إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
السبت، 22 فبراير 2020
الرد الأنسب على تصريحات النائب بيرام
أثارت التصريحات التي أطلقها النائب بيرام،
والتي تحدث فيها عن "آابرتايد إسلامي" في موريتانيا ردود فعل واسعة ..في
هذا المقال سنحاول أن نستعرض معكم الرد الأنسب لمواجهة هذا النوع من التصريحات
التي تشوه سمعة البلاد.
قبل استعراض هذا الرد، فإنه قد يكون من الضروري
جدا التوقف مع بعض المحطات والأحداث التي صعدت بالنائب بيرام، وأوصلته إلى المكانة
التي يحتلها اليوم .
1 ـ دور الرئيس السابق : واجه الرئيس السابق
معارضة قوية بعد انقلابه على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وقد انخرط في معارضة
الانقلاب كل من الرئيسين مسعود وبيجل الشيء الذي قاد إلى التفكير في خلق زعامة
جديدة من نفس الشريحة لمنافسة الرئيسين مسعود وبيجل اللذين انخرطا بقوة في معارضة
الانقلاب.
بعد ذلك بفترة، وفي ظل موجة الربيع العربي وتصاعد
مسيرات الرحيل، تم إحراق الكتب الفقهية بإيعاز من السلطة أو بعلمها على الأقل، وتم
استخدام تلك المحرقة في التشويش على مسيرات الرحيل وقد نجحت السلطة في تحقيق ذلك.
شهدت حركة إيرا استقالات واسعة من بعد المحرقة،
و كتب بيرام في يوم 4 يونيو 2012 رسالة
اعتذار من داخل السجن المدني وقد جاء فيها
:" وعليه، فإنني أأسف لسوء الفهم الذي قوبلت به هذه الخطوة، وأقدم اعتذاري
للشعب الموريتاني وللشعوب الإسلامية، وأجدد لهم صدقي في أن نيتي لم تتجه أبدا نحو
المساس بالمقدسات ولا بمشاعر المسلمين. واعتذاري لمناضلي حركة إيرا ممن أحرجهم هذا
التعبير القاسي الذي لا يقصد منه أي مس أو انتقاص من القرءان الكريم أو السنة
المحمدية الشريفة اللذين هما حجتنا في نضالنا وقدوتنا في كل حياتنا."
لقد أبدى
السيد بيرام الكثير من الندم في تلك الرسالة، وغادر الكثيرون إيرا التي عرفت أياما
صعبة، ولكن الذي سيحدث من بعد ذلك هو أن السلطة تدخلت ـ كعادتها ـ لإنقاذ حركة
إيرا وزعيمها، وكان ذلك من خلال السماح لبيرام بالترشح لأعلى منصب في البلاد، وإعطاء
الأوامر لعمد ومستشاري الحزب الحاكم بتزكيته، هذا فضلا عن تقديم الدعم المالي لحملته من طرف بعض رجال الأعمال المقربين من
النظام، مع السماح له بأن يمرر خطابه الشتائمي عبر قنوات تلفزيونية مقربة من
النظام، والسماح له من بعد ذلك خلال
الحملة الانتخابية أن يمرر نفس الخطاب عبر الإعلام الرسمي، وكانت المحصلة النهائية
لكل ذلك هي زيادة حدة خطاب بيرام، وزيادة شعبيته، وإضفاء نوع من الشرعية لمنظمته غير
المرخصة . هذه المكانة التي حصل عليها بيرام وحركة إيرا ستتعزز أكثر بعد الانتخابات
الرئاسية الأخيرة، والتي احتل فيها بيرام الرتبة الثانية للمرة الثانية. قد يكون
مما ساعد في ذلك هو أن التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة اتخذ للأسف طابعا
شرائحيا، وقد كان بيرام هو المرشح الوحيد من شريحة لحراطين في تلك الانتخابات.
2 ـ تراجع دور الزعامات التقليدية : من الأسباب
التي أدت إلى صعود النائب بيرام هو استقالة الرئيس مسعود غير المعلنة من النضال،
وانشغاله في السنوات الأخيرة بالبحث عن مصالحه الضيقة وترك خطه النضالي الذي كان قد
استقطب من خلاله الكثير من الداعمين.
3 ـ دور بعض التيارات والأحزاب الإيديولوجية :
لوحظ في السنوات الأخيرة أن الكثير من المحسوبين على اليسار وعلى الإسلاميين قد اتفقوا ـ وقليلا ما يتفقوا ـ على تسويق
بيرام ، وتقديمه للشعب الموريتاني على أنه من أبرز الحقوقيين والمناضلين في هذه
البلاد. المتابع الفطن للإعلام المحلي سيلاحظ بأن موقعي الأخبار وتقدمي قد تنافسا
في السنوات الأخيرة في نشر كل الأخبار التي تتعلق ببيرام، ولم يتوقف الأمر عند
المنافسة في نشر أخبار بيرام، بل تعدى الأمر ذلك إلى أن وصل إلى مرحلة التسويق
والدعاية الإعلامية، والتي كادت أن تقترب من الدعاية التي تقوم بها الوكالة
الموريتانية للأنباء لأنشطة الحكومة!.لقد استفاد بيرام كثيرا من تلك الدعاية الواسعة،
وهو يعرف جيدا كيف يستغل الآخرين، ولكنه لا يتردد في التخلي عنهم، إذا ما شعر بأنه
لم يعد بحاجة إليهم..فأين هم قادة إيرا الذين شاركوا في تأسيسها؟ وماذا يقول بيرام اليوم عن الرئيس السابق لحزب
تواصل؟ وماذا سيقول غدا عن حزب الصواب؟
4 ـ دور المنظمات الغربية : من المعروف بأن
الدول والمنظمات الغربية لا ترحب في العادة بأصحاب الخطابات الوطنية الجامعة،
وإنما ترحب فقط بأصحاب الخطابات الضيقة، وبكل من يسيء إلى قيم ودين مجتمعه. إن
الهجوم على اللغة العربية والدين الإسلامي، كان ـ وسيظل ـ بضاعة رائجة في الغرب تأتي في كل حين لصاحبها بالكثير من المال والتوشيحات
والتكريمات، وقد نال بيرام نصيبا كبيرا من تلك التوشيحات والتكريمات يتناسب مع ما
قدم من جهود وخدمات في هذا المجال .
حاصل الأمر أن هناك جهات عديدة ساعدت في صعود
بيرام إلى واجهة المشهد الحقوقي والسياسي، ومن بين تلك الجهات الرئيس السابق،
والمنظمات الغربية، وخليط من اليسار والإسلاميين وبعض الزعامات التقليدية التي
استقالت عمليا من النضال.
لاشك أن كل تلك الجهات ساعدت بيرام في الصعود
السريع إلى واجهة المشهد الحقوقي والسياسي في موريتانيا، ولكن ذلك لا يعني تجاهل
بعض العوامل الذاتية التي ساعدت في ذلك الصعود والتي من بينها ذكاء الرجل، وقدرته
على استغلال الآخرين والتخلي عنهم عندما يتم استنزاف جهودهم.
تلكم كانت هي أهم العوامل التي ساهمت في صعود
النائب بيرام على الواجهة، ولكن سيبقى العامل الأهم الذي أدى إلى صعود بيرام،
وسيؤدي إلى صعود آخرين هو حجم الغبن والمظالم التي تعاني منه شرائح واسعة من
مجتمعنا ، ولذا فإن أي رد جاد على خطاب بيرام يجب أن يكون بمنح اهتمام أكبر لصالح الفئات
والشرائح الأكثر هشاشة والأشد فقرا في المجتمع.
إن الرد الأنسب على تصريحات بيرام المسيئة يجب
أن يكون من خلال :
1 ـ مواجهة الغبن والتهميش والاهتمام بالشرائح
الأكثر فقرا من خلال إطلاق برامج تنموية جادة ونأمل أن تلعب وكالة تآزر دورا محوريا
في هذا المجال.
2 ـ محاربة الفساد واعتماد الشفافية في
الاكتتاب والكفاءة عند التعيين...إن القول بالمحاصصة لن يأتي بخير ...المهم هو
الكفاءة، فعندما يتم اختيار الكفاءات بغض النظر عن مناطقهم أو شرائحهم ( وفي كل
مناطق موريتانيا وشرائحها كفاءات كثيرة) فإن ذلك سينعكس إيجابا على أوضاع
المواطنين أينما كانوا، وعندما يكون التعيين على أساس الوساطة أو القبيلة أو
الشريحة أو المنطقة فالحال سيبقى على حاله، إن لم يتحول إلى الأسوأ.
3 ـ منح بيرام الترخيص لمشروع حزبه، فهو يستحق
أن يرخص له، خاصة وبعد أن احتل المرتبة الثانية لمرتين في الانتخابات الرئاسية.
4 ـ الوقوف
مع المدافعين عن الفئات والشرائح المغبونة، ولكن في طار خطاب وطني جامع، فهؤلاء
يُحرمون من الدعم الغربي السخي، وذلك لأنهم لا يتبنون خطابات فئوية ضيقة، ويتم
تجاهلهم في الوقت نفسه من طرف صناع الرأي من كتاب وصحفيين ومدونين . فلماذا نستمر ـ
على المستويين الرسمي والشعبي ـ في تجاهل
نضال النائب الشاب العيد ولد محمدن امبارك؟
حفظ الله موريتانيا...
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق