الأحد، 8 سبتمبر 2024

نُطالب بإجراء خبرة مستقلة


لقد كنتُ من الذين تابعوا أولا بأول مسار الملف الذي فتحته منظمة الشفافية الشاملة من خلال تقرير نشرته على صفحتها على الفيسبوك، وعلق عليه  فيما بعد رئيسها محمد غدة، وقد تحدث هذا التقرير عن فساد كبير اتهمت به المنظمة تجمع شركات يضم شركة BIS-TP  المملوكة لرئيس أرباب العمل الموريتانيين السيد زين العابدين ولد الشيخ أحمد.


تابعت تقرير المنظمة وما صاحبه من ردود أفعال، كما حضرتُ أيضا لمؤتمر صحفي نظمته الشركة، وقد عرضت الشركة في مؤتمرها الصحفي أن تنظم رحلة ميدانية للمهتمين بالملف للاطلاع بشكل ميداني على العمل الذي قامت به بخصوص المشروع المذكور، وقد وافقتُ مبدئيا للانضمام لهذه الرحلة بشرط واحد، وهو أن تسمح لنا الشركة بتحديد مسار الرحلة ومدتها، وبدعوة من نعتقد بأنه قد يكون مفيدا لنا في جمع المعلومات الميدانية الضرورية.


لم تنظم الشركة الرحلة التي تعهدت بها، وحدث بعد ذلك ما حدث، فسُجن رئيس منظمة الشفافية الشاملة لفترة، وأطلق سراحه فيما بعد، وذلك بعد أن حكمت المحكمة بحكم تمهيدي بإجراء خبرة فنية، وعَيَّن رئيس الغرفة الجزائية خبيرين معتمدين ومنحهم شهرا كاملا، وكلفهم بإجراء معاينة بحضور الطرفين، وإجراء مقارنة بين المتعاقد عليه والمنجز فعلا، ودراسة الكلفة التقديرية لأجزاء المشروع ومقارنتها بكلفة ما تم إنجازه فعلا.


بعد ذلك طعنت النيابة في الحكم لدى الغرفة الجزائية بمحكمة الاستئناف فَرُفِض الطعن، ثم قام بعد ذلك المدعي العام بالطعن في الحكم من جديد أمام المحكمة العليا.


إن محاولة عرقلة إجراء خبرة فنية مستقلة يثير الكثير من الشكوك، والرأي العام المتابع لهذا الملف بحاجة اليوم إلى نتائج خبرة مستقلة تمكنه من معرفة الحقيقة، فإن كان الأمر يتعلق بافتراء ارتكبته منظمة الشفافية ورئيسها ضد شركة BIS-TP، كان من واجبنا جميعا أن نقف بقوة مع الشركة حتى تأخذ حقها كاملا حماية لسمعتها، وإن كان الأمر يتعلق بفساد حقيقي ارتكبته الشركة، طالبنا بمحاسبتها، واستعادة أموال الشعب الموريتاني التي نهبتها.


بكلمة واحدة، لابد من إجراء خبرة مستقلة، ولن نقبل بغير ذلك، فالخبرة المستقلة هي وحدها التي ستساعدنا في معرفة حقيقة هذا الملف.


ونحن بصفتنا متابعين ومهتمين بمحاربة الفساد، لن نقبل بتعطيل إجراء خبرة مستقلة، فإجراء هذه الخبرة هو الذي سيكشف حقيقة ما جرى، وهل الأمر يتعلق بافتراء للإساءة إلى سمعة الشركة، أم بفساد ارتكبته الشركة؟

----

الصورة على هامش المؤتمر الصحفي للشركة، ومن المصادفات أنه تجمعني علاقات صداقة مع الطرفين، وهي علاقات لن تؤثر على موقفي من هذا الملف، فأنا أريد الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، والحقيقة في هذا الملف طريقها واحد: إجراء خبرة فنية مستقلة.  

#نريد_خبرة

الأحد، 1 سبتمبر 2024

فوضى حركة السير .. هل من حلول؟


من يتأمل حركة السير صباحا أو مساءً في العاصمة نواكشوط، سيخرج باستنتاج صادم مفاده أن السائقين قد قرروا ـ عن بكرة أبيهم ـ  أن ينفذوا عملية انتحار جماعي، وذلك من خلال ارتكاب كل الأخطاء والتجاوزات التي يمكن أن تتخيلها أو لا تتخيلها في وقت واحد، فهذا سائق لم يتوقف عند الإشارة الحمراء، وذلك سائق لم ُيثَبِّتْ في حياته حزام الأمان ولو لمرة واحدة، وثالث يقود سيارته بسرعة جنونية، ورابع منشغل بالهاتف أثناء القيادة، وخامس يشير بضوء سيارته الخلفي أنه سيلف يمينا ولكنه يلف يسارا، وسادس يتوقف وسط الشارع في الوقت الذي يشاء وبالطريقة التي يشاء.

هذا هو في المجمل ما يحدث يوميا على أغلب شوارع وملتقيات طرق العاصمة نواكشوط، وإذا ما أردنا أن نتحدث في التفاصيل، فلا بأس بالتوقف عند بعض العناوين الفرعية.

مجانين ينظمون حركة السير

لعل من أبلغ الأدلة وأكثرها صدمة على ما نعيش من فوضى في حركة السير، هو أنه توجد في العاصمة نواكشوط ثلاثة ملتقيات طرق حيوية ينظم فيها حركة سير مجانين.

لقد بلغت فوضى حركة السير في بلادنا حدًّا أصبح فيه "عقلاء البلد ونخبه"، ومن يقود السيارات إذا ما استثنينا سائقي سيارات الأجرة هم نخب البلد، أصبحوا بحاجة إلى مجانين لينظموا لهم حركة السير في بعض ملتقيات الطرق الحيوية.

كرمٌ هنا وبخلٌ هناك

من المعروف أن الموريتاني هو بطبيعته شخص كريم، والشعب الموريتاني يعدُّ من أكرم الشعوب، ومع ذلك فإن هذا الشعب الكريم بفطرته بخيلٌ جدا في الشارع، ومن الصعب جدا أن يتكرم عليك موريتاني من نخبة المجتمع أو عامته بأن يعطيك الأسبقية في الطريق، حتى وإن كنتَ في أشد الحاجة لذلك، بل إن بعضنا قد يبخل بفتح الطريق لسيارة الإسعاف.

وحدهم الأجانب هم الذين يتكرمون بمنح الطريق وإعطاء الأولوية لمن يحتاجها، وذلك مع الاعتراف بأن الكثير من الأجانب أصابته عدوى فوضوية الموريتانيين في الشارع، وأصبح أكثر فوضوية من الموريتانيين، فمنهم من أصبح يتصرف على الشارع برعونة كبيرة تعبر عن مدى استخفافه بأهل هذا البلد الذي يقيم فيه.

ومن قبل أن أختم هذه الفقرة لابد أن أشير إلى جفاف المشاعر الذي يعاني منه السائق الموريتاني، فأنتَ عندما تشذُّ عن القاعدة، وتقرر أن تتكرم بفتح الطريق لصاحب سيارة، فإنه يبخل عليك في الغالب الأعم، بأن يرفع إليك يده شاكرا.

من يُهدر الساعات الطوال قد يحرص على الثواني!

الشعب الموريتاني قد يكون من الشعوب الأكثر إهدارا للوقت، ويكفي لتبيان ذلك، أن نُذَكِّر ب"جيمات" الشاي الثلاثة، والتي من بينها جِيمٌ تجعل من عملية إبطاء الشاي هدرا للوقت شرطا من شروط صحته.  الغريب في الأمر، أن هذا الشعب المعروف بإهداره للوقت قد تجد فيه من يُظهر حرصا مبالغا فيه لاستغلال الوقت، قد لا تجده في أي بقعة من العالم، وذلك لدرجة أنه لا يقبل بالتوقف ـ ولو لثانية واحدة ـ عند إشارة المرور في انتظار الضوء الأخضر.

البعض منا قد يُخاطر بحياته وبحياة غيره حتى لا يضيع ثانية واحدة يتبدل فيه لون إشارة المرور، ومن يشاهد ذلك الحرص المبالغ فيه لاستغلال ثانية واحدة عند ملتقيات الطرق، قد يطرح السؤال : ما الذي جعل ذلك الشخص يُخاطر بحياته لكسب ثانية واحدة عند إشارة الضوء؟

لا بأس، سأتكرم عليكم بالجواب : ربما يكون مستعجلا لأنه في طريقه إلى جلسة شاي سيهدر فيها الساعات الطوال من وقته!

لمن ملكية الشارع؟

كثيرٌ من سالكي الطرق يتعامل مع الشارع، وكأنه ملكية خاصة به، ولذا فهو قد يتوقف في وسطه في الوقت الذي يشاء وبالطريقة التي يشاء ليتبادل أطراف الحديث مع شخص يعرفه، التقى به صدفة على الشارع، وربما يتوقف ليشتري بضاعة، أو ليحمل راكبا، أو لأي سبب آخر كان.

وعندما يستفزك هذا التصرف الغريب، فتطلب ممن مارسه أن يفتح لك الطريق، قد يلتفت إليك غاضبا، ويقول لك : هل الشارع شارعك، وكأنه شارعه هو الذي ورثه عن آبائه وأجداده، والذي يمتلك عليه وثيقة تؤكد ملكيته!

يا هذا، الشارع ليس لي ولا لك، وهو ملكية عامة للجميع، ولكل واحد منا الحق في استخدامه واستغلاله بشكل سليم، ولكن لا يحق لأي منا أن يستخدمه بشكل غير سليم.

 الواعظ الصغير

 تتعرض الشوارع لعمليات اعتداء من طرف جهات عديدة، فشركات الاتصال والماء والكهرباء والبلديات وغيرها، كل واحدة من هذه الجهات قد تأتي إلى شارع ما فتحفر فيه حفرة لتنفيذ بعض الأشغال، ثم تترك تلك الخفرة دون أي ترميم.

عمليات الاعتداء على الشوارع يشارك فيه المواطنون، فأصحاب المنازل المحاذية للشوارع قد يقتطعون منها قطعة فيحولونها إلى ملكية خاصة تضرب فيها خيمة، أو يشيد فيها خزان ماء، أو تجعل حظيرة للماعز.

ويبقى أصحاب المتاجر والباعة الصغار والمتسولون هم الأكثر اعتداءً على الشوارع، وأذكر أننا في حملة "معا للحد من حوادث السير" نظمنا زيارة ميدانية لحادث سير وقع في تفرغ زينة (عملية دهس)، توفي فيها شاب صغير كان يبيع بطاقات الرصيد والسجائر، وكان يستخدم كيسا خشبيا صغيرا وكرسيا كمحل بيع على الشارع.

بعد الحادث بيومين زرنا للمرة الثانية نفس المكان، فوجدنا الأخ الأصغر للشاب المتوفي يستخدم نفس المحل لبيع بطاقات الرصيد والسجائر، فطلبنا منه أن يبتعد قليلا عن الشارع حتى لا تتكرر معه المأساة التي حدثت مع أخيه الأكبر، فامتنع، وقال لنا بأن الأعمار بيد الله، وأن ما حدث مع أخيه كان قدرا مكتوبا. لقد تلقينا يومها موعظة من واعظ صغير يبيع بطاقات الرصيد والسجائر على قارعة الطريق.

خسائر مادية ومشاكل نفسية

قد تذهب إلى عملك في الصباح الباكر، فتصل إليه بعد تأخر طويل، بسبب اختناق مروري ناتج عن ممارسات خاطئة لسالكي الطريق، وقد يكبدك هذا التأخر أو يكبد الجهة التي تعمل معها خسائر كبيرة، ولا تتوقف الخسائر على الجانب المادي فقط.

فأنت قد تذهب إلى عملك بفائض من حماس، وفي حالة نفسية جيدة، ولكنك لا تصل إليه إلا وقد أصبحت في حالة نفسية سيئة جدا، بسبب ما تلاقي على الشارع من مسلكيات مستفزة، فهذا سائق قد يسد الطريق أمامك دون مبرر، وذاك قد يصدمك بسيارته، وثالث قد يسبك دون سبب وجيه، وهكذا يستمر الحال معك على طول الطريق إلى ان تستنفد أخرة ذرة من فائض الحماس الذي كان لديك، وذلك من قبل وصولك إلى مكان العمل.

خذها قاعدة لقياس مستوى الصبر: من لديه القدرة على أن يتجول في شوارع العاصمة نواكشوط ليوم كامل دون أن يغضب لمرة واحدة، فهذا يعني أنه يمتلك صبرا استثنائيا يحسد عليه.

يا هذا ..إنك تخدع نفسك.

من غرائب مجتمعنا أنك قد تجد فينا من تعلم في أرقى الجامعات العالمية، وعاد إلى بلده بحمْل كبير من الشهادات، ومع ذلك تجده عندما يسافر ويقترب من نقطة تفتيش للدرك أو الشرطة يمدُّ يده لحزام الأمان الذي لم يستخدمه من قبل، ويثبته قليلا، وعندما يتجاوز نقطة التفتيش يتخلص منه بسرعة، وقد بدت على وجهه ملامح نشوة الانتصار، وذلك لشعوره الزائف بأنه خدع عناصر نقطة التفتيش بتثبيته المؤقت لحزام الأمان، متجاهلا بأنه لم يخدع إلا نفسه، وأنه عندما يقع حادث سير لا قدر الله،  فإن الذي سيتضرر هو، لا عناصر الأمن الذين يعتقد أنه خدعهم بحركته الغبية تلك.

الكثير من السائقين، ولكي يتخلص من "الصوت المزعج" الذي تطلقه بعض السيارات الحديثة عندما لا يتم تثبيت أحزمة الأمان، يلجأ إلى اقتناء قطع حديدية صغيرة تستخدم لإسكات الصوت الذي تطلقه السيارات الحديثة عندما لا تُثَبت أحزمة الأمان.

الرابح هو من يرتكب المزيد من الأخطاء

إن الذين يربحون الوقت على شوارعنا، هم أولئك الذين يرتكبون الأخطاء، فعندما يقع اختناق مروري، فإن الذين يخرجون أولا من ذلك الاختناق هم أولئك الذين تسببوا فيه بكثرة أخطائهم، ثم يليهم بعض السائقين الذين لم يتسببوا في الاختناق، ولكنهم قلدوا من سبقهم في ممارسة نفس الأخطاء ليخرجوا من الزحام، ولأن هؤلاء لا يجدون من يعاقبهم، فيبقى العاضون بالنواجذ على قوانين السير في مؤخرة الركب، وهم آخر من يخرج من الزحام.

ولهذا فكثيرا ما يتخلى البعض عن قوانين السير، سعيا للخروج من الزحمة، وذلك عندما يرى بأن من يتخلى عن قوانين السير أولا، هو من يخرج أولا من الزحمة.

هل من حلول؟

رغم كل هذه الفوضى التي نعيشها اليوم على شوارعنا، فإن الحلول موجودة وسهلة، وهي تتمثل في التطبيق الصارم لقوانين السير، ولعل البشرى التي يمكن أن نقدمها هنا بعد كل التشاؤم أعلاه، هي أن المجتمع الموريتاني مجتمع سهل الانقياد، فهو مجتمع فوضوي بدرجة لا يمكن أن تُتخيل إذا كانت الفوضى هي من تحكم الشوارع، وهو قد يتخلى عن تلك الفوضى في أي لحظة عندما يشعر بأن هناك صرامة وجدية في تطبيق القانون، وأنه لا تراجع عن ذلك، وأن الكل يتساوى في العقوبة، سائق سيارة الأجرة وسائق السيارة الفاخرة التي يملكها الوزير أو الجنرال أو رجل الأعمال.

قد لا يصدق بعضكم أن المجتمع الموريتاني سهل الانقياد إلى النظام وإلى تطبيق القانون، عندما يتضح له أنه لا مفر من ذلك، فمن لا يصدق ذلك، فإليه هذا الدليل.

في العام 2010 كانت شوارع العاصمة نواكشوط، وكعادتها دائما، من قبل ومن بعد،  تعيش فوضى في حركة السير، وكان هناك استثناء واحد، عند ملتقى الطرق الموجود بجنب "نادي الضباط".

كان السائق في العاصمة نواكشوط ـ وخاصة سائق سيارة الأجرة ـ يقود سيارته بفوضويته المعهودة، ولكن عندما يصل إلى ملتقى نادي الضباط يتحول إلى سائق من نوع آخر، يتصرف بشكل حضري، وذلك لأنه كان يدرك بأن الشرطي الموجود هناك (الشيخ صار رحمه الله) لا يقبل تحت أي ظرف أي رشوة، ويتساوى عنده سائق السيارة الفاخرة وسائق السيارة المتهالكة، وكان يؤدي عمله بحيوية وحماس، وكانت الابتسامة لا تفارقه، حتى من بعد قضاء عدة ساعات تحت الشمس وهو ينظم حركة السير في أحد ملتقيات طرق العاصمة.

كان السائقون يلتزمون بقوانين السير عندما يصلون إلى ملتقى نادي الضباط، وذلك لأنهم يدركون ـ تمام الإدراك ـ  بأن القانون سيطبق بشكل صارم على الجميع ودون أي تمييز، وكانوا يعودون إلى فوضويتهم التي جبلوا عليها، عندما يتجاوزون ملتقى طرق نادي الضباط.

رحم الله الشيخ صار، فما أحوجنا إليه في هذه الأيام. لقد منحناه في العام 2010 وساما شعبيا، وذلك بعد أن قضينا معه يوما تحت الشمس عند ملتقى نادي الضباط تشجيعا له،  وقد انضم إلينا فيما بعد في حملة معا للحد من حوادث السير بعد تقاعده، وكان عضوا شرفيا فيها، وكنا على صلة به إلى أن توفي بعد معاناة من المرض في يوم الخامس من نوفمبر من العام 2022 .

هل ستنجح حملة فك الاختناق المروري؟

إن تكرار نفس الأساليب قد يؤدي إلى نفس النتائج، وذلك مما لا يبشر على الحملة،  ولعل من الأخطاء التي ارتكبت في هذه الحملة أن أساليب التحسيس بها لم تتغير، فقد تمت إعادة نفس أساليب التحسيس التي كانت تُستخدم سابقا، مجموعة من الموظفين الرسميين تنظم لهم التلفزة أو الإذاعة مقابلات يتحدثون فيها بنفس الطريقة التي كان يتحدث بها أسلافهم في أواخر القرن الماضي.

فمن الملاحظ أن التحسيس بالحملة غائب تماما في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت هي الأكثر تأثيرا، فالإعلام الرسمي لم يعد له أي تأثير يذكر رغم ما يبتلع سنويا من ميزانيات ضخمة.

ومن جهة تحسيسية أخرى، فإني لا أدري إن كانت النقابات المهنية للسائقين قد أشركت في هذه الحملة، ولا أدري كذلك إن كان المجتمع المدني بصفة عامة قد أشرك فيها ام لا؟ المؤكد عندي الآن هو أننا في حملة معا للحد من حوادث السير لم نُشعر من أي جهة بهذه الحملة، ولم يطلب منا أن نشارك فيها.

في بعض الأحيان، وفي مثل هذه الحالات، قد تُشرك منظمات وجمعيات حقائب لا وجود لها على أرض الواقع، وذلك نظرا لعلاقة أصحابها بهذا المسؤول أو ذاك، وقد عودتنا وزارة التجهيز والنقل على مثل ذلك في السنوات الأخيرة.

ومهما يكن من أمر، فهذه الحملة ستبقى حملة مهمة جدا، ويجب أن تنجح بعد الإعلان عن انطلاقها، وبغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبت أثناء التحضير.

إن هذه الحملة التي ستنطلق بعد أقل من ساعتين،  يجب أن تتواصل وتستمر حتى تنجح، ولا شيء أخطر من الاستمرار في التغاضي عن هذه الفوضوية التي نعيشها في الشوارع، لا شيء أخطر من ذلك، إلا أن تطلق حملة للحد من تلك الفوضوية ثم تتوقف في منتصف الطريق من قبل الوصول إلى نتائج حاسمة.

هذه الحملة ستشكل أول امتحان جدي للحكومة الحالية، وهي يجب أن لا تتوقف، ومهما كانت كلفتها على المواطنين، وستكون لها ـ وبكل تأكيد ـ  كلفة كبيرة على المواطنين، فتوقفها في منتصف الطريق سيعقد هذا الملف مستقبلا، وسيجعل حله أكثر صعوبة، فمثل هذه الحملات التي لا تستمر يكون ضررها أكبر من نفعها، وذلك لأنها ستشجع سالكي الطرق على المزيد من الفوضى في الشوارع، وستؤكد لهم بأن الحكومة غير جادة في وقف هذه الفوضى.

إننا في حملة "معا للحد من حوادث السير" نشجع حملة الحد من الاختناق المروري رغم عدم إشراكنا فيها بصفتنا منظمة مجتمع مدني فاعلة في المجال، ونعلن بهذه المناسبة بأننا لن ندخر أي جهد توعوي وتحسيسي في سبيل إنجاحها.   

حفظ الله موريتانيا..

الصورة يظهر فيها الشيخ صار رحمه الله بعد تقاعده في اجتماع مع بعض أعضاء الحملة تحضيرا لنشاط تحسيسي.


الجمعة، 30 أغسطس 2024

لابد من فرض سرعة محددة على حافلات شركات النقل...


 من يشاهد حطام هذه السيارة قد يُخيٍَل إليه أنها أصيبت بصاروخ يحمل الكثير من المتفجرات.

هذا الحطام ليس نتيجة لقصف صاروخ، وإنما هو نتيجة لتصرف سائق حافلة متهور حاول أن يتجاوز سيارة على مرتفع ( الخطأ الأول)، وكان يسير بسرعة مفرطة ( الخطأ الثاني)، فاصطدم بسيارة هيليكس تتبع لوكالة تأجير سيارات قادمة من الاتجاه المعاكس، وكانت هي أيضا تسير بسرعة، فحدثت الفاجعة، حيث توفي بشكل فوري اثنين من ركاب السيارة نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته، وأصيب الراكب الثالث بجروح بليغة، وقد نُقل إلى الخارج لتلقي العلاج، نسأل الله تعالى أن يمن عليه بالشفاء العاجل، وأن يعيده إلى ذويه ومحبيه وهو في صحة وعافية. كما أصيب أيضا عدد من ركاب الحافلة بجروح متفاوتة الخطورة، نسأل الله تعالى أن يمن عليهم جميعا بالشفاء العاجل.

منذ سنوات ونحن نطالب بفرض سرعة محددة على حافلات شركات النقل، ولكننا لم نجد تجاوبا حتى الآن.

زرنا أغلب شركات النقل، وطلبنا من ملاكها وضع مثبتات السرعة، فلم يستجب لنا منهم أحد، وذلك مع العلم أن هناك شركات قليلة تضع مثبتات السرعة في حافلاتها.

بعد ذلك راسلنا وزارة التجهيز والنقل في نهاية العام 2019 وردت علينا في بداية العام 2020 بأنها ستفرض سرعة محددة على حافلات النقل، ولكنها لم تقم بذلك حتى الآن.

اليوم لم يعد بالإمكان تأجيل الاستجابة لهذا الطلب، فلابد من فرض سرعة قصوى على حافلات النقل على الأقل، ولدينا في الحملة بعض الحلول التقنية والفعالة.

المقلق في الأمر أنه خلال زيارتنا لموقع الحادث رصدنا شاحنة وحافلة بحمولتين زائدتين، وقد تجاوزتا العديد من نقاط التفتيش دون أن يتم إيقاف أي منهما ( الصور مرفقة).




وفي طريق العودة إلى نواكشوط كاد أن يصدمنا سائق متهور حاول أن يتجاوز أربع سيارات في وقت واحد.

على شبكتنا الطرقية يمكن لأي سالك للطريق أن يفقد حياته، ليس نتيجة لأخطاء ارتكبها أثناء القيادة، وإنما لأنه - وبكل بساطة - كان في الموقع الخطأ وفي التوقيت الخطأ، أي أنه كان في طريق سائق متهور تعود على أن يخاطر بحياته، وبحياة كل من يقع على طريقه.

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير



الأربعاء، 28 أغسطس 2024

لماذا لم نتحمس في الأغلبية لمحاربة الفساد؟


إن أي متابع فطن للشأن العام لابد وأن تكون قد استوقفته ردود الأفعال المتباينة على خطابين هامين وشبه متزامنين ألقاهما فخامة رئيس الجمهورية في مناسبتين مختلفتين، تم تنظيمهما أو تخليدهما في آخر شهرين من العام الماضي.

يتعلق الخطاب الأول بخطاب الذكرى الحادية والستين للاستقلال، والذي تحدث فيه الرئيس ـ وبشكل واضح ـ عن الفساد وخطورته. أما الخطاب الثاني فهو خطاب وادان، والذي تحدث فيه الرئيس ـ وبشكل واضح أيضا ـ عن خطورة التراتبية الاجتماعية والخطاب المكرس لها.

كانت ردود الأفعال على الخطابين متباينة جدا، وذلك على الرغم من أنهما تحدثا عن موضوعين لا يمكن التفريق بينهما على مستوى الخطورة وإلحاح المواجهة، وإذا كان لابد من التمييز بينهما فيجب أن يكون لصالح محاربة الفساد، ذلك أنه لن يكون بإمكاننا أن نتحدث عن لحمة اجتماعية وعن استقرار في ظل تفشي الفساد، وهذا ما أشار إليه الرئيس في خطاب الاستقلال عند تعداده لمخاطر الفساد والتي ذكر منها: " هتكه قواعد دولة القانون، بما يضعف ثقة الأفراد فيها، ويصيب النسيج الاجتماعي في الصميم". إن تفشي الفساد قد أصبح بالفعل من أخطر ما يهدد اللحمة الاجتماعية واستقرار البلد، فالفئات الهشة والفقيرة في المجتمع لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الفقر والتهميش والصبر على ذلك، في الوقت الذي ترى فيه موارد البلد وخيراته ينهبها المفسدون ويبذرونها تبذيرا.

كانت ردود الأفعال على الخطابين متباينة جدا، فخطاب وادان حُظي بردود أفعال إيجابية واسعة، فنظم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية مهرجانا حاشدا لتثمينه، وأشاد العديد من السياسيين المحسوبين على المعارضة بمضامينه. أما بالنسبة لخطاب الاستقلال الذي ركز على الحرب على الفساد فإنه لم يحظ بما يستحق من اهتمام لا في فسطاط الأغلبية، ولا في فسطاط المعارضة.

فلماذا هذا التمييز الواضح بين الخطابين؟ فهل هناك من الطبقة السياسية من لا يرتاح لمحاربة الفساد؟ ثم أين هم ضحايا الفساد وغالبية الشعب الموريتاني من ضحايا الفساد؟ ولماذا لم يُظهروا أية ردة فعل إيجابية على خطاب الاستقلال، تثمينا له ودعوة لتنفيذ ما جاء فيه من وعود هامة؟

إن ضحايا الفساد هم أولى الناس بتبني خطاب الاستقلال، وهم الذين كان يجب عليهم أن يظهروا مناصرتهم ودعمهم لأي خطوة تتخذ في هذا الاتجاه عند تقاعس غيرهم لأسباب مفهومة أو غير مفهومة. هذه فقرة من مقال : "ألم يحن الوقت لإطلاق حراك شعبي ضد الفساد والمفسدين؟"، والذي نُشر يوم السبت، الموافق 19 فبراير 2022.

ما أشبه الليلة بالبارحة

لا جديد يذكر، فبعد مرور سنتين ونصف على نشر هذا المقال، فما تزال الأغلبية على حالها، وما زال حزب الإنصاف ـ على الأقل من حيث ردود الأفعال ـ غير متحمس لرفع شعار محاربة الفساد، ولوعود الرئيس المتكررة بمحاربته، فمن يتابع أنشطة الحزب في الفترة الأخيرة قد يجد اهتماما بالعديد من القضايا، ولكنه لن يجد أي اهتمام يذكر بمحاربة الفساد مع أن محاربة الفساد كانت هي الأكثر حضورا في خطابات وتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية خلال الفترة الأخيرة.

لقد كنتُ من الذين توقعوا أن لا يُظهر حزب الإنصاف تحمسا كبيرا للحرب على الفساد، وهذا شيء طبيعي جدا، فالفساد لا تُمارسه المعارضة وذلك لكونها ليست هي من يتولى تسيير شؤون البلد، وإنما يمارس من داخل الأغلبية من طرف بعض الموظفين السامين أو رجال الأعمال أو غيرهم، ولذا فلا غرابة أن لا يتحمس الكثير من داعمي الرئيس لفتح أي ملف فساد جديد، وذلك خوفا من أن يتوالى فتح ملفات الفساد، فيصلهم الضرر عند فتح ملف من تلك الملفات.

إن مما يزيد الأمور تعقيدا هو أن المعارضة تقف هي كذلك  في خندق واحد مع بعض الأطراف في الأغلبية بخصوص محاربة الفساد، فالمعارضة تُسارع دائما إلى القول بعدم الجدية وبتصفية الحسابات عند فتح أي ملف فساد جديد، فهي لا تريد أصلا أن تنسب أي عمل يستحق التثمين لرئيس الجمهورية الذي تعارضه، ثم إنها تقتات إعلاميا وسياسيا وشعبيا على رفع شعار "فساد النظام"، ومحاربة الفساد من طرف النظام الحاكم ـ أي نظام حاكم ـ  ستعني تراجع شعبية ومصداقية المعارضة.

هناك شريك ثالث في المواقف السلبية من محاربة الفساد، وهو المجتمع التقليدي، فمن المعروف أن كل موظف، صالحا كان أو مفسدا، ينحدر من قبيلة أو شريحة أو جهة، ولذا فمن الطبيعي جدا أن تقف كل قبيلة مع ابنها المفسد عندما يفتح ضده ملف فساد، وذلك بحجة أنه ليس بالمفسد الوحيد في هذه البلاد، فلماذا يُختار هو دون غيره من المفسدين؟

ويبقى الشريك الرابع الذي يتصرف وكأنه غير متحمس لمحاربة الفساد يتمثل في بعض الطيبين الذين يدعمون بغباء كل ما تقوم به الأطراف السابقة من عمليات تشويش عند فتح أي ملف فساد، فيشككون في أي ملف فساد يفتح، ويتساءلون لماذا لم تفتح ملفات فساد أخرى، وكأنه بالإمكان أن تفتح ملفات الفساد كلها دفعة واحدة. 

خلاصة القول في هذه الفقرة هي أن أغلب الطيف السياسي النشط سيحاول أن يربك أي ملف فساد يُفتح، لأسباب ودوافع مختلفة، وذلك في وقت تغيب فيه أي جهة داعمة لفتح ذلك الملف.

ما العمل؟

من المؤكد أن أكثر من 95% من الشعب الموريتاني تؤيد الحرب على الفساد، ولكن المشكلة أن هذه ال95% ستبقى غثاء كغثاء السيل، إذا لم تجد آليات للتعبير سياسيا أو إعلاميا أو شعبيا عن دعمها لمحاربة الفساد، وعن ترحيبها بكل ملف فساد يفتح في إطار محاربة الفساد.

إننا اليوم في أمس الحاجة إلى أن تظهر منظمات مدنية ومبادرات سياسية قادرة على أن تعبر سياسيا وإعلاميا عن دعم الشعب الموريتاني لمحاربة الفساد، على أن تمتلك تلك المبادرات من اليقظة والجاهزية ما يمكنها من إظهار الدعم لكل ملف فساد يُفتح، والمطالبة بعد ذلك بفتح المزيد من ملفات الفساد، وفق قاعدة "خُذْ وطالب"، أو على الأصح "ادعم وطالب"، أي ادعم أي ملف فساد يُفتح، ثم طالب بعد ذلك بفتح ملف فساد جديد، وهكذا...

إننا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" على قناعة تامة بأن الموريتانيين غير المفسدين معنيون جميعا بمحاربة الفساد، سواء كانوا معارضين أو موالين أو مستقلين، ولهذا فقد دعونا إلى تأسيس حلف وطني لمحاربة الفساد، ولكن هذه القناعة لن تمنعنا من القول بأن واجب محاربة الفساد في هذه المأمورية الرئاسية تقع أولا على داعمي الرئيس، وذلك لجملة من الأسباب، لعل من أهمها:

1 ـ أن الفساد تمارسه بعض الأطراف في الأغلبية، بحكم أن الأغلبية الداعمة هي التي تتولى تسيير شؤون البلد، ولذا فواجب محاربته يجب أن تتحمله الأغلبية من قبل المعارضة التي لا علاقة لها بتسيير شؤون البلد؛

2 ـ أن تعليمات فخامة رئيس الجمهورية المتعلقة بمحاربة الفساد كانت واضحة جدا وصريحة جدا، والأغلبية أولى من غيرها بتنفيذ تعليمات فخامة الرئيس؛

3 ـ أن الأغلبية ـ لا المعارضة ـ هي التي صوتت على برنامج "طموحي للوطن"، والذي تضمن التزامات واضحة وقوية بمحاربة الفساد، والأغلبية بعد تصويتها على هذا البرنامج أصبحت مسؤولة مع الرئيس عن تنفيذه، وخاصة ما يتعلق منه بمحاربة الفساد.

إن الكل معني بمحاربة الفساد، ولكن الأغلبية تقع عليها المسؤولية الأكبر، ومن داخل الأغلبية فيمكن القول أن المسؤولية تقع بشكل أكثر إلحاحا على الشباب والأطر النظيفة داخل هذه الأغلبية.

لقد أعطى فخامة الرئيس مكانة غير مسبوقة للشباب في برنامجه الانتخابي، وجسد ذلك بضخ دماء شبابية في أول حكومة تشكل في المأمورية الأولى، وبرفع المكانة لبروتوكولية للوزارات المعنية بالشباب، وجسده كذلك بالالتزام بمحاربة الفساد، والشباب هم الأكثر تضررا من الفساد، ومع كل ذلك، فما زال الشباب عموما، والشباب في الأغلبية خصوصا، وفي الإنصاف بشكل أخص، غائبا تماما عن المشهد السياسي والإعلامي، وعاجزا عن إطلاق مبادرات داعمة للحرب على الفساد في ظل عدم تحمس الأغلبية التقليدية لها، لأسباب مفهومة وغير مفهومة.

على الشباب وعلى الأطر النظيفة في الأغلبية أن يكونوا أكثر حيوية ونشاطا، وعليهم أن يبادروا للتعبير سياسيا وإعلاميا وجماهيريا عن دعم الشعب الموريتاني لمحاربة الفساد، وإصلاح الإدارة، والتمكين للشباب، وعليهم أن يعلموا أننا إذا لم نحارب الفساد بشكل جاد في هذه المأمورية، فإن مصير البلد، ومصير النظام، ومصيرنا جميعا سيكون مفتوحا على كل الاحتمالات الأكثر تشاؤما.  

حفظ الله موريتانيا..


الأربعاء، 21 أغسطس 2024

مقترحات إلى معالي وزير التجهيز والنقل

 


في السابع من أغسطس من العام 2016، وعند الكلم 29 من طريق الأمل، ومن حفرة تقع على هذا المقطع، وقد كان مليئا حينها بالحفر، أعلنا في ضحى ذلك اليوم، وكنا ثمانية أعضاء مؤسسين، عن إطلاق حملة "معا للحد من حوادث السير".

لقد اخترنا كلمة حملة لهذا المشروع التوعوي الطموح لكي نتيح للجميع فرصة المشاركة فيه، فالحملات تتاح المشاركة فيها للجميع، ثم إن لكل حملة مواسم تكثف فيها الأنشطة، ونحن في حملة معا للحد من حوادث السير نكثف أنشطتنا التوعية خلال موسم الخريف، وفي فترة الأعياد. هذا عن اختيارنا لكلمة حملة، أما عن اختيارنا ل"معا" فقد كان لسبيين اثنين:

أولهما : لقناعتنا بأن الكل شريك ـ بدرجة أو أخرى ـ  فيما يحدث من مجازر يومية على شبكتنا الطرقية، وإذا كانت السلطة تتحمل المسؤولية الأكبر، فذلك لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ  بأن السائقين والركاب والمواطنين بصفة عامة لا يتحملون  هم أيضا جزءا من المسؤولية، وبما أن الكل يتحمل جزءا من المسؤولية، كبيرا كان أو صغيرا، فإن الكل مطالب ـ في المقابل ـ بالمساهمة في التوعية ضد حوادث السير، ولهذا فقد اخترنا هذه التسمية التي تبدأ  ب"معا" بدلا من "أوقفوا حوادث السير" أو "أوقفوا مجازر الطرق"،  وهي عبارات كانت متداولة في ذلك الوقت بشكل واسع، وكانت تحاول أن تلقي بالمسؤولية على جهة واحدة، وهو ما يعطي الانطباع بأن من أطلقها يبرئ نفسه من المسؤولية، وبأنه ـ وهذا هو أخطر ما في الأمر ـ  ليس على استعداد للمشاركة ميدانيا في الجهود الرامية للحد من حوادث السير.

 

ثانيهما : أننا كنا نستحضر عند إطلاق حملة معا للحد من حوادث السير العديد من المشاكل الأخرى التي نعاني منها، ولذا فقد كنا نفكر عند الانطلاقة في تخصيص حملة توعوية في كل عام لواحدة من "أمهات المشاكل" التي نعاني منها في هذا البلد، ففي العام 2016 نطلق  مثلا حملة "معا للحد من حوادث السير"، وفي 2017 نطلق حملة "معا للحد من القمامة" ، وفي 2018 نطلق حملة "معا للحد من تزوير الأدوية "، وفي  2019 نطلق "معا للحد من الانفلات الأمني" ، وفي 2020 نطلق حملة "معا لحماية المستهلك"، وهكذا. ولكن، وبعد إطلاقنا لأول حملة من "حملات معا" وجدنا بأن موضوع حوادث السير هو موضوع في غاية التعقيد، وأنه يحتاج لجهد توعوي طويل النفس، يجب أن يمتد لسنوات إن لم أقل لعقود.

لم تكن الانطلاقة سهلة، وقد وجدنا مضايقات كثيرة من الجهات الحكومية المعنية بالسلامة الطرقية، ربما لاعتقادها أننا أطلقنا الحملة لإظهار تقصيرها، ولم يكن الأمر كذلك، فنحن لم نطلق هذه الحملة لإظهار تقصير أي جهة معنية بالملف، وإنما أطلقناها لتأدية الدور الذي يجب علينا أن نؤديه بصفتنا نشطاء في المجتمع المدني، وهذا الدور يجب أن يشمل حسب اعتقادنا : التوعية أولا، رصد النواقص والاختلالات ثانيا، وتقديم الحلول والمقترحات ثالثا، مع الاستعداد في كل وقت للتعاون والشراكة مع الجهات المعنية في كل ما من شأنه أن يساهم في الحد من حوادث السير.

وفي إطار الشق المتعلق برصد النواقص وتقديم المقترحات، جاءت هذه الرسالة الموجهة إلى معالي وزير التجهيز والنقل  لتقدم له حزمة من المقترحات التي أرى بأنها قد تكون مفيدة، وأن الأخذ بها قد يساهم كثيرا في الحد من حوادث السير.

1 ـ  تشير بعض الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة ضحايا حوادث السير على المقطع ( نواكشوط ـ بوتلميت) قد وصلت في بعض الفترات إلى 1/3 من مجموع ضحايا حوادث السير في عموم البلاد، ومن هنا يتضح أن هذا المقطع يستحق أن يمنح أولوية خاصة في مجال التوعية، وكذلك في مجال تطوير البنى التحتية. لقد آن الأوان لأن تشيد على هذا المقطع طريق سريع، أو طريق مزدوج من اتجاهين، ومن الضروري أن يتحقق هذا المطلب خلال هذه المأمورية، وذلك لأنه لم يعد قابلا للتأجيل.

2 ـ يعدُّ طريق الأمل هو الطريق الأهم في البلاد، وهو شريان حياة للعديد من ولايات الوطن، هذا فضلا عن كونه يربطنا بدولة مالي، والتي لا تمتلك أي منفذ بحري، ومن هنا وجب أن يمنح هذا الطريق الحيوي عناية خاصة. المؤسف أن هذا الطريق توجد به دائما ومنذ عقود مقاطع متهالكة، وكلما رممت الوزارة مقطعا متهالكا منه، وعادة ما يكون ترميمها سيئا، تهالكت مقاطع أخرى، وهكذا دواليك.

منذ عقود،  لم يحدث أن سلك طريق الأمل  سالك، أو سافر عليه مسافر من نواكشوط إلى النعمة إلا ووجد مشقة كبيرة بسبب تهالك العديد من المقاطع على هذا الطريق، هذا فضلا عن الخسائر الاقتصادية التي تتسبب فيها تلك المقاطع لأصحاب السيارات التي تسلك هذا الطريق.

ألم يحن الوقت لأن تتخذ الوزارة قرارا جديا بأن ترمم كل المقاطع المتهالكة من هذا الطريق في وقت متزامن، وأن يكون ذلك الترميم بجودة عالية، تتناسب مع حجم وطبيعة السيارات والشاحنات التي تسلك هذا الطريق، وأن تكون بعد ذلك الصيانة فورية، أي أن ترمم وبشكل فوري كل حفرة تظهر هنا أو هناك على هذا الطريق، حتى ولو كانت صغيرة.

أليس من حق المواطن الموريتاني أن يَحلم بأن يسافر ـ ولو لمرة واحدة في عمره ـ من نواكشوط إلى النعمة عبر طريق الأمل دون أن يجد حفرة واحدة تؤذيه؟ أليس من واجبكم ـ يا معالي الوزير ـ أن تحققوا له هذا الحلم في هذه المأمورية؟

3 ـ إن تشييد الطرق وترميمها بشكل جيد لن يقلل من حوادث السير، ولن يوقف من مجازر الطرق، بل على العكس من ذلك، فقد يتسبب في المزيد من الحوادث المميتة، إذا لم يصاحبه الكثير من الحملات التوعوية، وإذا لم يصاحبه كذلك إجبار سالكي الطرق على التقيد بإجراءات السلامة الطرقية.

لا أملك إحصائيات دقيقة لإثبات ما قلت حاليا، فالإحصائيات غير متوفرة أصلا، وتلك واحدة من النواقص الكثيرة التي يجب أن تحظى باهتمام الوزارة. لا أملك إحصائيات دقيقة، ولكن متابعتي للحوادث التي سُجِّلت على طريق (روصو ـ  نواكشوط) في فترتين، أولاهما الفترة التي كان فيها الطريق متهالكا، ولعل الجميع يتذكر تلك الفترة، وثانيهما الفترة الحالية، فالطريق حاليا في وضعية جيدة، ولا توجد به مقاطع متهالكة، ومع ذلك فإن حوادث السير لم تتراجع، بل ربما تكون قد ازدادت، على الأقل حسب ما يتم تداوله من أخبار حوادث السير في مواقع التواصل الاجتماعي .

من المفارقات اللافتة أن حوادث السير ازدادت على طريق (روصو ـ نواكشوط) بعد أن أصبح هذا الطريق في وضعية أفضل، وإذا كانت هذه المفارقة صحيحة، والراجح عندي أنها صحيحة مع أنه ليست لدي إحصائيات دقيقة، فهذا يعني بأن هناك ضرورة في فرض التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، وهناك ضرورة كذلك لإطلاق المزيد من حملات التوعوية، وخاصة عندما يكون الطريق في وضعية مقبولة قد تغري بزيادة السرعة، ولذا فإن النقاط التالية ستكون عبارة عن مقترحات ذات صلة بالتوعية والتقيد بإجراءات السلامة الطرقية.

4 ـ من المتفق عليه أن السرعة المفرطة هي السبب الأول في حوادث السير، ومن هنا تبرز أهمية اتخاذ إجراءات صارمة للحد من السرعة المفرطة، ويتأكد الأمر بالنسبة لسيارات النقل، وذلك لأنها تحمل في العادة عددا أكبر من الركاب، وعندما يقع حادث سير نتيجة للسرعة المفرطة، فإن عدد الضحايا يكون أكبر في سيارات النقل، هكذا تقول لغة الاحتمالات، ويزداد احتمال سقوط ضحايا أكبر عندما يكون الحادث  تعرضت له حافلة تحمل عشرات الركاب.

ومن أجل فرض التقيد بالسرعة الآمنة، على الأقل بالنسبة للحافلات التي تمارس النقل، فقد تقدمنا في يوم 27 دجمبر 2019 برسالة إلى معالي وزير التجهيز والنقل نطالب فيها بفرض وضع مثبتات السرعة في كل الحافلات التي تمارس النقل، وقد تلقينا في يوم 03 يناير 2020 ردا من الوزارة بأنها ستلزم جميع شركات النقل بوضع مثبتات السرعة في حافلاتها، حتى لا تتجاوز سرعتها 90 كلم للساعة كحد أقصى، وهو الشيء الذي لم يحصل حتى الآن.

ونظرا لاهتمامنا الجدي بهذا الموضوع فقد بحثنا عن حلول أخرى لفرض سرعة محددة على حافلات النقل دون استخدام مثبتات السرعة، وقد وجدنا حلا عند بعض الشركات المتخصصة في التقنيات الحديثة، نعتقد أنه مثاليا، وهو حل قائم على تقنية بسيطة جدا، وتكاليفه المادية قليلة جدا.

يتمثل هذا الحل في وضع شرائح إلكترونية بالسيارات والحافلات التي تمارس النقل، وعندما تتجاوز السيارة السرعة المحددة لها فإن الشريحة ترسل بشكل فوري رسالة نصية بذلك، ويمكن أن ترسلها لعدة جهات في وقت متزامن : نقاط التفتيش ـ المصالح المعنية في الوزارة ـ سلطة تنظيم النقل الطرقي ـ حملة معا للحد من حوادث السير إن كانت هناك رغبة في إشراك المجتمع المدني في مراقبة سرعة سيارات وحافلات النقل.

هذا المقترح عملي وقليل الكلفة ماديا، وسيمكن الوزارة إن أخذت به من تحقيق الآتي :

ا ـ مراقبة سرعة سيارات وحافلات النقل على عموم التراب الوطني بشكل فوري، وإلزامها بالتقيد بالسرعة المحددة؛

ب ـ مراقبة تحرك سيارات وحافلات النقل بشكل مستمر، فهذه الشرائح تمكن من تحديد موقع السيارة في أي وقت، وهو ما سيمكن من ضبط الرسوم والأتاوات التي تأخذها الإدارات المعنية من الناقلين، أي أن الأخذ بهذا المقترح سيزيد من المداخيل وسيوقف عمليات التحايل في هذا المجال؛

ج ـ هذا المقترح له أيضا فوائد أمنية، وذلك لكونه يساعد في رصد حركة سيارات النقل على الحدود، وهو ما قد يساهم في ضبط ومراقبة من يدخل إلى بلادنا من الأجانب.

5 ـ في مطلع العام 2022 تطوع لنا في الحملة أحد المهندسين الشباب بإعداد تطبيق يمكن السائق من معرفة وضعية الطريق في أي وقت، وذلك من خلال تحديد أماكن وجود الحفر وألسنة الرمال، والمقاطع المتهالكة، والمقاطع التي توجد بها أشغال، هذا فضلا عن أماكن وجود سيارات الإسعاف، وأرقام الهواتف التي قد تهم السائق.

بطبيعة الحال، فإن هذا التطبيق يحتاج إلى تحديث المعلومات كل أربع عشرين ساعة على الأقل، وتحديث المعلومات يحتاج إلى تعاون الجهات المعنية ( نقاط تفتيش الدرك والشرطة ـ مؤسسة أشغال صيانة الطرق ـ مصلحة السلامة الطرقية بوزارة الصحة...إلخ).

راسلنا كل الجهات المعنية، ولم نجد أي اهتمام بالموضوع، ومع ذلك فالتطبيق ما زال موجودا، وهو مجاني، ويمكن أن يتم تطويره، ومن المهم جدا أن يتم العمل به في ظل الاهتمام الحالي بعصرنة الإدارة وتقريب خدماتها من المواطن؛

6 ـ فرض المزيد من القيود في منح رخصة السياقة، والتي تحولت للأسف إلى وثيقة تباع بسعر معلوم عندما تكون هناك دورة، مع ضرورة العمل بأسلوب التنقيط لسحب الرخص ممن يرتكب عددا معينا من المخالفات.

7 ـ اتخاذ إجراءات صارمة ضد الحمولة الزائدة، والبحث عن حلول ناجعة وسريعة للتعامل مع الشاحنات التي تنقلب على الطرق، والتي تتسبب دائما في شل حركة السير لساعات، وقد تتسبب أيضا في حوادث سير مميتة.

8 ـ  توفير طائرة إسعاف طبية للتدخل السريع في الحوادث التي تقع في الأماكن البعيدة، أو تلك التي تتسبب في سقوط العديد من الضحايا، ولا يفوتني هنا أن أشيد بما تحقق في السنوات الأخيرة من  توفير لسيارات الإسعاف على مختلف المحاور الطرقية، وهذا مما تعهد لنا به فخامة الرئيس عندما سلمناه في العام 2019 عريضتنا المطلبة، ولم تكن في ذلك الوقت توجد سيارة إسعاف واحدة خاصة بضحايا حوادث السير، وقد كان الكثير من ضحايا حوادث السير ينقل في تلك الفترة كما تنقل البضائع في سيارات النقل، وهو ما كان يتسبب في تفاقم الإصابة، بل وموت بعض المصابين.

9 ـ الاهتمام بالتوعية أكثر، وإطلاق حملات توعوية بالشراكة مع المجتمع المدني في موسم الخريف، وخلال فترة الأعياد، وعند الافتتاح الدراسي.

إننا بحاجة إلى الكثير من الحملات التوعوية لتصحيح تصرفاتنا الخاطئة، ولتغيير سلوكنا الغريب على الشارع، فمن يشاهد الطريقة التي نسوق بها السيارات، قد يعتقد بأننا نخطط في كل يوم لعملية انتحار جماعي، فهذا يقود سيارته بسرعة جنونية، وذاك لا يتوقف عند إشارة الضوء الحمراء، وثالث منشغل بهاتفه، ورابع لم يستخدم طول حياته حزام الأمان، وخامس يتوقف على الشارع في الوقت الذي يشاء وبالطريقة التي يشاء.

10 ـ استحداث برامج توعوية قصيرة تبث في قناة الموريتانية وغيرها من مؤسسات الإعلام الرسمي في أوقات ذروة المشاهدة وقبيل نشرات الأخبار؛

11 ـ إطلاق حملات للتوعية حول خطورة منح وتأجير السيارات للمراهقين والقصر، مع إدخال وتعميم مادة السلامة الطرقية في المناهج الدراسية.

سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..

حفظ الله موريتانيا..

الأحد، 18 أغسطس 2024

مقترحات إلى معالي وزير تمكين الشباب والرياضة والخدمة المدنية


في هذا المقال سأتقدم بمقترحين اثنين إلى معالي وزير تمكين الشباب، أولهما يخص طائفة من شبابنا المتميز، وهي طائفة لا تحتاج إلا لجهد قليل لتخطف الأبصار وتبهر العقول بمواهبها المتميزة، وثانيهما يتعلق بطائفة أخرى من شبابنا على النقيض تماما من الطائفة الأولى، طائفة تهوي ـ وبشكل سريع ومخيف ـ إلى قاع الجريمة والمخدرات، ونحن إن لم نسارع لإنقاذها، فإننا سندفع دولة ومجتمعا كلفة كبيرة، بل وكبيرة جدا.

أولا / مواهب شبابية بحاجة للاكتشاف والرعاية

قبل خمسة أشهر من الآن، وتحديدا في يوم السابعِ مارس 2024، تم الإعلان في العاصمة نواكشوط عن برنامج "خطوة التدريبي لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية"، وقد أُطْلِق هذا البرنامج من طرف بعض الفاعلين في مجال التكوين والتدريب، ومما جاء في بيان إعلان الانطلاقة:

·       إيمانا منا بأن الثروات التي تسير فوق الأرض (المواهب)، ليست أقل قيمة من الثروات الموجودة في باطن الأرض (المعادن)، وأن الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق للتنقيب عن الثروات في باطن الأرض يجب أن ينفق ما يماثلها للتنقيب عن الثروات التي تسير فوق الأرض؛

·       قناعة منا بضرورة التحرك العاجل لمواجهة المخاطر التي يواجهها شبابنا، والتي تتمثل في البطالة، وتفشي الجريمة، والهجرة، وتنامي روح اليأس والإحباط؛

·        تحملا منا للمسؤولية التي يجب أن يلعبها المجتمع المدني في مواجهة هذه التحديات والمخاطر؛

·        سعيا منا للمشاركة ميدانيا في الجهود المبذولة من طرف الحكومة لمواجهة هذه التحديات والمخاطر.

 فإننا في جمعية خطوة للتنمية الذاتية لنعلن على بركة الله إطلاق أول برنامج تدريبي في موريتانيا لاكتشاف المواهب الشبابية وتنميتها ورعايتها، ونأمل أن يستفيد من برنامجنا التدريبي في مرحلته الأولى 1000 شاب، ويتمثل هذا البرنامج التدريبي في:

1 ـ تقديم دورة أساسية في مجال اكتشاف الموهبة واستغلالها، وسيستفيد من هذه الدورة كل المشاركين في البرنامج. سيتلقى المشاركون في دورة الموهبة اختبارا تقييميا وعلى أساس نتائجه يتم فرز من سيواصل منهم في البرنامج التدريبي للاستفادة من الدورات الأخرى ذات الصلة؛

2 ـ تقديم دورات مكملة في  مهارات التواصل الفعال وإدارة الوقت والتفكير الإبداعي؛

3 ـ تقديم دورات في مجال التخصص، وذلك بعد أن يتم تقسيم المشاركين في البرنامج إلى مجموعات متجانسة حسب الاتجاهات والميول والمواهب المشتركة لدى كل مجموعة، لتتلقى بعد ذلك كل مجموعة، وعلى حدة، دورة متخصصة مع خبير في المجال الذي يمتلك فيه أعضاء تلك المجموعة موهبة مشتركة؛

4 ـ تقديم دورات تأطير ودعم للموهوبين الذين تأهلوا للمشاركة في مسابقات وتصفيات إقليمية أو دولية؛

5 ـ تقديم الاستشارات مع المتابعة المستمرة للموهوبين المتميزين.

هذا هو أهم ما جاء في إعلان الانطلاقة، وقد نظمنا بالفعل عدة دورات تدريبية في لعيون وأكجوجت ونواكشوط استفاد منها عشرات الشباب، وبما أني كنتُ أتولى تقديم دورة الموهبة، فيمكنني أن أقول اعتمادا على ما لاحظتُ وعلى ما رصدتُ في الدورات التي نظمناها حتى الآن بأن لدينا في موريتانيا الكثير من المواهب الشبابية في مختلف المجالات، وأن هذه المواهب الشبابية كانت ـ وما تزال ـ  بحاجة ماسة إلى من يساعدها في اكتشاف مواهبها واستغلالها بالشكل الأمثل، وفي اعتقادي بأن ذلك يجب أن يكون من أولوية الأولويات لوزارة  تمكين الشباب في مأمورية الشباب.

خلاصة القول في هذا المقترح : إننا في برنامج خطوة التدريبي على استعداد تام للتعاون مع وزارة تمكين الشباب لتنظيم دورات في مجال اكتشاف المواهب وتنمية القدرات الشبابية خلال موسم الخريف في كل عواصم الولايات لصالح الجمعيات والأندية الشبابية في كل ولاية، وعلى استعداد كذلك للتعاون في مرحلة لاحقة مع وزارة التربية لتنظيم دورات في نفس المجال خلال السنة الدراسية القادمة لصالح تلاميذ الثانويات في كل ولايات الوطن.

ثانيا / شباب بحاجة لمن ينقذه من الجريمة والمخدرات

من يتابع الجرائم في السنوات الأخيرة فسيجد أن أغلبها يرتكبه شباب قصر تسربوا من المدارس أو لم يدرسوا أصلا، يتعاطون  المخدرات، وأكثرهم من أصحاب السوابق.

تكرر مثل هذه القواسم المشتركة في أغلب الجرائم، يعني أن هناك أسرة فشلت في تربية ابنائها، وأن هناك مدرسة فشلت في تعليمهم، وأن المجتمع عن بكرة أبيه، بعلمائه ووعاظه وصحافته ومنظماته فشل في تحصينهم من تعاطي المخدرات وممارسة الجريمة بمختلف أشكالها.

في  منتصف العام 2021 شهدت العاصمة نواكشوط عدة جرائم متزامنة في منتهى الخطورة، وهذا ما جعلنا في جمعية خطوة للتنمية الذاتية نسارع في  يوم السبت الموافق 10 يوليو 2021 إلى تنظيم جلسة نقاشية عن الجريمة وتفشيها في صفوف الشباب، وقد حضر هذه الجلسة وزير عدل سابق، ومدير أمن سابق (مدير مساعد)، وخبير في الأدلة الجنائية، وعدد من الباحثين والأساتذة الجامعين في القانون وعلم الاجتماع، وقد خرج المشاركون في تلك الجلسة النقاشية بجملة من التوصيات، كان من أبرزها :

1ـ خلق آلية اجتماعية لإشراك المواطن في الحفاظ على الأمن؛

2ـ فرض إلزامية التعليم وإعادة الاعتبار للمدرسة، مع التكفل بأبناء الأسر ذات الدخل المحدود؛

3ـ إنشاء مراكز خاصة بعلاج الإدمان؛

4 ـ إنشاء حاضنات ثقافية ورياضية للشباب؛

5ـ التعامل الجاد مع كل أشكال الغبن والتهميش وكل مظاهر غياب العدالة؛

6 ـ ضرورة مشاركة المجتمع، وخصوصا نخبه، في مجال التوعية والتحسيس ضد الجريمة؛

7ـ تحيين الترسانة القانونية، والعمل على تعزيز قدرات الكادر البشري في سلك القضاء وأعوانه؛

8 ـ تفعيل عمل المؤسسات الإصلاحية من أجل دمج الشباب ذوي السوابق الجنائية في الحياة النشطة؛  

9ـ فرض التجنيد الإجباري والخدمة المدنية؛

10ـ إنشاء مرصد للجريمة وتحسين آليات الإحصاء المتعلقة بالجريمة، وتمكين استفادة الباحثين منها؛

11ـ تعزيز مراقبة الحدود، ومراجعة بعض حالات الدخول إلى البلاد دون تأشيرة؛

12ـ إنشاء شرطة الجوار؛

13ـ تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية وتشجيع التخصصات؛

14ـ إنشاء معهد يعني بالطب الشرعي والأدلة الجنائية؛

15ـ وقف تعطيل الأحكام القضائية والصرامة في تنفيذ تلك الأحكام؛

16ـ إشراك مراكز البحث في إعداد السياسات الاستشرافية المتعلقة بالمصالح الحيوية للبلد. 

خلاصة القول في المقترح الثاني : بعض هذه التوصيات تعني وزارة تمكين الشباب بشكل مباشر، وعلى الوزارة أن تأخذ بها، وبعضها الآخر يعني قطاعات وزارية أخرى، ولكن، وبما أن وزارة تمكين الشباب معنية أكثر من غيرها بإنقاذ شبابنا من براثن الجريمة والمخدرات، فعليها أن تتابع تنفيذ بقية التوصيات من طرف الوزارات والإدارات المعنية بها.

سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..

حفظ الله موريتانيا..


الجمعة، 16 أغسطس 2024

مقترحات إلى معالي وزير التكوين المهني والصناعة التقليدية والحرف




بدءا لابد من التنبيه على أن هذه المقترحات التي أقدمها من خلال هذه السلسلة من المقالات ليست مقترحات شاملة للملفات التي يُعنى بها كل قطاع،  وإنما هي مقترحات خاصة ببعض الملفات والقضايا الجزئية، التي شكلت في فترة من الفترات مجالا من مجالات اهتماماتي الشخصية، على المستوى النظري أو العملي أو على كليهما معاً.

في العام 2007 تقدمتُ إلى الجهات المعنية بمقترحين للحد من البطالة في الأوساط الأكثر فقرا، أحدهما اكتفيت بتقديمه بشكل نظري وكان يهدف إلى تحويل القمامة إلى مورد للدخل، والثاني جسدته ميدانيا من خلال مركز "الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية الذي أسسته في تلك الفترة، وفي اعتقادي أن فترة صلاحية المقترحين ما تزال قائمة، حتى وإن كانت هناك أمور كثيرة قد تغيرت خلال السبع عشرة سنة الأخيرة.  

المقترح الأول: لماذا لا نحارب البطالة من خلال برامج واسعة في التثقيف الحرفي؟  

لا خلاف على أن نسبة كبيرة من ثرواتنا في هذه البلاد تستنزف من طرف عمال أجانب لهم حظ لا بأس به من التكوين والتخصص في مجالات معينة، ومواجهة هذا النوع من منافسة اليد العاملة الأجنبية يحتاج بالفعل إلى الاهتمام بالتكوين المهني، ولكن وفي المقابل، فإن هناك نسبة كبيرة من ثرواتنا ما تزال تستنزف من طرف يد عاملة أجنبية غير متخصصة، من خلال  ممارستها لحرف ومهن بسيطة جدا، لا تحتاج لتكوين مهني بالمفهوم المتعارف عليه، ومواجهة هذا النوع من منافسة اليد العاملة لا يحتاج لتكوين مهني لمدة سنة أو سنتين، وإنما يحتاج  ـ في الأساس ـ إلى تغيير عقليات وإلى التوعية بأهمية العمل، مع تكوين أو تدريب مبسط وقصير المدة على حرفة ما أو مهنة ما، وهذا هو ما أطلقنا عليه في مركز الخطوة الأولى "التثقيف الحرفي"، تمييزا له عن التكوين المهني. ولتجسيد هذا المقترح ميدانيا قمنا في العام 2007 بفتح مركز للتثقيف الحرفي في مقاطعة عرفات، وبدأنا دورات في صناعة الحلويات، وكنا نأمل حينها أن يعمم هذا النوع من المراكز المتخصصة في التثقيف الحرفي في مختلف ولايات الوطن.

كنتُ في تلك الفترة أقرأ كثيرا عن تجربة محمد يونس الرئيس الحالي للحكومة المؤقتة في بنغلاديش، وقد استلهمت ـ بشكل أو بآخر ـ فكرة مراكز التثقيف الحرفي من فكرته التي ابتدعها في نهاية السبعينات من القرن الماضي، والتي أحدثت ثورة في مجال مكافحة الفقر من خلال القروض الصغيرة (بنك غرامين أو بنك القرية).

جاءت فكرة بنك غرامين أو بنوك الفقراء كما يسميها البعض، لتحل مشكلة تمويل مشاريع صغيرة للفقراء الذين لا يملكون ضمانا يأخذوا مقابله قروضا من البنوك، وجاءت فكرة مراكز التثقيف الحرفي من أجل أن تقدم فرصة لتكوين وتأهيل فقراء لم يتعلموا أو تركوا المدرسة في وقت مبكر، أو تجاوزوا عمريا مرحلة التكوين، وحرموا بالتالي من التكوين أو التدريب على حرفة أو مهنة بسيطة تمكنهم من العيش الكريم. 

كان الفقراء في بنغلاديش يموتون بسبب الجوع في السبعينيات من القرن الماضي، وكان لابد من التفكير خارج الصندوق للبحث عن حلول لمحاربة الفقر، فكر محمد يونس خارج الصندوق وأوصلته أفكاره إلى  ضرورة تأسيس بنوك توفر التمويل للفقراء، يكون بإمكانها أن تقدم لهم قروضا بلا ضمان، ومن المعروف أن القروض البنكية قائمة بالأساس على الضمان، مما حرم الفقراء الذين هم في أمس الحاجة إلى القروض من الحصول على قروض.

كانت الفكرة غريبة ومجنونة في ذلك الوقت، وقوبلت بالكثير من السخرية والاستهزاء من طرف البنك المركزي وكبار الاقتصاديين في بنغلاديش، لأنه لم يكن حينها هناك من يستطيع أن يتخيل أنه يمكن لأي بنك في العالم أن يقدم قروضا لفقراء لا يملكون أي ضمان.

ولقد تبين فيما بعد بأن الفكرة لم تكن مجنونة، بل كانت فكرة رائدة، أحدثت ثورة حقيقية في مجال التمويلات الصغيرة ومحاربة الفقر، فحجم قروض بنك غرامين منذ تأسيسه وحتى اليوم وصل إلى 38 مليار دولار، واستفاد من تلك القروض 10 ملايين فقير، من بينهم 21 ألف متسول  انتقلوا بفضل هذه التمويلات من التسول إلى الحياة النشطة، والبنك ينشط في 94% من قرى بنغلاديش، وكانت معدلات استرداد ديونه مرتفعة جدا، رغم أنه لا يشترط أي ضمان،  فتراوحت ما بين  97% إلى 99.6 %، وفتح البنك فروعا كثيرة في العديد من الدول، وله 19 فرعا في 11 ولاية أمريكية، واستفاد من خدماته هناك أكثر من 100 ألف فقير أمريكي.

لم يكن منطقيا بالنسبة لمحمد يونس أن يتواصل حرمان الفقراء في بنغلاديش من الحصول على تمويلات هم في أمس الحاجة إليها بحجة أنهم لا يملكون ضمانات للحصول على قروض، وبنفس المنطق يمكننا القول بأنه ليس من المقبول حرمان فقراء في موريتانيا من تعلم مهنة أو حرفة بحجة أنهم لم يتعلموا أصلا، أو أنهم تجاوزا السن التي يسمح لأصحابها بالتكوين في معاهد ومراكز التكوين المهني. 

إن مراكز ومعاهد التكوين المهني الموجودة في بلادنا لا يمكن أن يستفيد منها الموريتانيون الأقل تعليما والأكبر سنا، ولا تحل مشاكل الكثير من المستهدفين، وذلك لأنها:

1 ـ  تشترط لدخولها مستويات دراسية معينة، وكذلك سنا عمرية محددة. أما الشريحة التي تستهدفها فكرة مراكز التثقيف الحرفي فهي أقل تعليما، وليست بالضرورة في مرحلة عمرية محددة.

2 ـ  مراكز التكوين المهني تدرب على آلات باهظة الثمن لذلك فالمتدرب لا يستطيع بعد التخرج أن يفتتح ورشة تعتمد على الآلات التي تدرب عليها لارتفاع أسعار تلك الآلات. أما فكرة مراكز التثقيف الحرفي فهي قائمة على أساس أن المتدرب هو شخص فقير جدا ولا يستطيع أن يفتتح ورشة إلا إذا كان رأسمالها قليل جدا.

3 ـ طول فترة التكوين في مراكز ومعاهد التكوين، قد تكون مقبولة بالنسبة لبعض المستفيدين ولبعض المهن، ولكنها ليست مناسبة لبعض المهن ولبعض المستفيدين، ولذا فدورات مراكز التثقيف الحرفي دورات قصيرة المدة ويمكن أن يشارك فيها عدد كبير جدا من المستهدفين. 

لقد أحصينا في مركز الخطوة الأولى للتنمية الذاتية عشرات الحرف والمهن الصغيرة التي يمكن أن توضع لها برامج تدريبية متكاملة في التثقيف الحرفي. وعمليا فقد نظمنا في العام 2007 ـ وبإمكانيات متواضعة جدا ـ برنامجا تدريبيا متكاملا في التثقيف الحرفي، في مجال "صناعة الحلويات"، استفاد منه العشرات من أرباب وربات الأسر في مقاطعة عرفات.

تم التدريب على صناعة الحلويات على فرن مصنع محليا ويشتغل بالغاز، ويتميز هذا الفرن بالمواصفات التالية:

ـ متوفر محليا وبسعر في متناول الفقراء.

ـ هذه الأفران قادرة على إنتاج كميات كبيرة نسبيا من الحلويات تكفي لتوفير ما يحتاجه محل حلويات صغير.

ـ هذه الأفران تنتج حلويات بجودة عالية، ولا يمكن التفريق بينها وبين منتجات محلات الحلويات الكبرى في العاصمة، والتي استثمرت فيها عشرات الملايين من الأوقية.

خلاصة هذا المقترح : إننا في هذه البلاد بحاجة في مجال محاربة الفقر إلى مراكز للتثقيف الحرفي ولتغيير العقليات وللتوعية بأهمية العمل،  فهذه المراكز قد تمكن آلاف الموريتانيين من تعلم حرفة أو مهنة توفر لهم دخلا هم في أمس الحاجة إليه. هذا عن المهارات الصلبة، أما المهارات الناعمة فستكون موضوع مقترح آخر إن شاء الله.

المقترح الثاني : لماذا لا نجعل من القمامة موردا لتوفير الدخل وتشغيل الفقراء؟

من التفكير خارج الصندوق سننتقل إلى التفكير بالمقلوب، وذلك من أجل الإجابة على السؤال : كيف نغير من سلوك المواطن الموريتاني، ونجعله بدلا من أن يذهب إلى الشارع لرمي القمامة يأتي إلى الشارع لجمع القمامة؟

هذا السؤال سيجيب عليه هذا المقترح الذي قُدِّم لأول مرة من خلال رسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله.

يهدف هذا المقترح إلى تحقيق هدفين كبيرين : أولهما تنظيف العاصمة نواكشوط، وتحويلها إلى مدينة نظيفة، وثانيهما تحويل القمامة إلى مورد اقتصادي لتوفير دخل منتظم لآلاف الفقراء.

هذا المقترح ـ إن تم الأخذ به ـ سيجعل من القمامة  "ثروة وطنية" لتشغيل الآلاف من الموريتانيين الأكثر فقرا، ويصعب أن تتم منافستهم من طرف من هم أحسن حالا، وهذه مسألة في غاية الأهمية، فمن المعروف بأن الميسورين في هذه البلاد قد تعودوا دائما على أن ينافسوا الفقراء في كل الفرص التي كان يجب أن تبقى خاصة بالفقراء.

إن القمامة يمكن أن يتم تحويلها إلى سلعة تباع و تشترى، وعندها ستختفي كما اختفت من شوارع العاصمة الخردة والمواد البلاستيكية الصلبة.

يتلخص هذا المقترح  في مطالبة الحكومة بتأسيس شركة عمومية أو مختلطة لشراء القمامة من عند المواطنين، تخصص لها الأموال التي كانت تقدمها الحكومة لشركة "بيزورنو" الفرنسية في مرحلة سابقة، أو لشركات التنظيف المحلية في مرحلة لاحقة، على أن تحدد هذه الشركة نقاطا خارج العاصمة لشراء القمامة من عند المواطنين، ولو أن الحكومة قامت بتنفيذ هذا المقترح لتنافس أصحاب السيارات ذات العجلات الثلاثة و العربات التي تجرها الحمير في جمع القمامة من شوارع العاصمة نواكشوط، فكل من يملك واحدة من تلك السيارات سيكون بإمكانه أن يشغل عددا من العمال لجمع القمامة ولحملها في سيارته خارج العاصمة لبيع ما جمع من قمامة عند نقاط شراء القمامة الموجودة هناك.

لقد كانت الدولة تمنح لشركة "بيزورنو" ملياري أوقية سنويا لتنظيف العاصمة، ولقد نقل عن مدير هذه الشركة في إحدى المقابلات بأن شركته كانت تعالج يوميا 600 طن من القمامة، وهذا يعني بأن الكيلوغرام من القمامة كان يكلف الدولة الموريتانية 10 أواق قديمة، وقد كلفها أكثر من ذلك في ظل التعاقد مع شركات خاصة لتنظيف العاصمة، وربما تصل كلفة الكيلوغرام الواحد من القمامة إلى أكثر من 20 أوقية قديمة. ولو أن السلطة منحت 20 أوقية قديمة لكل مواطن يأتيها بكيلوغرام من القمامة، لتنافس المواطنون في جمع القمامة، ومن يدري فربما تحدث نزاعات على ملكية القمامة، وربما تقع خصومات عند جمعها من الشوارع إذا ما تحولت هذه القمامة إلى سلعة تباع وتشترى.

إن جمع ونقل 200 كلغ من القمامة يوميا، وهذه كمية قليلة لا تحتاج لجهد ولا وقت كبير، ستوفر لصاحبها 4000 أوقية قديمة يوميا، وهو ما يعني أن دخله الشهري سيصل إلى 120 ألف أوقية قديمة. 

يمكن التفكير في مرحلة لاحقة في تدوير القمامة، وذلك من خلال منح أسعار تشجيعية لمن يجمع قمامة متجانسة، فمن المعروف أن أصعب ما في عملية تدوير القمامة هو فصل المواد القابلة للتدوير عن بقية القمامة،  كالبلاستيك والزجاج  والعلب المعدنية والورق ...إلخ

سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..

حفظ الله موريتانيا..