السبت، 26 ديسمبر 2009

تأملات في اللاشيء


إذا أردت أن تفهم كل شيء في هذا البلد..أو أن لا تفهم أي شيء عن هذا البلد .. فما عليك إلا أن تفكر في اللاشيء.. وإذا أردت أن تفهم حقيقة اللاشيء.. الذي يطرأ على موريتانيا مع كل طبعة جديدة.. فما عليك إلا أن تعود إلى كل الأشياء.. أو كل اللاأشياء .. التي كانت تحكمها في طبعاتها القديمة..
والشيء الثابت في هذا البلد.. هو أن كل شيء.. قد يتحول إلى اللاشيء.. وأنَّ اللاشيء قد يصبح بين عشية وضحاها شيئا مذكورا.. فكثير وكثير جدا من اللاأشياء في هذا البلد تحولت إلى أشياء كبيرة .. وكثير من الأشياء التي كان يعول عليها ظلت تصغر و تصغر حتى تحولت إلى اللاشيء.. ولكل شيء في هذا البلد وجهان : وجه قد يوحي بأنه شيئا.. ووجه آخر يوحي بأنه ليس شيئا ..
وفي هذا البلد هناك وزارة لشيء يسمونه الاتصال.. تتبع لها عدة أشياء لا اتصال ولا تواصل ولا تحالف ولا تكتل ولا اتحاد ولا منسقية بينها: شيء مرئي.. وشيء مسموع.. وشيء مقروء.. هذه الأشياء الثلاثة كان من المفترض أن يكون لها نفس الخطاب الإعلامي.. ومع ذلك فكل شيء من تلك الأشياء الثلاثة يسير وفق المزاج الشخصي للشيء الذي يديره ..وتلك الأشياء الثلاثة أثبتت أنها عمليا لا تتبع للوزير .. فالشيء المسموع ـ مثلا ـ لم يزل يرفض أن يبث مداولات البرلمان.. رغم أن الشيء المرئي والذي كان معروفا بتحجره يقدم تلك المداولات بطريقة ممتازة جدا ( هذا أول شيء إيجابي.. أكتبه عن الشيء المرئي.. والذي لا أستطيع رغم ذلك إلا أن أنتقده خلال تأملاتي للاشيء ).
المحير في الأمر أن وزير الشيء الذي يسمونه الاتصال.. قد قال في الملأ: بأن كل الأشياء التابعة لوزارته ستفتح أمام جميع الموريتانيين.. فهل البرلمانيون ليسوا موريتانيين ؟؟؟ ذلك شيء لا يجوز التحدث فيه ..
والشيء المحير أكثر.. هو أن فتح تلك الأشياء أمام الجميع كانت أوامر عليا صادرة من رئيس الجمهورية.. فكيف لا تنفذ أوامر الرئيس ؟؟ وهل الشيء المسموع له حكم ذاتي .. وهل هو شيء مستقل عن الدولة.. له قيادة أركان خاصة لا تتبع لأي شيء؟؟ ذلك شيء لا أملك الإجابة عليه .. وهو ليس ـ بالقطع ـ الشيء الوحيد الذي لا أملك له إجابة..في بلد الأشياء و اللاأشياء..
وفي بلد الأشياء و اللاأشياء قد تعتقد للحظة بأن الشيء المرئي لا يفوته أي شيء.. فهو يتحدث في كل ليلة عن أشياء تافهة.. حدثت في أدغال إفريقيا أو في أطراف آسيا أو فيما بين الأمريكيتين .. يتحدث عن أشياء فاتت "الجزيرة" ولم تذكرها ل"بي بي سي" .. ومع ذلك فالشيء المرئي أبله تماما ولا يعلم أي شيء.. حتى تلك الأشياء الخطيرة التي تحدث في هذا البلد .. وهو يبدو أنه لم يعلم ـ حتى الآن ـ بأن القاعدة قد اختطفت ثلاثة أسبان في الثالث من دجمبر ..اختطفتهم بين أهم شيئين في هذا البلد : شيء نسميه عاصمة سياسية ..وشيء آخر نسميه عاصمة اقتصادية..
وفي الشيء المرئي لا شيء يميز بين شيئين .. فمثلا لا فرق بين النشرة الغبية التي أعقبت اختطاف الأسبان.. أو تلك الصامتة التي أعقبت اختطاف الإيطاليين..ولا فرق بين مَشَاهِد من البادية الموريتانية وبين أي برنامج حواري ناطق أو صامت ..ولا فرق بين مؤتمر صحفي وبين مداولات البرلمان .. فقد تشاهد شيئا من المؤتمر .. وتشاهد أشياء من المداولات .. في مشهد واحد.. أما في الشيء المسموع .. فقد يختلط شيء من الترويج ..بشيء من خطاب الرئيس .. وذلك شيء لا يحدث إلا في بلد الأشياء و اللاأشياء ..
وفي الشيء المرئي قد يُطِلُّ عليك اللاشيء بشحمه ولحمه .. يتحدث عن لاشيء .. ويستضيف ضيوفا لا يفهمون أي شيء .. يتحدثون عن كل شيء .. دون أن يتحدثوا عن أي شيء .. يتحدثون عن السمنة كما يتحدثون عن الإرهاب .. ويتحدثون عن الفساد كما يتحدثون عن الكتاب.. يتحدثون عن الشيء القديم ..كما يتحدثون عن الشيء الجديد .. ويتحدثون عن الشيء المهم.. كما يتحدثون عن الشيء التافه ..يُظهرون شيئا كبيرا من النفاق للسلطان .. و شيئا قليلا من الحياء للمشاهد..
وشيء من الأمن في هذا البلد يأخذ كل شيء .. من أي شيء يسوق شيئا .. وهو يعرف كل شيء.. عن أي شيء.. يمارس أي شيء.. بشرط أن يكون ذلك الشيء الممارس لا صلة له بالجريمة .. وهو ـ في المقابل ـ لا يهتم بأي شيء له صلة بالأمن .. و لم يعد قادرا على فعل أي شيء.. لمواجهة الانفلات الأمني الذي هز كل شيء.. وتضرر منه كل شيء.. وأصبح المواطن فيه لا يأمن على أي شيء.. لا نفسه ..ولا ماله..ولا عرضه ..
وللجيش في هذا البلد وجهان : وجه يوحي بأنه كل شيء .. فهو يتحكم في كل شيء .. ويستطيع أن ينصب أي شيء .. وينقلب على كل شيء .. وتتدخل أشياؤه الكبيرة في كل شاردة وواردة .. أما الأشياء الصغرى فهي مشغولة بالبحث عن لقمة العيش .. ووجهه الآخر فيه شيء من الفساد حسب "مصدر شديد الإطلاع" .. وفيه شيء من لاشيء .. يكبله أثناء مطاردة شيء من الإرهابيين.. اختطفوا شيئا من الأسبان.. وجابوا بهم البلاد.. دون أن يعترضهم أي شيء.. أو يزعجهم أي شيء.. أو يقلقهم أي شيء .. حتى أوصلوا أشياءهم الثمينة التي اختطفوها إلى شيئهم الكبير.
و القانون في بلدنا هو كل شيء .. ويطبق على أي شيء .. حتى على المريض الضعيف ..فالطبيب ـ بشكوى بسيطة ـ يستطيع أن يُخْرِج مريضا في حالة صعبة من شيء يسمونه مجازا حالات مستعجلة.. إلى شيء آخر يسمونه اصطلاحا مخفر الشرطة..
وفي المقابل فإن القانون في هذا البلد ليس بالشيء .. وخيرة أطباء البلد يتنابزون بالألقاب.. ويتعاركون بالأيادي.. ويدهس بعضهم بعضا.. وكأنهم يعيشون في غابة..يُسْمَحُ فيها بكل شيء .. ولا يُحَرَّمُ فيها إلا شيئان : شيء تتميز به الكائنات الناطقة عن غيرها : الحوار .. وشيء آخر تلجأ إليه تلك الكائنات عندما تفشل في الحوار: القانون..
وبلدنا له قانون غريب .. فعندما يسرق فينا شيء صغير شيئا صغيرا..نتسابق في معاقبته قبل أن يعاقبه القضاء.. تنهال عليه الأيادي الصغرى والكبرى بشيء من الضرب المبرح .. أما عندما يسرق شيء كبير أشياء كبرى.. فإن نفس تلك الأيادي تصفق ـ وبلا خجل ـ لذلك اللاشيء " المحترم " الذي سرق شيئا " محترما " وبذره بشكل " محترم " على كل لا شيء "محترم " ..يظن أنه شيئا " محترما " ويعامله المجتمع بشكل "محترم" رغم أنه مجرد لا شيء من اللاأشياء الكثيرة ..لقد طغت تلك اللاأشياء كثيرا ..وقلبت المفاهيم كثيرا .. وعلت علوا كبيرا ..
وفي بلدنا قد تجد ثلاثة أشخاص يوصفون بعدة أشياء .. فهم عند المعارضة في طبعتها القديمة شريرون جدا .. وعند المعارضة في طبعتها الجديدة خيرون .. ونفس الأشخاص الثلاثة عند الأغلبية في طبعتها القديمة خيرون .. وعند الأغلبية في طبعتها الجديدة مفسدون يستحقون أقسى عقاب..
ففي بلدنا قد يتحول الشيء الواحد إلى أربعة أشياء.. حسب التوقيت وحسب التخندق.. تلك واحدة من أشيائنا المخجلة والمقززة ..
لقد أخطأت المعارضة مرة .. وأصابت مرة .. و أخطأت الأغلبية مرة .. وأصابت مرة ..ذلك شيء نتفق عليه .. وإن كنا نختلف على شيء آخر.. هو متى أخطأت المعارضة ؟؟؟؟ ومتى أصابت الأغلبية ؟؟؟؟
أما الشيء الذي لا يقال فهو: إن المعارضة اختارت أن تدافع عن أغنيائها بدلا من فقرائها..وهي منذ صدمة الانتخابات لم تتحرك وتندد وتنسق وتتظاهر إلا بعد سجن رجال الأعمال.. والموالاة لا تدافع بطبعها إلا عن رجال أعمال السلطة.. فهي التي رفضت تعديلات في الميزانية حتى لا تغضب أولئك الأغنياء .. الذين يمارسون الآن أشياء و أشياء .. قد مارسها من قبلهم إخوة لهم..يعانون الآن من شيء .. قد يعانون هم منه مستقبلا ..ذلك شيء يتكرر مع كل طبعة جديدة ..وتلك حقيقة يتمسك كل طرف بشيء منها .. ويحاول أن يخفي منها شيئا آخر ..
فيا معارضة كفى حديثا عن الفقراء .. ويا أغلبية كفى حديثا عن الفقراء.. فلا أنتم تهتمون حقا بالفقراء .. ولا هم يهتمون بهم حقا ..
وفي بلدنا لدينا نخبة .. تنهب كل شيء بما في ذلك الزراعة وآلياتها .. وتبتلع كل شيء بما في ذلك النفط ومشتقاته .. وترشف كل شيء بما في ذلك المحيط وحيتانه.. ولا ترضى بأي شيء ..و تصفق لكل شيء .. وترتحل مع أي شيء ..لا تشبع من أي شيء .. ولا تضحي بأي شيء..تتمالأ وقت النهب مع كل شيء .. وتتبرأ ساعة الحساب من كل شيء..
وفي بلدنا فإن المواطن شيء تافه .. ولا يكون شيئا مهما إلا في يوم واحد من كل خمس سنوات.. ثم يعود إلى شيء تافه مع غروب شمس يوم التصويت ..هذا إذا لم يحدث شيء ما.. يستوجب شيئا ما ..قد يفضي إلى شيء ما ..
وفي بلدنا يستطيع الحزب الحاكم أن يجمع أشياء كبيرة.. وأشياء صغيرة..أشياء طويلة .. وأشياء قصيرة ..أشياء سمينة .. وأشياء هزيلة .. أشياء عاقلة.. وأشياء ليست كذلك .. أشياء تفهم كل شيء.. وأشياء لا تفهم أي شيء .. ولكن هذا الحزب قد يتحول إلى اللاشيء .. تماما كما حدث مع "عادل" الذي كان يجمع أشياء وأشياء.. وكما حدث قبل ذلك للجمهوري ..وكما حدث قبل قبل ذلك مع هياكل تهذيب الجماهير..
وفي بلدنا كان هناك شيء مفقود .. شيء لا يستقيم أي شيء في ظل غيابه ..شغل البلاد والعباد ..قامت له أشياء كثيرة ولم تقعد .. حتى تم تأسيس ذلك الشيء .. ثم تحول ذلك الشيء إلى اللاشيء .. أو تحول على الأقل إلى شيء لا رائحة له ..ولا طعم .. ولا لون.. ولا صوت ..فغريبة هي المحكمة السامية يوم أغضب فقدانها الأغلبية.. وغريبة يوم شرع غيابها للانقلاب.. وغريبة أكثر يوم اختفت تماما عن الأنظار..
وغريب برلمان يتظاهر بحب الفقراء ..ويتشاغل بهموم الفقراء .. ويصوت رغم ذلك على زيادة الضرائب على شيء يأكله الفقراء .. وعلى شيء آخر يستخدم لنقل الغذاء لفقراء الأعماق .. وفي الوقت نفسه يرفض زيادتها على شيء من الدخان .. وغريب رئيس فريق مكافحة التدخين في البرلمان الذي جاهد وناضل حتى لا ترفع الضرائب على السجائر ..
وغريب أمر رئيس فريق الصحة الإنجابية الذي يجاور سكنه مركزا صحيا مغلقا منذ ستة أشهر ومع ذلك لم يتحدث عنه ولو لمرة واحدة..
وأغرب من كل أولئك وزير الصحة الذي يقول الشيء الجميل .. ولا يفعل الشيء القليل .. من أجل رفع الهم الثقيل ..تصبحون على أشياء جميلة ...!!!

الأحد، 13 ديسمبر 2009

عاجل إلى رئيس الجمهورية ... رسالة رقم (4)

سيدي الرئيس،
في هذه الرسالة سأحدثكم عن ثلاثة مواضيع هامة، تتناقض ـ بشكل أو بآخر ـ مع العهد الجديد : عهد محاربة الفساد والتركيز على تحسين مناحي الحياة للمواطنين البسطاء.
الموضوع الأول : عاصمة نظيفة ... على الأثير فقط : اسمحوا لي ـ يا سيادة الرئيس ـ أن أعود قليلا إلى الرسالة المفتوحة الثالثة، والتي كنت قد خصصتها لتقديم مقترح لتنظيف العاصمة، وذلك لأسجل الملاحظات التالية:
1ـ لقد كنت حريصا ـ أشد الحرص ـ على نجاح حملة تنظيف العاصمة لسببين رئيسيين : أولهما أني كأي مواطن أحلم بعاصمة نظيفة. وثانيهما أني كنت أتمنى كثيرا أن يتم تنفيذ أول أوامركم المباشرة، فقد كان تنظيف العاصمة هو أول أمر تصدرونه في مجلس الوزراء. وكان من المفترض أن يتم تنفيذه بجدية حتى تتعود الإدارة على تنفيذ أوامر الرئيس بشكل ميداني و فوري. فمن مصائبنا في هذا البلد أن أوامر الرؤساء لم تكن تنفذ إلا على شاشة التلفزيون، أو عبر أمواج الإذاعة، أو في صفحات يومية الشعب.
2ـ لقد أصبح من الواضح جدا بأن حملة تنظيف العاصمة لم تحقق النتائج التي كانت مرجوة منها، رغم نجاحها ـ كالعادة ـ في مؤسسات الإعلام الرسمي. ويكفي لتأكيد ذلك، إلقاء نظرة على أكوام القمامة المجاورة لمبنى بلدية لكصر، التي كانت ـ و للمفارقة ـ هي أول بلدية تركز عليها الحملة، وتعد بتنظيفها بشكل نهائي.
3ـ لقد فشلت الحملة لأسباب عديدة، سأذكر منها ما هو عام، وذلك لكي نتجنب الوقوع فيه مستقبلا عندما نفكر في مواجهة مشكلة أخرى من مشاكلنا العديدة والمعقدة.
فلا يمكن ـ وهذا ما يتفق عليه أهل الاختصاص ـ أن نحل المشكلة بنفس الأساليب التي أدت إليها. وعندما نعالج مشكلة ما، بنفس الأسلوب، فعلينا أن ننتظر نفس النتائج.
لقد استخدمنا أسلوبنا السابق لتنظيف العاصمة : أوامر عليا تصدر، تتبعها حملة رسمية ارتجالية لم يخطط لها، يصاحبها تطبيل كبير للإعلام الرسمي ، ينتج عنها تشريد الآلاف من الباعة والتجار الصغار، ثم يتبع ذلك فتور شديد، تكون خاتمته نسيان كامل للمشكلة، حتى تمر فترة من الزمن، تأتي بعدها أوامر جديدة قديمة، تتبعها حملة جديدة قديمة، فتطبيل، فتشريد، ففتور، فنسيان مطلق حتى إشعار آخر.
لقد استخدمنا لتنظيف العاصمة نفس أساليبنا السابقة، لذلك فقد كان من المستحيل أن نحقق نتائج أفضل من نتائج الحملات السابقة.
4 ـ لمواجهة مشكلة ما، يجب علينا أولا أن نخلق استياء عاما منها، وكلما ارتفع مستوى الاستياء، كلما سهل ذلك كثيرا في مواجهتها.وهنا تبرز واحدة من أعظم سلبيات إعلامنا الرسمي، فهو لم يتحدث عن مشكلة القمامة إلا بعد أوامركم في مجلس الوزراء. و لم يتحدث عن الأزمة الأخلاقية إلا بعد خطابكم في العيد. وكأن العاصمة كانت نظيفة إلى أن غزتها ـ وبشكل مفاجئ ـ القمامة في يوم الخميس الذي تحدثتم فيه عن النظافة، أو كأن البلاد لم تعرف أزمة أخلاقية خطيرة إلا عند الساعة الثامنة من ليلة عيد الفطر المبارك.
5 ـ إن كل ساعة نقضيها في إعداد التصورات والخطط ستوفر لنا ثلاث ساعات عند التنفيذ. لذلك فإنه من المهم جدا أن لا نصدر القرارات إلا بعد إعداد التصورات والخطط اللازمة للتنفيذ حتى لا يتكرر ما حدث في حملة تنظيف العاصمة.
6 ـ إن الأشهر الستة الأولى هي التي ستحدد مسارنا في السنوات الخمس القادمة، لذلك فقد كان من الضروري أن نتعامل مع تنظيف العاصمة بطريقة أخرى، تضمن لنا تحقيق نتائج إيجابية. فكل أمر تصدرونه في هذه الأشهر، ويتم تنفيذه بشكل ناجح، سيخلق لدينا ثقة أكبر في المستقبل وسيقربنا بشكل أكثر من "موريتانيا الجديدة" التي نحلم بها. أما العكس فإنه لن يأتي إلا بالعكس.
الموضوع الثاني: قصر يتحول إلى مستشفى... ومركز صحي يتحول إلى محل لبيع اللحوم والخضروات!
رغم اهتمامكم الكبير بصحة المواطن. ورغم قراركم الشجاع بتحويل سكن الوزير الأول إلى مستشفى صحي للأمومة والطفولة. رغم ذلك كله فهناك مركز صحي يكاد أن يتحول ـ من جديد ـ إلى محل لبيع اللحوم والخضروات .
لقد مر على إغلاق المركز الصحي للعرقوب بمدينة لعيون العتروس ما يزيد على ستة أشهر دون سبب واضح . مما جعل الأهالي هناك يخافون من أن يعود مركزهم الصحي إلى قصة فساد قديمة، كان ضحية لها، جعلته يتحول من مركز صحي إلى محل لبيع اللحوم والخضروات لمدة ثلاث سنوات كاملة.
وفي هذا الإطار، وبعد إلحاح من بعض المتضررين قدمنا في " مبادرة ضحايا ضد الفساد " نداء باسمهم، لإعادة فتح المركز. وهو نداء تم نشره في بعض المواقع والجرائد الوطنية، كما تم توزيعه وبشكل مباشر على بعض البرلمانيين والموظفين الحكوميين المشاركين في مسيرة "الاتحاد من أجل الجمهورية" التي نظمها بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد.
ولأن ذلك النداء لم ينتج عنه حتى كتابة هذه الرسالة أي رد فعل ايجابي، فقد وجدت أنه من الضروري أن أحدثكم عن ذلك المركز، الذي يعاني من إهمال كبير رغم حربكم التي تخوضون ضد الفساد. ورغم اهتمامكم الميداني بصحة المواطن البسيط.
الموضوع الثالث: حامل شهادة بثلاث وظائف ... وثلاثة حملة شهادات بلا وظيفة واحدة
لقد شكل رفع سن الاكتتاب في الوظيفة العمومية إلى الأربعين بشرى سارة لحملة الشهادات العاطلين عن العمل . وهي بشرى تشجع على إثارة بعض الهموم الأخرى التي يعاني منها حملة الشهادات خاصة منهم من ينحدر من أسر فقيرة.
لقد تسبب تضاعف أعداد الخريجين و نقص الاكتتاب في السنوات الأخيرة، في تنافس شديد على الفرص القليلة المتاحة مما شجع كثيرا على تفشي الوساطة واستخدام المال من أجل ضمان وظيفة للمتخرج المنحدر من أسر متوسطة أو ميسورة الحال. وقد أدى ذلك بفعل التقادم و التراكم إلى تركيز البطالة في الأسر الأكثر فقرا. حيث أصبح الكثير من هذه الأسر يضم أكثر من خريج عاطل عن العمل. في حين أن الأسر الميسورة ظلت تتقاسم الوظائف المتاحة مما مكن بعضها من أن يضمن وظائف لأبنائه حتى قبل التخرج. ومكن البعض الآخر من ضمان أكثر من وظيفة للمتخرج الواحد. في حين استطاعت غالبية هذه الأسر أن تضمن وظيفة لكل متخرج.
وفي المقابل ففي أوساط الفقراء فلم يكن هناك من يملك وساطة، أو يملك مالا لتقديمه كرشوة للمُكْتَتِب. مما جعل الأخ الأصغر يتخرج بعد الأخ الأوسط والأكبر دون أن يتمكن أي واحد منهم من الحصول على وظيفة. ولقد كان الحل الوحيد المتاح لمواجهة البطالة في الأوساط الفقيرة هو التسرب المبكر من الدراسة، وذلك حتى لا يكون الصغار عالة على أسرهم الفقيرة كإخوتهم الكبار الذين خلقت لديهم شهاداتهم حاجزا نفسيا حرمهم من مزاولة بعض الأعمال التي "لا تليق" بحملة الشهادات دون أن تمنح لهم تلك الشهادات بصيص أمل في الحصول على وظيفة مناسبة.
ومع أنه لا تتوفر إحصائيات في هذا المجال، إلا أني أستطيع القول بأن أغلب العاطلين عن العمل هم من الأوساط الفقيرة وكثير منهم له أكثر من أخ ينافسه في البحث عن وظيفة. لذلك فقد أصبح من الضروري والملح إيجاد حل لتلك الظاهرة بطريقة تساعد في إعادة توزيع نسب البطالة بشكل عادل على مختلف الشرائح الاجتماعية وتمكن من تحقيق عدالة اجتماعية في التوظيف، مما سيكون له أثر إيجابي في محاربة الفقر، وفي الحد من التسرب المدرسي في الأوساط الفقيرة. كما أنه سيعزز من الشعور للانتماء لهذا الوطن لدى العاطلين عن العمل في الأوساط الأكثر فقرا، والذين عانوا كثيرا ولمدة طويلة من ظلم تنوء عن حمله الجبال. (هناك مقترح في هذا المجال سيتم تقديمه في وقت لاحق).
وفقكم الله لما فيه خير البلد ، وإلى الرسالة الخامسة إن شاء الله.

الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

نداء

لقد مر ما يزيد على ستة أشهر وأبواب "المركز الصحي للعرقوب" مغلقة دون تقديم تبريرات لذلك، حتى ولو كانت مجرد تبريرات واهية. الشيء الذي تسبب في حرمان الآلاف من المستضعفين من سكان الأحياء الجنوبية من مدينة لعيون بولاية الحوض الغربي من الخدمات الصحية التي كان من المفترض أن يقدمها ذلك المركز الصحي.
إن هذا المركز الصحي الذي عانى بالأمس القريب من قصة فساد بشعة وغريبة جعلته يتحول ولمدة ثلاث سنوات إلى محل لبيع اللحوم والخضروات، ها هو اليوم يعود إلى نفس الحالة بسبب إهمال الإدارة ولا مبالاتها رغم النداءات المتكررة للأهالي ورغم الشكاوي التي قُدِّمَتْ للسلطات الجهوية والوصية.
ولأننا في مبادرة " ضحايا ضد الفساد" نركز بالأساس على قضايا الفساد التي لا تجد من يتحدث عنها فإننا لنعلن هنا استغرابنا الشديد لذلك الإهمال الذي يتعرض له ذلك المرفق الصحي الهام، خاصة في هذا العهد الذي تشهد فيه البلاد حربا ضد الفساد يرافقها اهتمام ميداني بصحة المواطن البسيط. وإننا بهذه المناسبة لنناشد رئيس الجمهورية من أجل التدخل لإعادة فتح "المركز الصحي للعرقوب" الذي سيستفيد من خدماته الآلاف من الفقراء الذين يجدون صعوبة شديدة ومشقة كبيرة في التنقل إلى المراكز الأخرى البعيدة من أجل العلاج.