعد بعض الأصدقاء يحملون الفكرة نفسها، وبعد لقاءات ونقاشات قررنا ـ وكنا ستة في البداية ـ أن نطلق حملة "معا للحد من حوادث السير"، وكان أول نشاط للحملة في يوم 07 أغسطس 2016، وتمثل ذلك النشاط في ترميم حفرة عند الكلم 29، وكان ذلك النشاط من أجل لفت انتباه السلطات إلى تهالك المقطع الرابط بين (نواكشوط ـ  وبوتلميت)، فقد كان حينها مليئا بالحفر، (انظر الصورة 10).


عودة إلى الكلم 110 مرة أخرى

في مساء الخميس (ليلة الجمعة) الموافق 15 فبراير 1996، وعند الكلم 110، وقع حادث سير أليم توفي فيه نقيب المحامين والشيخ السابق محمد شين محمادو، والمساعد الأول الجمركي هنون ولد أعمر، وكان السبب المباشر للحادث ألسنة رملية على الطريق.

وقع هذا الحادث الأليم قبل تأسيس الحملة بأكثر من عقدين من الزمن، ولكننا قررنا في الحملة أن نخلد ذكرى هذا الحادث الأليم في إطار برنامجنا التأبيني والتوعوي، والذي أطلقناه تحت شعار "لنخلد ذكراهم بالمزيد من التوعية".

كان أول نشاط تأبيني وتوعوي تنظمه الحملة، في يوم 03 دجمبر 2023، وبحضور عائلتي وأصدقاء الراحليْن محمد شين وهنون، وكان الهدف من هذه الأنشطة التأبينية والتوعوية إشراك ذوي الضحايا، والقطاعات التي سيتم تأبين ضحاياها في التوعية في مجال السلامة الطرقية، وذلك من باب تحمل المسؤولية الاجتماعية اتجاه ضحايا كل قطاع. (الصورة 11 من نشاط التأبين التوعوي).


وتبقى جملة من النقاط السريعة:

1 ـ نسأل الله تعالى أن يتغمد ضحايا حوادث السير الذين ذكرت أسماؤهم في هذا المقال الحزين، وكل ضحايا حوادث السير ممن لم يذكروا فيه، بواسع رحمته، وأن يسكنهم فسيح جناته؛

2 ـ إن حوادث السير المذكورة هنا ليست هي كل الحوادث التي وقعت بعد إطلاق الحملة في العام 2016 على هذا المقطع الممتد لأربعين كلم من طريق الأمل، وإنما تمثل فقط عددا قليلا من الحوادث التي تمكنت الحملة بوسائلها المحدودة أن تنظم زيارات ميدانية لمواقعها؛

3 ـ لم يحدث إطلاقا أن صادفنا خلال زيارتنا لكل مواقع هذه الحوادث موظفا واحدا من وزارة التجهيز والنقل، أو من أي إدارة معنية بالسلامة الطرقية، وهو يُعاينُ موقع حادث سير؛

4 ـ تعتمد الحملة في أنشطتها على إرادة شبابها وتحمسهم، وعلى ما يوفره بعض أعضائها من مساهمات مادية متواضعة؛

5 ـ لم تمتلك الحملة خلال السنوات التسع الماضية، أي منذ تأسيسها وحتى اليوم، مقرا خاصا بها حتى وإن كان من غرفة واحدة، ويتم التخطيط والتحضير لأنشطتها من خلال مجموعتها على الواتساب؛

6 ـ هذه المعلومات الأخيرة مهمة لأن هناك من يعتقد أننا نحصل على تمويلات من هنا أو هناك، فيطلب منا أن نقوم بأنشطة لا قدرة لنا على القيام بها، وعندما لا نقم بها ينتقدنا بشدة؛

7 ـ الحملة قائمة على رفض الاكتفاء بالتفرج على ما يقع من حوادث السير، دون فعل أي شيء، وهي تقوم دائما بالمتاح لها من أنشطة بفضل إرادة وحماس شبابها، أما الوسائل فهي لا تمتلكها أصلا، ولا تعتبرها - بأي حال من الأحوال -  عائقا أمام القيام بما هو متاح.

عندما تُصِرُّ على القيام بما هو متاح لك، فإنك ستجد دائما ما يمكن أن تفعله لصالح بلدك، وهذه هي قناعتنا في حملة معا للحد من حوادث السير.

صحيح أن الوسائل قد توسع من أنشطتنا في الحملة، وتزيد من فعاليتها، ولكن الصحيح أيضا، هو أن هناك الكثير من الأنشطة المفيدة التي يمكننا القيام بها دون وسائل.

حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 4 يونيو 2025

بيان (بمناسبة حوادث السير الأخيرة)


شهدت بلادنا خلال الأيام الماضية، عدة حوادث سير مميتة، تسببت في سقوط العديد من القتلى والجرحى، هذا بالإضافة إلى خسائر مادية معتبرة، ناتجة عن انقلاب العديد من الشاحنات في حوادث السير تلك، وهو ما عرض عشرات الأطنان من البضائع والسلع إلى التلف.

وفي هذا الإطار، فقد نظمت حملة معا للحد من حوادث السير زيارات ميدانية لبعض مواقع تلك الحوادث، للاطلاع الميداني على حجم الخسائر البشرية والمادية، ولمعرفة الأسباب المباشرة التي أدت إلى تلك الحوادث، وكان من بين مواقع الحوادث التي زارها نشطاء الحملة، حادث "اكريمي" الذي وقع ضحي يوم الأربعاء 21 مايو نتيجة لاصطدام سيارة هيليكس وتكدس هيكلها على الراكبين بعد دخولها تحت مؤخرة شاحنة انفجرت إحدى عجلاتها، وتسبب هذا الحادث في وفاة 5 أشخاص بشكل فوري، وكذلك حادث الكلم 110 على طريق الأمل، والذي وقع مساء السبت (ليلة الأحد) 1 يونيو، وكان ناتجا عن اصطدام ثلاثي بين حافلة وشاحنتين، وقد أدى هذا الحادث إلى وفاة 3 أشخاص، ونفوق مواشي، وتلف كميات من البضائع كانت تحملها الشاحنتين.

إننا في حملة معا للحد من حوادث السير، لنؤكد بمناسبة هذه الحوادث المميتة على ما يلي:

1ـ  ضرورة توفير فرق للتدخل السريع في المقاطع الأكثر خطورة من طريق الأمل، وتزويد تلك الفرق بآليات للتدخل السريع، تمكن من التعامل مع الشاحنات المنقلبة، وتزويد تلك الفرق بأجهزة قادرة على الوصول إلى الضحايا الذين قد يبقون عالقين لساعات داخل السيارات دون أن تتمكن فرق الإسعاف من الوصول إليهم؛

2 ـ تشكيل دوريات متنقلة من الدرك لرصد الشاحنات المتوقفة على الطرق، والتي لا تضع مثلثات تحذيرية، واتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد سائقيها؛

3 ـ إرسال عناصر من الدرك بشكل فوري إلى المواقع الأكثر خطورة عندما تتعطل فيها شاحنة، وتزويد تلك العناصر بعاكسات للضوء ليلا، لتأمين سالكي الطريق، عندما تكون هناك حاجة لذلك؛

4 ـ تسوية جوانب الطرق في المقاطع الأكثر خطورة، وجعلها مناسبة لتوقف الشاحنات، وذلك لتمكين الشاحنات من التوقف الآمن عندما تكون هناك ضرورة للتوقف؛

5 ـ التعامل بصرامة مع الحمولة الزائدة، والتي تعتبر هي السبب الأول في انقلاب الشاحنات على الطرق؛

6 ـ اتخاذ إجراءات رادعة لوقف عمليات تعديل الحاويات الأصلية للشاحنات لزيادة حجمها، من أجل حمولة أكبر؛

7 ـ فرض تثبيت حاجز أمان في خلفية الشاحنات للحد من دخول السيارات بشكل كامل تحت الشاحنات في حالة اصطدام سيارة بمؤخرة شاحنة؛

8 ـ  المسارعة في نشر المعلومات الدقيقة عن حوادث السير من طرف الجهات الرسمية المعنية، فغياب نشر معلومات دقيقة، كثيرا ما يتسبب في تداول شائعات غير دقيقة، قد يتضرر منها البعض؛

9 ـ المسارعة في تنظيم زيارات ميدانية لمواقع الحوادث من طرف الجهات المعنية بالسلامة الطرقية، مع تنظيم زيارات مواساة وتعزية لذوي الضحايا؛

10 ـ التركيز على التوعية والتحسيس للحد من حوادث السير، ومن الملاحظ في هذا الإطار غياب أي جهد توعوي يذكر من طرف الجهات المعنية بالسلامة الطرقية، وغياب لأي دعم من القطاع العام أو الخاص للجمعيات القليلة الفاعلة في مجال السلامة الطرقية، والتي تحاول بوسائلها المتواضعة أن تنظم من حين لآخر أنشطة توعوية في مجال السلامة الطرقية.

وفي الأخير، فإننا في حملة معا للحد من حوادث السير نوصي السائقين بالمزيد من التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، وخاصة في هذه الأيام التي تسبق عيد الأضحى المبارك، والتي تكثر فيها عادة حوادث السير، بسبب الزيادة في حجم تنقل المواطنين، كما نعلن بهذه المناسبة عن إطلاق حملة "السائق اليقظ"، وهي حملة توعوية جديدة، متعددة الأهداف، تسعى إلى توعية السائق بأهمية التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، وتنبيهه إلى العقوبات التي قد يتعرض لها في حالة مشاركته في تهريب المهاجرين غير الشرعيين، أو إدخال ممنوعات من أي نوع، وتوعيته كذلك بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في تحصين وطنه من تهريب المخدرات وتدفق المهاجرين غير النظاميين.

نواكشوط:02 يونيو 2025

حملة معا للحد من حوادث السير.





الأربعاء، 28 مايو 2025

ثلاث قراءات لبيان نواب المعارضة


طالعتُ بيانا موقعا من طرف نواب المعارضة، صادرا في نفس اليوم الذي صادق فيه البرلمان على مشاريع القوانين المتعلقة بالفساد، والتي شملت تحديدا:

 1ـ مشروع القانون المتعلق بالسلطة الوطنية لمكافحة الفساد؛

2 ـ  مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح؛

3 ـ  مشروع القانون المتعلق بمكافحة الفساد.

طالعتُ البيان وقرأتُه قراءة أولى بعين محايدة، بحثا عن انتقاد وجيه تضمنه، ولكني لم أجد انتقادا وجيها واحدا يمكن الاستدلال به على أن قوانين الفساد المصادق عليها تشكل عبثا تشريعيا، أو أنها تخدم مراكز النفوذ وتمنحها حماية غير مستحقة، كما جاء في بيان نواب المعارضة.

ثم قرأتُ البيان قراءة ثانية، ولكن هذه المرة ليس بعين محايدة كما حصل في القراءة الأولى، وإنما بعين سياسية، لا تكتفي بالدلالة اللغوية لمحتوى البيان، وإنما تبحث في توقيت إصدار البيان، وفي مضامينه ورسائله السياسية التي يريد إيصالها للرأي العام، فخلصتُ بعد هذه القراءة الثانية، إلى أن نواب المعارضة وجدوا أنفسهم أمام ثلاثة قوانين لمحاربة الفساد أعدت وفق أحدث المقاييس الدولية، ولم يجدوا ما ينتقدونها به، فسعوا إلى أن يحرموا النظام من أي مكسب سياسي من خلال إعداده لهذه القوانين والمصادقة عليها بعد ذلك، فما كان منهم إلا أن سارعوا إلى إصدار بيان مليء بعبارات فضفاضة لصرف النظر عن أهمية القوانين المصادق عليها.

 ولمزيد من التشويش على تلك القوانين، لم يكتف نواب المعارضة ببيانهم الخالي من أي حجة متماسكة، وإنما أضافوا إليه تصريحات للتشويش أكثر، ادعى فيها بعضهم أن هذه القوانين جاءت بإملاءات وضغوط خارجية، وادعى البعض الآخر أن النواب أعطوا لأنفسهم مهلة ثلاث سنوات قبل التصريح بممتلكاتهم.

ثم قرأت البيان قراءة ثالثة ولكن هذه المرة بعين ثالثة، لا هي بالعين المحايدة، ولا هي بالعين السياسية، وإنما هي بعين المتابع الذي أتيح له أن يتابع مشاريع هذه القوانين منذ أن كانت تعهدات مسطرة في جمل قصيرة في صفحات برنامج "طموحي للوطن"، ثم تحولت بعد ذلك إلى مسودات نصوص بفضل جهد كبير بذلته لجنة فنية ضمت العديد من الخبراء الوطنيين، وكان لي الشرف بعضويتها، ثم أحيلت تلك المسودات إلى الحكومة التي عمقت دراستها، وتوقفت مع كل جملة فيها، فصاغتها من جديد وصادقت عليها في مجلس الوزراء المنعقد في يوم الخميس الموافق 16 يناير 2025، لتقدمها بعد ذلك للبرلمان، فتثير ما أثارت من نقاش، وهذا النقاش كنتُ أيضا مساهما فيه، وذلك من خلال ندوة نظمناها في صالون المدونين عن الجدل الدائر حول  استثناء النواب من التصريح بالممتلكات، وكذلك من خلال بيان وقعته 20 منظمة طالبت بإدراج النواب في لائحة الملزمين بالتصريح، أعقبه لقاء برئيس حزب الإنصاف، أكد لنا فيه أن النواب لن يستثنون من التصريح بالممتلكات، وأن الفريق البرلماني لحزب الإنصاف سيجري تعديلا على مشروع القانون لإضافة النواب إلى لائحة المصرحين بالممتلكات، وسيصوت على ذلك، وهو ما كان.

إن القول بأن هذه القوانين جاءت بإملاءات خارجية، قولٌ لا يستقيم، فهذه القوانين كانت أجنة في رحم "طموحي للوطن"، ولمن أراد أن يعيد النظر إليها، وهي ما تزال أجنة في رحم صفحات البرنامج الانتخابي طموحي للوطن، فلينظر إلى هذه الفقرة المنقولة حرفيا من برنامج طموحي للوطن:

"ج ـ مراجعة قانون مكافحة الرشوة، لا سيما فيما يتعلق بأحكام تجريم قضايا الرشوة، والتصريح بالممتلكات، وتضارب المصالح، سعيا إلى مواءمتها مع أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال".

هكذا كان مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح، ومشروع القانون المتعلق بمكافحة الفساد، أما بخصوص السلطة الوطنية لمكافحة الفساد، فقد ظهرت لأول مرة في التعهد التالي، والذي ننقله بالحرف من برنامج طموحي للوطن:  

"و ـ إرساء نظام متابعة فعال لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة، يشمل على الخصوص استحداث وكالة وطنية مستقلة لمكافحة الرشوة".

يظهر من كل ما سبق، أن مشاريع قوانين الفساد جاءت نتيجة لوفاء فخامة الرئيس بالتزامات انتخابية تعهد بها للشعب الموريتاني، ولم تأت بفعل ضغط أجنبي كما يروج لذلك بعض نواب المعارضة، ولعل أول ظهور للأجانب في مسار هذه القوانين كان من خلال حضور خبيرين أجنبيين استضافتهما اللجنة الفنية ليقدما لها بعض التجارب الدولية الناجحة في المجال للاستفادة منها في إعداد مسودات القوانين المذكورة.

أما بخصوص قول بعض النواب، بأن قانون التصريح بالممتلكات والمصالح، قد أمهل النواب ثلاث سنوات للتصريح بممتلكاتهم، فهو كذلك قول غير صحيح، فقد ورد في المادة 14 من القانون بإلزام المصرحين بتقديم تصريحاتهم في غضون شهرين من تولي الوظيفة أو تجديدها، وعند انتهاء المهام لسبب آخر غير الوفاة، وفي جميع الحالات كل ثلاث سنوات على الأقل.

صحيح أن الفقرة الثالثة من المادة 26 من الفصل التاسع المتعلق بأحكام انتقالية وختامية، قد جاء فيها: "يتخذ مجلس الوزراء والسلطة الوطنية لمكافحة الفساد التدابير اللازمة لضمان قيام جميع الموظفين المذكورين في المادة 3 بتقديم تصريحاتهم في أجل أقصاه ثلاث سنوات بعد نشر هذا القانون".

من المهم جدا التنبيه هنا إلى أن هذه الفقرة لا تخص النواب دون غيرهم، وهو ما حاول البعض أن يسوقه، وقد أضيفت هذه الفقرة نظرا لوجود هيئة تستقبل حاليا التصريحات، وهي لجنة الشفافية المالية للحياة العمومية، وستبقى كذلك حتى انتهاء الفترة الانتقالية التي يجب أن لا تتجاوز سنتين بعد تاريخ إصدار هذا القانون، نظرا لذلك، فقد جاءت هذه الأحكام الانتقالية، وذلك في انتظار أن يكتمل تشكيل السلطة الوطنية لمحاربة الفساد، فتُحَلُّ لجنة الشفافية المالية للحياة العمومية، وتوكل مهامها للسلطة الجديدة.  

بالمناسبة هذه قضايا ناقشتها اللجنة الفنية في مسودات مشاريع القوانين، وذلك قبل أن تحيلها للحكومة، وقبل أن تحيلها الحكومة للبرلمان، وبالتالي، فلا معنى للقول بأن النواب استثنوا أنفسهم من التصريح بالممتلكات لثلاث سنوات قادمة.

كان على نواب المعارضة أن يفتخروا بأن البرلمان الموريتاني في إنابته هذه، قد تمكن من إضافة النواب للائحة الموظفين الملزمين بالتصريح بالممتلكات والمصالح، وهو ما فشل فيه النواب في العام 2007، لما عرض عليهم مشروع القانون المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، والذي سيحمل فيما بعد القانون رقم 054/ 2007.

ختاما

لقد تابعتُ مسار هذه القوانين، منذ أن كانت تعهدات انتخابية في برنامج طموحي للوطن، إلى أن أصبحت قوانين مصادق عليها، ويمكنني أن أقول بأنها لم تأت لضغوط أجنبية، وإنما جاءت وفاءً بتعهدات انتخابية من رئيس الجمهورية.

إن النقاش يجب أن ينصب حاليا حول تنفيذ هذه القوانين، أما التشكيك في جودتها، وكونها لم تعد وفق أفضل الممارسات الدولية، أو أنها جاءت بضغط خارجي، فكل ذلك سيبقى مجرد حديث سياسي غير مؤسس.

إن واجب اللحظة، يقتضي منا جميعا، أن نوحد جهودنا في المعارضة والموالاة، حتى نضمن تنفيذ هذه القوانين على أحسن وجه.

حفظ الله موريتانيا...


الثلاثاء، 27 مايو 2025

حلقة نقاشية عن التحايل الإلكتروني


خصص صالون المدونين جلسته النقاشية الأسبوعية الـ15 ليوم الأحد الموافق 25 مايو 2025 لموضوع التحايل الإلكتروني، واستضاف للحلقة ثلاثةً من الضحايا من مهن مختلفة (تاجر، أستاذ، لحام)، تعرضوا لعمليات تحايل تعددت أساليبها، وفقدوا بموجبها، وعلى التوالي: 3.5 مليون قديمة، 1.6 مليون أوقية قديمة، 1.2 مليون أوقية قديمة.

الضحايا شكروا في كلماتهم صالون المدونين الذي أتاح لهم الفرصة لمخاطبة الرأي العام، بعد أن سدت أمامهم وسائل الإعلام منابرها،  واستعرضوا في كلماتهم تجاربهم الخاصة، وكيف تعرضوا للاحتيال وكيف تعاملت معهم بنوكهم بعد التعرض للاحتيال.

الضحايا اعترفوا في كلماتهم بأنهم يتحملون جزءا من المسؤولية، ولكنهم يحملون البنوك جزءا كبيرا من تلك المسؤولية، وذلك لتقصيرها في توعيتهم حول مخاطر الاحتيال التي قد يتعرضون لها، ولضعف تجاوبها معهم بعد أن تعرضوا لعمليات احتيال، وهو ما لم يكونوا يتوقعونه، خاصة وأنهم وثقوا في تلك البنوك واستودعوها أموالهم.

بعد ذلك تناول الكلام ضيف الحلقة الرئيسي الاستشاري في تقنية المعلومات المهندس باب ولد الدي، فاستعرض في كلمته المراحل التي مر بها التحايل الالكتروني، والتي بدأت تظهر في بلادنا قبل عقد ونصف من خلال رسائل نصية كان يتلقاها الضحايا تتعلق بمسابقات، يدعي المتحايلون بأنها منظمة من طرف شركات الاتصال، وظلت أساليب التحايل تتطور إلى أن وصلت اليوم إلى مرحلة التزييف العميق الذي قد يظهر شخصيات معروفة لا يمكن التفريق بينها مع الشخصيات الأصلية تروج لمسابقات أو تطبيقات تستخدم للتحايل وسرقة أموال الضحايا.

وأشار المهندس باب في كلمته إلى غياب الحملات التوعوية الاستباقية، مؤكدا أن التطبيقات البنكية لم تهتم بالتوعية إلا بعد تعرض زبنائها لعمليات احتيال.

وكان من أهم توصيات الحلقة، التي وجهها الضيف الرئيسي والضحايا والمتدخلون من القاعة:

ـ عدم إعطاء الرمز السري لأي شخص، حتى ولو كان موظفا في البنك؛

ـ عدم منح هاتف لأي شخص مشبوه ليجري منه اتصالا هاتفيا؛

ـ عدم فتح الروابط المجهولة المصدر؛

ـ عدم المسارعة في التفاعل مع ما يعرض في منصات التواصل الاجتماعي من فرص يدعي أصحابها انها قد تضيع منك إلى الأبد؛

ـ توثيق رقم الهاتف بالبصمة، وتوثيق الحساب البنكي، وعدم التعامل مع الصفحات غير الموثقة التي تحمل أسماء بنوك أو مؤسسات أخرى؛  

ـ عدم المسارعة في الثقة في أي جهة مهما كانت، والاستحضار الدائم لتنوع وتطور أساليب الاحتيال قبل التفاعل مع ما يعرض في مواقع التواصل الاجتماعي.

ـ تفعيل مراكز الاتصال لدى البنوك على طول اليوم، وخلال عطل الأسبوع، خاصة وأن الكثير من عمليات الاحتيال قد تحدث في أيام عطل.