الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

بيان


منذ سنوات قرر عدد من الهيئات العاملة من أجل التمكين للغة العربية في موريتانيا تنسيق جهودها في تخليد اليوم العالمي للغة العربية (18 دجمبر)، ثم ارتقت الهيئات المعنية بجهدها المشترك فجعلت اليوم العالمي أسبوعا وطنيا ثم امتد الأسبوع في نسخة العام الماضي (2022) إلى أكثر من 10 أيام. 

واليوم، فإننا نحن الهيئات والمراكز والجمعيات والمنظمات العاملة في مجال خدمة اللغة العربية والتمكين لها في موريتانيا، والمجتمعة في الذكرى الثالثة والستين لاستقلالنا الوطني، والموقعة أدناه: 

 إيمانا منا بأن الاستقلال الحقيقي لا يمكن أن يكتمل دون استقلال ثقافي؛

قناعة منا بأنه لا استقلال ثقافي يمكن أن يتحقق دون سيادة لغوية كاملة؛

سعيا منا لإظهار مدى الترابط القوي بين الاستقلال الوطني والسيادة اللغوية.

نعلن على بركة اللـه ما يلي: 

أولا - تمديد فترة الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية إلى شهر كامل ابتداء من هذا العام، والعزم على تنويع الأنشطة الهادفة إلى التمكين للغة العربية وتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، والتي جعلت من اللغة العربية لغة رسمية وحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

ثانيا – فتح الباب أمام كل الهيئات والمنظمات العاملة في مجال خدمة اللغة العربية للالتحاق بمنسقية سدنة اللغة العربية والمشاركة في نشاطات شهر اللغة العربية.

ثالثا – تثمين ما أنجز من خطوات لحد الآن في مجال تحقيق الاستقلال الثقافي والسيادة اللغوية، ومطالبة الجهات الحكومية المختصة والقطاع الخاص بمزيد من العمل لتعزيز استقلال موريتانيا الثقافي وسيادتها اللغوية غير المتنافية مع الانفتاح على اللغات الأخرى لأغراض التواصل وتبادل المنافع والبحث العلمي، ونحوها من الأغراض، ودون مساس بالحيز الوظيفي والسيادي للغة الرسمية للبلاد، وللغات الوطنية.  

والله ولي التوفيق،،،

نواكشوط بتاريخ : 14 جمادى الأولى 1445 ه الموافق 28 نوفمبر 2023م


الموقعون:

ـ  مجلس اللسان العربي بموريتانيا 

ـ الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية

ـ اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين

. جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم

. هيئة جيرنو أحمد مختار ساقو

. المنتدى الإسلامي الموريتاني

. الجمعية الموريتانية لعلوم الصحة

ـ المرصد الموريتاني للغة العربية

ـ المركز الموريتاني للغة العربية

ـ بيت الشعر

ـ اتحاد الأكاديميين والمثقفين الموريتاني

.المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة

.الائتلاف التربوي الموريتاني

الاثنين، 27 نوفمبر 2023

لا استقلال دون سيادة لغوية


علينا أن نعترف في هذه البلاد أننا لم نتمكن حتى الآن من فرض استقلالنا اللغوي، ولا من تحقيق السيادة اللغوية الكاملة على أرضنا، وذلك على الرغم من مرور 63 سنة على إعلان الاستقلال، و31 سنة على مصادقة الشعب الموريتاني على دستور 21 يوليو 1991، والذي تنص ديباجته ومادته السادسة على أن اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية هي اللغة العربية.

إن استقلالنا عن فرنسا سيبقى ناقصا ما لم نُحقق سيادتنا اللغوية، ولن تتحقق سيادتنا اللغوية ما دامت اللغة الفرنسية تحتل مساحات وفضاءات في التعليم والإدارة كان يجب أن تبقى حكرا للغتنا الرسمية.

ستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دامت إدارتنا تستخدم لغة أجنبية في مراسلاتها وفي مخاطبتها للمواطن، واستمرار استخدام لغة أجنبية في الإدارة لا يمسُّ فقط من سيادتنا اللغوية، بل إنه إضافة إلى ذلك يُبعد خدمات الإدارة من المواطن، ذلك أن الشرط الأول لتقريب خدمات الإدارة من المواطن يتمثل في مخاطبة المواطن بلغته الرسمية التي يفهمها أو يفترض فيه أنه يفهمها.

وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دام حملة الشهادات العربية يقصون من الكثير من عمليات الاكتتاب وفرص العمل، وذنبهم الوحيد الذي يقصون بسببه، هو أنهم تعلموا بلغة بلدهم الرسمية.

وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دام بعض الموظفين السامين يلقون خطاباتهم الرسمية بلغة أجنبية.

وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دامت الهيئات الدولية والبعثات الدبلوماسية والشركات الأجنبية العاملة في بلادنا ترفض العمل بلغتنا الرسمية، وترفض تبعا لذلك اكتتاب أي موظف أو عامل تعلم بلغة بلده الرسمية.

وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دام البنك المركزي الموريتاني وبقية البنوك الأخرى وكل الشركات الكبرى العاملة في البلد، أجنبية كانت أو وطنية، لا تصدر عنها وثيقة واحدة باللغة الرسمية للبلد، وترفض في الوقت نفسه توظيف أي موريتاني لا يمكنه العمل بلغة أجنبية.

وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دام استخدام اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية يُعدُّ عيبا يُرفض بموجبه استقبال الملفات للمشاركة في الصفقات العمومية، وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دامت الوزارات السيادية تعلن في منصات رسمية أنها لا تستقبل إطلاقا العروض المكتوبة باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية. 

لقد آن الأوان لأن نضع حدا لهذا الاستعمار اللغوي الذي لم نتحرر منه حتى الآن، وذلك على الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على إعلان استقلالنا عن الاستعمار الفرنسي.

إن استقلالنا اللغوي لن يكتمل، وإن سيادتنا اللغوية لن تتحقق إلا إذا قمنا بالآتي:

1 ـ التعريب الكامل للإدارة الموريتانية وفق جدول زمني قصير ومحدد، ولا بأس بالأخذ بالتدرج في ذلك؛

2 ـ منع استخدام اللغات الأجنبية في الخطابات الرسمية، والصرامة في ذلك، فالخطابات الرسمية يجب أن تكون باللغة الرسمية للبلد، وفي حالة تعذر ذلك تكون بإحدى لغاتنا الوطنية مع توفير الترجمة إلى اللغة الرسمية؛

3 ـ توفير مترجمين إلى اللغات الوطنية في المؤسسات الخدمية في المدن والمقاطعات التي يغلب فيها استخدام إحدى لغاتنا الوطنية.

إننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية لسنا ضد اللغة الفرنسية، بل إننا ندعو إلى جعلها لغة أجنبية أولى في موريتانيا، حتى وإن كانت المصلحة العليا للبلد تقتضي جعل اللغة الإنجليزية (اللغة العالمية الأولى في هذه الفاصلة من تاريخ البشرية) هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا. إننا لسنا ضد إعطاء اللغة الفرنسية المكانة التي تُحظى بها أي لغة أجنبية أولى في أي بلد من بلدان العالم، ولكننا ضد السماح لهذه اللغة الأجنبية أن تحتل مساحات وفضاءات في التعليم والإدارة كان يجب أن تبقى حكرا للغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية.

لقد آن الأوان لأن نخلد ذكرى الاستقلال تحت شعار: لا استقلال دون سيادة لغوية.  

حفظ الله موريتانيا..


الثلاثاء، 21 نوفمبر 2023

نداء من حملة "معا للحد من حوادث السير"


تسبب الحادث الأليم الذي وقع البارحة مساء الاثنين 20 نوفمبر في حدود الساعة العاشرة والنصف ليلا عند قرية تيدمين غرب بوتلميت، تسبب هذا الحادث في الوفاة الفورية لستة أشخاص، وإصابة شخص سابع بجروح بليغة، وهذا هو مجموع ركاب الحافلة الصغيرة.

هذا الحادث الأليم كشف من جديد عن ضرورة المسارعة في سد النقص القائم في آليات التدخل والإنقاذ، وخاصة على المقطع (نواكشوط ـ بوتلميت)، والذي يعد من أخطر المقاطع على شبكتنا الطرقية.

إن ما حدث البارحة عند قرية تيدمين يجب أن لا يتكرر مستقبلا، وأن لا تتكرر تلك المشاهد المؤلمة التي تابعها الكثيرون الليلة البارحة وصباح اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لم يعد من المقبول أن لا تكون على هذا المقطع الحيوي آليات للتدخل في حالة تعذر إخراج ضحية من ضحايا حوادث السير بالطرق العادية، بسبب قوة التصادم، كما حدث الليلة البارحة حيث ظل الناجي الوحيد في الحادث يصرخ لأربع ساعات كاملة ( من العاشرة والنصف إلى الثانية والنصف) من  دون أن يتم التمكن من إخراجه، ولم يعد من المقبول أن يتم اللجوء في مثل هذه الحالات إلى صاحب محل لحامة ليقطع الحديد بطرق بدائية قد تؤدي إلى تفاقم حالة المصاب.

ولم يعد من المقبول كذلك أن تبقى جثث الضحايا تحت شاحنة لمدة 12 ساعة (آخر جثة تم إخراجها العاشرة ضحى) دون أن تكون هناك رافعة على هذا المقطع مخصصة للتدخل في مثل هذه الحالات.

إننا في حملة معا للحد من حوادث السير  نجدد بمناسبة هذه الفاجعة الأليمة دعوة اللجنة الوزارية المكلفة بالسلامة المرورية إلى المسارعة في توفير فرقة إنقاذ عند الكلم 100 من طريق الأمل مجهزة بآليات التدخل لإخراج الضحايا من السيارات إذا ما كانت هناك ضرورة لذلك، هذا فضلا عن ضرورة توفير رافعة قادرة على التعامل مع الشاحنات في حالة انقلابها على الطرق، أو في حالة سقوطها على سيارات يوجد بها ركاب، وكثيرا ما يحدث مثل ذلك.

نواكشوط بتاريخ: 21 نوفمبر 2023

معا للحد من حوادث السير

فرحٌ وحزنٌ وخُذلانٌ في وقت واحد!


أن تعيش فرحاً عظيماً، وحزناً فظيعاً، وخذلاناً كبيراً في وقت واحد، فهذا أمرٌ غير مألوف، وشعورٌ نادر الوقوع، وهو من الظواهر الغريبة التي لا يمكن أن تحدث إلا في ظرف استثنائي جدا، كالذي نعيشه اليوم مع معركة طوفان الأقصى.

إن كل عربي، وكل مسلم، بل وكل إنسان حر، لا يمكن إلا وأن يعيش فرحا عظيما، وهو يتابع في زمن الهزائم الكبرى يوميات ملحمة عظيمة سيخلدها التاريخ تحت عنوان طوفان الأقصى، وذلك بعد أن بدأت المقاومة في كتابة فصولها ذات صبيحة يوم سبتٍ مباركٍ صادف السابع من أكتوبر من العام 2023.

من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يشاهد الجيش الأكثر إجراما في عصرنا الحديث يتذوق طعم الهزيمة جرعة جرعة خلال الخمسة والأربعين يوما الماضية؟

من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يشاهد الجيش الذي أقنعتنا دعايته الكاذبة بأنه جيش لا يهزم، وأن مخابراته لا تخترق، وأكدت لنا جيوشنا العربية دعايته تلك، من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يشاهد ذلك الجيش الذي "لا يهزم" يتذوق طعم الهزيمة جرعة جرعة؟

من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يرى الصورة الكاذبة الخادعة التي رسخها العدو في العالم عن وداعته وإنسانيته ومظلمته التاريخية، وهي تتكسر وتتحطم شيئا فشيئا، وذلك بعد أن أصبحنا نسمع عن عشرا ت، بل مئات المسيرات والاحتجاجات والمظاهرات الكبرى في دول الغرب ترفع شعارات صريحة وواضحة تدين جرائم العدو وتتعاطف مع الشعب الفلسطيني؟

من منا لم يشعر بفرح عارم، وهو يتابع العالم كله، بخياره وأشراره، وما أكثر أشراره، منشغلا إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا بمعركة طوفان الأقصى وبالقضية الفلسطينية، والتي كان قد أدرج ملفها منذ سنوات بل ومنذ عقود في الملفات المنسية في سلة المهملات؟

لقد عشنا بالفعل فرحا عظيما لم نعرفه من قبل، وذلك بعد أن استيقظنا ذات صبيحة سبت مبارك على انتصارات كبرى لم يكن أي واحد منا قادرا على أن يتخيلها أو حتى أن يحلم بها وهو يغط في نوم عميق، ولذلك فلا تلوموا من لا يزال يُفرك عينيه حتى الآن غير مصدق لما يشاهده من ضربات موجعة وموثقة يتلقاها العدو من المسافة صفر.

في المقابل من منا لم يعش خلال الخمسة والأربعين يوما الماضية حزنا فظيعا فوق قدرة تحمل البشر، وهو يتابع مشاهد إبادة جماعية غير مسبوقة، لقطة لقطة وبالعرض البطيء، يتعرض لها أهلنا في غزة، ولم يسلم منها المرضى والجرحى والأطفال الخدج؟

من منا لم يعش حزنا فظيعا فوق قدرة البشر على التحمل، وهو يشاهد لأول مرة في حياته حرباً إجرامية لم تعرف لها البشرية مثيلا، حرباً تنقل بشكل مباشر، وتخاض ضد المستشفيات والمرضى والأطفال، ويكون فيها الانتصار بعدد المستشفيات التي أخرجت من الخدمة، وعدد سيارات الإسعاف والأجهزة الطبية التي دمرت، وعدد المرضى والجرحى والأطباء والأطفال والنساء والشيوخ الذين تم قتلهم؟

ومن منا كذلك لم يعش خذلانا كبيرا وهو يتفرج على سلبيته وعجزه، وعلى ملياري مسلم (ربع سكان العالم) خارج دائرة التأثير، وعلى57 دولة عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي تشارك العدو في جرائمه غير المسبوقة إما بالدعم غير المعلن، أو بالتفرج على ما يجري من جرائم دون فعل أي شيء، أو تشارك في أحسن الأحوال بالقنابل والمفرقعات الصوتية الموجهة فقط للاستهلاك الإعلامي.

فهل يُعقل أن يمر شهر ونصف شهر على هذه المذبحة الإجرامية التي زاد الشهداء فيها على 12 ألف شهيد، ومع ذلك لم نسمع عن اعتصام شعبي واحد أمام سفارة دولة العدو في إحدى الدول العربية أو الإسلامية المطبعة استمر حتى إعلان قطع العلاقات مع العدو، ولم نسمع عن اعتصام شعبي واحد أمام سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في أي دولة إسلامية استمر إلى أن تم استدعاء سفير أمريكا في تلك الدولة من طرف حكوماتها لتوبيخه على موقفه المتمالئ مع العدو، وتهديده بالطرد وقطع العلاقات مع أمريكا إن استمرت أمريكا في دعم العدو.

هذا عن الشعوب أما بخصوص حكومات الدول العربية والإسلامية فلا أحد كان يأمل أو يتوقع منها مواقف شجاعة على مستوى الحدث، ولذا فنحن نقترح على تلك الحكومات خطوة بسيطة جدا، تمثل الحد الأدنى من الحد الأدنى مما كان يجب على الحكومات في الدول العربية والإسلامية أن تقوم به. تتمثل هذه الخطوة البسيطة في إطلاق قافلة إغاثة محملة بالمواد الطبية والغذائية ترفعُ أعلام 57 دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتُمثل كل دولة فيها بأحد علمائها الكبار، وتفتح لها ‎مصر المعبر، فإن اعترض العدو للقافلة وقصفها يكون قد أعلن الحرب على 57 دولة، وإن تركها تكون الدول الإسلامية قد كسرت الحصار.

ختاماً

إننا أمام بشائر نصر استثنائي عظيم، والانتصارات الاستثنائية العظمى تكون كلفتها دائما كبيرة جدا، وهذا هو ما يمنحنا القدرة على أن نتعايش مع أحزاننا الكبيرة. كما أن الانتصارات الاستثنائية العظمى لا يُشارك فيها إلا الخيار والشرفاء، وربما يكون هذا هو سبب حرمان حكومات الدول الإسلامية من المشاركة في هذا النصر القادم، ولو بقافلة إغاثة تحمل الأعلام. 

حفظ الله فلسطين..


الأحد، 12 نوفمبر 2023

ماذا تعني كلمة "فوري" في قرار القمتين؟

قرر القادة العرب والمسلمون أن يجتمعوا في قمتين غير عاديتين في الرياض بالسعودية، وذلك بعد مرور أكثر من شهر على انطلاق معركة طوفان الأقصى، وكان هذا التأخر في الاجتماع يكفي لوحده للقول بتقصير القادة العرب والمسلمين وخذلانهم البَيِّين لأهلنا في فلسطين عموما، وفي قطاع غزة خصوصا.

وفي ختام القمتين المتأخرتين لأكثر من شهر، أصدر القادة العرب والمسلمون قرارا، أقول قرارا، وليس بيانا كما كان يحدث في الماضي، ومن سمع كلمة قرار قد يُخيَّل إليه لأول وهلة أن القادة العرب والمسلمين قرروا هذه المرة أن يكونوا أكثر جدية وصرامة، وأن يُصدروا قرارا يجب تنفيذه، وذلك بدلا من الاكتفاء بإصدار بيان كما كان يحدث في الماضي، يُضاف إلى عدد كبير من البيانات التي كان يُقال عنها إنها مجرد حبر على ورق، وأن قيمتها أقل من قيمة الورق الذي كُتبت عليه.

إن أول ما يلفت الانتباه في قرار القمتين المتأخرتين هو تكرر كلمة "فوري" بشكل غير مسبوق، وقد رصدتُ خلال قراءتي لنص القرار ثمان فقرات وردت فيها كلمة "فوري"، وإليكم فقرات القرار الثمانية التي وردت فيها كلمة "فوري":

1 ـ كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل "فوري"؛

2 ـ دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل "فوري" ومستدام وكاف؛

3 ـ مطالبة مجلس الأمن اتخاذ قرار "فوري" يدين تدمير إسرائيل الهمجي للمستشفيات في قطاع غزة؛

4 ـ ضرورة أن يفرض القرار على إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، التزام القوانين الدولية والغاء اجراءاتها الوحشية اللاإنسانية هذه بشكل "فوري"؛

5 ـ بدء تحرك دولي "فوري" باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة؛

6 ـ التأكيد على ضرورة العودة "الفورية" لهؤلاء النازحين إلى بيوتهم ومناطقهم؛

7 ـ التأكيد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات "فورية" وسريعة لوقف قتل المدنيين الفلسطينيين واستهدافهم؛

8 ـ التأكيد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي "فوريا" لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لفرض السلام على اساس حل الدولتين الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

يمكننا أن نلاحظ بعد مرور ثلاثة أيام على قرار القمتين المتأخرتين، أن الأوضاع في غزة ساءت أكثر مما كانت عليه من قبل انعقاد القمتين المتأخرتين، وأن العدو الصهيوني رد على قرار القمتين المتأخرتين بتكثيف الهجوم على المستشفيات وإخراجها عن الخدمة والبدء في تنفيذ أسوأ محرقة في التاريخ ضد الأطفال الخدج ومرضى السرطان والكلى في مستشفيات غزة.

لم يتحقق أي شيء من "فورية" قرار القمتين، فلا قوافل للمساعدات تم إدخالها بشكل فوري كما جاء في القرار، ولا مصر اتخذت خطوات فورية، ولا مجلس الأمن أصدر قرارا فوريا، ولم يلغ العدو إجراءاته الوحشية بشكل فوري، ولم نشاهد تحركا دوليا فوريا، ولا عودة فورية للنازحين، ولا وقف فوري لقتل المدنيين، ولا تحرك دولي فوري لإطلاق عملية سلام جادة وحقيقية.

بعد مرور ثلاثة أيام على إصدار قرار القمتين المتأخرتين، وبعد وصول جرائم العدو إلى مستوى فوق التحمل والتخيل، وصل إلى حد ترك جثث الشهداء دون دفن لتنهشها الكلاب الضالة، أليس من حقنا بعد هذا كله، أن نطرح السؤال: ماذا تعني كلمة "فوري" في قرار القمتين المتأخرتين؟

للأسف الشديد لا يختلف حال الشعوب العربية والإسلامية عن حال الحكومات، فكلاهما ، أي الشعوب والحكومات، قد خذل أهلنا في غزة، وهذه حقيقة لابد أن تُقال الآن، وبأعلى صوت.

إن القول بتقصير الحكومات العربية والإسلامية هو قول صحيحٌ لا خلاف فيه، ولكن الصحيح أيضا هو أن الشعوب العربية والإسلامية قد قصرت هي الأخرى في حق أهلنا في غزة، ولم يكن تحركها خلال الأسابيع الماضية بحجم الجرائم والمجازر التي يرتكبها العدو في غزة.

لقد كان من المفترض أن تكون تحركات الشعوب العربية والإسلامية أقوى مما شاهدنا حتى الآن، وخاصة من بعد تركيز العدو في هجومه على المستشفيات، وحصاره للمرضى في سابقة إجرامية لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل، فكنا نتوقع أن ترد الشعوب العربية والإسلامية على هذه الجرائم غير المسبوقة باعتصامات مفتوحة أمام سفارات الدول الغربية الداعمة للعدو، وكذلك أمام سفارات الدول العربية المطبعة، وأن تستمر تلك الاعتصامات المفتوحة دون توقف إلى ان تُراجع تلك الحكومات مواقفها.

وإذا كانت بعض حكومات أمريكا اللاتينية قد فضحت الحكومات العربية والإسلامية بمواقفها القوية الداعمة لأهلنا في غزة، ففي المقابل، فإن بعض الشعوب الغربية بمسيراتها المليونية وبأنشطتها المتعددة قد فضحت هي الأخرى الشعوب العربية والإسلامية، والتي لم يكن - للأسف - تحركها مناسبا لبشاعة جرائم العدو، ولا لاستثنائية معركة طوفان الأقصى.

حفظ الله فلسطين..



الثلاثاء، 7 نوفمبر 2023

عريضة مطلبية

 


إلى اللجنة الوزارية المكلفة بالسلامة الطرقية برئاسة معالي الوزير الأول

نظرا للحادث الأليم الذي وقع يوم 17 أكتوبر 2023 عند الكلم 102 على طريق الأمل، وأدى إلى وفاة 5 أشخاص بشكل فوري، وكان سببه المباشر  شاحنة متعطلة على الطريق لم يضع سائقها إشارات تحذيرية؛

ونظرا لحوادث مميتة أخرى رصدناها في الحملة خلال الفترة الأخيرة وكانت كلها بسبب شاحنات متعطلة على الطرق لم يضع سائقوها أي إشارات تحذيرية؛

ونظرا للعدد الكبير من الشاحنات المتعطلة على طريق الأمل، والذي رصدناه خلال قافلة توعوية أطلقناها في الفترة الأخيرة لصالح سائقي الشاحنات؛

نظرا لكل ذلك، فإننا في حملة "معا للحد من حوادث السير" نتقدم إلى اللجنة الوزارية المكلفة بالسلامة الطرقية برئاسة معالي الوزير الأول بالعريضة المطلبية التالية:  

1ـ إجبار جميع المركبات على اقتناء المثلث التحذيري العاكس للضوء، وخاصة الشاحنات، وإلزام نقاط التفتيش على الطرق بالتوقيف الفوري لأي شاحنة لا يوجد لدى سائقها هذا المثلث، ومنعها من مواصلة الرحلة؛

2 ـ تشكيل دوريات متنقلة من الدرك لرصد الشاحنات المتوقفة على الطرق، والتي لا تضع إشارات تحذيرية، واتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد سائقيها؛

3-  إرسال عناصر من الدرك بشكل فوري إلى المواقع الأكثر خطورة عندما تتعطل فيها شاحنة، وذلك لتأمين سالكي الطريق عندما تكون الإشارات التحذيرية غير كافية لتأمينهم؛ 

4 ـ إنزال أقسى العقوبات بأي سائق شاحنة يتسبب في حادث سير بتوقفه على الطريق دون وضع إشارة تحذيرية، وعدم التساهل معه تحت أي ظرف؛

5ـ العمل مستقبلا على تسوية جوانب الطرق في المقاطع الأكثر خطورة، وجعلها مناسبة للتوقف، ففي ببعض هذه المقاطع قد لا يجد سائق السيارة المتعطلة مكانا يوقف فيه سيارته المتعطلة؛

6 - الصرامة في التعامل مع الحمولة الزائدة، فهي المسبب الأول في انقلاب الشاحنات على الطرق؛

7 ـ توفير آليات قادرة على التعامل مع الشاحنات الكبيرة في حالة انقلابها وغلقها للطريق، على أن تكون هناك نقطة تدخل ثابتة مجهزة بتلك الآليات عند منعرج "جوك"، والذي كثيرا ما تنقلب عنده شاحنات فتسد الطريق.

وفي الأخير فإننا في الحملة نجدد مطالبتنا بتفعيل ما التزمت لنا به وزارة التجهيز والنقل في رسالتها الجوابية رقم 0004، الموقعة من طرف المدير العام للنقل البري، والمؤرخة ب 03 يناير 2020، والتي التزمت الوزارة بموجبها بإجبار سائقي الحافلات التابعة لشركات النقل بالسرعة المحددة في قانون السير، وهو ما لم يتم حتى الآن، وفي هذا الإطار فإننا نذكر أيضا بالحلول التقنية في مجال السلامة الطرقية التي أشرف عليها مهندسون موريتانيون، والتي كنا قد عرضناها في الحملة على القطاعات المعنية للعمل بها.

نواكشوط 07 نوفمبر 2023

حملة معا للحد من حوادث السير



السبت، 4 نوفمبر 2023

لا تخذلينا يا بوليفيا!


اتخذت بعض دول أمريكا الجنوبية مواقف قوية داعمة للقضية الفلسطينية، وكان أقواها موقف بوليفيا التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع العدو الصهيوني، وقد استدعت كل من كولومبيا وتشيلي وهندوراس سفراءها في تل أبيب، أما فنزويلا فقد أصدرت بيانا قويا يدين الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الصهيوني في غزة.

من المؤكد أن هذه المواقف هي مواقف جيدة في مجملها، وتستحق التقدير من كل مناصري الحق الفلسطيني، ولكننا ما زلنا ننتظر من بوليفيا وأخواتها أكثر. 

نعم إننا ننتظر من بوليفيا وأخواتها أكثر، ولعل أهم ما ننتظر منها هو أن تعلن هي وأخواتها عن تأسيس جامعة دول بديلة للجامعة العربية، والتي لم تعد الشعوب العربية ترجو منها خيرا، بل إن هذه الشعوب أصبحت على قناعة كاملة بأن الجامعة العربية تخدم العدو الصهيوني أكثر من خدمتها للعرب وقضاياهم.

الراجح عندي أن الشعوب العربية على استعداد لتوقيع بيانات تعلن فيها عن انسحابها من الجامعة العربية، وأن هذه الجامعة لم تعد تمثلها، وأن ما يمثلها حقا هو الجامعة التي ستؤسسها بوليفيا وأخواتها، فبوليفيا وأخواتها أصبحت اليوم هي الدول الوحيدة في هذا العالم التي تتخذ مواقف مشرفة من القضية الفلسطينية، وذلك بعد أن انحازت الحكومات الغربية ـ وبشكل مكشوف وفاضح ـ للعدو الصهيوني، في حين قررت الدول العربية أن تنحاز له سراَّ أو ـ على الأقل ـ  من خلال الاكتفاء بالتفرج السلبي على ما تتعرض له غزة من جرائم ومجازر وحشية لم يشهد لها العالم مثيلا خلال العقود الأخيرة.

نرجو من بوليفيا وأخواتها أن لا تخذلنا، وأن تسارع هذه الدول إلى تأسيس جامعة دول تقوم بالدور الذي كان من المفترض أن تقوم به الجامعة العربية اتجاه القضية الفلسطينية، والذي تخلت عنه منذ سنوات، أو على الأصح، الذي لم تعد قادرة على القيام به، فالجامعة العربية كانت تعيش منذ سنوات موتا سريريا، وقد أصبح من اللازم أن يعلن اليوم عن وفاتها رسميا.

نعم لقد توفيت الجامعة العربية بشكل رسمي في شهر أكتوبر من هذا العام، والشعوب العربية بحاجة اليوم إلى جامعة دول جديدة تعبر عن تطلعاتها، وتدافع عن قضاياها العادلة، وخاصة منها القضية الفلسطينية، ويبقى التعويل في هذا المجال على بوليفيا وأخواتها، ولذا فالشعوب العربية ترجو من بوليفيا أن لا تخذلها، وأن تسارع في تأسيس جامعة دول من أمريكا الجنوبية تقوم بالدور الذي كان يفترض أن تقوم به الراحلة الجامعة العربية، والـتي غادرت دنيانا الفانية في شهر أكتوبر من عامنا هذا.

ويبقى السؤال : هل يجوز دفن الجامعة العربية في مقابر المسلمين؟

حفظ الله فلسطين..

الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

هل دماؤنا أرخص من دمائهم؟

 


في صبيحة السابع من يناير من العام 2015 اقتحم الأخوان "سعيد وشريف كواشي" مقر صحيفة "شارلي أبدو" في هجوم مسلح، وذلك بعد إعادتها لنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للجناب النبوي الشريف، فقتلا 12 شخصا، سيزدادون بعد ذلك بأربعة أشخاص أو خمسة في عملية لاحقة. هذه الحادثة جعلت العالم أجمع يعيش أيام حزن عظيم لف مشارق الدنيا ومغاربها، وكان نصيبنا منه في العالمين العربي والإسلامي ليس بالشيء القليل، وبعد أربعة أيام من وقوع هذه الحادثة نُظمت مسيرة ضخمة في باريس تضامنا مع الضحايا، ونبذا للعنف والإرهاب، حضرها قادة أكثر من 40 دولة، كان بينهم من العرب والمسلمين: ملك الأردن وزوجته، ورئيس الوزراء التونسي، ووزراء خارجية الإمارات ومصر والمغرب والجزائر، ورئيس وزراء تركيا، هذا بالإضافة إلى الرئيس الفلسطيني، والذي سنشاهده بعد عام وأشهر من تلك الحادثة يبكي في جنازة "شمعون بيريز".

حزنٌ عظيمٌ خيم على العالم أجمع بسبب قتل 12 شخصا في هجوم مسلح نفذه شخصان أغضبهما إعادة نشر رسوم مسيئة من طرف صحيفة مسيئة.

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شهر أكتوبر من العام 2023 قتل الجيش الصهيوني أكثر من 8525 شهيدا (هذا العدد سيزداد خلال كتابة هذه السطور) من بينهم 3542 طفلا و2187 امرأة وأصاب أكثر من 21 ألف شخص بجروح، هذا فضلا عن تدمير آلاف المباني ومنع وصول الطعام والماء والدواء والوقود إلى أكثر من مليوني شخص.

كل هذه المجازر والفظائع والجرائم غير المسبوقة لم تصب قادة العالم بحزن، حتى ولو كان مجرد حزن عابر، بل إن كثيرا منهم يؤيد سرا أو جهرا هذه المجازر، ويدعو بالغدو والآصال إلى استمرارها بحجة حق دفاع المجرم عن نفسه!!

حَزِن قادة العالم، وسال دمعهم مدرارا تعاطفا وتضامنا مع 12 شخصا قتلوا في هجوم فردي على صحيفة مسيئة، وكثر الحديث في ذلك الوقت عن حرية التعبير حتى ولو كان ذلك التعبير يتمثل في إساءة لكل المسلمين في العالم، واليوم يبخل قادة العالم بدمعة واحدة تضامنا مع أكثر من 8525 شهيدا قُتلوا في عدوان همجي وبربري ينفذه الجيش الأكثر دموية وعنصرية في العالم.

أما حرية التعبير التي كان يتحدث عنها "الغرب المتحضر" بعد حادثة "شارلي أبدو" فقد تحولت إلى قيود تفرض على وسائل الإعلام حتى لا تنقل حقيقة الجرائم التي يرتكبها العدو، وتحولت أيضا حرية التعبير تلك إلى قيود أخرى لمنع التظاهر تضامنا مع الضحايا، حتى وإن كانت تلك القيود فشلت في منع تنظيم تظاهرات كبرى في بعض العواصم والمدن في الغرب، وهذه مناسبة لتوجيه تحية كبيرة لكل أولئك الذين تحركوا في الغرب، ونددوا بأصوات عالية بالمواقف المشينة لحكوماتهم.

قد نقبل من القادة في الغرب أن يعتبروا دماء مواطنيهم أغلى من دماء كل العرب والمسلمين في العالم، وقد نتفهم حزنهم إذا ما قُتِلَ شخص واحد في إحدى بلدانهم، قد نتفهم كل ذلك، ولكن ما لا يمكن تفهمه هو أن يخرج بعض القادة العرب في مسيرات تضامن وحزن بسبب قتل 12 شخصا، ولا يَخرج أي واحد منهم في مسيرة تضامن وحزن بعد استشهاد أكثر من 8525 فلسطينيا.

فلماذا يحزن القادة العرب والمسلمين عندما تسيل قطرة دم واحدة في الغرب، ولا يحزنوا عندما تسيل أنهار وبحار من الدم في فلسطين؟ ولماذا يخرجون في مسيرة تضامن مع 12 ضحية في باريس ولا يخرجون في مسيرة تضامن مع 8525 شهيدا في فلسطين؟ ولماذا يقمعون شعوبهم إذا ما خرجت في مسيرات تضامن مع فلسطين، أو إذا ما خرجت في مسيرات للتنديد أمام سفارات العدو وشركائه بجرائمهم الوحشية التي يرتكبونها في حق أهلنا في فلسطين؟

فهل دماؤنا أرخص من دمائهم؟

حفظ الله فلسطين..