الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

بأي منطق تهادن المعارضة؟


 بدءا لابد من التذكير بأني لستُ ناطقا باسم المعارضة الموريتانية حتى أجيب نيابة عنها، لم أكن ناطقا باسمها في عشرية الرئيس السابق، ولن أكون ـ وبكل تأكيد ـ ناطقا باسمها في العهد الحالي. هذه مجرد وجهة نظر شخصية لمتابع للشأن العام، تحاول أن تجيب بمنطق تحليلي بحت على أسئلة يطرحها بعض الشباب المعارض، وهي أسئلة من قبيل: أين المعارضة؟ أين اختفت؟ ولماذا تهادن النظام؟

نعم هذه مجرد وجهة نظر تحليلية عن أسباب ومبررات تهدئة المعارضة، ولكنها مع ذلك تتضمن أجوبة ذات طابع شخصي على أسئلة وجهها إلي بعض الأصدقاء والمتابعين، وهي أسئلة من قبيل: لماذا توقفتَ عن نقد النظام؟ ما الذي تغير؟ لماذا لم تعد تُطالب بتخفيض أسعار المحروقات؟

(1)

إن أي متابع فطن للشأن العام لابد وأن يكون قد لاحظ أن خطاب إعلان ترشح غزواني كان خطابا مختلفا عن كل خطابات مرشحي الأنظمة، وأن حملته الانتخابية كانت أكثر اختلافا عن الحملات المعهودة لمرشحي الأنظمة الحاكمة، فلم تتضمن تلك الحملة ـ مع استثناء واحد ـ أي انتقاد مهما كان للمترشحين المنافسين. كما أن خطاب التنصيب قد جاءت فيه جملة ذات دلالة تقول : " سأكون رئيسا للجميع مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية، أو خياراتهم الانتخابية".

بعد التنصيب فُتحت أبواب القصر الرئاسي أمام المعارضين، ومُنحت لمؤسسة المعارضة وزعيمها المكانة لبروتوكولية المناسبة، وشُكلت لجنة تحقيق برلمانية ضمت نوابا من الأغلبية والمعارضة، وأصبح بالإمكان أن يرافق نائب من أكبر حزب معارض رئيس الجمهورية في زيارة لبلد شقيق.

لقد انفتح رئيس الجمهورية على المعارضة، إلى درجة أصبح فيها بعض الموالين يتساءل إن كان القصر الرئاسي لم يعد مفتوحا إلا للمعارضين؟ نعم لقد تعامل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مع المعارضة بأسلوب مختلف تماما عما كان معهودا في السابق، فلماذا لا تتعامل هي معه بأسلوب مختلف عن أساليبها المعهودة؟

(2)

هناك إنجاز هام له قيمة كبيرة عند كل من يقدر أهمية الأمن والاستقرار، والمعارضة الموريتانية معروفة بتقديرها لأهمية الأمن والاستقرار في منطقة يعاني الكثير من بلدانها من انعدام الأمن والاستقرار. هذا الانجاز يتعلق بتحقيق التدوال أو التناوب الآمن على السلطة.

لم يكن هذا التناوب الآمن على السلطة ليتحقق لو أن الرئيس السابق خلفه في الحكم أي شخص آخر غير الرئيس الحالي، حتى ولو كان ذلك الشخص من أركان النظام السابق. لقد تبين ذلك بشكل أكثر وضوحا لما ظهر بعد أشهر قليلة من مغادرة الرئيس السابق للسلطة، بأنه لم يغادرها عن قناعة، وأنه كان يفكر في العودة إليها، ولو أن شخصا آخر، أيا كان ذلك الشخص، تولى الرئاسة من بعد الرئيس السابق، لكانت البلاد تعاني اليوم من عدم الاستقرار، ولربما عرفت انقلابا عسكريا أشد ضررا من الانقلاب الذي عرفته صبيحة أربعاء السادس من أغسطس 2008.

هناك نقاط قوة وصفات شخصية يتمتع بها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هي التي أهلته لتحقيق تناوب آمن على السلطة، ولعل من أهم تلك نقاط القوة أنه قاد المؤسسة العسكرية لعقد كامل.

إن تحقيق هذا التناوب الآمن على السلطة كان يحتاج لشخص الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وكان يحتاج أيضا إلى تهدئة من طرف المعارضة، وتتأكد أهمية تلك التهدئة أكثر في ظل وجود جائحة غير مسبوقة، ولذا فلم يكن يليق بمعارضة ناضجة ومسؤولة تضع المصلحة العليا للوطن فوق أي مصلحة أخرى أن تدعو إلى التصعيد والتأزيم في فترة اجتمعت فيها الجائحة مع التحديات المصاحبة للتناوب الآمن على السلطة.

(3)

 من المعلوم أن المعارضة تمر بمرحلة حرجة، فأغلب أحزابها التقليدية تعاني من مشاكل حقيقية، هذا فضلا عن كونها عجزت عن خلق قيادات بديلة تملأ الفراغ الناتج عن تقاعد أو قرب تقاعد قادتها التاريخيين، ولذلك فهي ليست مهيأة في الوقت الحالي لأن تشكل بديلا للنظام، مما يعني أن الضغط على النظام والعمل على تأزيم الأوضاع لن يكون في مصلحتها، ولا في مصلحة الوطن، فأي فشل للنظام الحالي لا قدر الله سيدخل البلاد في مرحلة من عدم الاستقرار مفتوحة على كل الاحتمالات.

إن أي معارضة تنظر إلى مآلات الأمور ستدرك دون عناء أن إعانة النظام القائم على الإصلاح أولى من التصعيد والدفع إلى تأزيم الوضع، وإعانة النظام القائم تتمثل في النقد وتقديم النصح والمقترحات وتبيان الأخطاء بشكل مباشر إن أتيحت الفرصة لذلك، وكثيرا ما تتاح الفرصة لذلك من خلال اللقاءات المباشرة برئيس الجمهورية.

إن أنظمة الحكم هي التي تخلق معارضتها، فنظام الحكم الذي يسد كل الأبواب أمام المعارضة، ويصنفها على أنها تجمع من الخونة وأعداء الوطن، لا يترك للمعارضة من خيار إلا التصعيد والتأزيم. أما النظام الذي ينفتح على المعارضة، ويعتبرها شريكا سياسيا، فهو يستحق معارضة ناصحة لا معارضة التأزيم والتصعيد.

من هنا فإن تلبية بعض المعارضين لدعوات الرئيس أمرٌ مطلوب، ومثل تلك الدعوات يمكن أن يستغل في تقديم النصح وإسماع هموم المواطنين، وتبيان أماكن الخلل، وبذلك فيكون الخطأ هو عدم تلبية تلك الدعوات. إن تلبية تلك الدعوات يكون خطأ في حالة واحدة، وهي أن يستغل لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، أما إذا استغل لتقديم النصح ولتبيان الخلل ولتبليغ مطالب المواطنين، فإنه بذلك يكون من أهم أساليب النضال المعارض ومن أرقاها.

(4)

خلاصة القول هي أن الظرفية التي تمر بها البلاد بحاجة إلى مزيد من التهدئة، ولكن لهذه التهدئة بعض الشروط التي لابد من توفرها :

ـ أن تقتنع المعارضة بأهمية التهدئة، وبأهمية تغيير أساليب اللعبة، ما دام النظام قد غير تلك الأساليب؛

ـ أن يواصل الرئيس الانفتاح على المعارضة، وأن يستمع لنصحها وأن يستجيب لبعض مطالبها، حتى تُدرك المعارضة أن ما ستحققه لها وللشعب الموريتاني عن طريق التهدئة أكثر أهمية مما ستحققه عن طريق التصعيد والتأزيم؛

ـ أن تُشكل الأغلبية النظيفة في النظام "لوبيات للإصلاح"، وأن تكون أكثر قدرة على المبادرة، وأن تعمل بجد وحيوية من أجل أن تحتل الواجهة السياسية لنظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.   

حفظ الله موريتانيا...  

الاثنين، 21 ديسمبر 2020

معا لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني

 


أعلنت مجموعة من الموريتانيين من مختلف المشارب والاتجاهات والمكونات، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية (18 دجمبر 2020)، عن إطلاق حملة شعبية لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني.

ولقد وقع في أقل من يومين مئات الموريتانيين على عريضة الحملة، وقع وزراء سابقون ونواب وأكادميون وكتاب وصحفيون ومدونون وأطر ورجال أعمال ومواطنون عاديون  على عريضة هذه الحملة التي ستبدأ أنشطتها بشكل فعلي عندما تتحسن الظروف الصحية وتتراجع الموجة الثانية من جائحة كورونا.

إني من الذين يرون بأن هذه الحملة يمكن لها أن تنجح فيما فشل فيه الآخرون خلال العقود الماضية، وذلك لكونها تمتاز بثلاث نقاط قوة هامة، إن هي استغلت بذكاء فستأتي حتما بنتائج إيجابية.

نقطة القوة الأولى : الشرعية القانونية

لم تأت الحملة باجتهادات ولا بمطالب جديدة من صياغة المنخرطين فيها، مما قد يجعل تلك المطالب معرضة للرفض من طرف البعض، وأن لا تكون محل إجماع. كل مطالب الحملة تنحصر في أمر واحد وهو تفعيل مادة من مواد الدستور الموريتاني الذي صادق عليه الموريتانيون، ولذا فهي تطالب بما أجمع عليه الموريتانيون، وضمنوه في مادة من مواد دستورهم تقول بأن : " اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية."

خلاصة القول بخصوص هذه النقطة هي أن الحملة تمتلك أقوى شرعية قانونية يمكن أن تمتلكها أي عريضة مطلبية، وذلك لكونها قد حصرت مطالبها في تفعيل مادة هامة من مواد الدستور الموريتاني، وكل مواد الدستور الموريتاني مهمة.

نقطة القوة الثانية : النظر إلى اللغات الوطنية كوحدة واحدة لا تتجزأ

من أخطاء النخب في الماضي هو أن طائفة من الموريتانيين ظلت خلال العقود الماضية تطالب بترسيم اللغة العربية وتنسى المطالبة بتطوير بقية لغاتنا الوطنية، وطائفة أخرى من الموريتانيين ظلت تطالب بتطوير لغاتنا الوطنية وتنسى المطالبة بترسيم اللغة العربية، الشيء الذي جعل الفرانكفونيين في الطائفتين يستغلون بمكر هذه الوضعية المختلة لتخويف هؤلاء من أولئك، وأولئك من هؤلاء، فضمنوا بذلك بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة، الشيء الذي أدى في المحصلة النهائية إلى عدم ترسيم اللغة العربية بشكل فعلي، وإلى شبه غياب  تام للغاتنا الوطنية في الإعلام المحلي وفي نقاشات البرلمان وفي كل المحافل التي تهتم بالشأن العام.

إن هذه الوضعية المختلة هي التي مكنت اللغة الفرنسية من البقاء مسيطرة لستة عقود على حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية، ولتصحيح هذا الوضع المختل كان من الواجب النظر إلى لغاتنا الوطنية (العربية والبولارية والسوننكية والولفية) كوحدة واحدة، وأن يكون المطلب بتفعيل ترسيم اللغة العربية، يصاحبه ـ وبنفس القوة والإلحاح ـ مطلبا أخر في غاية الأهمية يتعلق بتطوير لغاتنا الوطنية.

خلاصة القول بخصوص هذه النقطة هو أنه قد آن الأوان لأن نفهم بأنه لا خصومة ولا تنافس بين من يطالب بتفعيل ترسيم اللغة العربية ومن يطالب بتطوير لغاتنا الوطنية، وحضورها أكثر في المشهد الإعلامي والسياسي المحلي، لا خصومة ولا تنافس بين هؤلاء وأولئك، وإنما هناك تكامل لمن ينظر إلى الأمور ببصيرة وتعقل. الخصومة إن كانت هناك من خصومة وتنافس، فستكون مع أولئك الذين يريدون بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة على حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية.

نقطة القوة الثالثة : البعد الوطني للحملة

ستعمل الحملة ـ وقد بدأت بالفعل في ذلك ـ على استقطاب كل الموريتانيين من مختلف المكونات والشرائح والأيدلوجيات، فمثل هذا المطلب الهام الذي ترفعه الحملة والمتعلق بتفعيل مادة هامة من مواد الدستور الموريتاني لا ينبغي أن يكون خاصا بمكونة أو بشريحة أو بإيدلوجيا معينة.

خلاصة القول في هذه النقطة هو أنه ما دام الأمر يتعلق بتفعيل مادة من مواد الدستور الموريتاني، وما دام يتعلق بلغاتنا الوطنية التي لا يمكن لأي كان أن يحصل على الجنسية الموريتانية إذا لم يكن قادرا على إتقان إحداها، ما دام الأمر يتعلق بمطلب بهذا المستوى من الأهمية، فإنه سيكون من واجب كل موريتاني أن يلتف حول أي عريضة مطلبية تسعى إلى تحقيق هذا المطلب الوطني الملح، والذي تأخر تحقيقه كثيرا.

خلاصة الخلاصات : إذا تم استغلال نقاط القوة الثلاثة هذه بذكاء، فسيعني ذلك بأن هذه الحملة المباركة، ستكون قادرة ـ بإذن الله ـ على تحقيق ما عجزت عن تحقيقه كل النخب الموريتانية خلال العقود الست الماضية.

حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

متى سننقب عن الذهب في شمامة؟

 


أطلقت شركة معادن موريتانيا (يوم الثلاثاء 15 دجمبر 2020) أول قافلة تنقيب إلى منطقة الشگات، وتضم هذه القافلة ما يُقارب 2000 سيارة عابرة للصحراء، ويقدر عدد المنقبين بها  ب25.000 منقب.

من المهم جدا أن يشتغل مئات الآلاف من الموريتانيين في مجال التنقيب عن الذهب، فمثل ذلك  سيوفر دخلا مهما لنسبة كبيرة من هؤلاء المنقبين، كما أنه سيوفر للبلاد مبالغ هامة من العملات الصعبة من خلال تصدير الذهب المتحصل عليه من خلال عمليات التنقيب هذه.

أن يخرج عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الموريتانيين إلى منطقة الشگات أو غيرها من المناطق بحثا عن مصدر عيش كريم لهم ولذويهم، فذلك أمر مهم، وأن تشجعهم الدولة على ذلك، فذلك أمر أكثر من مهم.

لا خلاف على ذلك، ولكن، من تابع انطلاق هذه القافلة التي تضم 25 ألف منقب و2000 سيارة عابرة للصحراء، من حقه أن يحلم بأن يشاهد قوافل مماثلة أخرى بهذا الحجم تتجه إلى شمامة للتنقيب عن الذهب هناك من خلال زراعة الأرض، أو تتجه إلى واحد من أغنى الشواطئ في العالم بالسمك للتنقيب عن الذهب هناك من خلال ممارسة مهنة الصيد، أو تتجه إلى المناطق الرعوية حيث يوجد ما يزيد على 26 مليون رأس من مختلف المواشي (إبل، بقر،غنم) لتنقب عن الذهب هناك من خلال عصرنة تربية هذه المواشي والاستثمار في مجال إنتاج الألبان واللحوم والجلود.

لدينا في موريتانيا الكثير من مناجم الذهب في شمامة وفي المحيط الأطلسي وفي المناطق الرعوية، ولكن للأسف الشديد لا تجد مناجم الذهب هذه من ينقب عنها، فلا الشباب اهتم بها كاهتمامه بالتنقيب عن الذهب في الصحاري، ولا الحكومات المتعاقبة رسمت سياسيات جادة ووضعت خططا فعالة للاستفادة من هذه الثروات الهائلة التي تزخر بها بلادنا في الضفة وفي المحيط الأطلسي و في مناطقنا الرعوية.

إننا بأمس الحاجة إلى قوافل مماثلة لقافلة الشگات تضم آلاف الشباب المتحمس تتجه إلى شمامة وإلى المحيط الأطلسي وإلى مناطقنا الرعوية للتنقيب عن الذهب هناك، ويتأكد الأمر أكثر بعد جائحة كورونا وحادثة إغلاق معبر الگرگرات لثلاثة أسابيع.

فمتى ستنطلق قوافل أخرى للتنقيب عن الذهب في شمامة، وفي المحيط الأطلسي، وفي مناطقنا الرعوية؟

متى؟

متى؟

متى؟

 

حفظ الله موريتانيا..

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020

هل موريتانيا مقبلة على التطبيع مع العدو الصهيوني؟


تحاول بعض المصادر الإعلامية وبعض التحليلات السياسية أن تضع اسم موريتانيا على رأس قائمة الدول التي يُقال بأنها ستطبع قريبا مع العدو الصهيوني. لا أملك ـ بكل تأكيد ـ أية معلومات عما يدور في مطبخ الخارجية الموريتانية، ولكن ذلك لن يمنعني من محاولة الإجابة على السؤال العنوان بمنطق تحليلي بحت يعتمد على التحليل والاستنتاج أكثر من اعتماده على المعلومات.

يمكن القول ـ وبالمنطق التحليلي البحت ـ بأن موريتانيا كانت أكثر قربا إلى التطبيع في الأسابيع الماضية منها في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب.

لقد واجهت موريتانيا ضغوطا قوية خلال الفترة الماضية لتكون ضمن "الدفعة الأولى" من لائحة المطبعين، وقد جاءت هذه الضغوط من الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، ومن دولة الإمارات الشقيقة التي تربطها علاقات قوية مع موريتانيا.

فمن الراجح  جدا أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته قد مارس خلال الفترة الماضية ضغوطا قوية على موريتانيا ليزيد بها لائحة الدول التي استطاع أن يجرها إلى التطبيع من قبل مغادرته للسلطة، ومن الراجح أيضا أن دولة الإمارات قد مارست هي الأخرى ضغوطا قوية على موريتانيا لتزيد بها عدد الدول التي جرتها إلى مشروعها التطبيعي، فمن المعروف بأن المشروع التطبيعي الحالي تقوده دولة الإمارات وهو "محسوب لها".

لقد تمكنت موريتانيا أن تتجاوز تلك الضغوط القوية، وأن تنجو من التطبيع في الفترة الماضية التي كانت صعبة جدا، فكيف لا تنجو منه الآن، والرئيس اترامب الذي كان يمارس الضغوط من أجل التطبيع سيترك السلطة، ولن يُمارس خلفه ـ حسب أغلب المحللين السياسيين ـ نفس الضغوط التي كان يمارسها سلفه على بعض الدول العربية من أجل جرها  إلى التطبيع مع العدو الصهيوني. كما أن الإمارات لن تمارس مستقبلا نفس الضغوط التي كانت تمارسها في آخر أيام اترامب، ذلك أن الإمارات والسعودية ومصر ستنشغل في الفترة القادمة بتحسين علاقتها مع بايدن الرئيس الأمريكي الجديد الذي انتصر انتخابيا على الحليف اترامب، ولن يكون جر الدول إلى التطبيع مع العدو الصهيوني هو أولوية بايدن في المرحلة القادمة.

لقد قاومت موريتانيا ضغوطا قوية في آخر أيام اترامب، وتمكنت بذلك من النجاة من شر التطبيع، فكيف لا تتمكن من مقاومة الضغوط في عهد بايدن، هذا إن سلمنا بوجود تلك الضغوط، وحتى إن سلمنا بوجود تلك الضغوط، فإنها ستكون ـ في كل الأحوال ـ أقل حدة بكثير من الضغوط التي مورست في آخر أيام اترامب في السلطة.

في اعتقادي بأن هناك ثلاثة عوامل قد تجعلنا نستبعد من الناحية التحليلية البحتة أي تطبيع قريب لموريتانيا مع العدو الصهيوني، وهذه العوامل الثلاثة هي :

1 ـ أن الضغوط على موريتانيا مستقبلا لن تكون بحجم الضغوط عليها في الأسابيع الماضية، وهذا ما بيناه في الفقرات السابقة من المقال، ولذا فما دامت موريتانيا قد تمكنت من تجنب شر التطبيع في الفترة الماضية، فإن احتمال تجنبه في المستقبل القريب سيكون أقوى.

2 ـ صحيحٌ أن المملكة المغربية قد طبعت، ربما مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادتها على الصحراء الغربية، ولكن الصحيح أيضا هو أن المغرب العربي الكبير لا زال في أغلبه خارج دائرة التطبيع، ولذا فبإمكان موريتانيا مستقبلا أن تربط موقفها من التطبيع بموقف الدول المغاربية فإن طبعت تلك الدول طبعت هي، وإن رفضت تلك الدول التطبيع رفضته هي.

3 ـ من الراجح أن ملف التحقيق سيحال قريبا إلى القضاء، ومن المعروف بأن الرئيس السابق كان قد قطع العلاقات مع العدو الصهيوني، ومن المعروف أيضا بأن الشعب الموريتاني شديد الحساسية اتجاه أي شكل من أشكال التطبيع. يعني هذا بأن أي خطوة في اتجاه التطبيع في الفترة القادمة ستكون بمثابة أكبر هدية يمكن تقديمها للرئيس السابق قبل أو خلال فترة إحالة ملفه إلى القضاء.

  حفظ الله موريتانيا..