الأحد، 29 ديسمبر 2024

نداء لتوقيع ميثاق شرف


•         وعيا منا بمحورية محاربة الفساد في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية (طموحي للوطن)؛

•         قناعة منا بأن النجاح في محاربة الفساد هو ما سيدفع إلى الأمام الرافعات الخمس التي تضمنها برنامج طموحي للوطن، والتي تمثلت في بناء دولة قانون ذات حكامة عصرية، واقتصاد قوي الأداء، وتنمية رأس المال البشري، والاندماج الاجتماعي، وبناء الدولة الآمنة القادرة على مواجهة التقلبات الجيوسياسية؛

•         واستجابة منا لدعوة فخامة رئيس الجمهورية في خطاب التنصيب عندما قال: "وإنني لأدعوكم جميعا، أدعو الأحزاب السياسية وقادة الرأي والمجتمع المدني وكافة القوى الحية إلى تضافر الجهود في سبيل المشاركة في التنفيذ المحكم والناجع لهذا البرنامج بما يضمن تحقيق كل أهدافه ومقاصده."

وكذلك عندما قال في نفس الخطاب عند حديثه عن محاربة الفساد، والذي  كان من بين الملفات الأكثر حضورا في برنامجه الانتخابي: "والحرب على الفساد والرشوة وسوء التسيير حرب الجميع، حرب المنظومات الإدارية والقضائية، حرب أجهزة الرقابة والتفتيش، حرب النخبة من مثقفين وقادة رأي ومجتمع مدني وصحافة ومؤثرين اجتماعيين، ولا سبيل للنصر في هذه الحرب بنحو حاسم إلا بتضافر جهود الجميع." ثم يواصل إلى أن يقول : " إننا ندرك أن ما تتطلبه الإصلاحات العميقة من تغيير في المقاربات، والعقليات، والمسلكيات، وآليات العمل، غالبا ما يصطدم بمقاومة اجتماعية وإدارية قوية، ونحن مطالبون جميعا بالعمل على منع هذه المقاومة من كبح ديناميكية الإصلاح أو إعاقتها عن تحقيق أهدافها."

نظرا لكل ذلك، واستجابة لدعوات فخامة رئيس الجمهورية المتكررة،  فإننا نتوجه في منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، إلى كل الأحزاب السياسية  الداعمة لرئيس الجمهورية  بهذا النداء من أجل توقيع وتبني ميثاق شرف لمكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة يتضمن البنود التالية :

1 ـ إعطاء مساحة واسعة لمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة في الخطاب السياسي للأحزاب والمبادرات الداعمة للرئيس؛

2 ـ  عدم ترشيح من أدين بالفساد في أي انتخابات قادمة، وحرمانه من أي منصب قيادي حزبي؛

3 ـ العمل على تعزيز البنية القانونية والتشريعية والقضائية في مجال محاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة، وذلك من خلال اقتراح القوانين ذات الصلة والتصويت عليها.  

نواكشوط : 28 دجمبر 2024

اللجنة التأسيسية لمنتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

السبت، 21 ديسمبر 2024

أنشطة ميدانية على هامش مهرجان شنقيط


جاء في مقال "خذ الفرشاة واكمل اللوحة" المنشور في كتاب "أيها المواطنون الصالحون أنتم المشكلة" أن الاهتمام بالشأن العام ينقسم إلى ثلاثة مستويات، أو ثلاث درجات، وبين كل درجة ودرجة مسافة شاسعة جدا.

المستوى الأول (الدرجة الأولى): هي أن تنزل إلى الميدان وتحاول أن تُصلح ما يمكن إصلاحه من خلل، وبما تملك من وسائل متاحة، وهذه هي أعلى درجات الاهتمام بالشأن العام، وهي من أصعبها، ومن أكثرها ندرة لدى نخبنا؛

المستوى الثاني (الدرجة الثانية): هي أن تُنْتِج الأفكار وتُقدم المقترحات لمن بيده الأمر، ويمتلك القدرة على التنفيذ؛

المستوى الثالث (أو الدرجة الثالثة): وهذه هي أدنى درجات الاهتمام بالشأن العام، وأقلها قيمة، وهي التي تتزاحم عليها نخب البلد، ولا يعني هذا أنها بلا قيمة. نعم لها قيمتها، حتى وإن كانت أقل بكثير من قيمة المستويين الأول والثاني، ويكتفي أصحاب هذا المستوى من الاهتمام بالشأن العام بالكتابة إظهارا لخلل ما أو تثمينا لمنجز ما، ودون تقديم مقترحات في كلا الحالتين، ودون أن ينزلوا إلى الميدان لتصحيح الخلل الذي أظهروه أو لتعزيز المنجز الذي ثمنوه.

وحتى لا أكون ممن يأمرون بما لم يفعلوا، فإني أحاول دائما أن أطبق ما أدعو إليه، وأن أبدأ بالمستوى الأول، أي النزول إلى الميدان، كلما كان ذلك ممكنا، فإن عجزت عن ذلك، حاولتُ في المستوى الثاني، فإن لم أتمكن من تقديم أفكار ومقترحات، نزلتُ إلى المستوى الثالث، واكتفيتُ بالكتابة نقدا أو تثمينا كما يفعل الكثير من المهتمين بالشأن العام.

هذا بشكل عام، وإذا ما تحدثنا عن نسخة شنقيط الحالية من مهرجان مدائن التراث بشكل خاص، فبالعودة إلى المستويات الثلاثة أعلاه، فيمكن القول أن مساهمتي في المهرجان كانت معدومة في خانة المستوى الأول، والتي تزاحمت فيها غالبية المهتمين بالشأن العام، حيث نُشر الكثير من المقالات المنتقدة والمثمنة لنسخة شنقيط الأخيرة من مهرجان مدائن التراث. أما على المستوى الثاني، فكانت مساهمتي عبارة عن مقترح وحيد، وهو المقترح الذي استجاب له معالي وزير الثقافة مشكورا، فتمت دعوة مجلة العربي للمهرجان، ومجلة العربي ـ لمن لا يعلم ـ يرجع لها الفضل في التعريف بموريتانيا من خلال استطلاعاتها المتميزة  في النصف الثاني من عقد الستينيات من القرن الماضي، وكان من بين تلك الاستطلاعات استطلاعا عن مدينة شنقيط، والذي يُعَدُّ هو أول استطلاع صحفي  عربي يُعدُّ عن المدينة.

أما على المستوى الأول فكانت مساهمتي في المهرجان عبارة عن ثلاثة أنشطة ميدانية :

1 ـ ورشة تدريبية لصالح عدد من النشطاء الثقافيين في مدينة شنقيط، وكانت  هذه الورشة عن الموهبة : اكتشافها واستغلالها وصناعتها، وهي تدخل ضمن الأنشطة التطوعية التي أقدمها  في إطار برنامج خطوة التدريبي لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية؛

2 ـ حملة توعوية  في السلامة الطرقية على هامش المهرجان، وذلك بالتعاون مع أحد نشطاء حملة معا للحد من حوادث السير الذي شارك في المهرجان بصفته الصحفية، وقد تمكنا نحن الاثنين من تثبيت العديد من اللافتات التوعوية على الطريق : نواكشوط ـ أكجوجت ـ أطار ـ شنقيط، كما وزعنا عددا من القصاصات الإرشادية على سائقي وكالات تأجير السيارات الذين تولوا نقل ضيوف المهرجان.

ولله الحمد، فإن هذه النسخة من مهرجان مدائن التراث كانت هي النسخة الأقل حوادث سير، ولم تسجل فيها ـ عكس بعض النسخ السابقة  ـ  أيُّ حالة وفاة لله الحمد، وذلك مع العلم أن عدد السيارات كان أكثر في هذه النسخة؛

3 ـ تنظيم حفل تكريمي لمجلة العربي ولفريقها المشارك في نسخة شنقيط لهذا العام، وستعدُّ المجلة استطلاعا جديدا عن مدينة شنقيط، هذا فضلا عن تقرير عن المهرجان، واستطلاعا ثانيا عن العاصمة نواكشوط.

ولأني أعلم بأن هناك طائفة كبيرة من المدونين على قناعة تامة بأنه لا يمكن لأي أحد أن يقوم بأي نشاط لصالح الوطن دون أخذ مقابل، ولأني أعلم بأن البعض من تلك الطائفة سيسارع إلى الحديث عن مبالغ مالية خيالية أخذتها مقابل هذه الأنشطة، فلهؤلاء أقول : لا تبالغوا كثيرا عند تحديد المبالغ المأخوذة مقابل هذه الأنشطة، ومع أني لا أحب أن أصدمكم، ولكن، أرجو أن تسمحوا لي أن أقول لكم بأن كل هذه الأنشطة لم تدفع الدولة مقابلها أوقية واحدة، ولم تدعمها أي مؤسسة عامة أو خاصة، وكانت كلها على حساب مُنَظِّمها.

لا يعني هذا الكلام أني ضد أخذ الدعم من أي جهة حكومية، ولو أن وزارة تمكين الشباب دعمت النشاط المتعلق بالشباب، ووزارة التجهيز والنقل دعمت النشاط المتعلق بالتوعية ضد حوادث السير، ووزارة الثقافة دعمت النشاط التكريمي لمجلة العربي، لو أن ذلك حصل، لكانت هذه الأنشطة أفضل مما ظهرت به، ولكان أثرها أكبر.

أوصي مستقلا، وهذا مقترحٌ يتنزل في المستوى الثاني، أن تكون هناك على هامش كل نسخة من مهرجان مدائن التراث، دورات تدريبية لتعزيز بعض المهارات الناعمة أو الصلبة لدى شباب المدن القديمة تتكفل بها وزارة تمكين الشباب، وحملات توعوية في السلامة الطرقية تتكفل بها وزارة التجهيز والنقل، وتكريمات لضيوف المهرجان الأجانب من دبلوماسيين وباحثين وإعلاميين تتكفل بها وزارة الثقافة، وذلك بعد أن كرمت في النسخة الحالية بعض الباحثين الوطنيين، وقد أعطى فخامة الرئيس الإشارة إلى أهمية تكريم الضيوف الأجانب من خلال توشيحه لعالم الآثار الفرنسي "بيرنار سيزون".


حفظ الله موريتانيا..



الخميس، 19 ديسمبر 2024

شكرا مجلة العربي•


في مثل هذا الشهر من العام 1958، أي قبل ست وستين سنة من الآن، صدر العدد الأول من مجلة العربي، هدية الكويت إلى العرب، فكانت تلك الهدية هي أعظم هدية يمكن أن تقدم للعرب في تلك الفاصلة من تاريخهم، حيث كان الاستعمار يبسط سيطرته على العديد من الدول العربية، وحيث كان المد القومي في تشكله.

قدمت الكويت هديتها للعرب من قبل أن تحصل على استقلالها، واستطاعت ـ وهذا ما فشلت فيه تجارب عديدة أخرى ـ أن تُبعد المجلة عن المصالح القطرية الضيقة، وعن الخلافات السياسية الآنية، وأن تنآى بها عن التدخل في سياستها التحريرية، وذلك هو ما جعلها تُحتضن في كل بيت عربي من مشرق بلاد العرب إلى مغربها، وهو ما جعلها أيضا تُعَمَّر لأكثر من ستة عقود، دون توقف، وتلك حالة نادرة ، إن لم أقل حالة يتيمة وفريدة من نوعها، في الصحافة العربية المكتوبة.

تستحق مجلة العربي في زماننا هذا الذي هيمنت فيه مواقع التواصل الاجتماعي، و تراجع فيه كثيرا تأثير الصحافة المكتوبة أن يتذكرها قراؤها القدامي من مختلف الأجيال والأعمار، وفي كل الدول العربية، بنشاط تكريمي، أو على الأقل بكلمة شكر، ولأن المجلة تستحق، ولأننا في موريتانيا أولى بذلك من أي بلد عربي آخر، فقد جاء هذا التكريم الذي أردنا من خلاله أن نقول للمجلة الرائدة ولرؤساء تحريرها ولكل العاملين فيها، رحم الله من توفي منهم، وأطال في عمر الأحياء: شكرا لكم على ما قدمتم للقارئ العربي من محتوى ثقافي مفيد خلال العقود الست الماضية، وشكرا لكم على استطلاعاتكم المتميزة في زاوية العربي الشهيرة "أعرف وطنك أيها العربي"، والتي عرفت العرب بعضهم ببعض.

وشكرا لكم ـ بشكل خاص ـ من موريتانيا، على الاستطلاعات المتتالية التي خصصتم لبلادنا في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، وتحديدا في السنوات: 1967 و1968 و1969، وهي سنوات كانت فيها بلادنا تسعى للانضمام إلى الجامعة العربية، وكانت بأمس الحاجة إلى من يقدمها إلى العرب، فإذا بمجلة العربي ومن خلال استطلاعاتها تنصب نفسها ـ مشكورة ـ سفيرة متجولة لموريتانيا في كل البلدان العربية، فقدمت بلادنا بلسان عربي فصيح للنخب والقادة العرب على حد سواء، فمجلة العربي كانت في تلك الفترة هي أفضل صندوق بريد مضمون وسريع يمكن أن توجه من خلاله الرسائل إلى الأشقاء العرب، فقد كانت نسخها الموزعة تصل إلى 250 ألف نسخة، بل إنها زادت على ذلك الرقم في إحدى سنوات الذروة.

وكان يُطالعها بعض القادة العرب ممن يعود إليهم القرار بقبول انضمام بلادنا للجامعة العربية، فقد جاء في مقال للكاتب إبراهيم فرغلي تحت عنوان : "عهود العربي الأربعة " نُشر في العدد رقم 589 الصادر في شهر سبتمبر من العام 2007، أن عددا من رؤساء الدول العربية بعثوا رسائل تهنئة لمجلة العربي ورئيس تحريرها، و ذكر منهم : رئيس مصر جمال عبد الناصر، وملك المغرب محمد الخامس، والرئيس العراقي عبد الكريم قاسم، وحاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد بن خليفة، وملك ليبيا محمد إدريس السنوسي، ورئيس الحكومة المؤقتة في الجزائر فرحات عباس رحم الله الجميع.

لا يحتاج من طالع تلك الاستطلاعات الثلاث إلى جهد فكري كبير ليستنتج أن من يقف وراء تلك الاستطلاعات، كان يسعى بالفعل ـ وبكل صدق ـ إلى تعريف العرب بموريتانيا، وإلى حثِ القادة العرب بقبول انضمام موريتانيا إلى الجامعة العربية، ولكم أن تقرؤوا الآن ـ وبتأمل ـ خاتمة كل استطلاع من تلك الاستطلاعات لتتأكدوا من ذلك.

ليس هذا فقط، فعلى مستوى الدبلوماسية الثقافية، فإن استطلاعات مجلة العربي هي التي منحتنا لقب بلاد المليون شاعر، وهو اللقب الذي ما زال يُتداول بشكل واسع لدى النخب العربية.

وشكرا لمجلة العربي على ما قدمت لجيلنا ولأجيال عديدة أكبر وأخرى أصغر من محتوى ثقافي وعلمي مفيد حبب إلينا المطالعة، وشجع بعضنا على الكتابة ليكون مثل كُتَّاب العربي، وأنا من الذين يُرجعون لمجلة العربي الفضل الأكبر في التفكير بالكتابة.

وشكرا لمجلة العربي، وهذا شكر لابد أن يذكر في هذا المقام، وفي هذه الأيام بالذات، ونحن نحتفل باليوم العالمي للغة العربية، شكرا لها على ما قدمت للغة العربية خلال العقود الست الماضية من خدمات جليلة، ويكفي أن أذكر هنا ـ وكمثال سريع ـ أن كلمة "استطلاع" التي اشتهرت بها مجلة العربي قد فرضها أحمد زكي رحمه الله لتكون بديلا عربيا أصيلا لكلمة ريبورتاج.

ومن قبل أختم هذه الكلمة، فلابد من أتوجه بشكر خاص لرئيس التحرير السابق للمجلة الدكتور عادل سالم العبد الجادر الذي استضافني في مكتبه بمقر المجلة ذات زيارة للكويت في العام 2016، وعَبَّر عن استعداده لإعداد استطلاع جديد عن موريتانيا، كما أشكر رئيس التحرير الحالي إبراهيم المليفي الذي رحب بفكرة استطلاع جديد عن موريتانيا، واستجاب للدعوة التي وصلته من معالي وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان الدكتور الحسين ولد مدو، فأرسل إلى شنقيط في نسختها الحالية من مهرجان مدائن التراث فريق العربي المتميز الكاتب عبد العزيز الصوري والمصور صالح تقي، فسارا على خطى سليم زبال وأوسكار متري في العام 1968، وننتظر منهما في الأعداد القادمة من المجلة استطلاعا عن شنقيط في العام 2024 لا يقل تميزا عن أول استطلاع عن هذه المدينة، والذي نُشر في شهر سبتمبر من العام 1968 في عدد مجلة العربي رقم 118.

كان ذلك هو نص كلمتي خلال الحفل الذي أقمناه تكريماً لمجلة العربي، والذي سلمنا في ختامه وسام امتنان للمجلة كُتِب فيه: "يتقدم قراء مجلة العربي في موريتانيا من مختلف الأجيال والأعمار بجزيل الشكر والامتنان لمجلة العربي، رؤساء تحرير وعاملين، على ما قدموا من محتوى مفيد للقارئ العربي خلال 66 سنة الماضية، وعلى ما خصوا به موريتانيا من استطلاعات للتعريف بها."

نواكشوط : 17 ـ 12 ـ 2024

• يدخل حفل التكريم هذا في إطار جهود شخصية في مجال الدبلوماسية الشعبية والثقافية بدأت في العام 2016، تسعى لتعزيز العلاقات الأخوية بين الدولتين الشقيقتين : موريتانيا والكويت.

حفظ الله موريتانيا والكويت..








الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

الفساد والاستعمار وجهان لكارثة واحدة


 لا أجد فرقا كبيرا بين دولة احتلتها قوة استعمارية، ودولة أخرى احتلها الفساد، ولا أجد من حيث الآثار السلبية على الدول  والشعوب أي فوارق تذكر بين ما يمكن أن يخلفه الاستعمار من كوارث على الدول والشعوب، وما يمكن أن يخلفه الفساد من كوارث على تلك الدول والشعوب.

فإذا ما نظرنا إلى حجم الأضرار والدمار وكل الآثار السلبية التي يمكن أن يخلفها الاستعمار، وتلك التي يمكن أن يخلفها الفساد وقارنا بينها، فإننا سنستنتج دون عناء  بأن الفساد والاستعمار ما هما إلا وجهان لكارثة واحدة.

لم تجد الدول والشعوب من بعد تحررها من الاستعمار تحديا أخطر من تفشي الفساد فيها، ومع أن هناك من يرى أن الأنظمة الاستبدادية قد تكون هي الأشد خطرا على الدول  بعد التحرر من الاستعمار إلا أن هذا القول غير صحيح، فبعض الأنظمة الاستبدادية ـ حتى وإن كانت قليلة جدا وتشكل استثناءً للقاعدة لا يعتد به ـ تمكنت من أن تحدث في بلدانها تنمية، أما الدول التي تفشى فيها الفساد، وسواء كانت دولا ديمقراطية أو استبدادية ، فإنها ظلت دول متخلفة.

لا توجد دولة واحدة في هذا العالم شهدت نهضة أو تنمية في ظل تفشي الفساد فيها، ولكن توجد دول شكلت استثناءً يؤكد صحة  القاعدة التي تقول بأنه لا تنمية مع الاستبداد، حيث استطاعت تلك الدول القليلة جدا أن تحقق تنمية في ظل أنظمة استبدادية.

لا أظنني بحاجة لأن أؤكد هنا بأني لستُ من دعاة الاستبداد، ولا يمكنني ـ بأي حال من الأحوال ـ  أن أكون من المروجين له، فبالنسبة لي فلا وجود ل"مستبد عادل" كما يروج لذلك البعض، فأينما وُجد الاستبداد غاب العدل تلقائيا. كل ما في الأمر هو أني أردتُ فقط أن أبين أنه إذا كان الاستبداد كارثة، فإن الفساد كارثة أكبر وأخطر، وأنه بعد التحرر من الاستعمار لا شيء  يمكن أن تبتلى به الدول أخطر من تفشي الفساد فيها.

وإذا كان الاستعمار ينهب ويسرق ثروات الشعوب فإن الفساد ينهب تلك الثروات ويسرقها، وربما بحجم أكبر، وإذا كان الاستعمار يُفسد القيم ويضعف الانتماء للوطن، ويدمر التعليم، ويتسبب في عدم الاستقرار، فإن الفساد يفعل نفس الشيء، فهو يهدد الاستقرار، ويضعف الانتماء للوطن، ويفسد القيم ويقلبها رأسا على عقب، ويدمر التعليم، وبه تنهار الصحة، وتضعف اللحمة الوطنية، هذا فضلا عن كونه يقضي على ما تبقى من ثقة في مؤسسات الدولة وهيبتها.

وإذا كان الاستعمار يحتاج إلى حرب تحرير يشارك فيها الجميع للتحرر منه، فإن الفساد يحتاج كذلك إلى حرب تحرير يُشارك فيها الجميع للتحرر منه.

ويبقى السؤال : هل نحن في موريتانيا على استعداد اليوم لخوض حرب تحررية حقيقية ضد الفساد الذي تفشى في بلادنا؟

اترك لكم الإجابة، على هذا السؤال الذي قررتُ أن أطرحه عليكم بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفساد.  

حفظ الله موريتانيا..


الخميس، 5 ديسمبر 2024

عن لافتة حزب الإنصاف في سيلبابي!


أثارت لافتة حزب الإنصاف التي ظهرت مؤخرا في نشاط نظمه الحزب في مدينة سيلبابي جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، وتعليقا على ذلك الجدل ـ ومع الاعتذار مسبقا عن التأخر بسبب الانشغال في فاجعة دار النعيم ـ فإليكم تعليقي، والذي سأناقش من خلاله الموضوع من زوايا أخرى، وسأفتتح التعليق بالتذكير بنص المادة 66 من القانون رقم 017/2018 المنظم للإشهار.

تقول هذه المادة : " تصاغ رسائل الإشهار على عموم التراب الوطني باللغة الرسمية واللغات الوطنية حسب الجمهور المستهدف، مع وجوب مراعاة سلامتها نحويا، ويمكن استخدام لغات أجنبية عند الاقتضاء...وتكون اللغة الأجنبية وجوبا تحت اللغة الرسمية أو اللغات الوطنية إذا رتبت اللغات بشكل عمودي من الأعلى إلى الأسفل، وتكون اللغة الأجنبية على اليسار إذا رتبت اللغات أفقيا من اليمين إلى الشمال"؛

من الناحية الشكلية فقد كان من الأنسب أن تقول المادة من اليمين إلى اليسار بدلا من قولها من اليمين إلى الشمال."

وبخصوص المضمون، فيظهر من هذه المادة:

1 ـ أن كتابة اللغة الفرنسية على اللافتات ليست بالأمر الواجب، وهذا مما يجب أن يعلمه جميع منظمي الأنشطة الرسمية وغير الرسمية في بلادنا؛

2 ـ أن اللغات الأجنبية ـ وهذا مما يجب تكراره دائما ـ  لا تكتب على اللافتات وغيرها إلا عند الاقتضاء، فالأصل أن تكون اللافتة باللغة العربية فقط، ويمكن أن تُضاف إحدى لغاتنا الوطنية الأخرى حسب الجمهور المستهدف، وكان الأولى في حالتنا هذه إن كان لابد من إضافة لغة أخرى أن تكون اللغة المضافة هي السنونكية لا الفرنسية؛ 

3 ـ أن المادة 66 تحدثت عن لغات أجنبية، ولم تتحدث عن لغة أجنبية واحدة ومحددة. 

يعني هذا أنه إذا نظمت إدارة موريتانية ما نشاطا رسميا بالتعاون مع السفارة الأمريكية مثلا، فيمكن في هذه الحالة أن تكتب تلك الإدارة على لافتة النشاط  باللغة الإنجليزية بعد اللغة العربية، وأن تتجاهل كليا اللغة الفرنسية، وهي إن فعلت ذلك فلا يمكن اعتبارها قد خالفت قانون الإشهار؛

4 ـ أن وجوب مراعاة السلامة النحوية التي جاءت في المادة 66 خاصة باللغة العربية حصرا، وذلك لغياب النحو في لغاتنا الوطنية. أما اللغات الأجنبية فقد جاء ذكر السلامة النحوية من قبل أن تذكر تلك اللغات في المادة.

يظهر جليا من نص المادة 66  أنه لا يوجد أصلا ما يلزم حزب الإنصاف بكتابة اللغة الفرنسية على لافتة نشاطه في سيلبابي، وهو إن كتب اللغة الفرنسية عليها، وأخطأ في كتابتها، فلا شيء يترتب على ذلك قانونيا، أقول هذا لأني سمعتُ من يقول بأن سلطة تنظيم الإشهار قد بدأت تتحرك لمعاقبة حزب الإنصاف على لافتته المثيرة للجدل. 

لستُ ـ بطبيعة الحال ـ من دعاة "اتفلفيش" الذي عمت به البلوى، والإتقان بالنسبة لي أمرٌ مطلوب في كل الأحوال، و حتى عند مخالفة القانون، ولذا فقد كان على حزب الإنصاف بعد أن ألزم نفسه بأن يُترجم نص اللافتة إلى اللغة الفرنسية، كان عليه أن يحسن الترجمة ويتقنها، وأن يبتعد عن الترجمة السريعة من خلال الإنترنت.

المؤسف حقا أن استخدام الترجمة السريعة ودون أي تصحيح يستخدم في الغالب عند الكتابة باللغة العربية، ولكم أن تلقوا نظرة سريعة على اللافتات الإشهارية لواجهات المحلات والشركات في الأحياء الراقية، فستجدون أن الأخطاء لا تتوقف عند أخطاء ترجمة الإنترنت، بل إن الكثيرين لا يتعبوا أنفسهم بالترجمة، بل يكتفون فقط بكتابة الكلمة الأجنبية بالحرف العربي إمعانا في الاستهزاء باللغة الرسمية للبلد، ومع ذلك لا تجد من يَتَمَعَّرُ وجهه من ذلك.

المؤسف أكثر هو أن أسلوب الترجمة الذي استخدم في لافتة الإنصاف في سيلبابي هو نفس الأسلوب الذي يستخدم في الغالب عند ترجمة الوثائق الرسمية من الفرنسية إلى العربية، وهذا مما جعلني شخصيا أزهد في بعض الأحيان في المطالبة بالترجمة إلى اللغة العربية عند المشاركة في ملتقى أو ورشة تنظمها إدارة رسمية، وتوزع فيها وثائق باللغة الفرنسية فقط. 

عندما تطلب ترجمة الوثائق إلى العربية في حالة كهذه، تأتيك الوثائق مترجمة بأسلوب يُشابه كثيرا الأسلوب الذي اعتمده حزب الإنصاف في ترجمته  لافتته في سيلبابي إلى الفرنسية.

فلماذا أثارت لافتة الإنصاف في سيلبابي ضجة كبيرة، ولم تثر الأخطاء الإشهارية التي ترتكب يوميا في حق اللغة الرسمية للبلد أية ضجة؟

هناك أسباب عديدة لذلك لا يتسع المقام لتعدادها وبسطها، ولذا فسأكتفي بذكر أحد تلك الأسباب وهو أن التعود على أمر ما يؤدي إلى التعايش معه، ويصبح ـ بالتالي ـ  لا يلفت انتباه أي أحد.

وقد يصل مستوى التعود والتعايش إلى أن يصبح الخطأ عند الناس هو الصحيح، والصحيح عندهم هو الخطأ، وإليكم هذا المثال ذي الصلة القوية بما أريد إيصاله للقارئ الكريم من خلال هذا المقال.

في شهر أكتوبر من العام 2023 بدأنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية بتعريب لوحات ترقيم سياراتنا، تفعيلا للمادة الثامنة من المرسوم رقم 31/2017 المنظم لترقيم لوحات السيارات، والذي أعطى مثالا للترقيم السليم (0377 أب 10)، وقد نُشر ذلك في عدد الجريدة الرسمية رقم 1388 بتاريخ 30 مايو 2017. هذا المرسوم وإن كان قد نص على الكتابة باللغتين العربية والفرنسية في بطاقة تسجيل السيارة، إلا أنه بالنسبة للوحات السيارات اقتصر فقط على اللغة العربية.

عندما بدأنا في الحملة بتعريب لوحات ترقيم سياراتنا، اتهمنا البعض بمخالفة القانون، والمصيبة الأكبر أن بعض عناصر أمن الطرق كانوا يوقفون البعض منا بحجة مخالفة القانون، مع أن من يخالف القانون حقا هو غالبية الموريتانيين التي تضع على لوحات ترقيم سياراتها الحرف اللاتيني.

بشيء من العزيمة والصبر تجاوزنا تلك المرحلة، ولكننا ما زلنا حتى الآن نواجه تحديين اثنين:

أولهما : أن لوحات ترقيم السيارات الحكومية، والتي يفترض أن تكون هي الأكثر حرصا على تطبيق القانون، ما زالت تخالف القانون؛

ثانيهما : أن البعض ممن عرَّب لوحات ترقيم سيارته دعما لنا في الحملة استخدم الأرقام الهندية بدلا من الأرقام العربية، وهو ما أحدث تشويشا وإرباكا لنا في بعض الأحيان.

إن من تسبب أصلا في هذا الإرباك والتشويش هو الجهات الرسمية نفسها، فهي التي تُصِرُّ أن تجذر الازدواجية في كل شيء، في اللغة، وحتى في الأرقام، ولذا فإنكم تجدون الأرقام الهندية في الجانب العربي من بطاقة التعريف الوطنية وجواز السفر وبطاقة تسجيل السيارة وكل الوثائق الرسمية الأخرى، بينما تجدون الأرقام العربية في الجانب الفرنسي من تلك الوثائق.

وحتى البنك المركزي فقد اعتمد نفس الأسلوب في كتابة الأعداد على وجهي الأوراق النقدية، فكانت الأرقام الهندية على الجانب العربي، والأرقام العربية على الجانب الفرنسي. 

الطريف في الأمر أن الجانب العربي في ورقة خمسين أوقية جديدة التي أطلقها البنك المركزي بمناسبة خمسينية إصدار عملتنا الوطنية تظهر فيه الأرقام الهندية والعربية معا، فتجد عليه 50 و ٥٠ في نفس الوقت.

صحيح أن الأرقام الهندية لها جذورها العربية، وصحيح كذلك أن بعض دول المشرق العربي تستخدمها، حتى وإن كان استخدامها قد بدأ يتراجع في بعض تلك الدول. كل ذلك صحيح، ولكن الصحيح أيضا هو أن الأرقام المستخدمة في الغرب حاليا هي أرقام عربية في الأصل، فلماذا لا نتخلص فورا من ازدواجية الترقيم في بلادنا، فنوحد الترقيم في وثائقنا الرسمية، فمن يدري فربما يساعدنا ذلك مستقبلا في التخلص من ازدواجية اللغة في إدارتنا الرسمية؟

حفظ الله موريتانيا...

الأربعاء، 4 ديسمبر 2024

خففوا من الحديث عن شرائح الضحايا...


يُحاول البعض - عن حسن نية أو سوئها -  أن يتحدث عن ردود أفعال متباينة للمجتمع مع ضحايا جرائم الاغتصاب الأخيرة، ويفسر ذلك التباين تفسيرا شرائحيا مقيتا، وهذا التفسير غير سليم. 

لقد تابعت ردود فعل المجتمع على العديد من جرائم الاغتصاب في السنوات الماضية ، ويمكنني أن أقول بأن أقوى ردة فعل مجتمعية خلال تلك السنوات جاءت بعد اغتصاب الطفلة "خدي توري" (6 سنوات)، ورميها ميتة على الشاطئ (أكتوبر 2013)، ثم تلاها من حيث مستوى تفاعل المجتمع ردة الفعل على اغتصاب الطفلة زينب (10 سنوات) ضحى وكانت في طريقها إلى المحظرة ثم حرقها من بعد ذلك (23 دجمبر 2014)، وفي كلا الجريمتين تفاصيل صادمة، مع أن الجريمة صادمة في حد ذاتها.

إن مستوى تفاعل المجتمع وردود فعله على الجرائم يتأثر كثيرا ببعض التفاصيل الخاصة بكل جريمة، لا بلون الضحية أو عرقها أو شريحتها.

هناك تفاصيل صادمة مع أن جريمة الاغتصاب في حد ذاتها صادمة، وتزيد تلك التفاصيل من مستوى تفاعل المجتمع وردود فعله على الجرائم، وهذا يحدث في كل بلدان العالم، فهناك بعض التفاصيل التي قد تثير ردود فعل المجتمع أكثر من الجريمة نفسها، وفي اعتقادي أن وجود الأب المريض الذي لا يستطيع أن يتحرك، واغتصاب ابنته أمامه هو الذي زاد من حجم ردة فعل المجتمع على الجريمة الأخيرة، ولا علاقة للانتماء العرقي للضحية بالموضوع.

يمكنني أن أجزم تحليليا أنه لو لم يوجد الأب المريض في أحداث جريمة الاغتصاب الأخيرة لمرت هذه الجريمة بردود فعل باهتة كما مرت جرائم الاغتصاب التي سبقتها. 

إن الحديث عن عرق وشريحة المجرم هو أمر مقيت، والحديث كذلك عن عرق وشريحة الضحية هو أمر مقيت، واستحضار العرق أو الشريحة للتضامن مع الضحية أو لتفسير  مستوى التضامن هو أمر مقيت كذلك.

هذا التفسير الشرائحي لردود الفعل الذي يدفع به البعض  يتناقض كثيرا مع ما يحدث من تفاعل مع بعض الجرائم الأخرى، ولدي مثال يمكن تقديمه لإسكات كل من يحاول إدخال البعد الشرائحي والعرقي في ردود المجتمع ونخبه السياسية والإعلامية على ما يحدث من جرائم في البلد.

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2024

16 توصية للحد من الجريمة في بلادنا


قبل ثلاث سنوات من الآن، وتحديدا في يوم السبت الموافق 10 يوليو 2021، ونظرا لتسجيل عدة جرائم بشعة في تلك الفترة، نظمنا في "جمعية خطوة للتنمية الذاتية" في إطار أنشطتنا الفكرية ندوة نقاشية تحت عنوان : " التحدي الأمني وآليات مواجهته"، وقد شارك في هذه الندوة وزير عدل سابق، ومدير مساعد للأمن سابقا، وموظف سابق بإدارة السجون، وخبير في الأدلة الجنائية، وبعض الأساتذة الجامعيين في القانون وعلم الاجتماع، ومحامون، ونشطاء في المجتمع المدني.
المشاركون في هذه الندوة  تقدموا بجملة من المقترحات والتوصيات كان من أبرزها:
1ـ خلق آلية اجتماعية لإشراك المواطن في الحفاظ على الأمن؛
 2ـ فرض إلزامية التعليم وإعادة الاعتبار للمدرسة، مع التكفل بأبناء الأسر ذات الدخل المحدود؛
 3ـ إنشاء مراكز خاصة بعلاج الإدمان؛ 
 4ـ إنشاء حاضنات ثقافية ورياضية للشباب؛
 5ـ التعامل الجاد مع كل أشكال الغبن والتهميش وكل مظاهر غياب العدالة؛
6 ـ ضرورة مشاركة المجتمع، وخصوصا نخبه، في مجال التوعية والتحسيس ضد الجريمة؛ 
 7ـ تحيين الترسانة القانونية، والعمل على تعزيز قدرات الكادر البشري في سلك القضاء وأعوانه؛
 8ـ تفعيل عمل المؤسسات الإصلاحية من أجل دمج الشباب ذوي السوابق الجنائية في الحياة النشطة؛ 
 9ـ تفعيل التجنيد الإجباري والخدمة المدنية؛
10ـ إنشاء مرصد للجريمة وتحسين آليات الإحصاء المتعلقة بالجريمة، وتمكين استفادة الباحثين منها؛
11ـ تعزيز مراقبة الحدود، ومراجعة بعض حالات الدخول إلى البلاد دون تأشيرة؛ 
12ـ إنشاء شرطة الجوار؛
13ـ تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية وتشجيع التخصصات؛
14ـ إنشاء معهد يعني بالطب الشرعي والأدلة الجنائية؛
15ـ وقف تعطيل الأحكام القضائية والصرامة في تنفيذ تلك الأحكام؛
16ـ إشراك مراكز البحث في إعداد السياسات الاستشرافية المتعلقة بالمصالح الحيوية للبلد.
بعد ذلك نظمنا في الجمعية ندوة أخرى ذات صلة بالتحديات الأمنية، ولكن هذه المرة كان التركيز على التحديات الأمنية الخارجية، وكانت الندوة تحت عنوان: "الأوضاع الأمنية والسياسية في دول الساحل، وآثارها على موريتانيا"، وقد شارك في تلك الندوة خبراء في المجال، ولم تكن مخرجاتها بأقل أهمية من مخرجات الندوة الأولى.
هذا عن الأنشطة الفكرية لجمعية خطوة، أما عن أنشطتها المتعلقة بالتكوين والتدريب، فقد أطلقت الجمعية برنامجا تدريبيا رائدا لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية، وجاء هذا البرنامج التدريبي في إطار تفعيل الجمعية لبعض توصيات المشاركين في الندوة الأولى.
تمكنا في الجمعية من تنظيم دورات تدريبية لصالح العشرات من الشباب في  نواكشوط ولعيون وأكجوجت، وتقدمنا بمقترحين في غاية الأهمية لتوسيع هذا البرنامج ليشمل أكبر عدد ممكن من الشباب، أولهما وجهناه لمعالي وزيرة التربية وإصلاح نظام التعليم، وذلك من أجل إطلاق برنامج تدريبي واسع لاكتشاف المواهب الشبابية في المدارس الثانوية خلال العام الدراسي الحالي، وثانيهما لمعالي وزير تمكين الشباب والتشغيل والرياضة والخدمة المدنية، وذلك من أجل إطلاق برنامج تدريبي مماثل لصالح الشباب النشط في الأندية والجمعيات الشبابية.
لم نجد ـ حتى الآن ـ  أيَّ رد على أيٍّ من المقترحين، ومع ذلك فإننا لن نتوقف في الجمعية عن تقديم ما يمكننا تقديمه بجهودنا الذاتية لصالح شبابنا، ولن نتوقف كذلك عن تقديم المقترحات للجهات المعنية للقيام بما يجب القيام به لصالح شبابنا، فواقع شبابنا اليوم، وتفشي المخدرات والجريمة في صفوف فئات واسعة منه، وتنامي روح اليأس والإحباط في صفوفه ينذران بخطر كبير، وهو ما يستدعي منا جميعا التحرك السريع ومن قبل فوات الأوان، وابتداع أساليب جديدة  للتعامل مع الشباب، تختلف عن تلك الأساليب القديمة التي تسببت في ضياع الكثير من شبابنا، والتي بدأنا نحصد للأسف ثمارها من خلال ما نعيشه اليوم من جرائم غير مسبوقة، فوراء كل جريمة من تلك الجرائم التي يرتكبها قاصر أو شاب، أسرة فشلت في التربية، ومدرسة أخفقت في التعليم، ومجتمع بل ودولة بكاملها هيئاتها الرسمية والمدنية لم تتمكن من توفير ما يلزم من رعاية واحتضان لذلك الشاب أو القاصر الذي تحول إلى مجرم.  
حفظ الله موريتانيا..

الجمعة، 29 نوفمبر 2024

بيان


طالعنا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" بيان مجلس الوزراء الأخير، المنعقد يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024، وقد استوقفتنا فقرة تُنشر لأول مرة في بيانٍ لمجلس الوزراء، تُوَّضحُ أن عملية الإعفاء من المهام التي اتُخذت في المجلس، كانت بناءً على تقرير أصدرته المفتشية العامة للدولة إثر مهمة تفتيش قامت بها لإحدى المؤسسات العمومية في البلد.

إننا في "منتدى 24 ـ 29" لنثمن كثيرا ورود هذه الفقرة لأول مرة في بيانٍ لمجلس الوزراء، وذلك لكونها سترفع من قيمة تقارير واحدة من أهم هيئات الرقابة في البلد (المفتشية العامة للدولة)، وذلك بعد أن رُفِع من مكانة الهيئة نفسها في وقت سابق بإلحاقها برئاسة الجمهورية.

ونحن في المنتدى إذ نُثمن عاليا هذه الخطوة المهمة وذات الدلالة، والتي لا شك أنها ستنعكس إيجابا على واحد من أهم الملفات في برنامج فخامة رئيس الجمهورية التي نتابعها في المنتدى (الحرب على الفساد)، فإننا بهذه المناسبة، وسعيا إلى إعطاء تقارير المفتشية العامة للدولة المزيد من الأهمية، فإننا ندعو إلى:

1 ـ  عدم تعيين من أعْفِي أو جُرِّدَ من مهامه بناء على تقارير المفتشية العامة للدولة، أو تقارير أي جهاز رقابي آخر، وأن يستمر الحرمان من التعيين على طول المأمورية (2024 ـ 2029)؛

2 ـ عدم ترشيح من أدين في ملف فساد لأي مقعد انتخابي، وأن تتبنى الأحزاب السياسية ميثاقا شرفيا بذلك، ويتأكد الأمر بالنسبة لحزب الإنصاف، وذلك باعتباره أكبر حزب داعم لفخامة رئيس الجمهورية، والذي جعل الالتزام بمحاربة الفساد  من أهم  الالتزامات في برنامجه الانتخابي؛

3 ـ عدم السماح بالإفلات من العقاب في حالة الإدانة بتهم تتعلق بالفساد، وذلك تنفيذا  لما جاء من التزامات قوية بهذا الخصوص في برنامج "طموحي للوطن" ورسالة إعلان الترشح، والتي قال فيها فخامة رئيس الجمهورية: "سنضرب بيد من حديد، ونواجه بكل قوة وصرامة كافة مسلكيات وممارسات الفساد والرشوة والتعدي على المال العام، ومن أجل ذلك سنتخذ مع بداية المأمورية المقبلة كل الإجراءات الضرورية لتعبئة الأجهزة الإدارية والرقابية والقضائية كافة من أجل تحقيق هذا الهدف".

وتنفيذا كذلك لما جاء في إعلان السياسة العامة للحكومة في هذا الصدد، حيث أكد معالي الوزير الأول في خطابه أمام البرلمان بأن الحكومة ستعمل على : "توفير الشروط اللازمة لتعزيز الدور الرادع للقضاء في مكافحة الفساد إجمالا، وفي منع الإفلات من العقاب".

وفي الأخير، فإننا في المنتدى نتقدم بأخلص التهاني وأصدق التبريكات لفخامة رئيس الجمهورية وللشعب الموريتاني بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لعيد الاستقلال الوطني، ولا يفوتنا بهذه المناسبة أن نُذَكِّر بأن الفساد لا يختلف كثيرا عن الاستعمار، فإذا كان الاستعمار ينهب خيرات البلد، فإن الفساد ينهبها كذلك، وإذا كان الاستعمار يُفسد قيم المجتمع فإن الفساد يفسدها كذلك، وإذا كانت محاربة الاستعمار ومقاومته شكلت بالنسبة للآباء والأجداد حربا مصيرية، فإن محاربة الفساد يجب أن تُشَكِّل بالنسبة لنا اليوم حربا مصيرية، وقد وصفها فخامة رئيس الجمهورية في خطاب التنصيب بالحرب المصيرية، وهو ما يعني أن مستقبل بلدنا مرهون بالنتائج التي سيحقق في حربه المصيرية التي يخوض ضد الفساد.

نواكشوط : 28 نوفمبر 2024

اللجنة التأسيسية لمنتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

#منتدى24_29

فرنسا لم تعد كما كانت!


و مازال في موريتانيا من يكلمك بلغة خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي، فيحدثك عن فرنسا في العام 2024 بصفتها قوة عظمى اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا، وأنها هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في إفريقيا الغربية!

وما زال في موريتانيا من يعبد صنم فرنسا ويقدس لغتها، ويقول لك بأننا في موريتانيا لا يمكن أن نستغني عن اللغة الفرنسية لأنها لغة علم ولغة انفتاح على العالم!

يا هذا استيقظ، فنومك قد طال، استيقظ من قبل فوات الأوان، فمن يدري فربما تجد نفسك بعد عقد أو عقدين من الزمن بحاجة إلى لغة أخرى غير الفرنسية لتتفاهم مع الفرنسيين في قلب العاصمة باريس.

مرة أخرى، أجدد القول بأنه لا مشكلة لي مع فرنسا ولغتها، فأهلا بعلاقات صداقة وشراكة مع فرنسا قائمة على احترام مبدأ السيادة الوطنية، لا هيمتة فيها ولا استعلاء، وأهلا باللغة الفرنسية بصفتها لغة أجنبية أولى في موريتانيا، وأقول لغة أجنبية، أي لا يحق لها أن تغتصب مكانة في الإدارة أو التعليم كان يجب أن تبقى خالصة للغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية.

على فرنسا أن تدرك بأنها لم تعد قوة عظمى تمتلك من القدرات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية ما يؤهلها للحفاظ على علاقات قائمة على الهيمتة والاستعلاء مع مستعمراتها القديمة.

وعليها أن تدرك كذلك أن لغتها لم تعد لغة علم وانفتاح على العالم بالدرجة التي تؤهلها لأن تأخذ مكانة أي لغة رسمية أخرى في أي بلد من بلدان العالم.

يكفي اللغة الفرنسية أن تصنف اليوم في موريتانيا أنها اللغة الأجنبية الأولى، وأن لا نجعل مكانها اللغة الانجليزية، فنعتبرها اللغة الأجنبية الأولى كما فعلت بلدان أخرى.

وما على فرنسا أن تدركه  هو أن استمرارها في محاولة انتزاع مكانة للغتها على حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مواقف متشددة في غير صالحها، كالمطالبة بجعل اللغة الانجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا بدلا من اللغة الفرنسية، ومما لا شك فيه أن إبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية في موريتانيا سيجلب لنا مصالح أكثر، ولمن يشك في ذلك فيمكنه أن يسأل رواندا.

#معا_لتفعيل_المادة6



الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

هل ستتم دعوة مجلة العربي لمهرجان شنقيط؟


في العام 2016 زرتُ الكويت بدعوة كريمة من وزير الإعلام الكويتي، وكان حينها الشيخ سلمان الحمود الصباح، وعلى هامش تلك الزيارة شرفني الدكتور عادل سالم العبد الجادر رئيس تحرير مجلة العربي في ذلك الوقت بلقاء في مكتبه بمقر المجلة، وخلال اللقاء اقترحتُ عل  إدارة المجلة برمجة زيارة إلى موريتانيا لإجراء استطلاع عن مدينة وادان بمناسبة النسخة التي كانت ستنظم في تلك الفترة من مهرجان المدن القديمة في مدينة وادان.

حصلتُ على موافقة مبدئية من رئيس تحرير العربي الذي رحب كثيرا بالمقترح، كما أن وكيل وزارة الاعلام الكويتي حينها (سيصبح فيما بعد وزيرا) تعهد ـ مشكورا ـ باسم الوزارة بتحمل كل تكاليف الزيارة وبتذليل كل المصاعب الفنية التي قد تعيق تنظيمها. 

لم تتم تلك الزيارة، ولم يكن متاحا لي في تلك الفترة أن أنسق موضوعها مع وزارة الثقافة، بسبب التصنيف السياسي في تلك الفترة.

أظن أن الفرصة متاحة اليوم أمام وزارة الثقافة لدعوة مجلة العربي لحضور مهرجان مدائن التراث الذي سينظم هذا العام بمدينة شنقيط، خاصة وأن مجلة العربي كانت قد خصصت استطلاعها الثاني عن موريتانيا، والذي جاء في العدد رقم  118 الصادر بتاريخ 1 سبتمبر 1968 لمدينة شنقيط، وكان بعنوان : "تحت هذه الرمال ترقد شنقيط". وفي هذا الاستطلاع المتميز قدمت مجلة العربي لقرائها العرب شيئا من تراث شنقيط، وثروتها الثقافية المهددة بالضياع، وكشفت في ذات الوقت عن تعلق الموريتانيين بالثقافة. 

فكم هو جميل أن تعود مجلة العربي إلى مدينة شنقيط باستطلاع جديد بعد أكثر من نصف قرن (56 عاما) من أول استطلاع  لها عن هذه المدينة.

تستحق مجلة العربي الكثير على الموريتانيين، فقد كانت في عقد الستينيات من القرن الماضي بمثابة سفارة متنقلة لموريتانيا في الدول العربية، وذلك من قبل أن تنضم بلادنا للجامعة العربية.

الأحد، 24 نوفمبر 2024

المادة 61 خط أحمر !

                                                                                     


أُعْلِن مؤخرا عن تشكيل لجنة برلمانية لمراجعة النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وتتشكل هذه اللجنة من 13 نائبا، ويترأسها النائب سيدينا سوخنه.

قد يبدو لكم ـ ولأول وهلة ـ أن هذا الخبر هو مجرد خبر عادي يخص النواب لوحدهم، ولا يستحق أي تعليق من خارج الجمعية الوطنية. ربما يكون الأمر كذلك بالنسبة لكم، ولكنه بالنسبة لي، أنا الذي كنتُ شاهدا في الفترة الماضية على معركة شرسة لم يعلن عن دوافعها الحقيقية، وغابت تفاصيلها عن الرأي العام، وكانت ساحتها الخفية المادة 61، فإن هذا الخبر بالنسبة لي ليس خبرا عاديا، ولا شأنا داخليا يخص النواب، وإنما هو خبر مقلق، إن كانت المادة 61 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية من بين المواد المستهدفة بهذه المراجعة.

عن أول تعديل للمادة 61

في شهر يوليو من العام 2019 أُجْرِيَّ أول تعديل على المادة 61 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وكانت ردود الأفعال المناهضة لذلك التعديل قوية جدا، وكانت تُدافع في مجملها، حتى وإن لم يُعلن عن ذلك، عن مكانة اغتصبتها اللغة الفرنسية في جمعيتنا الوطنية، وبغير وجه حق.

لقد بذل الرئيس السابق للبرلمان الشيخ ولد بايه، وهذا مما يُحسب له، جهدا كبيرا لصالح لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية خلال فترة رئاسته للبرلمان، ومن ذلك الجهد أنه تمكن في ظل رئاسته للبرلمان من إجراء تعديل على المادة 61 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية، ليصبح نصها بعد التعديل :" تُوفر إدارة الجمعية الوطنية الترجمة الفورية لمداولات البرلمان باللغات الوطنية".  

تَرتَّب على هذا التعديل، أن اتخذ ولد بايه إجراءات في غاية الأهمية مكنت في المحصلة النهائية من ترجمة  كل مداخلات النواب  في البرلمان إلى كل اللغات الوطنية، بل أكثر من ذلك فقد أصبح بإمكان كل موريتاني أينما كان، أن يستمع لكل ما يدور في غرفته التشريعية من نقاش بلغته الأم أيا كانت لغته الأم، وكان ذلك بفضل تعديل المادة 61، واكتتاب مترجمين للغات الوطنية، وإطلاق قناة البرلمانية المتخصصة في بث مداولات البرلمان، والتي يصل بثها إلى الجميع. 

بعد هذا التعديل الهام شُنَّت حرب إعلامية شرسة ضد الرئيس السابق للجمعية الوطنية، وقد قيل حينها إنه منع التحدث باللغة الفرنسية في البرلمان، وهذا غير صحيح، فكل ما فعله الرجل هو أنه ألزم بترجمة المداخلات التي يتحدث أصحابها بإحدى لغاتنا الوطنية، وأوقف الترجمة من وإلى اللغة الفرنسية، مع السماح لكل من يريد من النواب أن يتحدث بالفرنسية أن يتحدث بها، ولكن من دون الاستفادة من خدمة الترجمة الفورية التي أصبحت خاصة بلغاتنا الوطنية.

هذا هو ما حدث بالضبط حينها، مع أن الطبيعي، لو كان برلماننا يعمل بشكل طبيعي كبقية البرلمانات في العالم، أن يُحَرَّم، بل ويُجَرَّم الحديث بأي لغة أجنبية داخله، ففي البرلمان الفرنسي مثلا يُحظر استخدام أي لغة غير الفرنسية، وفي تونس التي تصل فيها نسبة المتحدثين باللغة الفرنسية إلى ما يقارب 50 % من الشعب التونسي، فإن المادة 104 من النظام الداخلي للبرلمان التونسي تحظر استخدام اللغة الفرنسية داخل البرلمان، وفي المغرب يحظر استخدام أي لغة غير العربية والأمازيغية داخل البرلمان المغربي، وفي الجزائر نفس الشيء، وهكذا في العديد من دول العالم.

لم يحظر ولد بايه الحديث باللغة الفرنسية داخل الغرفة التشريعية، وهذا ما كان يجب أن يحصل، وإنما اكتفى ـ وهذا هو أقل ما يجب ـ بأن أوقف الترجمة من وإلى الفرنسية، ومع ذلك فقد شُنت ضد الرجل حملة إعلامية شرسة، فأصدرت بعض أحزاب المعارضة وبعض الجهات المحسوبة عليها، بيانات شديدة اللهجة للتنديد بهذا التعديل، وبدأت إذاعة فرنسا الدولية في التحريض ونشر الأكاذيب  في محاولة لتأجيج الرأي العام لفرانكفوني ضد التعديل.  وقد بلغ حجم التلفيق بالإذاعة أن قالت في إحدى نشراتها على لسان مراسلها في نواكشوط الصحفي "سالم مجبور سالم" إن اللغة الفرنسية ـ حسب الدستور الموريتاني ـ هي لغة عمل في موريتانيا!!!

كما أنها قالت في نفس النشرة بأنه قد تم تحريم التحدث باللغة الفرنسية في مداولات البرلمان الموريتاني، وهي المغالطة التي كررتها في خبر نشرته على موقعها يوم 03 ـ 02 ـ 2020 عند منتصف الليل وست وعشرين دقيقة، واختارت أن تعنونه بنفس الكذبة التي تقول بأنه تم تحريم التحدث باللغة الفرنسية في البرلمان الموريتاني.

ولم تتوقف الحملة ضد تعديل المادة 61 عند تلفيق إذاعة فرنسا الدولية، بل إن السفير الفرنسي في نواكشوط شارك في الجهود الرامية لإعادة الترجمة من وإلى اللغة الفرنسية، حيث ذكرت بعض وسائل الإعلام المحلية أنه استدعى بعض النواب، وحثهم على التمسك بالمطالبة بتوفير ترجمة مداولات البرلمان من وإلى اللغة الفرنسية، ومع أن السفارة الفرنسية نفت فيما بعد هذا اللقاء، إلا أن هناك قرائن عديدة لا يناسب المقام لذكرها تدعم صحة ما تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام المحلية عن لقاء السفير الفرنسي ببعض النواب.

أول محاولة للالتفاف على التعديل

في شهر يناير من العام 2022 تم تشكيل لجنة برلمانية جديدة من 5 نواب لمراجعة النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وكانت هناك محاولة جادة لتعديل المادة 61. فبعد شيء من التقصي قمتُ به حينها، وبعد اتصال ببعض أعضاء اللجنة، فهمتُ أن هناك محاولة جدية لتعديل هذه المادة يقودها أحد النواب، ويدعمه أربعة نواب من خمسة هم أعضاء اللجنة، والحجة التي كان يُدفع بها هي أن اللجنة ترى أن ترجمة الجمعية الوطنية للمداخلات باللغات الوطنية كانت مسألة في غاية الأهمية ويجب أن تستمر، ولكن ـ والمشاكل تأتي دائما بعد ولكن ـ فإن اللجنة ترى أنه من المهم كذلك أن تشمل الترجمة أيضا المداخلات المقدمة باللغة الفرنسية.

لا تخفى بالطبع خطورة العودة إلى ترجمة المداخلات باللغة الفرنسية، فخطوة كهذه، وبالإضافة إلى أنها ستشكل مساسا بالسيادة الوطنية في غرفتنا التشريعية، وتعدُّ شذوذا عن أعراف البرلمانات في العالم، فإنها ستشكل أيضا  طعنة قوية في الظهر، بل وفي الصدر أيضا، للغاتنا الوطنية الثلاث.

إن العديد من النواب الناطقين بلغاتنا الوطنية الثلاث ما زال يرفض ـ حتى الآن ـ التحدث بلغته الأم في البرلمان، ومن المؤسف أن بعض هؤلاء النواب لا يتذكر لغته الأم إلا عند ما يتم الحديث عن تفعيل ترسيم اللغة العربية، فهنا وهنا فقط يتذكرها، بل إنه قد يُطالب بترسيمها، ومساواتها قانونيا باللغة العربية، ولا يخفى أن طلبا كهذا لا يقصد من ورائه إلا الوقوف ضد تفعيل ترسيم اللغة العربية، فهل سمعتم عن وجود دولة في هذا العالم لا يتجاوز سكانها خمسة ملايين، لديها أربع لغات رسمية؟

إن المطلوب لمن يهتم حقا بلغاتنا الوطنية، هو أن يعمل على تطويرها لتصبح قابلة للكتابة، وأن يسعى لحضورها بشكل أوسع في الفضاءات العامة، وقد اتخذت في  السنوات الأخيرة خطوات مهمة في هذا الاتجاه، حيث أُطلقت وحدة لتدريس لغاتنا الوطنية لشعبتي القضاء والإدارة في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، وبدأ تدريسها في المدارس بشكل متدرج، تنفيذا لما جاء في القانون التوجيهي للنظام التربوي، هذا بالإضافة إلى توفير الترجمة منها وإليها في الجمعية الوطنية، ولا تقل هذه الخطوة الأخيرة أهمية عن سابقتيها، ومع ذلك ـ وهذا من غرائب الأمور ـ فقد وقف بعض الناطقين بلغاتنا الوطنية ضد هذه الخطوة، ورفض بعضهم أن يتحدث بلغته الأم في البرلمان، ولعل خير مثال يمكن تقديمه هنا هو رفض أحد النواب الشباب المحسوببين على المعارضة أن يتحدث بلغته الأم في أول مداخلة له في البرلمان، وتحدث بدلا منها باللغة الفرنسية، وقد شجعه على ذلك بعض نواب المعارضة، رغم أن حديثه بلغته الأم كان سيترجم إلى كل اللغات الوطنية، وهو ما سيمكن كل الموريتانيين من سماع مداخلته بلغاتهم الأم، ففضل بدلا من ذلك، الحديث باللغة الفرنسية، مع علمه مسبقا بأن مداخلته لن تترجم إلى اللغات الوطنية، ولن تفهمها إلا القلة القليلة جدا من الموريتانيين التي تفهم اللغة الفرنسية، والتي لا تصل نسبتها إلى 10% من مجموع الموريتانيين. 

إن أي تعديل جديد للمادة 61، يهدف إلى فتح المجال مرة أخرى للترجمة من وإلى اللغة الفرنسية، سيجعل بعض النواب النطاقين بلغاتنا الوطنية الثلاث، والذين بدؤوا يتحدثون في البرلمان بلغاتهم الأم، يتوقفون عن الحديث بها، ويعودون إلى الحديث باللغة الفرنسية بعد أن ضُمِنَتْ لهم ترجمة مداخلاتهم باللغة الفرنسية إلى كل اللغات الوطنية، وسيعني ذلك تراجع استخدام لغاتنا الوطنية في البرلمان، أي انحسار استخدامها في فضائنا التشريعي.

وشهادة للتاريخ، فإن الذي وقف بحزم ضد هذا التعديل هو الرئيس السابق للبرلمان الشيخ ولد بايه، والذي ينقل عنه أنه قال ما مضمونه: إن المادة 61 لن تمس، ولن يجرى عليها أي تعديل جديد، ما دمتُ أنا رئيسا للبرلمان.

لا مشكلة لديَّ مع فرنسا ولغتها

يحاول بعض لفرانكفونيين، ممن لا يجد حججا مقنعة، ولا حتى حججا غير مقنعة، يُدافع بها عن استمرار اغتصاب اللغة الفرنسية لمساحات لا تستحقها في الإدارة والتعليم في موريتانيا، يحاول أولئك أن يلصقوا بي ـ وبغيري من المدافعين عن لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية ـ  تهمة "معاداة الفرنسية" أو "معاداة فرنسا"، ولؤلئك أقول، وكما قلتُ سابقا: إذا برَّ الابن والديه فهذا لا يعني أنه عاق لآباء وأمهات الآخرين، وإذا أحب المواطن وطنه فهذا لا يعني أنه يبغض أوطان الآخرين، وإذا دافع هذا المواطن عن لغته الرسمية أو لغاته الوطنية، فهذا لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ  أنه يعادي لغات الآخرين.

إن العاق حقا هو من يعق والديه، حتى وإن برَّ كل الآباء والأمهات في العالم، والخائن حقا هو من يخون وطنه، حتى وإن ضحى بحياته من أجل أي دولة أخرى في العالم، والمستلَبُ حقا هو من لا يتعلم اللغة التي نزل بها القرآن، ولا يدافع عنها، ولا يفتخر بأن لغة بلده الرسمية هي اللغة التي اختارها الله لتكون لغة القرآن العظيم، ووعاء الشريعة الإسلامية.  إن المستلب حقا هو من لا يتعلم لغة بلده الرسمية، ولا يدافع عنها، ولا يفتخر بها، وسيبقى هذا المستلبُ مستلبا حتى وإن تعلم كل لغات العالم الأخرى.

تلك كلمة كان لابد أن تقال ـ وبأعلى صوت ـ عن لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية، وما دامت تلك الكلمة قد قيلت، فإليكم كلمة مكملة عن فرنسا ولغتها.

فيا أيها لفرانكفونيون الذين تتهمونني ب"معاداة الفرنسية" : أنا لستُ معاديا للغة الفرنسية، واللغات ليس أصلا محل عداء أو كره، وأنا من الذين يرون أن تعلم أي لغة مهما كانت يعتبر إضافة وميزة لمن تعلمها، وليست منقصة أبدا، خاصة إن تعلم تلك اللغة بعد تعلم لغة بلده الرسمية، والتي هي بالمناسبة لغة كل مسلم في هذا العالم يريد أن يتدبر القرآن أو أن يتفقه في دينه. 

وأنا من الذين يرون ـ وهنا سأزيدكم من الشعر بيتا ـ أن فرنسا يجب أن تكون أقرب لبلدنا من كل دول الغرب الأخرى، وأن علاقتنا معها يجب أن تكون أقوى من علاقاتنا مع أي دولة غربية أخرى، وأرى كذلك أن اللغة الفرنسية يجب أن تكون اللغة الأجنبية الأولى في بلدنا، حتى وإن كنتُ أدركُ أن جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى في بلدنا قد يجلب لنا مصالح أكثر، وأن إقامة علاقات أقوى مع دول غربية أخرى غير فرنسا قد يجلب لنا كذلك مصالح أكثر.

نعم إن فرنسا ولغتها، وبحكم تاريخ العلاقات بين بَلدينا، وهي علاقات لم تكن في مصلحتنا دائما، ففرنسا المستعمرة لم تترك لنا من بنية تحتية إلا مباني قليلة أغلبها كان من الطين، وأكثرها كان سجونا. أقول إن فرنسا ولغتها، ورغم كل ما يمكن أن يُستحضر من ماض غير مشرف، يجب أن تحظى في بلادنا بمكانة خاصة بالقياس مع دول الغرب الأخرى ولغاتهم، ويجب أن تمنح اللغة الفرنسية كلغة أجنبية، مكانة خاصة في بلدنا بالقياس مع اللغات الأجنبية الأخرى، وتُمنح فرنسا علاقات خاصة بالقياس مع دول الغرب الأخرى.

هذا ما أراه بخصوص علاقتنا بفرنسا ولغتها، ولكن على فرنسا أن تعلم ومن الآن،  بأن استمرار اغتصاب اللغة الفرنسية لمكانة لا تستحقها في إدارتنا أو في تعليمنا على حساب لغتنا الرسمية أو لغاتنا الوطنية لم يعد مقبولا، بأي حال من الأحوال.

نعم للغة الفرنسية بصفتها لغة أجنبية أولى في موريتانيا، ولا، وألف لا، للسماح لهذه اللغة الأجنبية بأن تغتصب، ولو ملليمترا واحدا، من فضاءاتنا الرسمية وشبه الرسمية، والتي يجب أن تبقى حكرا للغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية. 

على فرنسا أن تأخذ العبرة مما جرى في بعض مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وعليها أن تدرك بأن استمرارها في محاولة فرض هيمنتها ولغتها على شعوب ودول مستقلة، سيأتي بنتائج سلبية، وقد يولد عداءً قويا لدى شعوب تلك الدول لفرنسا ولكل ما لها به علاقة، مثلما ما حصل في مالي والنيجر واتشاد وفي دول إفريقية أخرى.

عذرا، يبدو أن المقال قد تجاوز أضعاف المساحة المخصصة له، ومع ذلك فقد بقي في الصدر كثيرٌ مما كان يجب أن يُقال، وفي ختام هذا المقال أذكر بما بدأتُ به : المادة 61 خطٌ أحمر.

حفظ الله موريتانيا..


الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

متى ستتوقف الإساءة إلى اللغة الرسمية للبلد؟


في الوقت الذي تستعدُّ فيه بلادنا (حكومة وشعبا) لتخليد الذكرى الرابعة والستين للاستقلال الوطني، وفي الوقت الذي تُحضِّر فيه الهيئات العاملة من أجل التمكين للغة العربية لتخليد شهر اللغة العربية في موريتانيا، في هذا الوقت بالذات تعرضت اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية للعديد من الإساءات من مؤسسات رسمية يُفترض فيها أنها تسهر على تطبيق القانون.

لم تسلم اللغة العربية في هذا البلد من الإساءة على طول السنة، وحتى في شهر الاستقلال وشهر اللغة العربية، فإنها لم تسلم من الإساءة، وسأكتفي هنا بتقديم ثلاثة أمثلة صادمة من تلك الإساءات المتكررة.

المثال الأول

للعلم، وعلم الشيء خيرٌ من جهله، توجد في موريتانيا هيئة رسمية تُعنى بالإشهار تدعى سلطة تنظيم الإشهار، وهذه السلطة هي المعنية  بفرض تطبيق القانون رقم 017/2018 المنظم للإشهار، والذي تقول مادته 66 : " تصاغ رسائل الإشهار على عموم التراب الوطني باللغة الرسمية واللغات الوطنية حسب الجمهور المستهدف، مع وجوب مراعاة سلامتها نحويا، ويمكن استخدام لغات أجنبية عند الاقتضاء...وتكون اللغة الأجنبية وجوبا تحت اللغة الرسمية أو اللغات الوطنية إذا رتبت اللغات بشكل عمودي من الأعلى إلى الأسفل، وتكون اللغة الأجنبية على اليسار إذا رتبت اللغات أفقيا من اليمين إلى الشمال".

إليكم الصدمة الأولى: من مرَّ خلال هذه الأيام من أمام المقر الرسمي الجديد لسلطة تنظيم سلطة الإشهار، المسؤولة عن تطبيق المادة أعلاه على كل اللافتات الإشهارية على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية. من مرَّ من أمام ذلك المقر، وتوقف أمام لافتته المثبتة على واجهته الأمامية، فلن يُشاهد حرفا عربيا واحدا على تلك اللافتة!!

المثال الثاني:

كنتُ من الذين استبشروا خيرا بتعيين وزير الصحة الحالي على قطاع الصحة، ويُعد قطاع الصحة من القطاعات الحكومية الأكثر عبادة والأشد تقديسا للغة الفرنسية. استبشرتُ خيرا بتعيين الوزير الحالي لأني طالعتُ منذ فترة تعميما موقعا باسمه خلال فترة إدارته لمركز الاستطباب الوطني، جاء فيه، وبالنص : "عملا بمقتضيات دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي ينص على أن اللغة الرسمية للبلد هي اللغة العربية أطلب من الجميع التقيد في المراسلات الرسمية داخل المؤسسة وخارجها وجميع الوثائق الإدارية باللغة العربية."

لقد توقعتُ من هذا الوزير أن يحيي سنة حسنة بدأها الوزير الراحل محمد محمود ولد الديه في الفترة ما بين (1982 ـ 1984) لما تولى إدارة قطاع الصحة، ولكني بدلا من ذلك، فوجئت اليوم بهذه الصدمة، فإليكم الصدمة الثانية : 

في يوم 18 نوفمبر 2024 أشرف معالي وزير الصحة على إطلاق مشروع "عناية الموسع" لتعزيز النظام الصحي من مدينة كيهيدي، وظهرت خلف الوزير عند افتتاحه للنشاط لافتة رسمية لا توجد فيها كلمة واحدة باللغة العربية، مع وجود عشرة أسطر أو أكثر باللغة الفرنسية!!!

لقد تعودنا من وزارة الصحة تجاهل اللغة الرسمية واللغات الوطنية في كل أنشطتها، وهي لا تتذكر لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية إلا عندما تبلغ القلوب الحناجر خوفا من وباء أو جائحة، فخلال فترة جائحة كورونا نست وزارة الصحة اللغة الفرنسية تماما، أو كادت أن تنساها، وأخذت تستخدم لغاتنا الوطنية عند مخاطبة المواطنين في حملات التحسيس والتوعية ضد الجائحة التي نظمتها في تلك الفترة.

تصورا أن الوزارة أطلقت في فترة جائحة كورونا حملات تحسيسية باللغة الفرنسية فقط، والتي يجهلها أكثر من 90% من الموريتانيين، تصوروا ماذا كان سيحدث؟!

المثال الثالث


وسنتحدث فيه وبدون مقدمات عن الصدمة الثالثة، فإليكم الصدمة الثالثة:

 في يوم 18 نوفمبر 2024 سيبدأ ميناء نواذيبو المستقل استقبال العروض بخصوص مناقصة أعلن عنها في وقت سابق، واشترط ـ وكما جرت بذلك العادة ـ أن تكون العروض باللغة الفرنسية فقط.

فأيُّ صدمة أشد وقعا في النفس من أن ترفض مؤسسة رسمية استقبال وثيقة في شهر الاستقلال، لا لشيء، إلا لأنها كُتبت باللغة الرسمية للبلد!!!!!؟

وبالتأكيد فإن هذا الشرط مخالف للقانون من خمسة أوجه، وهو ما أكده منسق الشؤون القانونية في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، الأستاذ محمد المامي مولاي أعل، والذي عدد أوجه  مخالفته للقانون في النقاط الخمس التالية:

1 ـ مخالفته للمادة 6 من الدستور، التي تجعل اللغة الرسمية هي اللغة العربية؛

2 ـ مخالفته للمادة 66 من قانون الإشهار التي توجب صياغة الرسائل الاشهارية باللغة الرسمية أو اللغات الوطنية حسب الحاجة؛

3 ـ مخالفته لتعميم رئاسة الجمهورية رقم 32 بتاريخ 11 دجمبر 1972 الذي يمنع منعا باتا رفض استقبال العروض والطلبات والملفات المحررة باللغة العربية؛

4 ـ مخالفته لمبادئ قانون الصفقات العمومية وخاصة مبدأ حرية الولوج، ومبدأ مساواة المترشحين، وشفافية الإجراءات؛

5 ـ مستوجب للإلغاء على ما قرره القضاء الإداري المقارن في عدة قرارات في كل من: فرنسا والجزائر والأردن والمغرب وموريتانيا.

أشير بخصوص رفض العروض المكتوبة باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية من طرف أغلب ـ إن لم أقل ـ  كل الوزارات والمؤسسات الرسمية، إلى أن الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية قررت دعم ومؤازرة مؤسسة "خطوة للاستشارة والتسويق الإعلامي" في طعن إلغاء تقدمت به بخصوص مناقصة أعلن عنها الصندوق الوطني للتأمين الصحي في يوم 15 يوليو 2023، واشترط للمشاركة فيها، وكما جرت بذلك العادة، أن تقدم العروض  باللغة الفرنسية فقط.

الملف يوجد منذ فترة طويلة لدى رئيس الغرفة الإدارية في المحكمة العليا، وما زلنا في الحملة ننتظر البت فيه. 

أختم المقال بتنبيهين :

التنبيه الأول : أنه لا يمكن الاستمرار في التمييز بين مواد الدستور، فمواد الدستور يجب أن تُحترم بكاملها، ولم يعد من المقبول أن ترتفع الأصوات عند انتهاك إحدى مواد الدستور، وذلك في وقت يتم فيه تجاهل الانتهاك اليومي لمادة أخرى من الدستور، توجد في مقدمته، وأقصد المادة السادسة منه تحديدا.

لم يعد من المقبول أن تستمر الإساءة إلى اللغة الرسمية للبلد بعد مرور 64 سنة على استقلال البلاد، وبعد مرور ثلث قرن على المصادقة على دستور تقول مادته السادسة بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

التنبيه الثاني : أيها الموريتانيون استيقظوا وتوقفوا عن عبادة "الصنم الفرنسي"، ففرنسا اليوم لم تعد كما كانت بالأمس، ولغتها في تراجع، وحتى جيراننا من الأفارقة والذين لا يملكون لغة عالمية بديلة، بدؤوا يفكرون ـ بجد ـ  في التخلي عن اللغة الفرنسية وإبدالها بلغة أخرى، بل أكثر من ذلك، فإن اللغة الفرنسية أصبحت مهددة حتى في قلب العاصمة باريس.

أيها الموريتانيون استيقظوا، من قبل أن تكتشفوا بعد سنوات قليلة أنكم أنفقتم الكثير من الجهد والمال في تعلم لغة لا مستقبل لها، فصنم اللغة الفرنسية آيل إلى السقوط بعد سنوات قليلة، وإذا كان لابد لكم أن تبيعوا لغة القرآن ولغة دستوركم بلغة أخرى، وبئس التجارة إن فعلتم ذلك، فلتبيعوها باللغة الإنجليزية، والتي هي لغة العالم في هذه الفاصلة من تاريخ البشرية، أما اللغة الفرنسية فقد أصبحت، أو كادت أن تصبح، من لغات الماضي.

حفظ الله موريتانيا..


الخميس، 7 نوفمبر 2024

عن الاتصالات الهاتفية الساخرة!


حسب إحصائية رسمية فإن من بين 170356 مكالمة استقبلها العون الطبي الاستعجالي خلال 48 أسبوعا بعد الإعلان عن تشغيل الرقم الأخضر 101،  لم تكن مفيدة من كل تلك المكالمات إلا  2805 مكالمة، أي  نسبة 1.6 %  فقط.

من قبل الرقم 101 كان هناك الرقم 1155 الذي فُتِح في فترة جائحة كورونا، وهي فترة عمَّ فيها الخوف والقلق بين الناس، ومع ذلك لم يسلم هذا الرقم من الاتصالات الساخرة، بل إنه تحول إلى رقم لاستقبال المكالمات الساخرة والبلاغات الكاذبة، وظل ذلك حاله حتى اضطر القائمون عليه على إغلاقه.  

ومن قبل ذلك كله، وصلت سخرية البعض إلى أن اتصل بلجنة الأهلة ذات رمضان مبارك في عام مضى، وأخبرهم بأن شاهد هلال شوال، وهو لم يشاهده،  وذلك لأن هناك من قال له بأن رمضان أتعبه، وأنه يريد أن يفطر!!!

سجلت هذه الحادثة في الثمانينيات من القرن الماضي..

بالأمس نشرت صفحة الشرطة الوطنية الموريتانية على الفيسبوك بيانا للرأي العام الوطني جاء فيه أنه في يوم 5 نوفمبر استقبلت الأرقام المجانية للشرطة، والخاصة بالنجدة والزحمة والحوادث المرورية 1116 مكالمة، كان من بينها 35 اتصالا جادا فقط، أي أن نسبة الاتصالات الجادة 3% فقط، وهو ما يعني بلغة المتزسطات الإحصائية أن من بين كل 100 اتصال تتلقاها أرقام الشرطة المجانية، يكون هناك 97 اتصالا ساخرا وغير جاد!!!   

هذا الكم الهائل من الاتصالات غير الجادة يطرح مشاكل حقيقية على الجهات المعنية بتوفير خدمة استعجالية للمواطن، ويجب أن يحارب هذا النوع من الاتصال العبثي والساخر بشكل جاد، ويمكن أن يتم ذلك من خلال:

1- إطلاق حملات توعوية حول خطورة هذا النوع من الاتصالات الساخرة بأرقام خُصصت لخدمة المواطنين، والملاحظ أن صفحة الشرطة على الفيسبوك لم تقم بهذه التوعية. فيما يخص الأرقام المخصصة للزحمة والحوادث المرورية فإن شباب حملة معا للحد من حوادث السير على استعداد لأن يقوم بحملة توعوية في هذا المجال، إن وجد تعاونا من الشرطة يمكنه من عرض رسائل توعوية ليلا في بعض ملتقيات الطرق من خلال شاشات عرض كبيرة متنقلة؛

2- على القائمين على هذه الأرقام أن يجروا اتصالات رجعية على كل صاحب  اتصال ساخر يُؤَكدون له  فيه أن أي اتصال غير مفيد مستقبلا سيتحمل صاحبه عقوبات رادعة؛

3- سن قوانين لتكون هناك عقوبات رادعة لأصحاب الاتصالات الساخرة المتكررة، واليوم أصبح هذا ممكنا بعد أن أصبحت أرقام الهواتف مسجلة على بطاقات التعريف، وأصبح بالإمكان معرفة كل متصل بسهولة.

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير

الخميس، 24 أكتوبر 2024

عن منصة عين


يعدُّ إطلاق "منصة عين" لاستقبال شكاوى المواطنين، وإبلاغهم عن التجاوزات من الإجراءات المهمة التي اتخذتها الحكومة، في سبيل تقريب خدمات الإدارة من المواطن، وخلق نوع من الرقابة الشعبية على العمل الحكومي.

بالفعل، هذه خطوة مهمة، ونحن في منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية نثمنها، فهي تدخل في صميم اهتمامنا، والذي يتمثل ـ بالأساس ـ  في متابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وخاصة على مستوى ثلاثة ملفات من برنامجه :

1 ـ محاربة الفساد؛

2 ـ تمكين الشباب؛ 

3 ـ إصلاح الإدارة وتقريب خدماتها من المواطن.

ونحن في المنتدى، إذ نثمن إطلاق منصة عين، فإنه لا يفوتنا بهذه المناسبة أن نلفت انتباه الجهات المعنية إلى تَحَدِّيَيْن اثنيْن ستواجههما هذه المنصة، أحدهما يعني الحكومة، والثاني يعني المواطن، وإذا لم تتم مواجهة هذين التحدين بصرامة، فإن المنصة لن تكون فعالة، ولن تأتي بالنتائج المرجوة من إطلاقها.

أولا / على مستوى الحكومة

في يوم 24 مارس 2022 ألقى فخامة رئيس الجمهورية خطابا بمناسبة تخرج دفعة من طلاب المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة القضاء، تحدث فيه عن الكثير من الاختلالات في عمل الإدارة، والتي من بينها عدم وجود مصالح في الوزارات والإدارات لاستقبال المواطنين. بعد ذلك الخطاب افتتحت العديد من الوزارات والإدارات مكاتب لاستقبال المواطنين، وأعلنت عن أرقام هواتف للاتصال، ولكن بعد فترة قصيرة من الزمن، توقف عمل العديد من مكاتب الاستقبال، وتعطل الكثير من أرقام الهواتف التي تم تخصيصها لاستقبال استفسارات وتظلمات المواطنين.

لا نريد في المنتدى تجربة من هذا النوع تتكرر، ولذا فنحن نطلب من الحكومة قدرا كبيرا من الجدية والصرامة والتفاعل الإيجابي مع شكاوى وإبلاغات المواطنين التي سيبعثون بها من خلال المنصة، ونطالبها كذلك بالاستمرارية في هذا التطبيق، والعمل على تحسينه وتطويره بشكل دائم، فالمشكلة تكون دائما في غياب الاستمرارية.

ثانيا/ على مستوى المواطن

استقبل العون الطبي الاستعجالي بعد 48 أسبوعا من تأسيسه 170356 مكالمة على الرقم الأخضر 101. فقط 2805 مكالمة من مجموع تلك المكالمات، أي نسبة 1.6%، هي التي كانت مكالمات مفيدة. حتى في فترة جائحة كورونا، وفي ظل القلق من هذا الوباء، لم يسلم الرقم المجاني 1155 من اتصالات المواطنين الساخرة والعبثية.

لا نريد من المواطن أن يكرر مثل ذلك مع منصة عين، فيغرقها بالمراسلات العبثية وغير المفيدة، وليعلم بأنه هو المتضرر الأول من ذلك، فهذه المنصة هي من أجل المواطن، وإذا تعطلت أو ضعف أداؤها بسبب إغراقها بمراسلات عبثية وغير مفيدة، فإن الذي سيتضرر في نهاية المطاف هو المواطن.

بكلمة واحدة:  منصة عين هي منصة مهمة جدا، ولكنها لن تؤدي الدور المطلوب منها، ولن تكون فعالة، إلا إذا تلاقت جدية الحكومة مع مسؤولية المواطن فيما سيتم تقديمه من شكاوى وإبلاغات.  

حفظ الله موريتانيا..

الاثنين، 21 أكتوبر 2024

كيف سُخِّرَ العدو لخدمة السنوار؟!


من الطبيعي جدا أن يسأل البعض عن السبب الذي جعل العدو يقوم "ببث شبه حي" للقطات الأخيرة من حياة الشهيد يحيى السنوار، وذلك من خلال تسريبه لصور وفيديوهات حصرية اختزنت تفاصيل تلك اللحظات.

ألم تُصِبْ هذه التفاصيل الحصرية كل دعايات العدو في مقتل؟

فلا زي نسائي ظهر، ولا نفق شوهد، ولا درع بشري برز، ولا أسرى في الخلفية.. لا شيء من كل ذلك ظهر في تفاصيل اللحظات الأخيرة التي وثقها العدو حصريا.

فبأي منطق ـ إذا ما تحدثنا بلغة المنطق ـ يطلق العدو رصاصة قاتلة على دعايته التي ظل يروج لها لعام كامل، خاصة أنه كان هو الشاهد الوحيد، والحاضر الوحيد، والموثق الوحيد لتفاصيل استشهاد السنوار؟

قد يقول قائل بأن الصور سربها أحد الجنود، وبعد تسريبها لم يعد بإمكان العدو أن يفعل أي شيء لاستراجعها أو تفنيدها. قبل العودة إلى الصور التي سربها الجندي، فلابد من التنبيه إلى أن هناك صورا وفيديوهات أخرى تضمنت التفاصيل الأكثر رمزية في الاستشهاد، نقلها فيما بعد الناطق الرسمي لجيش العدو، منها أن السنوار ألقى بقنابل على العدو، ومنها ظهوره ملثما جريحا جالسا على أريكة يرمي مسيرة بعصا. ( أذكر بمناسبة رمي العصا بالمثل العربي الجديد الذي كان عنوان مقالي يوم أمس : "رميته بعصا السنوار").

بالعودة إلى صور الجندي دعونا نطرح السؤال : بأي منطق يُسَرب الجندي تلك الصور؟

إن أي جندي يمتلك أدنى ذرة من عقل اكتشف صدفة أنه قتل قائدا كبيرا يُعد المطلوب الأول في "بلده"، لن يُسارع في نشر صوره، ويتأكد الأمر أكثر إذا كان هذا الجندي يعمل في الجيش الأكثر كذبا وخداعا وفبركة وتزييفا للحقائق في العالم.

إن أول فكرة كان من المفترض أن تخطر ببال هذا الجندي عندما وجد تشابها بين الجثة والمطلوب الأول لقادته، هي أن يتريث قليلا في التصوير، حتى يجد زيا نسائيا يلف به الجثة من قبل تصويرها، أو ينتظر حتى ينقلها إلى نفق أو إلى مدرسة أو إلى مستشفى تم تدميره مؤخرا، أو يذهب بها إلى جثث بعض الضحايا من المدنيين العزل فيلقيها بينهم ثم يصورها.

وبطبيعة الحال، لم يكن هناك من يستطيع أن يكذب بدليل ملموس متماسك منطقيا، أي رواية ينشرها العدو عن اللحظات الأخيرة في حياة الشهيد السنوار، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن العدو كان هو الحاضر الوحيد، وكان هو الشاهد الوحيد، وكان هو الموثق الوحيد لتلك اللحظات.

لقد أحيل بين العدو مع الفبركة رغم خبرته فيها، بل أكثر من ذلك، فلم يُحرم العدو فقط من فبركة صور الاستشهاد لدعم روايته التي كان يروج لها، بل إنه سُخِّر من حيث لا يدري لخدمة القائد الشهيد، فصور ووثق كل التفاصيل الصغيرة التي أدهشت الكثيرين، ليس فقط في بلاد العرب والمسلمين، بل وفي العالم كله، وما ينشره في مواقع التواصل الاجتماعي بعض النشطاء من مختلف دول العالم من إعجاب بالقائد الشهيد يؤكد ذلك.

لكي تفهموا ما حدث من تصرفات خارج المنطق، ما عليكم إلا أن تقرؤوا الآية رقم 30 من سورة الأنفال بتدبر : ((إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين )).

صدق الله العظيم.

حفظ الله المقاومة..


الأحد، 20 أكتوبر 2024

رميته بعصا السنوار!

 


في يوم الأربعاء 16 أكتوبر من العام 2024 استُشهد القائد العظيم يحيى السنوار في معركته الأخيرة مع العدو، وربما يكون رميه للعصا في اتجاه مُسَيَّرة للعدو، هو آخر فعل مقاوم يسجل له في حياته الدنيوية التي انتهت في ذلك اليوم.

بعد استشهاده بيوم واحد، وتحديدا في يوم الخميس 17 أكتوبر، بدأ ميلاد القائد الرمز يحيى السنوار، وكان لبعض جنود العدو دورا مهما في توثيق شهادة الميلاد تلك.

صورٌ قليلة من اللحظات الأخيرة في حياة القائد الشهيد، تم تسريبها من طرف العدو، كانت كافية لإظهار قدر كبير من الشجاعة والشموخ والكبرياء أمام العدو، وذلك في لحظة يفترض أنها لحظة ضعف بالنسبة لقائد معركة يُعدُّ هو المطلوب الأول للعدو، مصاب بجروح، يجلس وحيدا على أريكة في منزل مدمر ينتظر في أي لحظة قدوم جند من الجيش الأكثر إجراما ووحشية ودموية في التاريخ الحديث.

عندما شهدتُ تلك الصور لأول مرة كتبتُ معلقا عليها بأن العدو سيندم كثيرا على تسريبها، وبالفعل فقد ندم العدو كثيرا على تسريبها، وها هو ينشر صورا جديدة لتلافي الأمر، وقد فاته أن ميلاد رمزية القائد الشهيد قد خرج من يده، ولم يعد بإمكانه أن يوقفه بنشر صور أو مقاطع مرئية جديدة.

بطبيعة الحال، لم يكن من سرَّب تلك الصور يُريد بتسريبها أن يجعل من القائد يحيى السنوار رمزا خالدا، بل على العكس من ذلك، فقد كان يريد بها أن يُظهره ضعيفا بلا حول ولا قوة، فتسقط هيبته عند شعبه، وتنهار معنويات كل من كان يُقاتل خلفه.

لقد فات من سرب تلك الصور بأن الكون لا يتحرك بمشيئته، ولا وفق رغباته، فجيش العدو قد يستخدم ـ ودون أن يعي ذلك ـ للرفع من شأن قادة المقاومة، وقد استخدم فعلا لذلك من خلال تسريبه لتلك الصور.

إن مما يدعو للتأمل والتدبر هو أن هذا الجيش المتخصص في الكذب والخداع والفبركة، لم يتمكن من فبركة صور للقائد الرمز لإظهاره عند استشهاده مستسلما في نفق. لقد أحيل بينه مع ذلك رغم تاريخه الطويل في الفبركة والكذب.

 لقد لاقت الصور المسربة إعجابا واسعا في العالم كله، فتفاعل معها إيجابيا الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الغرب، بل إن بعض المغردين في اليابان اعتبروا القائد الشهيد ساموراي فلسطين.

إن العرب والمسلمين بحاجة اليوم إلى قائد رمز يكون ملهما للأجيال، ولا أحد في زماننا هذا تتوفر فيه صفات القائد الملهم مثلما تتوفر في الشهيد يحيى السنوار الذي قضى حياته بين السجن والمقاومة، والذي يعتبر مهندس معركة السابع من أكتوبر المجيد، وهو فضلا عن ذلك يتميز عن كل القادة الشهداء بأنه استشهد وهو يقاتل العدو وجها لوجه، وقد سخر الله له العدو لأن يوثق اللحظات الأخيرة في حياته، وما اختزنت تلك اللحظات من شجاعة وثبات.

فلنجعل من الشهيد يحيى السنوار قائدا رمزا وملهما للشباب العربي والمسلم، وهو أهل لذلك، فهو ليس أقل بذلا ولا أقل تضحية من نيلسون مانديلا الذي كان قائدا ملهما في إفريقيا، ولا من تشي جيفارا الذي كان قائدا ملهما لشباب الحركات اليسارية في العديد من بلدان العالم.

وختاما، يبقى أن أقول بأني أخذتُ هذا العنوان من منشور للمدون الموريتاني أحمدو أحمد الذي اقترح إضافة مثل عربي جديد إلى أمثالنا العربية، يخلد لحظة استشهاد القائد الرمز، ويُعَبَّر به عن الشخص الذي بذل كل ما يملك من جهد لتحقيق أمر ما، فيقال تعبيرا عن ذلك الجهد: "رماه بعصا السنوار"، أما إذا كان المتحدث هو صاحب الجهد، فيقول : "رميته بعصا السنوار".

حفظ الله المقاومة...

السبت، 19 أكتوبر 2024

رسائل الهجوم على منزل نتنياهو


إذا كان رئيس وزراء العدو قد نجا هذه المرة من الطائرة المسيرة التي استهدفت منزله، فربما لا ينجو مرة أخرى، وبغض النظر عن نتائج هذا الهجوم، فسيبقى الشيء المؤكد هو أن الطائرة المسيرة التي انفجرت في منزل نتنياهو قد وضعت في صندوق بريده، وفي صناديق بريد غيره رسائل قوية وغير مشفرة، منها :

1 ـ أن غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان لم تكن تمزح ـ وهي ليست معروفة أصلا بالمزاح ـ عندما قالتْ بأنها ستنتقل ـ بناء على توجيهات قيادة المقاومة ـ  إلى "مرحلة جديدة وتصعيدية في المواجهة مع العدو الإسرائيلي ستتحدث عنها مجريات وأحداث الأيام القادمة". لم يطل الانتظار كثيرا، فبعد يوم واحد من الوعد بالتصعيد، وصلت طائرة مسيرة إلى منزل نتنياهو، وأكدت بلسان مقاوم صريح وفصيح (أحدث صوت انفجارها دويا كبيرا حسب إعلام العدو)، أن غرفة عمليات المقاومة لم تكن تمزح في بيانها التصعيدي؛


2 ـ أن هذه الضربة قد جاءت بعد 20 يوما من بدء العمليات البرية في جنوب لبنان، وبدلا من أن يتحقق أحد أهم أهداف الحرب عند نتنياهو، أي إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، فإذا بنتنياهو نفسه يظهر وهو عاجز عن حماية منزله في منطقة يفترض أنها من أكثر المناطق تحصينا؛


3 ـ أن هذه الضربة غير المسبوقة، والأولى من نوعها، قد جاءت في وقت يكثر فيه الحديث عن قرب رد  العدو على إيران، فإذا كان حزب الله قادرا على أن يصل إلى منزل نتنياهو، ألا يُشَرِّع لنا ذلك طرح السؤال : أين يمكن أن تصل أسلحة إيران إذا ما قررت التصعيد للرد على رد العدو المنتظر؟

من المؤكد أن هذا السؤال سيطرح كثيرا الآن لدى قيادات العدو، ومن الراجح أن الإجابة عليه ستترك بصمتها في طبيعة الرد على إيران؛


4 ـ أن هذه الضربة جاءت بعد ثلاثة أيام من الإعلان عن وصول منظومة الدفاع الجوي "ثاد" الأمريكية إلى دولة العدو؛


5 ـ أن هذه الضربة النوعية، والتي جاءت بعد استشهاد القائد العظيم يحيى السنوار، ولم تأت بعد استشهاد القائد العظيم حسن نصر الله، ستصيب دعايتين مغرضتين في مقتل يحاول البعض أن يدفع بهما للتشويش سلبا على شعار "وحدة الساحات".


من المؤكد أن اختيار توقيت هذه الضربة النوعية له أسبابه التي لا تعرفها إلا غرفة العمليات في المقاومة الإسلامية، ومع ذلك فيمكن القول بأن هذا التوقيت بالذات قد أعطى رسالتين إيجابيتين:

أولهما : أن تقاربه زمنيا مع استشهاد القائد العظيم يحيى السنوار، وليس مع استشهاد القائد العظيم حسن نصر الله، سيعري أكثر أولئك الذين يحاولون أن يخلقوا انشقاقا طائفيا في محور المقاومة، سيكون المستفيد الوحيد منه هو العدو؛


ثانيهما : أن هذه الضربة النوعية ستخرس ـ وإلى الأبد ـ ألسنة أولئك الذين كانوا يتحدثون عن "الحرب المسرحية"، فعندما تنفجر طائرة مسيرة في منزل رئيس وزراء حكومة العدو، فذلك يعني أنه لم يعد بالإمكان ـ حتى بالنسبة لأصحاب الخيال الواسع ـ وصف ما يحدث الآن بالحرب المسرحية.

ختاما، وبالعودة إلى بيان المقاومة الإسلامية في لبنان، فلا بد من التنبيه بأن كلمة "تصعيدية" التي جاءت في البيان تجعلنا نتوقع في كل حين تصعيدا جديدا بعد استهداف منزل نتنياهو، فماذا سيكون شكل ذلك التصعيد؟  

حفظ الله المقاومة..



الجمعة، 18 أكتوبر 2024

لماذا لا نجعل منه رمزا خالدا


كان مُلهماً في حياته، وكان ملهماً عند استشهاده، ولا أظن أن هناك قائدا مثله في زماننا هذا، اجتمعت فيه من الصفات والخصال ليكون ملهما للأجيال الحالية والقادمة مثلما اجتمعت فيه.

نعم سبقه إلى الاستشهاد قادة كبار، قد يكونون  أعلى منه رتبا، وهم - بكل تأكيد -  يستحقون أن تخلد ذكراهم أعظم تخليد، ولكنه تميز عن الجميع أنه استشهد وهو يقاتل العدو  وجها لوجه،  يقاتله بكبرياء ومهابة وجراحه تنزف، وتميز كذلك - وتلك نعمة عجلها الله له في الدنيا - أن لحظاته البطولية الأخيرة في الدنيا وثقها العدو، وتم تسريبها ليشاهدها العالم كله، فأسقط عند موته أكاذيب العدو التي تقول بأنه كان يعيش داخل الأنفاق، وأنه كان يحتمي بدروع بشرية أو بالأسرى.

كما أسقط من قبل ذلك في حياته، وتحديدا في يوم السابع من أكتوبر 2023 أكاذيب أخرى تقول إن جيش العدو لا يهزم، وأن مخابراته لا تخترق. 

كان مانديلا  رمزا في إفريقيا، وتشي جيفارا رمزا في آمريكا، فلماذا لا نجعل من القائد العظيم يحيى السنوار رمزا للعرب والمسلمين، وهو بالتأكيد ليس أقل نضالا ولا تضحية من مانديلا أو تشي جيفارا.

إننا نحسبه شهيدا، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولكن العدو يعتقد أنه ميت الآن، فلماذا لا نجعل منه رمزا يطلق اسمه على الملايين من المواليد، وتظهر صوره في كل مكان،  في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى قمصان  الشباب، وبذلك نغيظ العدو، ونؤكد له أنه إذا كان السنوار القائد قد قُتل في نزال بطولي، فإن السنوار الرمز قد وُلِد مباشرة من بعد استشهاده، وليبقى هذا الرمز حيا حتى تتحرر فلسطين، كل فلسطين.

حفظ الله فلسطين..