الجمعة، 30 أكتوبر 2020

عن إغلاق معبر الكركرات

 


قد يكون من المهم، في بداية هذا المقال، تقديم التوضيحات التالية :

1 ـ كاتب هذه السطور يتبنى نفس الموقف الذي تتبناه الحكومة الموريتانية من ملف الصحراء الغربية، أي الحياد الإيجابي، ولم يحدث أن انحزت في منشور أو مقال لهذا الطرف أو ذاك، كل ما أتمناه حقا هو أن يجد هذا الملف حلا نهائيا يرضي الطرفين.

2 ـ أعتبر أن الصراع يدور بين شعبين شقيقين لنا في موريتانيا، بل وأكثر من شقيقين، ولكن، ومهما بلغت درجة الأخوة التي تربطنا بالمغرب والصحراء، فإن هذه الأخوة تصبح بالنسبة لي متجاوزة عند تهديد المصالح الموريتانية.

3 ـ هناك من الموريتانيين من يضع المصلحة المغربية فوق المصلحة الموريتانية، وهناك أيضا منهم من يضع المصلحة الصحراوية فوق المصلحة الموريتانية، ولذا فإنه عند حدوث أي أزمة في ملف الصحراء تتعالى أصوات هؤلاء وأولئك، ويغيب في العادة ـ وكما هو حاصل الآن ـ صوت أولئك الذين يضعون المصلحة الموريتانية فوق أي مصلحة أخرى، حتى ولو كانت مصلحة دولة شقيقة أو شعب شقيق.

تلكم كانت توضيحات كان لابد من تقديمها من قبل الحديث عن إغلاق معبر الكركرات، والذي أعتبر إغلاقه تصرفا غير ودي في اتجاهنا كموريتانيين، ذلك أن إغلاق هذا المعبر سيجلب لنا ضررا، فهو من جهة سيؤثر سلبا على صادراتنا من السمك، كما أنه سيؤثر سلبا على وارداتنا من الخضروات، والتي كنا نعتمد فيها على هذا المعبر.

لا أشكك في حق الصحراويين في لفت الانتباه إلى قضيتهم، ولا أشكك في حقهم الكامل في التصرف بالطريقة التي يرونها مناسبة فوق أراضيهم التي يعتبرونها محتلة من طرف المغرب. لا أشكك في أي شيء من ذلك، ولكن، وهذه بديهية لا خلاف عليها، إن أي تصرف على أرضك قد تتضرر منه دولة أخرى سيظل يعتبر تصرفا غير ودي اتجاه تلك الدولة. ولو أننا في موريتانيا استخدمنا نفس الأسلوب الذي استخدمه إخوتنا الصحراويون، لأغلقنا في وجوههم حدودنا الشمالية، أليست تلك أراضينا؟ ألا يحق لنا أن نتصرف فيها كما نشاء وكيف ما نشاء؟

كان على إخوتنا الصحراويين أن يبحثوا عن وسائل أخرى للضغط على المغرب، وللفت الانتباه إلى قضيتهم، غير إغلاق معبر الكركرات الذي ستكون موريتانيا هي أول متضرر من إغلاقه.  كان على إخوتنا الصحراويين أن يبحثوا عن وسائل أخرى للضغط وللفت الانتباه غير إغلاق معبر الكركرات، وهم إن بحثوا فلن يعدموا وسائل أخرى لا تجلب ضررا لموريتانيا.  

لقد تضررنا بالفعل في موريتانيا من غلق هذا المعبر، وهو ما يستوجب من الحكومة الموريتانية ردود أفعال، فكل تصرف غير ودي يجب أن يرد عليه بتصرف غير ودي. ثم إن تكرار عمليات غلق هذا المعبر تفرض علينا كدولة أن نفكر بشكل جدي في إيجاد حل نهائي لهذا التهديد الذي سيبقى قائما في ظل استمرار الصراع بين المغرب وجبهة البوليزاريو.

الحل في نظري يجب أن يكون من شقين : حل مؤقت (تكتيكي)، وحل دائم (استراتيجي).

الحل التكتيكي : يتمثل في تعداد البدائل، وهو أن نعمل على أن تكون لنا القدرة لاستيراد حاجياتنا من الخضروات من السنغال أو الجزائر في حال تعطل إمكانية استيرادها من المغرب. وَلِمَ لا نفكر في استيرادها عن طريق البحر بدلا من البر؟ ...يجب أن نكون قادرين كدولة على توفير احتياجاتنا من الخضروات من المغرب والسنغال والجزائر برا أو بحرا، وفي حالة حصول أي مشكلة في أحد الخيارات، وكما هو حاصل الآن، نلجأ إلى الخيارات الأخرى.

الحل الاستراتيجي : علينا أن نبدأ من الآن، وليس من بعد الآن، في وضع خطة إستراتيجية فعالة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات، ولم لا تحقيق فائض من الخضروات يتم تصديره إلى الخارج.

لدينا مساحات واسعة صالحة للزراعة بعضها على ضفة النهر، ولا ينقصنا إلا إعداد الخطط الجدية، مع محاربة الكسل وتشجيع المواطنين على الزراعة، وخلق وعي بأهمية الاكتفاء الذاتي، وكل هذا قابل للتحقق إن توفرت الإرادة الجادة لذلك.

لقد أصبح من اللازم والملح أن نفكر بجد في أمننا الغذائي،  ويتأكد الأمر بعد جائحة كورونا وتكرار عمليات إغلاق معبر الكركرات.  

 حفظ الله موريتانيا..

الأحد، 25 أكتوبر 2020

لنقاطع السلع والمنتجات الثقافية الفرنسية

 


تُعَدُّ المقاطعة الشعبية لسلع ومنتجات دولة ما من أقوى الأسلحة وأشدها تأثيرا، ومن المؤكد بأن تأثير هذه المقاطعة سيكون أقوى في ظل جائحة كورونا حيث يمر العالم بوضعية اقتصادية صعبة جدا. في الغرب قد لا تحتاج الشعوب إلى أسلوب المقاطعة ذلك أن حكوماتها تقوم بالمهمة كلما استدعت الضرورة ذلك، ولكم في اللائحة الطويلة من الدول التي قاطعتها أمريكا اقتصاديا في العقود الأخيرة خير دليل. أما نحن في العالمين العربي والإسلامي، فالأمر يختلف عندنا، فحكوماتنا اغلبها ضعيف ومرتهن للغرب، وقد لا تهمه أصلا مصالح شعوبه، ولذا فقد كان من اللازم أن ترفع الشعوب راية المقاطعة كلما ظهرت ضرورة لذلك كما هو الحال الآن.

لقد تمادى الرئيس الفرنسي في الإساءة إلى دين الإسلام وإلى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد بلغت به الوقاحة إلى أن قال بأن دين الإسلام يعيش أزمة (لا حظوا بأنه لم يقل بأن المسلمين يعيشون أزمة، وإنما قال بأن الإسلام كدين يعيش أزمة) كما أنه تبنى بشكل رسمي الرسوم المسيئة، والتي أصبحت ترفع ـ وبكل استفزاز لمشاعر المسلمين ـ على بعض المباني الرسمية.

بمنتهى الوقاحة والطيش قرر الرئيس الفرنسي أن يسيء إلى مليار ونصف مليار مسلم، فكان لابد من الرد عليه بقوة، حتى يعرف حجمه الحقيقي، وحتى يعرف كم هو صغير وكم هي صغيرة فرنسا. ولعل أفضل رد وأقواه هو مقاطعة المنتجات الفرنسية بكل أشكالها، وعلى رأسها المنتجات الثقافية.

نعم إن المقاطعة سلاح فعال ومؤثر جدا، ذلك أنها تصيب الاقتصاد في مقتل. ومن المؤكد بأن الرئيس الفرنسي سيعتذر صاغرا وستعتذر بلاده صاغرة إن اتسعت المقاطعة واستمرت لفترة طويلة. لا يمكن للاقتصاد الفرنسي أن يتحمل جائحة كورونا والمقاطعة في نفس الوقت، وعندما ينهار الاقتصاد الفرنسي فلن يكون أمام ماكرون من خيار غير الاعتذار العلني للمسلمين والتوقف عن الإساءة لدينهم ونبيهم.

لا عذر لأي مسلم في عدم المشاركة في المقاطعة، فالمسلم الذي لا يستطيع أن يتخلى في شهر المولد النبوي الشريف عن سلعة أو منتج له أكثر من بديل أحسن منه، انتصارا للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، ودفاعا عن دين الإسلام، فالمسلم الذي لا يستطيع أن يفعل ذلك عليه أن يخشى على إيمانه وعلى حبه للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.

رسولنا خط أحمر

لقد قالها الروائي الكبير موسى ولد أبنو وهو الحاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون، والموشح بوسام الجوقة الوطنية من الحكومة الفرنسية، والمؤلف لعدة روايات باللغة الفرنسية لقيت نجاحا واسعا وترجم بعضها إلى عدة لغات .

"رسولنا خط أحمر"  قالها مؤلف روايات : مدينة الرياح؛ حج الفجار؛ الحب المستحيل.. قالها بقوة ردا على إساءات ماكرون ، وقد أعلن هذا الروائي الكبير في خطوة نبيلة ومثيرة للإعجاب عن تخليه نهائيا عن الكتابة باللغة الفرنسية ومقاطعة كافة السلع والمنتجات الفرنسية، وعلى رأسها المنتجات الثقافية. ودعا الكتاب المسلمين الفرنكوفونيين إلى إضراب مفتوح عن الكتابة بالفرنسية حتى تتوقف الحملة الفرنسية المعادية للإسلام.

وانسجاما مع هذه الدعوة فقد أطلق الكاتب الكبير "حملة مقاطعة اللغة الفرنسية" من خلال غلاف صفحته على الفيسبوك.فشكرا لكاتبنا الكبير على هذه الخطوة الشجاعة والنبيلة، ولك منا كامل الدعم في حملتك المباركة هذه.

إن المقاطعة الثقافية، وخاصة منها مقاطعة اللغة الفرنسية، والبحث عن بدائل أفضل منها، وتلك البدائل موجودة في المادة السادسة من الدستور الموريتاني، وموجودة كذلك في اللغة الانجليزية التي أصبحت هي لغة العلم والعالم في عصرنا هذا. إن مقاطعة اللغة الفرنسية ستكون هي أشد أنواع المقاطعة تأثيرا، وسيكون تأثيرها أقوى من المقاطعة الاقتصادية، رغم ما للمقاطعة الاقتصادية من تأثير قوي.

وتفعيل المقاطعة الشعبية للمنتجات الثقافية الفرنسية، وعلى رأسها اللغة الفرنسية يمكن أن يتم من خلال :

ـ إضراب مفتوح عن الكتابة باللغة الفرنسية كما دعا لذلك الدكتور موسى ولد أبنو

ـ محو أو تغطية الكلمات الفرنسية المجودة على اللافتات واللوحات المنصوبة على واجهة المحلات التجارية في العاصمة نواكشوط وفي بقية المدن ..هذه الفكرة قد نفذها حتى الآن صاحب وراقة وخطاط قرب قيادة الحرس الوطني.

ـ سحب الأبناء من المدارس التابعة للسفارة الفرنسية وتسجيلهم في مدارس حرة أخرى.

 حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 21 أكتوبر 2020

ملاحظات سريعة عن لقاء إسلكو بالرئيس

 


لدي بعض الانشغالات في هذه الأيام تحد من التعليق على الأحداث الجارية، ولكن لقاء السفير والوزير
السابق (إسلكو) برئيس الجمهورية، وما أثاره من نقاش واسع في مواقع التواصل الاجتماعي جعلني أفكر في نشر تعليق سريع حول هذا اللقاء.

(1)

لا أملك من المعلومات حول هذا اللقاء إلا ما نُشر عنه في المواقع، ولم أبحث أصلا عن معلومات لأني لا أرى لها أي أهمية في تغيير وجهة نظري حول اللقاء..أقول هذا الكلام لأن لدي بعض الاستنتاجات التحليلية التي أرى بأنها تقترب من المعلومات، وسأعتبرها معلومات، إلى أن أتوصل إلى ما يفندها.

(2)

أول استنتاج تحليلي يمكن أن أقدمه في هذا المجال هو أن فرضية تسوية هذا الملف في مثل هذا الوقت تبقى شبه مستحيلة. لا أظن أن تسوية الملف في مثل هذا الوقت ممكنة، بل إني أعتقد أنه أصبح خارج دائرة التسويات. لتتذكروا جيدا بأن أهم شعار يرفعه النظام القائم هو الفصل بين السلطات، فكيف للرئيس أن يتدخل في ملف بهذا الحجم وهو في طريقه إلى القضاء؟

(3)

حتى ولو افترضنا جدلا بأن هناك تسوية تطبخ على نار هادئة، فمن المؤكد بأن السفير و الوزير السابق الذي اتخذ موقفا حادا لن يكون هو رجل تلك التسوية. هل تعتقدون بأن الرئيس غزواني إذا فكر في تسوية ما لهذا الملف سيلجأ إلى الشخص الذي كان أكثر حدة، والأشد تخندقا مع"الخصم"؟

(4)

هناك ملاحظة ذكية تقدم بها الصحفي سيدي محمد بلعمش، وذلك عندما تساءل عن سر غياب إسلكو عن التدوين، وهو الذي كان ينشر بشكل شبه يومي..هذا الغياب قد يساعد تحليليا في فهم خلفيات اللقاء.

(5)

الظاهر تحليليا أن الرئيس غزواني منذ فتحه لهذا الملف قد اعتمد على إستراتيجية واضحة قائمة على أنه لا يريد أن يخسر أي أحد من رجال النظام السابق، من قبل أن تحين اللحظة المناسبة لذلك. هناك تدرج في التعامل مع هذا الملف، ربما خوفا من أن يشعر جميع المشمولين بأن مصيرهم واحد، فيشكلوا بذلك جبهة متماسكة قادرة على إرباك المشهد. لقد عمل الرئيس غزواني على عزل الرئيس السابق عن أركان نظامه، ونجح بشكل كبير في ذلك، وربما يكون اللقاء بالوزير إسلكو يدخل في إطار هذه الاستراتيجية...يبقى أن أقول بأن هذه الإستراتيجية كانت مهمة جدا في الفترة الماضية، ولكني أعتقد بأن صلاحيتها أو استخدامها سينتهي في الفترة القادمة، وبعد أن يكون الملف قد وصل إلى القضاء.

(6)

التسوية المحتملة حسب وجهة نظري ستكون بعد وصول الملف إلى القضاء، وربما بعد صدور الأحكام، وأظنها ستكون تحت عنوان : النجاة من السجن مقابل إعادة الأموال المنهوبة.

(7)

كملاحظة أخيرة، وهذه ترتبط بالجانب السلوكي للرئيسين السابق والحالي، وهي تبعد بدورها أي فرضية للتسوية..الرئيس غزواني معروف بعدم التسرع والتأني من قبل اتخاذ القرارات، وهو لا يتخذ قرارا من قبل دراسته بشكل جيد، وهذا النوع من الرجال عندما يتخذ قرارا يصعب عليه أن يتراجع عنه..عندما قرر الرئيس غزواني أن يفتح هذا الملف أصبح من المستبعد جدا جدا جدا أن يغلقه من قبل الوصول إلى النهاية. في المقابل فإن الرئيس السابق محمد عبد العزيز يعرف بالسرعة في اتخاذ القرارات وبروح المخاطرة، فهو إما أن يربح كل شيء أو يخسر كل شيء ..أيضا هذا النوع من الرجال لا يميل إلى المساومة ولا إلى التسويات، وهو لا يتوقف في منتصف الطريق، لا يتوقف إلا بعد أن يربح كل شيء أو يخسر كل شيء ..كثيرون يستغربون من الرئيس السابق سيره في طريق سيجعله في النهاية يخسر كل شيء، ولكن ما فات أولئك بأن الرئيس السابق قد خاطر عدة مرات وحقق بذلك مكاسب كبيرة، الشيء الذي جعله يدمن على المخاطرة، ويخاطر هذه المرة من موقف ضعف، وفي ظرفية غير مناسبة للمخاطرة ، الشيء الذي قد يجلب له خسائر كبيرة بل وكبيرة جدا.

حفظ الله موريتانيا..


السبت، 17 أكتوبر 2020

لا إصلاح من دون "سياسة عقابية رادعة"!

 


لقد تعودنا في هذه البلاد على الفوضى والتسيب الإداري وانتهاك القوانين، ويتساوى في ذلك الموظف السامي والمواطن العادي؛ المتعلم والأمي؛ الغني والفقير؛ الشيخ الطاعن في السن والطفل الصغير.

لم يعد الأمر بالنسبة لنا مجرد تعود أو تعايش مع الفوضى والفساد وانتهاك القوانين، بل وصل إلى مستوى قلب القيم والمفاهيم، فأصبحت الفوضى وممارسة الفساد وانتهاك القوانين من القيم الفاضلة، أما النظام والشفافية في التسيير واحترام القانون فأصبحت مظاهر مشينة، وينظر إلى القلة المتمسكة بها بنظرة دونية!

في مجتمع كهذا لا يمكن أن نتحدث عن أي إصلاح ولا أي تنمية ولا أي تغيير من دون أن تكون هناك سياسة عقابية صارمة ورادعة. فالعقوبات القاسية هي التي ستوقظ هذا المجتمع، وهي التي ستوقف هذا الانقلاب الحاصل في القيم، والذي جعل من الرذيلة فضيلة ومن الفضيلة رذيلة.

لقد كان من الطبيعي جدا، ونحن نعيش انقلابا في القيم منذ عقود، أن نستيقظ ـ أو على الأصح  ـ أن ننام على الفضيحة الكبرى المتعلقة بتسريب نتائج باكالوريا 2020.

من الراجح جدا أننا سنستيقظ غدا أو بعد غد على فضيحة أخرى أكبر إذا ما تم التعامل مع هذه الفضيحة بنفس الأسلوب الذي تم التعامل به مع أخواتها السابقات، والمؤسف أن بوادر التساهل مع هذه الفضيحة قد ظهرت مع البيان الباهت الذي أصدرته الوزارة. لم نسمع عن إقالة فورية ولا عن استقالة فورية، كلما سمعنا حتى الآن هو مجرد عبارات باهتة جاءت في بيان باهت.

منذ عقدين من الزمن، ونحن نعيش مثل هذا الفضائح، وأخطر ما في الأمر أن تلك الفضائح شكلت سلما للتكريم والترقية لمرتكبيها بدلا من العقاب، ولكم في بعض من يتولون اليوم تسيير بعض المشاريع الهامة أو يترأسون مجالس إدارات خبر دليل على ذلك.

كيف لا تتكرر مثل هذه الفضائح في مجتمع قلب القيم رأسا على عقب حتى أصبحت الفضيلة رذيلة والرذيلة فضيلة؟

كيف لا تتكرر مثل هذه الفضائح بعد أن أصبحت تشكل في واقع الأمر طريقا سالكا للترقية في مجال الوظيفة؟

 نعم لقد عشنا في العقود الأخيرة فضائح كبيرة من هذا من النوع، ولكن مما يزيد من خطورة الفضيحة الأخيرة أنها جاءت في بداية عهد جديد، وأن  صاحب الموقع الذي نشر النتائج تحدث عن عملية شراء للنتائج بثمن بخس، فهل نحن أمام فضيحة من سلسلة الفضائح التي عرفناها سابقا، أم أن هذه الفضيحة الأخيرة تمتاز عن غيرها من الفضائح التي سبقتها لكونها تشكل عملا مدبرا لإرباك النظام القائم؟

لا يمكن أن نستبعد نهائيا هذه الفرضية الأخيرة، خاصة إذا ما ربطنا هذه الفضيحة بأحداث أخرى سبقتها تسير في نفس الاتجاه.

ومهما يكن من أمر، فإن الدرس الذي يجب أن يأخذ من هذه الفضيحة الأخيرة هو أنه لم يعد من المقبول أبدا التساهل مع هذا النوع من الفضائح والجرائم، ولابد من مواجهته بعقوبات مغلظة وصارمة، خاصة وأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كان قد أعطى صلاحيات واسعة للوزراء ولكبار الموظفين، وهو ما يستوجب منه أن يقيلهم إذا ما فشلوا في تأدية مهامهم، ويعاقبهم عقوبة مغلظة إن هم ارتكبوا أخطاء فادحة، وإلا فإن منح الصلاحيات الواسعة للوزراء ولكبار الموظفين سيتحول إلى أمر سلبي، وسيأتي بنتائج سيئة، وسيزيد بالتالي من حجم الفوضى والتسيب الإداري وانتهاك القانون التي كنا وما نزال نعاني منها في هذه البلاد.

يمكنني أن أقول بوصفي أحد متابعي الشأن العام، ومن المهتمين كثيرا بنجاح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في مأموريته الأولى، يمكنني أن أقول ـ وبكل اطمئنان ـ  بأن العقوبة على ارتكاب الأخطاء قد غابت تماما في السنة الأولى من هذه المأمورية، وهو الشيء الذي سيعيق ـ وبكل تأكيد ـ أي عملية إصلاح.

لابد للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، وخاصة من بعد أن دخل في سنته الثانية من مأموريته الأولى، أن يطلق سياسة عقابية رادعة ضد أي موظف يرتكب خطأ فادحا، ويتأكد الأمر بالنسبة لمن سرب نتائج الباكالوريا، أو اكتتب موظفين بطرق غير شفافة، أو مارس فسادا من أي نوع، وبدون هذه السياسة العقابية الرادعة، فسيكون من المستحيل تحقيق أي إصلاح أو تنمية في هذه البلاد المتعطشة للإصلاح والتنمية.   

 حفظ الله موريتانيا..

الاثنين، 12 أكتوبر 2020

أيُّ حصانة تحمي وزير التعليم العالي من الإقالة؟

 


يتمتع صاحب الوزارة التي تحمل أطول اسم، أقصد وزير التعليم العالي، والبحث العلمي، وتقنيات الاتصال والإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد سيدي ولد سالم  بحصانة يبدو أنها فريدة من نوعها، وربما تكون هي التي حمته من عدة إقالات كانت متوقعة، إن لم أقل عدة إقالات كانت مؤكدة.

(1)

ظهر من جديد اسم السيد سيدي ولد سالم في أول حكومة يشكلها فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من بعد تنصيبه، وقد أثار ظهور اسم السيد سيدي ولد سالم في تلك الحكومة استياء الكثير من طلاب التعليم العالي، ذلك أن تجربته في الوزارة خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم الرئيس السابق لم تترك لدى متابعي الشأن العام ولا لدى الطلاب أي ذكرى حسنة.

بعد أسبوع واحد من تشكيل أول حكومة في عهد الرئيس الحالي تم سحب النطق باسم الحكومة من وزير الثقافة ليمنح لوزير التعليم العالي، وبعد ذلك بيوم واحد،  وتحديدا في يوم 15 أغسطس 2019، وفي أول إطلالة له كناطق باسم الحكومة ارتكب الوزير خطأ فادحا عندما وصف الرئيس السابق بفخامة رئيس الجمهورية (هذا اللقب لا يمكن أن يمنح إلا لشخص واحد في الدولة)، وقد قال يومها بأن الحكومة الجديدة ما هي إلا امتداد واستمرار للحكومة السابقة، وقد أثار ذلك التصريح ارتباكا كبيرا في ذلك الوقت.

توقع كثيرون أن تتم إقالة الوزير خلال الأيام الأولى التي أعقبت ذلك التصريح، ولكن شيئا من ذلك لم يكن، فأي حصانة حمت الوزير من الإقالة خلال تلك الأيام؟

(2)

عمل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على تهدئة الساحة وعلى التخفيف من حدة التجاذبات السياسية، وسارع ـ منذ وصوله إلى الحكم ـ إلى استقبال أبرز رموز المعارضة، وطمأنهم جميعا بأن عهدا جديدا من الانفتاح والتهدئة قد بدأ. موازاة مع ذلك ظل وزير التعليم العالي يعطي ـ وبشكل شبه يومي ـ صورا أخرى مناقضة تماما لتلك الصور التي كانت تأتي من رئاسة الجمهورية، وكان ذلك من خلال المعاملة القاسية التي يتعامل بها الوزير مع الطلاب المحتجين أمام الوزارة، فكان من النادر جدا أن يمر أسبوع واحد إلا وتناقلت وسائل الإعلام صورا لطلاب تعرضوا للتعذيب والتنكيل أمام مبنى وزارة التعليم العالمي.

كانت معاملة وزير التعليم العالي مع الطلاب تشوش بشكل كبير على مسار الانفتاح والتهدئة الذي أطلقه رئيس الجمهورية منذ الأيام الأولى من وصوله إلى الحكم، ولذلك فكان أغلب متابعي الشأن العام يتوقعون بأن السيد سيدي ولد سالم ستتم إقالته مع أول تعديل وزاري، وذلك لأن أسلوبه المتعجرف لا ينسجم مع هدوء المرحلة. ولكن الذي حصل كان عكس التوقعات تماما، فقد احتفظ وزير التعليم العالي بوزارته في الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها برآسة المهندس محمد ولد بلال، فأي حصانة حمت الوزير من الإقالة خلال أول تعديل حكومي في العهد الجديد؟

(3)

في يوم الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020 طالب الوزير الأول من خلال رسالة موقعة من طرف مدير ديوانه من وزير التعليم العالي "التعامل الإيجابي مع الأحكام القضائية النافذة والمؤصلة التي ترد قطاعه".

لم يستجب وزير التعليم العالي، والبحث العلمي، وتقنيات الاتصال والإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد سيدي ولد سالم  لطلب الوزير الأول ، بل على العكس من ذلك فقد وصف أحد مستشاري وزير التعليم  طلب الوزير الأول بأنه كان متسرعا، ومخالفا للمألوف شكلا ومضمونا، وتشوبه نواقص مخلة!!

توقع كثيرون بأن رفض الوزير للانصياع لأحكام القضاء، ورفضه للاستجابة لطلب الوزير الأول المكلف بتنسيق العمل الحكومي سيؤدي إلى إقالته الفورية، ولكن ذلك لم يحصل، فأي حصانة حمت وزير التعليم العالي من الإقالة بعد رفضه لتنفيذ أحكام القضاء وطلبات الوزير الأول؟

(4)

أصبح وزير التعليم العالي يعرف لدى الجميع بتعامله السلبي مع أحكام القضاء، فقد رفض سابقا تطبيق قرار الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا القاضي بتمكين 91 طالبا من التسجيل في السنة الأولى من سلك المهندسين بالمدرسة العليا متعددة التقنيات، وهو القرار الذي أكدته المحكمة للمرة الثانية، ورفضه الوزير للمرة الثانية.

كما رفض الوزير أيضا تنفيذ قرار آخر للمحكمة العليا لصالح مجموعة من الموظفين حصلوا على شهادات إثر تكوين مرخص، وهو ما استدعى من مدير ديوان الوزير الأول أن يوجه رسالة بتعليمات من الوزير الأول إلى وزير التعليم العالي تطالب بالتعامل الإيجابي مع أحكام القضاء، وهو الشيء الذي رفضه الوزير المحصن ضد الإقالة.

الغريب في الأمر أن هذا  الوزير الذي رفض تنفيذ أحكام القضاء، هو نفسه الوزير الذي سارع إلى تقديم شكوى ضد أستاذ جامعي حاصل على جائزة شنقيط، وقد حُكِم على الأستاذ الجامعي بسنة نافذة من السجن. المستفز في الأمر أن هذا الأستاذ لديه حكم من القضاء يصر وزير التعليم العالي على تعطيله!!

(5)

إن الاحتفاظ بهذا الوزير سبب في الماضي ـ وما زال يسبب ـ كلفة باهظة للنظام الحالي والسابق، فلماذا تم الاحتفاظ بهذا الوزير على وزارة التعليم العالي منذ أغسطس 2014 وحتى اليوم؟ وأي حصانة حمت هذا الوزير من الإقالة خلال السنوات الست الماضية؟

المؤكد أن للاحتفاظ بهذا الوزير كلفة باهظة وباهظة جدا:

ـ فهو يستهتر بالقضاء في عهد يرفع شعار استقلالية القضاء

ـ وهو يتعامل بعجرفة مع طلاب التعليم العالي حتى أصبح يشكل كابوسا لأغلبهم

ـ وهو يرفض تنفيذ طلبات الوزير الأول المكلف بتنسيق العمل الحكومي

فإلى متى سيتمر النظام في دفع الفاتورة الثقيلة التي يكلفها الاحتفاظ بهذا الوزير؟

 حفظ الله موريتانيا..

الجمعة، 9 أكتوبر 2020

نعم لضبط الحماس في تنفيذ القانون على مستوى واحد

 


سأتضامن مع صديقي الصحفي اللامع الحسن ولد لبات ومع الكاتب سيدي علي ولد بلعمش، والأستاذ الجامعي أحمد ولد المصطف، ولكن بطريقتي التي أراها مناسبة. سأتضامن معهم، ولكن ليس بالمطالبة بتجاوز القانون في حقهم، وإنما بالمطالبة بمزيد من الصرامة في تطبيق القانون، حتى يكون الحماس في تنفيذ القانون لدى قضائنا مضبوطا بمستوى واحد، سواء تعلق الأمر بجرائم النشر أو جرائم الفساد أو أي جرائم أخرى.

إن من يُطالب بتطبيق القانون وبناء دولة المؤسسات عليه أن يبتعد تماما عن ازدواجية المعايير، ومن مظاهر الابتعاد عن ازدواجية المعايير عدم الاعتراض على تطبيق القانون وتقبل أحكام القضاء عندما لا تكون في صالحنا. نفس الشيء يمكن أن يٌقال عن الازدواجية في مجال الحرب على الفساد، فكثير ممن يُطالب اليوم بمحاربة الفساد قد تجده غدا يتضامن مع المفسد القريب، بل إنه قد ينشط في حملات التضامن التي تطلقها القبيلة لحماية مفسديها. أما إن كان المفسد لا تربطه به علاقة قرابة أو أي علاقة من أي نوع تجده يظهر الكثير من الحماس في المطالبة بمعاقبة ذلك المفسد.هذا النوع من ازدواجية المعايير لم يعد مقبولا.

إن مناصرة الصحفي اللامع الحسن ولد لبات يجب أن تكون مناصرة بالقانون، فيمكن مثلا لزملائه في الصحافة أن يضغطوا إعلاميا على مالك البنك حتى يسحب شكوى بنكه، ويعلم مالك البنك بأن ليس من مصلحته ولا من مصلحة أي رجل أعمال آخر أن يدخل في معركة مفتوحة مع الصحفيين، وأن يلجأ إلى القضاء لمعاقبتهم. ليس من مصلحة رجال أعمالنا، خصوصا حديثي الثراء أن يدخلوا في معارك مفتوحة مع الصحافة، وليس من مصلحتهم أن يشجعوا المواطنين إلى اللجوء للقضاء.

إن المناصرة الحقيقية للصحفي اللامع الحسن ولد لبات يجب أن تكون من خلال المطالبة بالمزيد من الصرامة في تطبيق القانون، وأن لا تكون هناك ازدواجية لدى القضاء في التعامل مع جرائم النشر وجرائم الفساد، وأن يكون الحماس في تنفيذ القانون مضبوطا على مستوى واحد، أي أن لا يكون مستوى الحماس عاليا جدا عندما يتعلق الأمر بجرائم النشر ومنخفضا جدا عندما يتعلق الأمر بجرائم الفساد ونهب المال العام.

إن مناصرة الصحفي اللامع الحسن ولد لبات يجب أن تكون مناصرة قانونية مضبوطة بالقانون، تطالب بالمزيد من الصرامة في تطبيق القانون، فبذلك سنضمن دخول العديد من المفسدين في السجن، وذلك هو ما يناضل من أجله الحسن ولد لبات ..نفس الشيء يمكن أن نقوله عن الكاتب سيد أعل ولد بلعمش، وعن الأستاذ الجامعي أحمد ولد المصطف،  والذي ينتظر منذ أربع سنوات تنفيذ وزارة التعليم العالي لقرار المحكمة العليا / الغرفة الإدارية رقم 91/ 2016 بتاريخ 26 /12/ 2016 القاضي بترسيمه أستاذا محاضرا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط العصرية.

علينا أن لا نقع في الفخ فنصور الأمر على أنه حربٌ من النظام على حرية التعبير، فأي فائدة سيجنيها النظام من سجن صحفي يُعرف لدى الجميع بأنه من أكثر المدافعين عنه؟  وعلينا أن لا نقع في الفخ فنطالب بعدم تنفيذ أحكام قضائية، فمثل ذلك سيكون ضرره أكبر على الصحفي والكاتب والأستاذ الجامعي، وعلى دولة القانون التي نحلم بها..إن ما علينا فعله الآن هو أن نُظهر بأننا لا نتعامل مع القانون وأحكام القضاء بازدواجية في المعايير، فإن كانت تلك الأحكام لصالحنا رحبنا بها، وإن كانت في غير صالحنا طالبنا بإلغائها وبرميها في سلة المهملات.

لنستعل بذكاء هذه الفرصة، ولنضغط حتى تكون الصرامة في تطبيق القانون متساوية في جرائم النشر وجرائم الفساد، فبذلك سنفرض سجن المفسدين، ويومها سيفرح الصحفي والكاتب والأستاذ الجامعي، وسنفرح معهم جميعا، بقرب الانتصار في حربنا المصيرية ضد الفساد والمفسدين.

 حفظ الله موريتانيا..

السبت، 3 أكتوبر 2020

تعزية من موريتانيا إلى أهلنا في الكويت

 


لقد حاز أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عدة صفات وألقاب يصعب أن تجتمع في شخص واحد، ولعل من أشهر صفاته وألقابه ما حُظِي به من ألقاب في مجالي العمل الدبلوماسي والإنساني.

ولأن الحديث عن ألقاب أمير الكويت الراحل قد يطول، ولا تتسع له مثل هذه المساحة الضيقة، فقد ارتأيت أن أكتفي بلقطة واحدة في حياة الأمير الراحل، وهي لقطة اختزلت العديد من الرسائل الدبلوماسية والإنسانية، وقد كنا شهودا عليها هنا في موريتانيا.

في العام 2016، وتحديدا في يوم 25 يوليو انعقدت بالعاصمة نواكشوط القمة العربية السابعة والعشرون، وكانت هذه هي أول مرة تنعقد ببلادنا قمة عربية، وكانت هناك ـ وبكل تأكيد ـ  تحديات كبيرة. قبيل انعقاد هذه القمة تم إطلاق حملات إعلامية غير ودية من طرف بعض الأشقاء سامحهم الله، فتم الحديث بشكل واسع عن فنادق نواكشوط التي لا تتمتع بالحد الأدنى من الشروط الصحية لإقامة الوفود، وقرر رؤساء بعض الوفود المبيت في عاصمة دولة شقيقة مجاورة تفاديا للمبيت في العاصمة نواكشوط.

لقد أربكتنا على المستويين الرسمي والشعبي تلك الحملات المغرضة، والتي جاءت ـ وفي ذلك مفارقة عجيبة ـ من وفود دول يعاني بعضها من تراكم القمامة ومن أزمات اقتصادية واجتماعية صعبة، وبينما كنا نحاول أن نتصدى إعلاميا لتلك الحملات البعيدة كل البعد عن الأخلاق وعن احترام العلاقة بين الأشقاء، فإذا بالرد العملي يأتي عليها من حيث لم نكن نتوقع.

لقد جاء الرد من شيخ الدبلوماسية وقائد العمل الإنساني بلغة دبلوماسية وإنسانية فصيحة وصريحة، وتمثل ذلك الرد في قراره بقطع عطلته التي كان يقضيها في النمسا، وقدومه إلى العاصمة نواكشوط ليقضي فيها ليلة من قبل بدء أعمال القمة.

كانت لحظة هبوط طائرة أمير الكويت الراحل في مطار أم التونسي بالعاصمة نواكشوط ليلة قبل انعقاد القمة، ونزوله منها، وهو القادم من بلد غني زاده الله غنى، كافية للرد على كل أولئك القادمين من بلدان فقيرة، ومع ذلك كانوا يقولون بأنه لا يمكنهم المبيت في العاصمة نواكشوط!!

لم يعتذر أمير الكويت الراحل  بسبب ظروفه الصحية ولا بسبب سنه، ولم ينتظر حتى يوم القمة ليأتي فيقضي ساعات قليلة كما فعل البعض ممن قبل بالمشاركة في تلك القمة، بل قرر أن يأتي يوما قبل موعد القمة، وأن يبيت ليلة في العاصمة نواكشوط، والتي كانت تتعرض في ذلك الوقت لحملات تشويه غير منصفة من بعض الأشقاء.

سارع أمير الكويت الراحل إلى زيارة موريتانيا والمشاركة في أول قمة عربية تنظمها، وكان ذلك موقفا نبيلا وشهما من الأمير الراحل، ويحمل في طياته الكثير من الرسائل الدبلوماسية والإنسانية، ومما زاد من نبل ذلك الموقف وشهامته، أن موريتانيا كانت قد اتخذت ـ نتيجة لتعقيدات معينة لا يتسع المقام لبسطها ـ موقفا في غير صالح دولة الكويت أثناء تعرضها للاحتلال العراقي.

تجاهل أمير الكويت الراحل موقف موريتانيا من الغزو العراقي لبلده، ولم يفكر في استغلال تنظيمها للقمة لمحاسبتها على ذلك الموقف، بل على العكس من ذلك فقد تحمل عناء المشقة للحضور، وعمل جاهدا لإنجاح القمة التي قال عنها بأنها شهدت إعدادا مميزا، ولم يكن ذلك مستغربا من قائد مثله أفنى عمره في تعزيز العمل العربي المشترك، وفي التوسط بين الأشقاء كلما ظهر خلاف هنا أو هناك.

حقاً، لقد انبهرنا في موريتانيا بذلك الموقف الشهم والنبيل من أمير الكويت الراحل، وقد تم التعبير عن  ذلك الانبهار بشكل واسع في كتابات المثقفين، وفي أحاديث الناس العاديين، بل وفي مبادرات شعبية عفوية طالبت حينها برد الجميل للكويت وأميرها.

نعم، لقد كان ذلك الموقف موقفا نبيلا وشهما، ولكنه مع ذلك كان موقفا عاديا في مسيرة الأمير الراحل، وفي تاريخ الكويت ذات الأيادي البيضاء، والتي لم تتأخر في أي يوم من الأيام عن الوقوف معنا في موريتانيا، ولا عن تقديم الدعم السخي لنا.

لم يتوقف عطاء الكويت عن أشقائها، ولا عن بقية دول العالم التي هي بحاجة إلى العون، ولذا فلم يكن غريبا أن يلقب أميرها الراحل بقائد العمل الإنساني، ولا أن تختار هي كمركز للعمل الإنساني. ولم تتوقف الكويت كذلك عن بذل الجهود في سبيل تعزيز العمل العربي المشترك، ولذا فلم يكن غريبا أن يلقب أميرها الراحل بشيخ الدبلوماسية وحكيم العرب. لقد تعودت الكويت أن تعطي بدون منِّ وأذى،  وأن تساعد بلا ضجيج إعلامي، وربما تكون من أكثر بلدان العالم زهدا في تسويق عطائها وفي الترويج له.

لقد عُرِفت الكويت في عهد أميرها الراحل ومن قبله بموقفها المشرف والثابت من القضية الفلسطينية، فها هي ترفض التطبيع الذي تسارعت وتيرته في المنطقة، وذلك على الرغم من حجم الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها في هذا المجال.  وقد عُرِفت الكويت أيضا بمستوى لافت من الديمقراطية إذا ما قورنت بدول المنطقة، كما عُرِفت كذلك بالابتعاد عن سياسة المحاور والتخندقات وعن تأجيج الصراع في المنطقة، والانشغال ـ بدلا من ذلك ـ  برأب الصدع بين الأشقاء كلما كان ذلك ممكنا, وبذلك فقد تميزت الكويت عن غيرها، حتى وإن كان ذلك التميز لم يجد ما يستحق من تثمين وإشادة.

تلك كانت كلمة في حق الكويت وأميرها الراحل كان لابد من قولها، وذلك من قبل التقدم بأصدق التعازي وأخلصها لأهلنا في الكويت بعد وفاة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والذي نسأل الله تعالى أن يغفر له، كما نسأله أن يحقق للكويت المزيد من التقدم والرفاه في عهد صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.

حفظ الله الكويت وأميرها..