الجمعة، 23 يوليو 2021

أين المجلس الأعلى للفتوى والمظالم؟

 


(1)

لقد أصيب المواطن الموريتاني خلال الأيام الماضية بارتباك شديد بسبب تعدد الفتاوى وتناقضها في بعض الأحيان، وكان من اللافت للانتباه في ظل تدفق الفتاوى الذي عشناه خلال الأيام الماضية أن الغائب الوحيد عن إصدار فتوى في القضايا التي أثارت جدلا كبيرا بين علمائنا الأجلاء خلال الأيام الماضية كان هو الهيئة الوحيدة المخولة دستوريا لإصدار الفتاوى!

تقول المادة 94 من الدستور الموريتاني في فقرتها الثالثة: "يكلف المجلس الأعلى للفتوى والمظالم بإصدار الفتاوى، أي الآراء الفقهية، طبقا لتعاليم المذهب المالكي."  

فلماذا غاب المجلس الأعلى للفتوى والمظالم ولماذا لم يصدر فتاوى في القضايا التي أثارت جدلا كبيرا خلال الأيام الماضية؟ ولماذا عندما تحتاج السلطة إلى فتوى لتعطيل صلاة العيد أو صلاة الجمعة بسبب تفشي وباء كورونا تلجأ إلى هيئة كبار العلماء الموريتانيين، وهي  مجرد منظمة مجتمع مدني رغم القيمة الرمزية الكبيرة لأعضائها، ولا تلجأ إلى المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، والذي هو مؤسسة دستورية يفترض أنها متخصصة في إصدار الفتاوى؟ ولماذا يحمل أحد علمائنا الأجلاء صفة "مفتي عام الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، حتى لدى رابطة العالم الإسلامي، وهو ليس عضوا في المجلس الأعلى للفتوى والمظالم؟

لقد أثبتت الأيام الماضية بأننا بحاجة ماسة إلى ضبط الفتاوى وإلى تنظيمها، فإذا كان المجلس الأعلى للفتوى والمظالم له القدرة العلمية على إصدار الفتاوى فلتترك له هذه المهمة التي حددها لها الدستور، وبذلك تكون هناك جهة رسمية واحدة هي التي تتولى إصدار الفتاوى، وإذا لم تكن له القدرة على ذلك، وكانت هناك إمكانية لخلق تلك القدرة، فليتم تعزيز قدراته الإفتائية بكبار علماء البلد. أما إذا كان عاجزا بشكل كامل عن تأدية هذه المهمة، فليتم إلغاؤه وتوجيه ميزانيته إلى هيئات أو مؤسسات أخرى تؤدي خدمات ملموسة للمواطن الموريتاني.

يبقى أن أقول من قبل أن أختم هذه الفقرة المتعلقة بالفتوى بأن العبادات المرتبطة بالأهلة هي من أهم مصادر تعدد الفتاوى وتناقضها في أيامنا هذه، ولذا فقد وجب إعادة النظر في تشكيل لجنة الأهلة، وفي أساليب عملها، حتى تكون قادرة على وقف هذا الجدل الذي يتجدد دائما مع تحديد أول أيام شهر رمضان من كل عام، وكذلك عند تحديد أيام الأعياد : عيد الفطر، وعيد الأضحى.

ولتجنب تكرار هذا الجدل المتجدد دائما حول رؤية الهلال، فقد يكون من المهم العمل على:

ـ تعزيز اللجنة بالقدرات البشرية التي تحتاجها من أهل الخبرة والاختصاص؛

ـ تمديد وقت استقبال الاتصال باللجنة حتى منتصف الليل، ومثل ذلك الوقت سيكون كافيا في ظل توفر الهواتف لإبلاغ أي رؤية للجنة لمن أراد الإبلاغ عن رؤيته؛

ـ إطلاق حملات واسعة من طرف وزارة التوجيه الإسلامي تستهدف كل المساجد والمحاظر على عموم التراب الوطني تبين ضرورة المسارعة في الإبلاغ عن أي رؤية، وخطورة الحديث العلني عن أي رؤية  بعد تجاوز الوقت المحدد للإبلاغ عنها؛

ـ  التأكيد على ضرورة التزام الجميع بما يصدر عن اللجنة في بياناتها بعد الأخذ بكل التحريات اللازمة، ذلك أن مخالفة اللجنة قد تؤدي إلى شق الصفوف وإرباك عامة المسلمين في هذه البلاد.

(2)

في الفقرة السابقة تحدثنا عن إحدى المهام الدستورية للمجلس الأعلى للفتوى والمظالم، وهي المهمة المتعلقة بإصدار الفتاوى. سنتحدث في هذه الفقرة عن بقية المهام الأخرى.

تقول الفقرة الرابعة من نفس المادة، أي المادة 94 من الدستور الموريتاني، بأن المجلس الأعلى للفتوى والمظالم : "يستقبل مطالبات المواطنين المتعلقة بخصومات عالقة، وذلك في إطار علاقاتهم مع إدارات الدولة، والمجموعات العمومية الإقليمية والمؤسسات العمومية أو أية هيئة تضطلع بمهمة المرفق العمومي."

ويقول المرسوم رقم 134/2012 المنشئ للمجلس والصادر بتاريخ 24 مايو 2012، أن من بين مهامه:

ـ استقبال تظلمات المواطنين المتعلقة بتعاملهم مع الإدارة.

- دراسة التظلمات المقدمة إلى المجلس والتحقيق فيها.

ـ الاتصال المباشر بالقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المعنية بالتظلمات المرفوعة إلى المجلس، والعمل على إيجاد التسوية النهائية وفقا للعدل والإنصاف.

وبطبيعة الحال فإن هذه المهام قد تم توسيعها بعد التعديلات الدستورية الأخيرة ( 05 أغسطس 2017)،  والتي تم بموجبها دمج وسيط الجمهورية والمجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الأعلى الفتوى والمظالم في هيئة واحدة حملت اسم المجلس الأعلى للفتوى والمظالم.

أذكر أني كنتُ قد كتبتُ في وقت سابق عن وسيط الجمهورية وعن المجلس الإسلامي الأعلى، وأذكر أني قمتُ بعملية بحث واسعة عن أنشطة وسيط الجمهورية في موقع الوكالة الموريتانية للأنباء فوجدتُ أن أنشطته منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وحتى التعديلات الدستورية في العام 2017 كانت تقتصر فقط على حضور حفل رفع العلم الوطني مع كل ذكرى استقلال، والمشاركة في مؤتمرات "جمعية الأمبوديسمان والوسطاء لدول البحر الأبيض المتوسط". أما المجلس الإسلامي الأعلى فأظنه قد قدم استشارة واحدة لرئاسة الجمهورية منذ تأسيسه وحتى إلغائه في العام 2017.

يبدو أن المجلس الأعلى للفتوى والمظالم بنسختيه القديمة والجديدة يسير في نفس الاتجاه، أي الغياب الكامل عن تأدية أي مهام أو خدمات تذكر.

لا يختلف المجلس الأعلى للفتوى والمظالم عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولا عن المجلس الأعلى للشباب، ولا عن بقية المجالس الأخرى. هذه مجرد مجالس تنفق عليه في كل عام ميزانيات كبيرة، ودون أن تؤدي أي مهام تذكر، ولذا فقد أصبح من الضروري تفعيل هذه المجالس حتى تؤدي المهام الموكلة إليها أو إلغائها في حالة استمرار عجزها، وتوجيه الميزانيات التي كانت مخصصة لها إلى ما ينفع المواطنين، ويمكث في الأرض.

ــــ

الصورة من العام 2011، ومن قبل تأسيس مجلس أعلى للفتوى والمظالم، وهي عبارة عن رسالة مفتوحة في لافتة، وقد تم رفعها أمام القصر الرئاسي في ذلك الوقت.

حفظ الله موريتانيا..

 

 

الثلاثاء، 20 يوليو 2021

معا ضد "كوفيد"

"إننا نمر في هذه الأيام بفترة حساسة جدا وحاسمة جدا، فإما أن نتمكن من التصدي للفيروس ونمنع من انتشاره، فنسلم بذلك من الخطر، وإما أن نتراخى ونتهاون في التصدي له، الشيء الذي قد يؤدي لا قدر الله إلى تفشي هذا الفيروس في بلادنا. ومن المعروف بأن هذا الفيروس قد وضع بلدانا قوية ذات إمكانيات هائلة في حالة شلل تام وعجز كبير، فكيف سيكون الحال بالنسبة لبلد كبلدنا: موارده محدودة جدا، وبنيته الصحية ضعيفة جدا، وعقلية مواطنيه معيقة تماما؟"

كانت هذه فقرة من مقال نشرته يوم 19 مارس 2020 ضمن سلسة من المقالات كنتُ قد نشرتها تحت عنوان "معا للتوعية ضد كورونا"، وكنا في تلك الفترة قد أطلقنا ـ ونحن مجموعة من سبع منظمات نشطة ـ حملة للتوعية ضد كورونا، تحت العنوان نفسه، وكانت تلك هي أول حملة تنظم أنشطة ميدانية في البلد للتوعية ضد كورونا.

اليوم نمر بفترة لا تقل خطورة عن بداية ظهور الفيروس ببلادنا، إن لم تكن أخطر، وذلك بعد أن سُجلت عدة حالات من النسخة المتحورة (دلتا)، والتي تعتبر حتى الآن هي النسخة الأكثر سرعة في الانتشار والأكثر فتكا.

ظهور هذه النسخة المتحورة في بلادنا والخوف من موجة ثالثة جعل الحكومة تطلق يوما تحسيسيا سيكون بداية لحملة تحسيسية متواصلة ضد الفيروس تحت شعار "معا ضد كوفيد"، وكمساهمة في هذا الجهد التحسيسي، فهذه بعض الملاحظات التي قد يساعد الأخذ بها عدم تكرار نفس الأخطاء التي كنا قد عرفناها خلال الحملات التحسيسية السابقة.

1 ـ إن التوعية والتحسيس ليست من مهام الحكومات، وخاصة الوزراء والولاة والحكام، وإنما هي من مهام المجتمع المدني بمفهومه الواسع (أحزاب سياسية؛ منظمات مجتمع مدني؛ نقابات عمالية، نوادي ومنتديات شبابية؛ شخصيات مؤثرة في المجتمع كالعلماء والمشاهير في مجالات الثقافة والفن والرياضة ..إلخ).

2 ـ على الحكومة في حملتها التحسيسية هذه أن تتعامل مع منظمات المجتمع المدني النشطة والموجودة على أرض الواقع، فكثيرا ما كان يتم التعامل مع منظمات ورقية لا وجود لها على أرض الواقع، وذلك في وقت يتم فيه إقصاء المنظمات النشطة ميدانية. الشيء الذي يؤدي في المحصلة النهائية إلى فشل الحملة التحسيسية. لدي أمثلة كثيرة تؤكد حصول ذلك، ومنها أن أول سبع منظمات نزلت إلى الميدان للتوعية ضد كورونا لم تستفد من أي شيء، حتى المطويات والمناشير الإرشادية والكمامات حُرمت منها.

3ـ على الناشطين الجمعويين أن يعلموا بأن حملات التوعية والتحسيس ليست مناسبة لجمع المال، وإنما هي أنشطة تطوعية أو هكذا يفترض أن تكون، ولذا فيجب أن لا ينظر إليها من طرف القائمين عليها على أنها مصدر من مصادر تحصيل الأموال...صحيح أن أي حملة توعوية تحتاج إلى مال وإلى وسائل وتجهيزات لتوصيل رسائلها التوعوية إلى أوسع جمهور، ولذا فلا مشكلة في أخذ مال أو تجهيزات من جهات حكومية أو من مؤسسات عمومية أو خصوصية، ولكن هناك فرق كبير بين من نزل إلى الميدان وهو يشعر بأن الواجب الديني والوطني يفرض عليه أن يشارك في التوعية ضد كورونا، ومن نزل إليه سعيا لجمع المال.

4 ـ علينا في هذه الحملة التحسيسية أن نبتعد جميعا ـ وبشكل كامل  ـ عن الأنشطة الفولكلورية التي تثير السخرية، ومن تلك الأنشطة يمكن أن نذكر عمليات توزيع "لمغاسل" على المواطنين. ثم إن تأجير السيارات التي تحمل مكبرات صوت، قد يكون أفضل منه، وأقل كلفة، استخدام مكبرات الصوت الموجودة في المساجد لإبلاغ الرسائل التوعوية إلى المواطنين أينما كانوا، فلله الحمد، فلا يوجد اليوم أي تجمع سكاني إلا وبه مسجد، وفي الغالب يكون ذلك المسجد مزودا بمكبر صوت.

5 ـ يبقى دور الإعلام هو الأهم في أي حملة تحسيسية، وخاصة منه الإعلام الجديد، ولذا فيجب التركيز عليه، ولقد أحسن  وزير الثقافة، الناطق باسم الحكومة، عندما دعا الإعلام بشقيه للمشاركة الفاعلة في التحسيس ضد كورونا.

6 ـ إن الخطاب التحسيسي والتوعوي يجب أن يشمل كل الإجراءات الاحترازية، فيذكر بها المواطنين، ولكنه يجب أن يركز في هذه الفترة على التطعيم، خاصة وأن هناك نقصا كبيرا لدى المواطنين في المعلومات المتعلقة باللقاح، كما أن هناك شائعات ومعلومات كاذبة يتم تداولها بشكل واسع، وإن لم تتم مواجهتها بالمعلومات الصحيحة فسيبقى عزوف المواطنين عن التلقيح قائما.

أقترح في هذا المجال أن تتضمن النقطة الصحية للوزارة بعض المعلومات عن اللقاح، وأن يتم تقديم المزيد من المعلومات عنه مع كل نقطة صحفية جديدة، كما اقترح إنتاج فيديوهات قصيرة وبثها عبر التلفزة الرسمية والقنوات الحرة والمنصات الأكثر متابعة تتضمن معلومات مختصرة عن اللقاح ترد على ما يتم تداوله  من شائعات عن اللقاح  بين المواطنين.

حفظ الله موريتانيا..


الاثنين، 12 يوليو 2021

التحدي الأمني وآليات مواجهته


عودتنا النخب السياسية والإعلامية في هذه البلاد على أن لا تفكر ولا تكتب ولا تتحدث إلا في إطار ردود الأفعال، ولذا فقد توقف الحديث ـ وبشكل شبه كامل ـ عن الجريمة في أيامنا هذه، وذلك بعد أن كان الحديث عنها هو الشغل الشاغل للجميع خلال الأيام والأسابيع الماضية، والتي كانت قد شهدت ـ وللأسف الشديد ـ  بعض الجرائم الصادمة التي هزت المجتمع بأكمله.

هكذا جرت العادة عندنا في هذه البلاد: نتحدث عن الجريمة بشكل واسع عندما تقع جريمة صادمة ثم ننسى الموضوع نهائيا في انتظار حدوث جريمة أخرى.. نتحدث عن حوادث السير عندما يقع حادث سير بشع ثم ننسى الموضوع نهائيا في انتظار حادث سير آخر، وهكذا...

من المؤكد بأننا خلال الأسابيع القادمة، ومع موسم تهاطل الأمطار، سنتذكر من جديد عدم وجود صرف صحي في العاصمة نواكشوط، وسترتفع الأصوات مطالبة بوضع آليات للتدخل السريع لصالح المدن والقرى التي قد تتضرر من الأمطار والسيول..ستتجدد تلك الأحاديث في موسم الخريف القادم، ولكننا سننسى من جديد هذه المواضيع خلال فصلي الشتاء والصيف القادمين، ولن نتذكرها إلا مع  موسم خريف جديد.

هكذا عودتنا نخبنا السياسية والإعلامية على أنها لا تفكر ولا تتحدث ولا تكتب إلا في إطار ردود الأفعال، ولذا فقد كان من الطبيعي جدا أن تنسى هذه النخب ملف الجريمة في أيامنا هذه، والتي أنعم الله علينا فيها بعدم تسجيل جريمة صادمة تهز المجتمع، وتستنفر الرأي العام.

نعم لقد مرت بنا ـ ولله الحمد ـ  أيام هادئة بعد أيام صعبة شهدت جرائم صادمة في مقاطعة "توجنين" ومدينة "نواذيبو".

صحيح أن الأجهزة الأمنية قامت في الأيام الأخيرة بعمل جيد، قد يكون هو الذي ساعد في هذا الهدوء الذي نعيشه في أيامنا هذه ولله الحمد، ولكن هذا الهدوء قد لا يستمر طويلا، فحدوث جريمة صادمة سيبقى متوقعا في كل حين.

بالفعل لقد قامت الأجهزة الأمنية بعمل جيد خلال الأيام والأسابيع الماضية، ويظهر ذلك العمل الجيد من خلال احتجاز ومصادرة كميات كبيرة من المخدرات وتوقيف بعض مصنعيها وموزعيها ومروجيها، ومن المعروف بأن متعاطي المخدرات من القصر والشباب هم من يقف وراء أغلب الجرائم البشعة التي يتم تسجيلها في البلاد. كما أن من مظاهر هذا العمل الجيد إطلاق الشرطة الوطنية لصفحة نشطة على الفيسبوك تنشر أولا بأول كل الجرائم التي يتم تسجيلها، ولقد ساهمت هذه الصفحة في الحد من الشائعات ومن عمليات النفخ والتضخيم التي كانت تُصاحب كل جريمة تقع.

إن أفضل وأنجع طريقة لمواجهة الشائعات تتمثل في المسارعة في نشر المعلومة الصحيحة من طرف الجهات الرسمية المختصة، وهذا ما تأكد في مجال الشائعات المتعلقة بالجرائم بعد أن أصبحت للشرطة الوطنية صفحة نشطة على الفيسبوك تسارع في نشر أخبار الجرائم، كما تأكد من قبل ذلك في مجال الإصابات بكوفيدـ 19، والتي شهدت هي أيضا الكثير من الشائعات  مع بداية ظهور كورونا، ولم تتوقف تلك الشائعات إلا بعد أن قررت وزارة الصحة تنظيم مؤتمر صحفي يقدم يوميا حصيلة الإصابات.

ذلك قوسٌ كان لابد من فتحه لتأكيد أهمية نشر المعلومات الصحيحة من طرف الجهات الرسمية المعنية للمساهمة في الحد من الشائعات في مجتمع كمجتمعنا ميَّال بطبعه إلى تصديق الشائعات وترويجها بشكل واسع.

لنغلق الآن القوس المتعلق بالشائعات وآليات الحد منها، ولنعد إلى أهمية مناقشة الملفات والقضايا الشائكة من طرف أهل الاختصاص في الأوقات الهادئة، فنقاش تلك القضايا من طرف أهل الاختصاص في مثل تلك الأوقات سيكون بكل تأكيد مفيدا، وسيكون مظنة للخروج بأفكار ومقترحات أكثر جدية وأقرب إلى الموضوعية.

وفي هذا الإطار فقد نظمنا في "جمعية خطوة للتنمية الذاتية" في يوم السبت الموافق 10 يوليو 2021 بالعاصمة نواكشوط جلسة نقاشية تحت عنوان " التحدي الأمني وآليات مواجهته".

الجلسة حضرها أساتذة جامعيون ونشطاء جمعويون وخبراء وباحثون في مجال الأمن والقضاء والقانون والإعلام. المشاركون في الجلسة تقدموا بجملة من المقترحات والتوصيات كان من أبرزها:

ـ خلق آلية اجتماعية لإشراك المواطن في الحفاظ على الأمن؛

ـ فرض إلزامية التعليم وإعادة الاعتبار للمدرسة، مع التكفل بأبناء الأسر ذات الدخل المحدود؛

ـ إنشاء مراكز خاصة بعلاج الإدمان؛

ـ إنشاء حاضنات ثقافية ورياضية للشباب؛

ـ التعامل الجاد مع كل أشكال الغبن والتهميش وكل مظاهر غياب العدالة؛

ـ ضرورة مشاركة المجتمع، وخصوصا نخبه، في مجال التوعية والتحسيس ضد الجريمة؛

ـ تحيين الترسانة القانونية، والعمل على تعزيز قدرات الكادر البشري في سلك القضاء وأعوانه؛

ـ تفعيل عمل المؤسسات الإصلاحية من أجل دمج الشباب ذوي السوابق الجنائية في الحياة النشطة؛  

ـ تفعيل التجنيد الإجباري والخدمة المدنية؛

ـ إنشاء مرصد للجريمة وتحسين آليات الإحصاء المتعلقة بالجريمة، وتمكين استفادة الباحثين منها؛

ـ تعزيز مراقبة الحدود، ومراجعة بعض حالات الدخول إلى البلاد دون تأشيرة؛

ـ إنشاء شرطة الجوار؛

ـ تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية وتشجيع التخصصات؛

ـ إنشاء معهد يعني بالطب الشرعي والأدلة الجنائية؛

ـ وقف تعطيل الأحكام القضائية والصرامة في تنفيذ تلك الأحكام؛

ـ إشراك مراكز البحث في إعداد السياسات الاستشرافية المتعلقة بالمصالح الحيوية للبلد.  

حفظ الله موريتانيا..

الاثنين، 5 يوليو 2021

لا حديث عن الجانب التنموي في زيارة الرئيس!


لا حديث عن الجانب التنموي في زيارة الرئيس لولاية الترارزة، ولا ذكر للمشاريع الهامة التي سيتم تدشينها خلال الزيارة، والتي من بينها:

ـ مشروع "الشيشية" الزراعي الذي ستستفيد منه مئات الأسر الفقيرة في بلدية "جدر المحكن"؛

ـ انطلاق مشروع كهربة الأراضي الزراعية بمقاطعة "كرمسين"؛

ـ إعطاء إشارة الانطلاق لبدء الأشغال في شبكة هامة للطرق في مدينة روصو؛

ـ  تدشين محطة كهربائية من أجل تأمين إمدادات الكهرباء لمحطة "بني نعجي" التي تزود مدينة نواكشوط بالمياه الصالحة للشرب. أهمية هذا التدشين الأخير سيدركها كل من يتذكر انقطاع الماء عن العاصمة نواكشوط، والذي استمر لعدة أيام من شهر سبتمبر من العام 2020، والذي كان بسبب انقطاع الكهرباء في شبكة "سد منتالي" التي تزود محطة "بني نعجي" بالكهرباء.

إنها مشاريع هامة لا تجد من يتحدث عنها الآن، وقد لا تجد من يتحدث عنها مستقبلا، والسبب في ذلك واضح وبين. فالأطر والوجهاء ورجال الأعمال والساسة الذين توافدوا  على ولاية الترارزة بحجة المساهمة في إنجاح زيارة الرئيس منشغلون هذه الأيام بعرض صورهم وبنشر أخبار عن "جهودهم الجبارة" التي يقومون بها في الحشد والاستضافة. ومن المؤكد بأنهم سيتنافسون بعد زيارة الرئيس في نشر المزيد من الصور والأخبار عن "الجهود الجبارة" التي قاموا بها في سبيل إنجاح الزيارة.

لقد أصبح من الواضح أن توافد الأطر والوجهاء والساسة على ولاية الترارزة بحجة إنجاح زيارة الرئيس سيأتي بنتائج سلبية، وسيضر الزيارة أكثر مما ينفعها، وهذا ما جعلني أنشر مقالا في يوم الأربعاء الموافق 30 يونيو 2021 تحت عنوان " يا أطر الترارزة : لا تفشلوا زيارة الرئيس!".

لقد انشغل الأطر والوجهاء بالترويج لأنفسهم وأحلافهم السياسية، وانشغل متابعو الشأن العام بكشف الماضي القريب والبعيد وغير المشرف لأولئك الأطر والوجهاء، فذكروهم بأرشيفهم التطبيلي والتزلفي للرؤساء السابقين.

هكذا غاب الجانب الأهم في الزيارة أي الجانب التنموي، عن الإعلام وعن التداول اليومي، وذلك بسبب انشغال الأطر والوجهاء بتلميع أنفسهم، وانشغال متابعي الشأن العام بكشف الأرشيف غير المشرف لأولئك الأطر والوجهاء.

إن أهم ما كان يمكن أن يقدمه الذراع السياسي والإعلامي للرئيس يتمثل حسب وجهة نظري في أمرين أساسيين:

أولهما : إسماع صوت المواطنين وإيصال همومهم ومشاكلهم للرئيس؛

ثانيهما: تسويق إنجازات النظام ..في بعض الأحيان قد يكون الانطباع الذي يتولد لدى المواطنين أهم من حقائق الواقع، ولذا فإن أي إنجازات لم تسوق إعلاميا وسياسيا في عالم اليوم الذي أصبح يتحكم فيه الإعلام الجديد، ستبقى وكأنها إنجازات لم تتحقق.

لم يتمكن الذراع السياسي والإعلامي للنظام ـ حتى الآن ـ من تسويق إنجازات هامة تحققت في ظرفية صعبة، وها هو اليوم يضايق ساكنة الترارزة، ويعمل على حجب هموم تلك الساكنة عن الرئيس.

كنتٌ قد تابعتُ على قناة الموريتانية حلقة استضافت وزيرة الشؤون الاجتماعية والمندوب العام لتآزر، وكانت الحلقة مخصصة للمحور الاجتماعي من برنامج الرئيس. وقد تم الحديث عن إنجازات هامة تحققت لصالح الفئات الهشة في ظروف صعبة لم تأخذ حيزها في مجال التسويق السياسي و الإعلامي.

تزامن بث الحلقة مع بدء التحضير لزيارة الترارزة. ..وقد لفت انتباهي أن حماس بعض داعمي الرئيس في الظهور ضمن المستقبلين للرئيس يُقابله فتور أو عجز بين في تسويق منجزات الرئيس والدفاع عنها.

ما لفت انتباهي أكثر هو أن هذه الحلقة الهامة لم تجد تفاعلا يذكر في مواقع التواصل الاجتماعي والسبب في نظري هو القرار الغريب الذي اتخذه مدير قناة الموريتانية في وقت سابق، والذي منع بموجبه المنصات التي يتابعها مئات الآلاف من البث المباشر وغير المباشر لبرامج الموريتانية دون إذن مسبق من إدارتها.

في الماضي كانت منصات "الرؤية" و"بلوار ميديا" و"تواتر" وغيرها من المنصات الأكثر متابعة تتسابق لبث مثل هذه البرامج مما يسمح بمشاهدة تلك البرامج من طرف آلاف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الشيء الذي ينتج عنه تفاعلا قويا مع هذه البرامج في تلك المواقع.. اليوم لم يعد ذلك ممكنا بسبب قرار غريب اتخذته إدارة التلفزة في وقت سابق.

خلاصة القول : إن الذراع السياسي والإعلامي للنظام لا يؤدي الدور المنتظر منه ...ليس هذا فقط، بل إنه في بعض الأحيان قد يؤدي دورا سلبيا، وقد أصبح عبئا على الرئيس، وخير مثال على ذلك ما يجري الآن في ولاية الترارزة تحت عنوان "التحضير لزيارة الرئيس والعمل على إنجاحها"، والذي أدى في المحصلة النهائية إلى تحويل الزيارة من زيارة تنموية هامة إلى مناسبة للاستعراض السياسي المبتذل لأطر ووجهاء هذه الولاية.

كفى الله الرئيس "شر" أغلبيته..

حفظ الله موريتانيا... 

محمد الأمين ولد الفاضل

elvadel@gmail.com