الثلاثاء، 27 سبتمبر 2022

قراءة في محضر تشاور وزارة الداخلية والأحزاب السياسية


تابعتُ كغيري من المهتمين بالشأن العام مسار التشاور الذي أطلقته وزارة الداخلية
 واللامركزية مع الأحزاب السياسية، تابعت هذا التشاور عند انطلاقه، وفي كل محطاته، إلى أن تم اختتامه بحفل للتوقيع على الوثيقة التي تضمنت نتائجه.

ومن هذه المتابعة خرجت بجملة من الملاحظات السريعة لعل من أهمها:            

الملاحظة الأولى: أنه كانت هناك احترافية كبيرة في إدارة هذا التشاور، وتنعكس تلك

الاحترافية في  النقاط التالية :

1 ـ أن  كل الأحزاب السياسية المعترف بها شاركت في هذا الحوار، ووقعت على نتائجه باستثناء حزب واحد؛

2 ـ أن الفترة الزمنية التي قضاها التشاور من التحضير إلى التوقيع على النتائج لم تكن فترة طويلة، بل كانت قصيرة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تعقيدات الحوارات السياسية، وأن هذا التشاور قد تم تنظيمه في موسم خريف شهد الكثير من الأضرار، وكانت وزارة الداخلية منشغلة بتسيير الطوارئ.. لقد انطلق التشاور في يوم 12 يوليو 2022، وتم الاحتفال بتوقيع نتائجه مساء الاثنين 26 سبتمبر 2022.

3 ـ مع كل اجتماع جديد في وزارة الداخلية كان يتم التوصل إلى نتائج مرحلية، وذلك من قبل الوصول إلى النتائج النهائية، وهو ما يعني أن الاجتماعات في وزارة الداخلية كان يحضر لها بشكل جيد.

الملاحظة الثانية : أن هذا التشاور أكد من جديد أن هناك رغبة حقيقية لدى فخامة رئيس الجمهورية في التهدئة السياسية، وفي مشاركة كل الطيف السياسي في المسار الانتخابي  بدءا بالتحضير وانتهاءً بالاقتراع، كما أكد كذلك أن الخبرة التي يمتلكها معالي وزير الداخلية في التعامل مع الأحزاب السياسية، وفي تنظيم الانتخابات (انتخابات 2007 التي تعتبر الأكثر مصداقية في تاريخ الانتخابات في بلدنا)، كانت حاضرة في كل محطات هذا التشاور. كما أكد مسار هذا التشاور جدية الأحزاب السياسية المشاركة فيه، وسعيها الجاد للتوصل إلى نتائج تحسن من مستوى الاستحقاقات القادمة؛

الملاحظة الثالثة : وبهذه الملاحظة سأبدأ في استعراض أهم نتائج التشاور، والتي كان من أهمها ما تحقق لصالح جالياتنا في الخارج. لنذكر في هذا المجال أنه قد تحقق لجاليتنا في الخارج ـ من قبل هذا التشاور ـ أهم مطلب كانت تطالب به في الماضي، ألا وهو المطلب المتعلق بازدواجية الجنسية. أما أهم ما تحقق للجاليات من خلال التشاور فهو أن الترشح للمقاعد البرلمانية المخصصة للجاليات أصبح خاصا بأفراد الجاليات، عكس ما كان يحدث سابقا، وأن أفراد الجاليات هم من سيصوتون حصرا على المترشحين من خلال اقتراع مباشر يتم تنظيمه في  دوائرهم الانتخابية.

الملاحظة الرابعة: من النتائج الهامة التي تحققت لصالح الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة استحداث لائحة وطنية من 11 مقعدا خاصة بالشباب مع وجوب التناوب بين الجنسين، وتتضمن مقعدين على الأقل لذوي الاحتياجات الخاصة؛

الملاحظة الخامسة : من النتائج الهامة كذلك حزمة الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها، والتي ظلت الأحزاب السياسية تُطالب بها خلال السنوات والعقود الماضية، والتي من المؤكد بأنها  ستحسن من المسار الانتخابي. أتحدث هنا عن : تمويل الانتخابات ـ الآجال الانتخابية ـ تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات ـ إعادة تقطيع مدينة نواكشوط ـ تنظيم إحصاء إداري ذي طبيعة انتخابية ـ  اتخاذ إجراءات ردعية ضد شراء الذمم ـ منع التأثير على أصوات العمال والموظفين ـ  تعديل القانون الخاص بتعارض الوظائف ــ إلزام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية عند مخالفة القوانين المنظمة للانتخابات ـ  تفعيل المرصد الوطني لمراقبة الانتخابات ومنحه صلاحيات أوسع ...إلخ

بكلمة واحدة

لقد كان تشاور وزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية ناجحا، وتوصل إلى نتائج هامة جدا، وهذا مما يزيد من مستوى التفاؤل على أن الاستحقاقات القادمة ستكون أكثر مصداقية مما سبقها من استحقاقات انتخابية.  

 

حفظ الله موريتانيا...

الاثنين، 26 سبتمبر 2022

لماذا هذا التمييز الإعلامي والسياسي بين الضحايا؟


 لا خلاف على أن هناك "عنصرية تقليدية" في بلادنا، والحمد لله على أن هذه "العنصرية التقليدية" في تراجع، وأنها تجد دائما من يتحدث عنها إعلاميا وسياسيا بشكل واسع. في المقابل هناك نمط آخر من العنصرية ومن التمييز الإعلامي والسياسي بين الضحايا مسكوت عنه، وذلك على الرغم من أنه بدأ يتسع في السنوات الأخيرة، وكسرا لجدار الصمت هذا فقد ارتأيت أن أغامر بالكتابة عن هذا النمط من التمييز السلبي المسكوت عنه، وسأستعرض في هذا المقال أمثلة ومقارنات أرجو أن تساهم في لفت الانتباه إليه.

 عندما يتم التمييز سياسيا وإعلاميا بين دماء الموريتانيين

دعونا في هذه الفقرة من المقال نجري مقارنة سريعة بخصوص التداول الإعلامي وردود أفعال الأحزاب السياسية على حادثتي قتل بالخطأ ارتكبهما عنصران من جيشنا الوطني في العامين 2019 و2020.

في يوم 16 مارس 2019 تسبب إطلاق نار من طرف جندي موريتاني في وفاة شيخ مسن (80 عاما) في مقاطعة "أنبيكت لحواش"، وفي يوم 28 مايو 2020 تسبب إطلاق نار من طرف جندي موريتاني آخر في وفاة شاب ثلاثيني في قرية "ويندنيك" التابعة لمقاطعة "أمبان".

من حيث التوقيت : فإن حادثة أمبان وقعت ليلا (الساعة التاسعة) وفي فترة حظر تجوال شامل بسبب جائحة كورونا، أما حادثة انبيكت لحواش فقد وقعت في وضح النهار وفي فترة لا يوجد فيها أي حظر تجوال.

من حيث الأجواء السياسية : فإن حادثة أنبيكت لحواش وقعت في فترة تجاذب وصدام قوي بين المعارضة والسلطة مما يعني أن المعارضة لن تترك فرصة يمكن أن تنتقد فيها السلطة إلا واستغلتها. أما حادثة أمبان فقد وقعت في فترة جائحة كورونا وفي ظل تهدئة سياسية غير مسبوقة بين المعارضة والسلطة، مما يعني أنه لن يكون من المنتظر أن تنتقد المعارضة السلطة إلا إذا كانت هناك استفزازات قوية من السلطة تستدعي ذلك.

في حادثة أمبان كان الأمر يتعلق بمطاردة مجموعة من المهربين، وفي حادثة انبيكت لحواش كان الأمر يتعلق بشيخ أعزل يبحث عن قطيع سائم.

عن ردود الفعل الإعلامية و السياسية على الحادثتين الأليمتين

في حادثة أنبيكت لحواش كانت التغطية الإعلامية ضعيفة جدا، ولم يصدر على الإطلاق ـ وأكرر على الإطلاق ـ  أي بيان من أي حزب سياسي معارض أو غير معارض يندد بالحادثة، ولذا فقد فمرت هذه الحادثة وكأن شيئا لم يكن، وفي حادثة أمبان كانت التغطية الإعلامية قوية، وأصدر عدد  من الأحزاب السياسية بيانات تنديد قوية، وكان من بين الأحزاب التي أصدرت بيانات بعد ساعات قليلة من نشر خبر عنها : تواصل؛ اتحاد قوى التقدم؛ التكتل؛ إيناد..

ولكم أن تسألوا بأي منطق تتم إدانة إطلاق جندي للرصاص ليلا على شاب كان رفقة مجموعة في زورق في فترة حظر تجوال، ولا تتم إدانة إطلاق جندي آخر للرصاص على شيخ في وضح النهار، كان يبحث عن قطيع سائم؟

هل تعقيدات الوثائق المؤمنة كانت موجهة بالفعل ضد مكونة معينة؟

في العام 2011  تم حرمان وزير داخلية سابق، ورئيس سابق لحزب حاكم، ينتمي إلى نفس المجموعة القبلية التي ينتمي إليها الرئيس السابق، تم حرمانه من أوراقه الثبوتية بحجة أن أمه مولودة في الخارج. لم تأخذ عملية الحرمان تلك بعدا عنصريا، ولم تجد أي اهتمام إعلامي وسياسي يذكر. في نفس الفترة تم حرمان مستشار سابق في بلدية ريفية من مكونة أخرى من أوراقه الثبوتية ولنفس السبب. هنا تم تداول عملية الحرمان إعلاميا بشكل واسع، وتم الحديث بشكل أوسع عن عنصرية الدولة.

استمر هذا التمييز الإعلامي والسياسي بين ضحايا تعقيدات الحالة المدنية لسنوات، وتشكلت على إثر ذلك حركة "لا تلمس جنسيتي"، وترسخت في أذهان أغلب المواطنين ـ إن لم أقل كل المواطنين ـ مغالطة مفادها أن ضحايا الحالة المدنية هم من مكونة واحدة. والآن اسمحوا لي أن أسألكم هذا السؤال :  ما هي الولاية التي يوجد بها أكبر عدد من المحرومين من أوراقهم الثبوتية؟ لا شك أنكم ستجيبون بشكل تلقائي بأنها ولاية "كوركول" أو "كيدي ماغا".

الآن إليكم هذه الحقيقة التي ستفاجئكم: توصلت اللجنة التي تم تشكيلها لدراسة المشاكل المتعلقة بالوثائق المؤمنة، وهي اللجنة التي يترأسها الوزير السابق  السيد "تام جمبار" إلى أن عدد الذين لم يحصلوا في الحوض الشرقي على وثائقهم المدنية نتيجة للتعقيدات التي تضعها وكالة سجل الوثائق المؤمنة يفوق عدد الذين تم حرمانهم من وثائقهم بسبب نفس التعقيدات في ولايتي لبراكنة و كوركول!!

عن تسييس عمليات السرقة

قبل عامين من الآن تعرض منزل السيد "صمبا تام" لمحاولة ـ وأقول محاولة ـ سرقة عادية كانت آثارها عادية جدا، وأضرارها شبه معدومة، حسب ما نُشر عنها في ذلك الوقت من صور. محاولة السرقة هذه، والتي لا تختلف عن عشرات محاولات وعمليات السرقة التي تحدث يوميا في العاصمة نواكشوط تم التعامل معها إعلاميا وسياسيا بشكل مختلف، وتم إعطاؤها بعدا عنصريا، ووصفت المحاولة في بيانات سياسية على أنها  "عمل تخويف وتهديد للرئيس صمبا تام". بعد تلك الحادثة بيومين، وتحديدا في يوم الاثنين الموافق 13 يوليو 2020 أصدر " تحالف سياسي" بيانا شديد اللهجة دعا فيه إلى تسريع البحث عن المعتدين على منزل الرئيس "صمبا تام"...المفارقة أن محاولة السرقة تلك تزامنت مع عمليات سرقة فعلية ـ  وليست محاولات ـ  تعرض لها نائبان معارضان (نائب سابق ونائب حالي)، و لكن لا أحد منهما رغم معارضته فكر في تسييس عملية السرقة، أو إعطائها أي بعد آخر يمكن أن يخرجها من دائرة عمليات السرقة التي تحدث يوميا في العاصمة نواكشوط.

التمييز بين نائبين

في مطلع شهر مارس 2021 ، وعلى هامش برنامج إذاعي وتلفزيوني، تحدث النائب عبد السلام ولد حرمة عن القضاء، وقد اعتبر أن في حديثه ذلك إساءة للقضاء الموريتاني. من المعروف أن النائب عبد السلام والنائب بيرام ولد الداه أعبيد وصلا إلى البرلمان من نفس الحزب، ومن المعروف كذلك أن حجم إساءات بيرام للقضاء تضاعف مئات المرات (من حيث التكرار وحدة الإساءة) إساءة يتيمة لعبد السلام ولد حرمه للقضاء قال فيها بأنه لا بد من إصلاح القضاء من قبل المطالبة باستقلاله، وأنه لا أحد اليوم راض عن القضاء الموريتاني وعن وضعيته.

والآن لنطرح السؤال : لماذا سكت نادي القضاة ورابطة القضاة المهنيين عن إساءات بيرام المتكررة، وهددا بتحريك دعوى ضد النائب ولد حرمه على "إساءته" اليتيمة للقضاء؟

ألا تطرح هذه الازدواجية في تعامل القضاء مع نائبين من نفس الحزب أكثر من سؤال؟

لقد تمت في النهاية تسوية هذه القضية وديا، ولكن تبقى الصرامة في التعامل مع إساءة يتيمة لنائب مقابل التساهل مع الكثير من الإساءات لنائب آخر يطرح أكثر من سؤال، ويعكس جانبا مما نحاول أن نلفت إليه الانتباه في هذا المقال.

عن حادثة "أفام لخذيرات"

إن هذا التمييز الإعلامي والسياسي والحقوقي بين الضحايا هو الذي جعل البعض يتعاطف مؤخرا مع أشخاص اعتدوا في وضح النهار على مواطن، فضربوه، وتم توثيق ذلك بالصوت والصورة، فبأي منطق يتعاطف البعض مع المُعْتدين على حساب المعتَدى عليه؟

هذه عشر نقاط مختصرة جدا كنت قد نشرتها في تدوينة سابقة على حسابي على الفيسبوك تعليقا على حادثة أفام لخذيرات.

1 ـ أُذَكِّر بأن الفيديو الذي تم نشره بعد أربعة أيام من الحادثة قد وثق بالصوت والصورة تصرفا همجيا من طرف بعض نشطاء إيرا ضد المُعْتدى عليه (إسحاق ولد عبد الله)؛

2 ـ ما لم يتم توثيقه في الفيديو المذكور كان أكثر همجية، والدليل على ذلك ما جاء في تسجيل صوتي متداول قال فيه أحد نشطاء إيرا إن الضحية وابنه تم ضربهما كما تضرب الحمير، وأنه يأسف على أن تلك المشاهد لم يتم تصويرها وتوثيقها وبثها؛

3 ـ يحسب للمُعتدى عليه، وقد تم الاعتداء عليه في قريته أنه لم يرد بالمثل، وأنه لم يستنفر ذويه، وإنما لجأ إلى العدالة فقدم شكوى من المعتدين، وهذا أقل ما يمكن أن يُقال عنه إنه تصرف حضري نبيل؛

4 ـ بعد 18 يوما من الحادثة، و14 يوما من نشر الفيديو تقدم المُعْتَدى عليه بشكوى من المعتدين. يلاحظ أن السلطات الأمنية لم تقم بأي ردة فعل إلا بعد تقديم الشكوى.

5 ـ كانت هذه المدة الطويلة التي سبقت الشكوى (18 يوما) كافية لتقديم اعتذار للمعتدى عليه من طرف السيد بيرام، وكان ذلك سيكفي لطي الملف نهائيا، فنحن في هذه البلاد نقبل بالاعتذار عندما يقتل سائق مواطنا في حادث سير، فكيف لا يُقبل اعتذار في حادثة ضرب على هامش نشاط سياسي؟

6 ـ خلال الثمانية عشر يوما عقد السيد بيرام مؤتمرات صحفية وكانت له عدة إطلالات، ولكنه بدلا من أن يعتذر فقد اختار أن يبرر عملية الاعتداء وأن يدافع عنها، وأن يواصل تهجمه اللفظي على الآخرين؛

7 ـ لم نَطَّلع خلال هذه المدة الطويلة على منشور واحد للمتعاطفين بالمقلوب حاليا مع نشطاء إيرا، لم نطلع على منشور واحد لهم ينتقد نشطاء إيرا على تصرفهم الهمجي، أو يدعو السيد بيرام لأن يعتذر نيابة عن المعتدين؛

8 ـ دعونا نتصور أن العكس هو الذي حصل وأن النشاط كان ينظمه سياسي آخر في فام لخذيرات، وأن أحد نشطاء إيرا في قرية أفام لخذيرات حاجج منظم ذلك النشاط بنفس الطريقة التي حاجج بها إسحاق السيد بيرام، وتصوروا أن بعض داعمي منظم ذلك النشاط قام بضرب ناشط إيرا بنفس الطريقة التي ضُرب بها إسحاق، وأن عملية الضرب تم تصويرها ونشرها، فهل كان المتضامنون حاليا مع نشطاء إيرا سيسكتون، أم أنهم كانوا سيُكثفون من النشر عن العنصرية وعن همجية المعتدين؟

9 ـ هناك أحداث عديدة، وقد استعرضتها في (هذا المقال) تُبين أنه أصبح لدى البعض ازدواجية في التعامل مع الضحايا، فبعض الضحايا لا يستحق تعاطفا، والبعض الآخر يجد من التعاطف الإعلامي والسياسي الشيء الكثير.

10- أظن أن هذه الازدواجية قد أصبحت مكشوفة، وأنه على أصحابها أن يراجعوا مواقفهم.

حفظ الله موريتانيا..

الجمعة، 23 سبتمبر 2022

من الثقافة إلى التنمية!


شهدت العديد من مدننا وقرانا مهرجانات ثقافية خلال موسم الخريف لهذا العام، ولا أظن أنني أبالغ إن أطلقتُ على خريف هذا العام، خريف المهرجانات الثقافية.

لا أحد يمكنه التشكيك في أهمية تلك المهرجانات الثقافية، وإن كانت لي من ملاحظة سلبية في هذا المجال، فهي ستقتصر فقط على أهمية تطوير المحتوى الثقافي لتلك المهرجانات، وذلك من خلال ابتداع أنشطة ثقافية جديدة، والتوقف عن تكرار نفس "الأنشطة الثقافية التقليدية" مع كل مهرجان ثقافي جديد.

لا يمكن التقليل من أهمية هذه المهرجانات الثقافية، ولكن ألم يحن الوقت للتفكير ـ وبالإضافة إلى تلك المهرجانات الثقافية ـ في تنظيم مهرجانات تنموية داخل ولايات الوطن؟

لقد تعودنا في هذه البلاد على أن نَقتصر المهرجانات على المهرجانات الثقافية، وأن نقتصر أنشطة تلك المهرجانات الثقافية على أنشطة ثقافية محددة وتقليدية نظل نكررها مع كل مهرجان. كما أننا تعودنا أيضا في هذه البلاد على أن نقتصر الحوارات على الحوارات السياسية دون غيرها.

ألم يحن الوقت لتوسيع مهرجاناتنا، حتى تشمل التنمية مع الثقافة؟

ألم يحن الوقت لتوسيع حواراتنا، حتى تشمل التنمية مع السياسة؟

ألسنا في هذه البلاد بحاجة ماسة في ظل تزايد الأزمات والحروب والأوبئة في العالم لأن نفكر قليلا في التنمية؟

ألسنا بحاجة إلى أن نجعل من العام 2023 عام الحوارات والمهرجانات التنموية؟

كم أتمنى أن ينظم في العام 2023 العديد من الحوارات و المهرجانات التنموية، وأن يكون لكل ولاية مهرجانها التنموي، وأن تكون عدوى المهرجانات التنموية في العام 2023 أسرع وأكثر تفشيا من عدوى المهرجانات الثقافية في العام 2022.

أشير هنا إلى أني لا أقصد بالمهرجانات التنموية أن يتم استبدال كلمة الثقافة بالتنمية في تلك المهرجانات، وينتهي الأمر عند ذلك، ودون أن يكون هناك أي تغيير في نوعية الأنشطة. كما أشير إلى أني لا أريد أن يتم تمييع كلمة "التنمية" في هذه المهرجانات، كما مُيعت من قبل ذلك أختها (كلمة الثقافة) في المهرجانات الثقافية.

ما أتمناه حقا هو أن تشهد بلادنا في العام القادم حوارات ومهرجانات تنموية حقيقية، وأن تركز كل ولاية أو كل مدينة على ميزاتها التنموية، وأن تستدعي كل ولاية لذلك المهرجان أصحاب التخصصات والاهتمامات التنموية من أبنائها، سواء كانوا في داخل الوطن أو خارجه، وأن يتم تنظيم حلقات تفكيرية جادة للنهوض تنمويا بتلك الولاية أو المدينة في المجال التنموي الذي تمتلك فيه مقدرات وإمكانيات أكبر.

وما أتمناه حقا هو أن تعقب تلك المهرجانات التنموية مشاريع تنموية على الأرض يشارك الجميع في تسييرها وتطويرها، والجميع أقصد بها هنا أبناء المدينة والقطاعات الحكومية المعنية.

تلكم كانت مجرد أمنيات صباحية، ولكن من يدري، فربما تبدأ تلك الأمنيات في التحقق خلال العام القادم.

 

 حفظ الله موريتانيا... 

من الثقافة إلى التنمية!

شهدت العديد من مدننا وقرانا مهرجانات ثقافية خلال موسم الخريف لهذا العام، ولا أظن أنني أبالغ إن أطلقتُ على خريف هذا العام، خريف المهرجانات الثقافية.

لا أحد يمكنه التشكيك في أهمية تلك المهرجانات الثقافية، وإن كانت لي من ملاحظة سلبية في هذا المجال، فهي ستقتصر فقط على أهمية تطوير المحتوى الثقافي لتلك المهرجانات، وذلك من خلال ابتداع أنشطة ثقافية جديدة، والتوقف عن تكرار نفس "الأنشطة الثقافية التقليدية" مع كل مهرجان ثقافي جديد.

لا يمكن التقليل من أهمية هذه المهرجانات الثقافية، ولكن ألم يحن الوقت للتفكير ـ وبالإضافة إلى تلك المهرجانات الثقافية ـ في تنظيم مهرجانات تنموية داخل ولايات الوطن؟

لقد تعودنا في هذه البلاد على أن نَقتصر المهرجانات على المهرجانات الثقافية، وأن نقتصر أنشطة تلك المهرجانات الثقافية على أنشطة ثقافية محددة وتقليدية نظل نكررها مع كل مهرجان. كما أننا تعودنا أيضا في هذه البلاد على أن نقتصر الحوارات على الحوارات السياسية دون غيرها.

ألم يحن الوقت لتوسيع مهرجاناتنا، حتى تشمل التنمية مع الثقافة؟

ألم يحن الوقت لتوسيع حواراتنا، حتى تشمل التنمية مع السياسة؟

ألسنا في هذه البلاد بحاجة ماسة في ظل تزايد الأزمات والحروب والأوبئة في العالم لأن نفكر قليلا في التنمية؟

ألسنا بحاجة إلى أن نجعل من العام 2024 عام الحوارات والمهرجانات التنموية؟

كم أتمنى أن ينظم في العام 2024 العديد من الحوارات و المهرجانات التنموية، وأن يكون لكل ولاية مهرجانها التنموي، وأن تكون عدوى المهرجانات التنموية في العام 2024 أسرع وأكثر تفشيا من عدوى المهرجانات الثقافية في العام 2023.

أشير هنا إلى أني لا أقصد بالمهرجانات التنموية أن يتم استبدال كلمة الثقافة بالتنمية في تلك المهرجانات، وينتهي الأمر عند ذلك، ودون أن يكون هناك أي تغيير في نوعية الأنشطة. كما أشير إلى أني لا أريد أن يتم تمييع كلمة "التنمية" في هذه المهرجانات، كما مُيعت من قبل ذلك أختها (كلمة الثقافة) في المهرجانات الثقافية.

ما أتمناه حقا هو أن تشهد بلادنا في العام القادم حوارات ومهرجانات تنموية حقيقية، وأن تركز كل ولاية أو كل مدينة على ميزاتها التنموية، وأن تستدعي كل ولاية لذلك المهرجان أصحاب التخصصات والاهتمامات التنموية من أبنائها، سواء كانوا في داخل الوطن أو خارجه، وأن يتم تنظيم حلقات تفكيرية جادة للنهوض تنمويا بتلك الولاية أو المدينة في المجال التنموي الذي تمتلك فيه مقدرات وإمكانيات أكبر.

وما أتمناه حقا هو أن تعقب تلك المهرجانات التنموية مشاريع تنموية على الأرض يشارك الجميع في تسييرها وتطويرها، والجميع أقصد بها هنا أبناء المدينة والقطاعات الحكومية المعنية.

تلكم كانت مجرد أمنيات صباحية، ولكن من يدري، فربما تبدأ تلك الأمنيات في التحقق خلال العام القادم.

 حفظ الله موريتانيا... 


الاثنين، 19 سبتمبر 2022

إلى لجنة إصلاح حزب الإنصاف

صادق المكتب التنفيذي لحزب الإنصاف في منتصف شهر أغسطس الماضي على تشكيل لجنة لإصلاح الحزب وإعادة تأسيسه. لا شك أن هذه اللجنة ستكون أمامها مهام عديدة ومعقدة، وكمساهمة من خارج الحزب في نجاح مهام هذه اللجنة فقد ارتأيتُ أن أتقدم إلى هذه اللجنة بمقترح يتعلق بنقطة واحدة تتمثل في المهام التي يجب أن توكل للفريق البرلماني للحزب، وعلاقة الفريق بالحكومة. في اعتقادي الشخصي أن مهام الفريق البرلماني لحزب الإنصاف يجب أن يُعاد النظر فيها بشكل عميق، وفاء للمواطن الذي صوت ـ أو الذي سيصوت ـ لنواب الحزب، وانسجاما مع مصلحة النظام، وضمانا لنجاح الحزب في أن  يشكل ذراعا سياسيا وإعلاميا قويا وقادرا على تسويق إنجازات النظام.

 

هناك أسئلة يجب طرحها تمهيدا لتقديم هذا المقترح:

هل من الأولى بالنائب في حزب الإنصاف أن يدافع في البرلمان عن الحكومة أم عن المواطن في حالة ما إذا كان هناك بعض التقصير الملاحظ في العمل الحكومي؟

هل إذا تجاهل كل نواب حزب الإنصاف "تقصيرا ما" في عمل الحكومة، فهل سيعني ذلك أن ذلك التقصير سيبقى محجوبا عن المواطن، وأن بقية النواب ـ وخاصة نواب المعارضة ـ سيتجاهلون ذلك التقصير، أم أنهم سيسارعون في كشفه وربما المبالغة في تضخيمه؟

لقد استفاد نواب المعارضة إعلاميا وسياسيا من تجاهل نواب الأغلبية للتقصير في الأداء الحكومي، بل والدفاع في الكثير من الأحيان عن ذلك التقصير ومحاولة تبريره. هذا التجاهل أعطى الفرصة لنواب المعارضة أن يظهروا دائما في مظهر المدافع عن المواطن في البرلمان، وأن يتحدثوا عن هموم المواطن، وفي كثير من الأحيان لا يكون حديث نواب المعارضة عن التقصير في الأداء الحكومي من أجل تصحيح ذلك التقصير، وإنما من أجل إظهار عجز الحكومة وتعرية النظام الحاكم، وهذا حق سياسي للمعارضة عليها أن تستغله، ولا يمكن أن تلام إن هي استغلته. ما اردتُ أن الفت الانتباه إليه هنا هو أن هناك فرقا كبيرا بين الحديث عن خلل ما في العمل الحكومي من أجل تصحيحه (وهذا ما كان يجب على نواب حزب الإنصاف أن يقوموا به)، والحديث عن ذلك الخلل من أجل كشف العجز الحكومي وتعرية النظام وتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية، وهذا ما يقوم به العديد من نواب المعارضة. لا يعني هذا الكلام أن كل نواب المعارضة لا يتحدثون عن التقصير في الأداء الحكومي من أجل تصحيحه، فهناك نواب في المعارضة يتحدثون عن ذلك الخلل من أجل تصحيحه، ويسعون بالفعل إلى ذلك، ولكن في المقابل هناك نواب آخرون في المعارضة يتحدثون عن ذلك الخلل لا من أجل تصحيحه، وإنما فقط من أجل كسب نقاط سياسية وإعلامية.

على لجنة الإصلاح في حزب الإنصاف أن تدرك أن أساليب العمل التقليدي للأحزاب الحاكمة التي كانت تصلح للعقود الماضية لم تعد تصلح في زماننا هذا، ولذا فقد أصبح من الضروري إحداث تغييرات جوهرية في أساليب عمل الحزب، وخصوصا في أساليب عمل فريقه البرلماني.

وعلى لجنة إصلاح الحزب أن تدرك أنه لا توجد حكومة في هذا العالم بلا أخطاء، وبلا أوجه تقصير، ويتأكد الأمر بالنسبة للحكومات في الدول الفقيرة كما هو الحال بالنسبة لبلدنا.

إن التقصير في الأداء الحكومي موجود تلك حقيقة لا يمكن إنكارها، والحديث عن ذلك التقصير لن يتوقف لا داخل البرلمان ولا خارجه وتلك حقيقة ثانية لا يمكن تجاهلها. فما دام التقصير موجودا، وما دام الحديث عنه لن يتوقف بأي حال من الأحوال، فلماذا لا يأخذ نواب الفريق البرلماني لحزب الإنصاف زمام المبادرة ويتحدثون عن ذلك التقصير لا من أجل إظهار ضعف الأداء الحكومي كما يفعل بعض نواب المعارضة، وإنما من أجل تصحيح أوجه ذلك التقصير، وهناك فرق كبير بين أن تتحدث عن خلل ما من أجل تصحيحه، وأن تتحدث عن ذلك الخلل من أجل كشف عيوب المسؤول عنه، وإظهار عجزه للرأي العام.

إن الفريق البرلماني لحزب الإنصاف ( وما ينطبق على هذا الفريق ينطبق على كل الفرق البرلمانية المحسوبة على الأغلبية) بحاجة إلى أن يغير أسلوبه في التعامل مع الحكومة داخل البرلمان، وأن يعتمد على فلسفة جديدة في التعامل معها تقوم على المرتكزات التالية:

1 ـ أن الفريق البرلماني لحزب الإنصاف أولى من غيره بكشف أوجه التقصير في الأداء الحكومي والحديث عن ذلك التقصير بالطرق والأساليب التي يمكن أن تساهم في معالجة ذلك التقصير، وهو إن ترك ذلك الدور، فإنه سيعطي فرصة ثمينة لنواب المعارضة للحديث عن ذلك التقصير، وربما المبالغة في الحديث عنه سعيا لتسجيل المزيد من المكاسب السياسية والإعلامية؛

2  ـ إن الحديث عن أوجه التقصير في الأداء الحكومي، والبحث عن حلول لذلك التقصير ستمنح نواب حزب الإنصاف مصداقية لدى المواطن هم في أمس الحاجة إليها؛

3 ـ إن تحقيق تلك المصداقية هو ما سيمكن نواب الفريق من تسويق إنجازات الحكومة للمواطن، وكثيرا ما يفشل نواب الفريق ـ بل الأغلبية كلها ـ في تسويق تلك الإنجازات.

ليس من الإنصاف ـ وهذا ما على نواب حزب الإنصاف أن يتذكروه دائما ـ  أن يُطلب من مواطن صوت على نائب في انتخابات 2018، ولم يسمعه خلال مأمورية تقترب من أن تكتمل يتحدث ـ ولو لمرة واحدة ـ عن تقصير في عمل هذا الوزير أو ذاك. ليس من الإنصاف أن يطلب من ذلك المواطن أن يصدق ذلك النائب عند حديثه عن أداء والحكومة وإنجازات النظام.

على حزب الإنصاف في عمومه، وعلى فريقه البرلماني بشكل خاص أن يعلم بأنه لم يعد من الممكن تسويق الإنجازات للمواطنين من طرف نواب لا توجد في صحيفة أي واحدة منهم مداخلة واحدة تتحدث عن تقصير في عمل هذا الوزير أو ذاك على طول مأمورية تقترب من أن تكتمل.

إن تسويق الإنجازات والدفاع عن النظام يحتاج إلى المصداقية، والمصداقية لا يمكن أن يحصل عليها من يكرر على مسامع المواطنين بالغدو والآصال أن الحكومة لم ترتكب خطأ واحدا منذ تشكيلها، وحتى الآن.

إن هذا النوع من النواب الذي يتحدث بهذه الطريقة المبتذلة، والتي لم تعد في زماننا هذا تقنع أحدا، لا يشكل فقط عبئا ثقيلا على الأنظمة الحاكمة، بل إنه زيادة على ذلك يشكل خطرا كبيرا على أرصدة تلك الأنظمة، وذلك لأنه يسحب من تلك الأرصدة ودون أن يضيف لها شيئا. 

 حفظ الله موريتانيا... 

الأربعاء، 7 سبتمبر 2022

كفى مخاطرة بحياة الركاب!


بدءا لابد من القول بأن التفريط في حياة شخص واحد هو أمرٌ غير مقبول إطلاقا، ولابد من القول كذلك بأن الحملات التوعوية التي تسعى لإنفاذ الأنفس لا يُقبل منها أن تتساهل في كل ما من شأنه أن ينقذ نفسا بشرية حتى ولو كانت واحدة، قال جل من قائل ((وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) صدق الله العظيم.

تلك حقيقة لا جدال فيها، ومع ذلك، ولأسباب لا يتسع المقام لبسطها، فقد نضطر في الحملة للتركيز على المخاطر التي يتعرض لها عدد أكبر من الناس بدلا من التركيز على المخاطر التي يتعرض لها عدد أقل من الناس.

إن الاهتمام بتوعية سائقي سيارات النقل هو أولى من الاهتمام بتوعية سائقي السيارات الخاصة، وذلك نظرا لأن سائقي النقل يكثرون من الأسفار أولا، ولأنهم ثانيا مسؤولون عن حياة عدد أكبر من الركاب. ثم إن سائقي سيارات النقل يتمايزون فيما بينهم، فسائق سيارة نقل صغيرة يأتي من حيث الأولوية في درجة ثانية بعد سائق حافلة كبيرة تحمل عشرات الركاب، ذلك أن الحادث الذي تتعرض له حافلة كبيرة تحمل عشرات الركاب يكون من حيث الكلفة البشرية ـ وبلغة الاحتمالات ـ  أكثر خطورة من حادث تتعرض له سيارة نقل صغيرة تحمل أقل من عشرة ركاب، والحادث الذي تتعرض له سيارة نقل صغيرة من هذا النوع يكون أكبر كلفة بشرية من  حادث تتعرض له سيارة خاصة تحمل شخصين أو ثلاثة.

إن الفرق في حجم المخاطر من حيث الكلفة البشرية هو الذي جعلنا في حملة "معا للحد من حوادث السير" نركز على سائقي سيارات النقل، وخاصة منهم سائقو سيارات حافلات النقل، وبالأخص سائقي حافلات شركة "سونيف" ، وذلك لأن حافلات هذه الشركة تحمل في العادة عددا أكبر من الركاب مقارنة بما تحمل حافلات أي شركة نقل أخرى.

منذ انطلاق حملتنا في العام 2016، ونحن نراسل الوزراء الذين توالوا على وزارة التجهيز والنقل، ونطالبهم بضرورة فرض وضع أجهزة تثبيت السرعة في حافلات شركات النقل، وكان أول نرد نحصل عليه بهذا الخصوص في يوم 03 يناير 2019، وقد جاء في رسالة جوابية تحمل الرقم (0000004 ) موقعة من طرف المدير العام للنقل البري، وقد جاء فيها : " ردا على رسالتكم المبينة أعلاه، والمتعلقة بتحديد السرعة القصوى لحافلات نقل الأشخاص بين المدن، يطيب لي أن أحيطكم علما أن قطاعنا بادر باجتماع عقدته سلطة تنظيم النقل الطرقي مع جميع شركات نقل الأشخاص، وذلك من أجل إلزام جميع شركات النقل بوضع جهاز يمنع تجاوز سرعة الحافلة السرعة القصوى المحددة في قانون السير، والتي هي 90 كلم للساعة بالنسبة للحافلات الأقل من 15 شخصا، و70 كلم للساعة بالنسبة للحافلات التي تتجاوز سعتها 35 شخصا."

لقد استبشرنا خيرا بهذا الرد، ولكن بعد مرور أكثر من عامين ونصف، فما زال الحال على حاله، وما زالت حافلات النقل تتسبب في الكثير من الحوادث ذات الكلفة البشرية الكبيرة  نتيجة لتهور السائقين وإفراطهم في السرعة.

وإذا كانت وزارة التجهيز والنقل لا تريد فرض مثبتات السرعة على حافلات شركات النقل لأسباب نجهلها في الحملة، فإن هناك حلا آخر أصبح متاحا من الناحية التقنية، ويتمثل هذا الحل في وضع شريحة ذكية في كل حافلة ترسل رسائل نصية قصيرة إلى العديد من الهواتف في حالة تجاوز الحافلة للسرعة المحددة سلفا (أشير إلى أن هذا الحل قد طبق بشكل عملي أمام وزير سابق للتجهيز والنقل).. هذا النوع من البرامج التقنية متوفر حاليا، ويمكن الاستفادة منه ليس فقط في مراقبة سرعة حافلات النقل، وإرسال رسالة نصية إلى كل نقاط التفتيش في حالة تجاوز أي حافلة للسرعة المحددة سلفا، وهو ما سيساهم بشكل مباشر في الحد من حوادث السير المميتة التي تتسبب فيها تلك الحافلات، بل زيادة على ذلك، فإن هذا البرنامج سيتيح الفرصة للجهات الإدارية والأمنية المعنية لمراقبة حركة الحافلات بشكل آني وفوري  ودقيق، ولا تخفى أهمية ذلك على المستويين : الأمني والجبائي.

إن مما يؤسف له أن الإدارة عندنا ما زالت لديها مشاكل حقيقية مع الحلول التقنية رغم أهميتها وفعاليتها، وهذا هو بالضبط ما أدى إلى تأخر إطلاق "تطبيق سلامتك"، والذي كنا في الحملة قد وعدنا بإطلاقه في وقت سابق، سعيا منا لتوفير كل المعلومات التي يحتاجها سالكو طرقنا الوطنية عن وضعية الطرق، وذلك عبر تطبيقات بسيطة يمكن تحميلها على الهواتف بسهولة.

نرجو أن يتغير أسلوب تعامل وزارة التجهيز والنقل وكل الإدارات والمؤسسات الأمنية ذات الصلة بالسلامة الطرقية، أن يتغير أسلوبها في التعامل مع الحلول التقنية التي من شأنها أن تساهم في تعزيز السلامة الطرقية في بلادنا.

نرجو ذلك ...   

        

حفظ الله موريتانيا...

الجمعة، 2 سبتمبر 2022

هؤلاء هم الأكثر خطورة على الأنظمة الحاكمة!


من النادر جدا أن يتم الحديث عن المخاطر التي تتعرض لها الأنظمة الحاكمة من داخلها، وجرت العادة أن ينحصر الحديث عن تهديد المعارضة كلما كان هناك حديث عن المخاطر التي تهدد الأنظمة الحاكمة، وفي ذلك خطأ كبير لأن التجارب أثبتت في الماضي ـ وما تزال تثبت في الحاضر ـ أن من أشد المخاطر التي تهدد الأنظمة الحاكمة هي تلك المخاطر التي تأتي من داخلها.

وإذا ما تحدثنا بشكل مجمل وعام عن الأنظمة الحاكمة، فيمكن القول بأن من يهددون الأنظمة الحاكمة من داخلها يمكن تتبعهم وتحديدهم من خلال الصفات أو المواصفات التالية:

1 ـ كبار الموظفين الذين لا يؤدون المهام الموكلة إليهم، ويتهربون من واجبهم الوظيفي،  ولكنهم ـ وللتغطية على فشلهم في أداء واجبهم ـ يبالغون كثيرا في إظهار الولاء الزائف للرئيس.

2 ـ الموظفون الذين يضعون مصلحتهم الخاصة فوق مصلحة النظام والمصلحة العليا للبلد، ويمكن التعرف على هذا النوع من الموظفين من خلال ثلاثة مؤشرات:

أ ـ أغلب عمليات التعيين والاكتتاب التي يقومون بها في قطاعاتهم لا تخدم القطاع، وإنما تخدم مصالحهم الخاصة، ولذا فهي تكون لصالح الأهل والأقارب والأحلاف الضيقة بعيدا عن البحث عن الأكفأ والأجدر؛

ب ـ توجيه الصفقات في القطاع إلى الأهل والأقارب والأحلاف الضيقة بعيدا عن الشفافية والإجراءات الطبيعية للصفقات؛

ج ـ الإنفاق بكرم على تلميع أنفسهم وقطاعاتهم دون الاهتمام بتلميع النظام في مجمله، وفي كثير من الأحيان تجد مثل هؤلاء ينفقون على مدونين وصحفيين ينتقدون بشدة النظام الحاكم أو بعض أركانه، ولكنهم في المقابل يبالغون في الدعاية لهذا الصنف من الموظفين الذي ينفق عليهم، والذي يهتم فقط بتلميع وتسويق نفسه،  أما تسويق النظام والدعاية له فلا تعنيه في شيء؛

3 ـ الموظفون الذين ينخرطون بقوة في الأحلاف أو اللوبيات المتصارعة داخل الأنظمة الحاكمة، والذين يجعلون في كثير من الأحيان خصوماتهم مع بعضهم البعض فوق خصوماتهم مع معارضة تلك الأنظمة أو مع أي جهة أخرى يمكن أن تعادي تلك الأنظمة؛

4 ـ الموظفون الذين لا يملكون الكفاءة والأهلية لتأدية المهام الموكلة إليهم، هذا النوع من الموظفين يشكل خطرا مستديما على النظام الحاكم، حتى وإن كان صادق الولاء وشديد الإخلاص للنظام؛

5 ـ الموظفون الذين لا يستطيعون أن يضيفوا رصيدا من الإنجازات إلى رصيد الحكومة، أو السياسيون الذين لا يستطيعون أن يضيفوا رصيدا سياسيا للنظام، وإنما يقتاتون فقط من رصيد الرئيس ويسحبون منه باستمرار ودون أي إضافة؛

6 ـ الموظفون الذين يتغنون علنا بشعارات النظام (كتقريب خدمات الإدارة من المواطن مثلا)، ويقومون ببعض الأعمال المسرحية لتأكيد أنهم يقربون خدمات الإدارة من المواطنين، ولكنهم عند أي اختبار جدي يظهر زيف ادعائهم ذلك، وينكشف مدى احتقارهم للمواطنين.

7 ـ الأقارب الذين يستغلون النفوذ لظلم المواطنين أو للحصول على امتيازات خاصة لا يخولها لهم القانون؛

8 ـ الموظفون العاجزون تماما عن اتخاذ زمام المبادرة وإعداد التصورات والخطط، ويكتفون فقط بالتفرج في زمن الكوارث والأزمات؛

9 ـ الموظفون العاجزون عن متابعة أداء العاملين في قطاعاتهم، والعاجزون كذلك عن إيصال مشاكل المواطنين وتقديم النصح الصادق لمن هو أعلى منهم وظيفة ورتبة؛

10 ـ الموظفون العاجزون ـ لأي سبب كان ـ عن تقديم أداء ميداني ملموس في قطاعاتهم، فمثل هؤلاء يشكلون خطرا على النظام الحاكم، حتى ولو شُهِدَ لهم بصدق الولاء والابتعاد عن المال العام. في بعض الأحيان قد يكون الموظف المفسد الذي يمتلك قدرة كبيرة على الأداء، أفضل للنظام من الموظف الذي لا يعتدي على المال العام، ولكنه في الوقت نفسه مكبل الأيادي وعاجز ـ كل العجز ـ عن تسيير قطاعه. 

11 ـ الموظفون المفسدون الذين ينحصر اهتمامهم في البحث عن أسرع الطرق لنهب المال العام، هؤلاء وضعتهم في أسفل اللائحة ليس لقلة خطورتهم على الأنظمة الحاكمة، فهؤلاء هم الأشد خطرا على الأنظمة الحاكمة، ولن يقلل من خطورتهم إن تم وضعهم في أسفل اللائحة.

خلاصة القول

إن كل موظف يحمل صفة أو مجموعة من الصفات المبينة أعلاه يشكل خطرا على النظام الحاكم، وكل ما زاد عدد من يحملون هذه الصفات في أي نظام كلما زادت المخاطر التي تهدد ذلك النظام، وكلما تناقص عدد هؤلاء في أي نظام، كلما كان ذلك مؤشرا قويا على قوة النظام، وعلى قدرته على الصمود في وجه الأزمات والكوارث التي باتت تهدد الكثير من بلدان العالم. 

حفظ الله موريتانيا...