الأحد، 19 ديسمبر 2021

هل بدأ المسار التصحيحي للاختلالات والنواقص المرصودة؟

 


لقد شهد النصف الأول من المأمورية الأولى للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إنجازات هامة على مستوى تطبيع الحياة السياسية، وإنصاف المظلومين، ومواجهة جائحة كورونا، والاهتمام بالفئات الهشة في المجتمع.هذه الإنجازات التي لم تجد من التسويق الإعلامي والسياسي ما تستحق، تحققت في ظرفية صعبة ناتجة عن جائحة كورونا التي هزت كل دول العالم، والتي ما تزال آثارها السلبية تضرب الدول، وربما تستمر تلك الآثار لفترة أطول الشيء الذي سيزيد حتما من تعقيد الأمور، ومن إلحاح مطلب الإصلاح، فإذا كان الإصلاح مطلوبا في الظروف العادية، فإنه سيكون مطلوبا وبإلحاح أكثر في الظروف الصعبة كالتي نمرُّ بها الآن، والتي يطبعها ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، الشيء الذي زاد من معاناة المواطنين.

إن الإنجازات الهامة التي تحققت في النصف الأول من المأمورية صاحبتها إخفاقات ونواقص تحدث عنها الرئيس بنفسه في أكثر من مرة. ففي خطابه بمناسبة الذكرى الإحدى والستين لعيد الاستقلال الوطني، قال وبالحرف الواحد: "صحيح، أن وتيرة تنفيذ بعض المشاريع غير مرضية. وصحيح كذلك، أن ثمة نواقص وصعوبات على بعض المستويات. لكننا مدركون لها، وعاكفون على تصحيحها."

في هذه الفقرة القصيرة من الخطاب يؤكد فخامة الرئيس أنه يدرك وجود نواقص وصعوبات وأنه عاكف على تصحيحها.

وبعد اجتماعه المصغر في القصر الرئاسي بالوزير الأول ووزيري التجهيز والإسكان ورئيسي سلطة تنظيم الصفقات العمومية واللجنة الوطنية لرقابة الصفقات نشر المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية بيانا عن الاجتماع جاء فيه : " وأكد فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في بداية الاجتماع على أن وتيرة تنفيذ المشاريع المُشار إليها آنفا لم تعد مقبولة على الإطلاق، وأنه لابد وعلى الفور من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجاوز العقبات الراهنة ومنع تجددها مستقبلا".

هذا الاجتماع كان يمكن أن يمر دون أن يعلم الرأي العام بما دار فيه، ولكن المكتب الإعلامي للرئاسة سارع إلى نشر بيان عن ذلك الاجتماع، وقد تحدث فيه عن استياء الرئيس من البطء في تنفيذ المشاريع، وأن ذلك لم يعد مقبولا على الإطلاق، وفي نشر ذلك البيان أكثر من رسالة تستحق أن تقرأ.

فمن المعلوم بداهة أن حديث الرئيس عن وجود نواقص واختلالات ليس كحديث أي جهة أخرى، فالرئيس عندما يعترف  بوجود نواقص واختلالات، فإن الخطوة التي يجب أن تتبع ذلك الاعتراف هي المسارعة إلى تصحيح تلك النواقص والاختلالات، فالرئيس هو من يمتلك القدرة على اتخاذ القرارات لتصحيح تلك الاختلالات والنواقص، أما غيره فقد يقبل منه الاعتراف بوجود نواقص دون العمل على تصحيحها لأنه قد لا يملك ما يكفي  من سلطة ووسائل لتصحيح تلك النواقص المعترف بها.

إن علاج هذه الاختلالات والنواقص التي تحدث عنها فخامة الرئيس أكثر من مرة، يستوجب إعادة النظر في ثلاث ملفات أساسية لا يمكن أن يحدث أي إصلاح دون الاهتمام بها، وهذه الملفات هي :

1 ـ ملف التعيينات؛

2 ـ ملف الفساد؛

3 ـ ملف الشباب.

إن المتابع للشأن العام سيلاحظ أنه قد أصبح من الضروري إعادة النظر في ملف التعيينات، ذلك أن الإصلاح ـ أي إصلاح ـ  يحتاج إلى مصلحين، ولا يمكن أن نتخيل إصلاح من دون مصلحين. صحيحٌ أنه تم تعيين كفاءات نظيفة في هذا العهد، ولكن الصحيح أيضا أنه تم تعيين وترقية موظفين لا يذكرهم المواطن بخير، وصحائف مسارهم الوظيفي سوداء بسبب ما ارتكبوا من أخطاء، وما وقعوا فيه من شبهات فساد.

إن أي محاولة لتصحيح ما تمت ملاحظته من نواقص واختلالات يجب أن تبدأ بإعادة النظر في ملف التعيينات، وإعطاء الأولوية لأصحاب الكفاءات المشهود لهم بالاستقامة في تسيير المال العام. ثم إن منح صلاحيات واسعة للوزراء وكبار الموظفين، وتلك واحدة من ميزات هذا النظام، يُفترض أن تتبعها محاسبة قاسية، بل وقاسية جدا، في حالة الإخفاق. فالموظف الذي يُمنح صلاحيات واسعة، يجب أن يتم تحميله المسؤولية الكاملة في حالة فشله وعجزه عن أداء المهام الموكلة إليه.

كما أن علاج هذه الاختلالات والنواقص يحتاج أيضا إلى تسريع وتيرة الحرب على الفساد، والصرامة في مواجهة أي فساد قد يقع في هذا العهد. لقد تحدث الرئيس بشكل واضح عن الفساد وعن خطورته في خطاب الاستقلال ، ومما قال في خطابه: " ونحن لا نريد لمحاربة الفساد أن تكون مجرد شعار، أو أن تتحول، هي نفسها، إلى فساد، بالانتقائية، وتصفية الحسابات، والوقيعة في أعراض الناس دون قرينة أو دليل. بل نريدها عملا مؤسسيا فعالا، تصان به موارد الدولة، وينال به المفسدون جزاءهم طبقا للنصوص السارية المفعول."

بعد خطاب الاستقلال والاجتماع المصغر في الرئاسة تم اتخاذ خطوات في اتجاه تفعيل هذه الفقرة من الخطاب، منها تشكيل لجنة لمراقبة المشاريع، وإلحاق المفتشية العامة للدولة برئاسة الجمهورية بدلا من الوزارة الأولى، وتعيين مفتش جديد.

وبخصوص ملف الشباب، وهو الملف الثالث من الملفات التي نعتقد أنه لن يكون بالإمكان تصحيح الاختلالات والنواقص دون إعادة النظر فيها، فقد أعلن فخامة الرئيس في حفل انطلاق برنامج "تحرير القدرات" عن تخصيص 20 مليار أوقية قديمة من الميزانية سنويا  لتكوين الشباب، ورصد 14 مليار أوقية لتكوين 6 ألاف شاب في 8 ولايات، وتقديم دعم اجتماعي لخريج الجامعات والمعاهد منذ 2019 لمدة  نصف عام، هذا فضلا عن زيادة تمثيل الشباب في القطاعات المعنية بهم.

مجمل القول هو أن فخامة الرئيس قد اعترف ـ وبكل شجاعة ـ بوجود نواقص واختلالات. هذا الاعتراف الشجاع قد يأتي بنتائج سلبية، وقد يتسبب في إحباط المواطنين إذا لم يصاحبه عمل سريع وميداني لتصحيح تلك الاختلالات والنواقص. في المقابل فإن هذا الاعتراف قد يعطي جرعة أمل قوية للمواطنين، إذا ما صاحبه مسار تصحيحي. فهل ما شهدناه في الأيام الأخيرة من قرارات وتعهدات هو بداية لذلك المسار التصحيحي، فإذا كان الأمر كذلك فإننا سنكون في الأيام والأسابيع القادمة أمام المزيد من القرارات والتغييرات التي تؤكد انطلاق ذلك المسار التصحيحي، ومن المؤكد بأن جرعة العمل التي منحها الاعتراف الشجاع للرئيس بوجود نواقص واختلالات ستظل تكبر وتكبر كلما كان هناك إسراع في وتيرة المسار التصحيحي.

  

 

حفظ الله موريتانيا... 

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

عن خطاب الرئيس في مدينة وادان


لقد افتتح رئيس الجمهورية خطابه في النسخة الأخيرة من مهرجان مدائن التراث بالإشادة بمدينة وادان وبقدرتها على البقاء لحقب متتالية كمركز اقتصادي، وجسر تواصل، وإشعاع حضاري، وكان ذلك ـ وكما جاء في الخطاب ـ بفضل :

1 ـ عبقرية علماء المدينة وعلو هممهم وغزارة علمهم؛

2ـ الإبداع الفائق لأبناء المدينة القائمين على مختلف الخدمات من صناعة تقليدية وتنمية حيوانية أو زراعية وتشييد عمراني وغير ذلك..طبعا الترقيم وفصل النقطتين كان من عندي.

هذا هو ما تضمنته الفقرة الأولى من خطاب الرئيس، والتي أكدت أن ما تميزت به وادان من ثقافة ونهضة عمرانية كان نتاجا للعمل والعمل.

بعد ذلك توقف الرئيس مع قيمة العمل، فأشاد في خطابه بالفئات التي قهرت الطبيعة، والتي لولا جهودها الأسطورية لما تشكلت المدينة أصلا، ولما صمدت في وجه عاديات الزمن، وجعل الرئيس من الإشادة بجهود تلك الفئات التي قهرت الطبيعة مدخلا ذكيا للحديث عن الوحدة الوطنية، كما جعل منه مناسبة للتعبير عما يحز في نفسه بسبب ما تعرضت له تلك الفئات تاريخيا من ظلم ونظرة سلبية، مع أنها في ميزان القياس السليم ـ وحسب الخطاب دائما ـ كان  ينبغي لها أن تكون على رأس الهرم الاجتماعي فهي في طليعة بناة الحضارة والعمران وهي عماد المدنية والابتكار والإنتاج.

يتضح من ذلك، وهذا ما أشار إليه الخطاب، أن المجتمع الذي ينظر نظرة سلبية لتلك الفئات المنتجة إنما ينظر أيضا وبشكل سلبي للعمل والإنتاج، فكيف يمكننا أن نتصور نهضة في مجتمع يزدري العمل ويقلل من قيمة الفئات المنتجة؟  
ولاستحالة ذلك، فقد دعا الرئيس بشكل واضح جدا وصريح جدا إلى ضرورة تطوير موروثنا الثقافي وتخليصه من رواسب الظلم الشنيع، والأحكام المسبقة، والصور النمطية التي تناقض الحقيقة، وتصطدم بقواعد الشرع والقانون، وتضعف اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية، وتعيق تطور العقليات وفق ما تقتضيه مفاهيم الدولة والقانون والمواطنة.
‏‏ ولم يتوقف الرئيس هنا بل دعا كافة المواطنين ، وبعبارات أكثر وضوحا وأشد صراحة، إلى ضرورة  " تجاوز رواسب هذا الظلم في موروثنا الثقافي وإلى تطهير الخطاب والمسلكيات من تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية الزائفة. كما دعاهم أيضا إلى "الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد هذه الأيام، والمنافي لمنطق الدولة الحديثة ولما يقتضيه الحرص على الوحدة الوطنية، وكذلك لمصلحة الأفراد أنفسهم، فليس ثمة ما هو أقدر على حماية الفرد وصون كرامته وحقوقه من وحدة وطنية راسخة في كنف دولة قانون حديثة."

وإذا ما حاولنا أن نلخص هذا الخطاب في نقاط سريعة، وبالمناسبة فإن الخطاب كان في غاية الاختصار والتركيز، وتلك واحدة من نقاط قوته، فإذا ما حاولنا أن نلخص الخطاب في نقاط سريعة، فسيكون ذلك على النحو التالي:

1ـ أنه قد آن الأوان لتطهير موروثنا الثقافي مما شابه من على مستوى الخطاب والمسلكيات من أحكام مسيئة ومن صور نمطية مزيفة؛

2ـ أن مصلحة المواطنين، كل المواطنين في ذلك، فدولة القانون هي وحدها القادرة على حماية المواطن، وصون كرامته وحقوقه؛

3ـ أن هناك ضرورة ملحة لوقوف الجميع ضد الخطاب القبلي والشرائحي والمناطقي الذي عرف في الفترة الأخيرة تصاعدا مقلقا؛

4ـ أن الدولة ـ وهذا نص ما قاله الرئيس ـ  ستظل حامية للوحدة الوطنية والكرامة وحرية ومساواة جميع المواطنين بقوة القانون وأيا تكن التكلفة.

تنبيه : تأخر التعليق على الخطاب بسبب غياب الانترنت في وادان خلال أيام المهرجان، وتلك واحدة من نواقص المهرجان التي يجب أن يتم التغلب عليها مستقبلا.

حفظ الله موريتانيا...